أربعة بأربعة الوعود الربانية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

الله سبحانه وتعالى أصدق الصادقين، يعد فيفي، ولقد وعد الله تعالى بوعود ورتب على ذلك نتائج (الذكر بالذكر، الاستجابة في الدعاء، الاستغفار نجاة من العذاب، الزيادة جزاء الشكر)، وفيما يلي بيان ذلك:

الذكر بالذكر:

وعد الله عباده أن من يذكره يذكره، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}(البقرة: 152).

وفي ذلك يقول الدكتور خالد عثمان: في فضل الذكر، قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}، هذا الذكر الذي أمر الله -تبارك وتعالى- به هنا مسبوقٌ بذكرٍ، ويعقبه ويتبعه ذكرٌ من الله تعالى؛ وذلك كما ذكر الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- أنَّ ذكرَ العبد لربِّه مسبوقٌ بذكرٍ قبله، به صار العبدُ ذاكرًا لربِّه. بمعنى: أنَّ الله وفَّقه وهداه وألهمه وأعانه وسدَّده وبعث همَّته لذكر ربِّه -تبارك وتعالى-، فهذا ذكرٌ من الله للعبد، بمعنى: أنَّ الله ما تركه، وما ضيَّعه، بل هداه وأعانه ووفَّقه وسدَّده وألهمه وأرشده؛ ليذكر ربَّه.

فهذا الذكر قبل ذكرنا الله، يذكر عبده، فيُعانُ على الذكر؛ فلا يكون غافلًا. ثم إنَّ الله يذكره ذكرًا آخر بعده، ذكرًا يصير به العبدُ مذكورًا، إذا ذكر الله فيذكره الله -تبارك وتعالى- في الملأ الأعلى، ومن مُقتضياته أن يهديه ويُسدده، ويُصلي على عبده، ويُثيبه على هذا العمل. ومن أسمائه: الشكور، الذي يجزي على الحسنة بالثواب، ويُضاعف الجزاء، فهذا من شكره -تبارك وتعالى- لعبده، فهذا ما يتعلّق بهذه الآية.

الاستجابة في الدعاء:

فوعد الله (تعالى) من يدعوه أن يستجيب له، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر: 60). وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: 186).

قال السعدي "رحمه الله" في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن": هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر: 60). أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء على استكبارهم.

الاستغفار نجاة من العذاب:

قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(الأنفال: 33).

قال السعدي "رحمه الله" في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن": فمنذ قالوا: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ... " الآية، علم بمجرد قولهم أنهم السفهاء الأغبياء، الجهلة الظالمون. فلو عاجلهم الله بالعقاب لما أبقى منهم باقية، ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب بسبب وجود الرسول بين أظهرهم، فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}. فوجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم أمنة لهم من العذاب. وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رءوس الأشهاد، يدرون بقبحها، فكانوا يخافون من وقوعها فيهم، فيستغفرون الله [تعالى فلذلك] قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

الزيادة جزاء الشكر:

فقد وعد سبحانه بالشكر ورتب على ذلك الزيادة، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم: 7).

قال أبو جعفر: ولا وجهَ لهذا القول يُفْهَم، لأنه لم يجرِ للطاعة في هذا الموضع ذكرٌ فيقال: إن شكرتموني عليها زدتكم منها، وإنما جَرَى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم. فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام: زادهم من نعمه، لا مما لم يجرِ له ذكر من "الطاعة"، إلا أن يكون أريد به: لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر، لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه، فيكون ذلك وجهًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply