من أقوال السلف في حمد الله والثناء عليه


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إن حمد الله جل وعلا والثناء عليه، من أفضل الدعاء، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن النبي قال: "أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله" [أخرجه الترمذي والنسائي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع]

وحمد الله تعالى من أحبِّ الكلام إلى الله، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرُّ بأيهن بدأت" [أخرجه مسلم]

ولسان المؤمن الصادق حمد الله تعالى على كل حال، فالنبي إذا أصابه ما يُسرُّ به يقول: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات" وإذا أصابه ما يكره قال "الحمد لله على كُلِّ حالٍ" [أخرجه ابن ماجة، وصححه الألباني]

والمسلم يبدأ يومه بحمد الله، ويحمده عند نهايته، فقد كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه للنوم، قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مُؤوي" [أخرجه مسلم] وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" [متفق عليه]

وإذا فرغ المسلم من طعامه حمد الله تعالى، وقال: "الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه، من غير حول مني ولا قوة" [أخرجه أبو داود والترمذي]، "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفي ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا" [أخرجه البخاري]

وإذا لبس لباسًا ثوبًا جديدًا حمد الله تعالى، وقال: "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له" [أخرجه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني]

والمسلم عندما يرى مبتلى يحمد الله تعالى، ويقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا" [أخرجه الترمذي] وإذا قال ذلك لم يُصبه ذلك البلاء كائنًا ما كان. وإذا عطس المسلم حمد الله تعالى.

للسلف رحمهم الله أقوال في حمد الله عز وجل والثناء عليه، جمعت بفضل الله بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

·      معنى الحمد:

• قال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ كلمة الشكر... والحمد هو الشكر والاستحذاء لله، والاقرار بنعمه، وهدايته، وابتدائه، وغير ذلك.

• قال كعب رحمه الله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ثناء على الله.

• قال الضحاك رحمه الله: ﴿الْحَمْدُ﴾ رداء الرحمن.

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: الحمد في كلام العرب معناه الثناء الكامل.

• قال العلامة العثيمين رحمه الله﴿الْحَمْدُ﴾ وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم

·      فضل الحمد:

• قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إن العبد إذا قال... ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد قط حتى يقولها.

• قال سفيان الثوري رحمه الله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ ذكر وشكر، وليس شيء يكون ذكرًا وشكرًا غيره.

• عن أبي عبدالرحمن الجبائي رحمه الله قال: الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تفعله لله شكر، وأفضل الشكر: ﴿الْحَمْدُ﴾ 

• قال الحسن رحمه الله: ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها.

• قال أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء: حمد العبد لربه وثناؤه عليه من أجلِّ الذكر وأحبه إلى الله. ولهذا ثبت عنه أنه قال: "ولا أحد أحبّ إليه المدح من الله".

·      الإكثار من حمد الله وذكره:

• قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من ضنّ منكم بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وخاف الليل أن يكابده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر.

• قال العلامة ابن باز رحمه الله: المشروع لك أيها المؤمن الإكثار من حمد الله والثناء عليه.

·      أفضل الحمد أجمعه للثناء:

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الذكر نوعان: أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بها، وتنزيهه وتقدسيه عما لا يليق به تبارك وتعالى... فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء، وأعمُّهُ,... فقولك: (الحمد عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما بينهما، وعدد ما هو خالق) أفضل من مجرد قولك: (الحمد لله)

·      الإكثار من حمد الله عز وجل إذا جاء الإنسان ما يحب:

• قال الإمام جعفر محمد الصادق رحمه الله: إذا جاءك ما تحب فأكثر من الحمد لله.

·      حمد الله سبحانه وتعالى على الكمال الذاتي، والكمال المتعدي:

• قال العلامة ابن باز رحمه الله: الله جل وعلا هو المنعم على عباده بأنواع النعم في دينهم ودنياهم، فالمشروع لهم والواجب عليهم أن يشكروه سبحانه، وأن يحمدوه ويثنوا عليه لما أسداه إليه وأحسن به إليهم من نعمه العظيمة من صحة وعافية، من نعمة الدين والإسلام، من نعمة المال، من نعمة الأولاد إلى غير ذلك.

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: الله سبحانه وتعالى يُحمد على ماله من الكمال الذاتي، والكمال المتعدي، إذا حمدنا الله على ماله من صفات الكمال كالسمع والبصر والعلم والقدرة والعظمة، وما أشبهها، فهذا حمد على الكمال الذاتي، وإذا حمدنا الله تعالى... على إنزال الغيث، وإنزال الكتب، وإرسال الرسل، ودفع الضرر فهذا حمد على الكمال المتعدي.

استشعر يا أخي المسلم بقلبك أنك إذا قلت: الحمد لله، فأنت تعنى: الحمد لله على ما له من الإفضال والإنعام عليك، وعلى ما له من صفات الكمال، لأن الله تعالى موصوف بالكمال المطلق الذي لا يعتريه أي نقص

أنت تحمد الله على أفضاله وإنعامه، فكم من نعمة أنعم الله بها عليك لا تستطيع أن تحصيها... وكم من نقمة انعقدت أسبابها ولكن الله يرفعها عنك.

·      حمد الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء:

• قال الإمام ابن ناصر الدين رحمه الله:

يجري القضاء وفيه الخير نافلة     ***        لمؤمن واثق بالله لا لاهي

إن جاءه فرح أو نابه ترح           ***       في الحالتين يقول الحمد لله

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: اعلم أيها المؤمن أن الله تعالى لا يقدر لك قدرًا إلا كان خيرًا لك إن أصابتك ضراء فاصبر وانتظر الفرج، وقل: الحمد لله على كل حال.

·      حمد الله عز وجل على المصيبة أربع مرات:

• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قال بعض السلف: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد الله إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.

·      حمد الله على الرؤيا المكروهة التي فيها تنبيه للإنسان:

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: واعلم أنه يمكن أن تكون الرُّؤى المكروهة تنبيهًا للإنسان، فتسُرُّ الإنسان باعتبار نتائجها، لأن الإنسان أحيانًا قد يتلبسُ بمعصية. أو بأكل مالٍ لأحد، أو بظلم أحد، ويرى في الرؤيا ما يُنبهُهُ، فهذه لا تكون مكروهةُ في نفسه، بل يحمدُ الله سبحانه وتعالى أن نبَّههُ على هذا الأمر بهذه الرؤيا.

·      نبي نوح عليه السلام كان يحمد الله في كل شأنه:

• قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال الله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا﴾ [الإسراء:3] قيل: إنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها".

·      حمد الله عند مراجعة المسائل سواء كان الحق معك أو مع خصمك:

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: أنت عندما تُراجع وتبحث لا تجعل رائدك أن تنتصر لنفسك، فإنك ربما تحرم الوصول إلى الحق، لكن اجعل رائدك الوصول إلى الحق، عسى أن يكون معك فتحمد الله تعالى أن يسَّر لك الوصول إليه، وأن جعل بيان الحقّ على يدك، أو يكون مع خصمك فتحمد الله تعالى أن الله تعالى يسّر لك الرجوع عن الباطل، وهيّأ لك الوصول إلى الحق.

·      *الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه* لا ينبغي التعبير به:

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: ما يقوله بعض العامة *الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه* فهذا وإن كان فيه حقًا، لكنه لا ينبغي التعبير بهذا الشيء، لأن فيه شيئًا من العتب على الله عز وجل

·      حمد الله عز وجل على نعمة الهداية لدين الإسلام:

• قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: كان النضير ابن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي منَّ علينا بالإسلام، ومنَّ علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة، وبنو العم.

·      حمد الله عز وجل على ما يصيب الكفار وأهل الأهواء والبدع:

• قال بشر بن الحارث رحمه الله: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود والحمد لله الذي أماته.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: احمد بن أبي داود أعلن مذهب الجهمية وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة... ابتلاه الله بالفالج قبل موته بأربع سنين حتى بقي طريحًا في فراشه، لا يستطيع أن يحرك شيئًا من جسده، وقد دخل عليه بعضهم فقال: والله ما جئت عائدًا، وإنما جئت لأعزيك في نفسك، وأحمد الله الذي سجنك في جسدك، الذي هو أشد عليك عقوبة من كل سجن ثم خرج داعيًا عليه بأن يزيده الله ولا ينقصه مما هو فيه فازداد مرضًا إلى مرضه.

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: إذا أصيب الكفار بالكوارث... فإننا نقول: الحمد لله... لأن إهلاكهم مصلحة للإسلام والمسلمين... ولا ينافي هذا أن نعطف على الصغار منهم.

·      حمد الله عند تجدد النعم، أو اندفاع النقم:

• قال الإمام النووي رحمه لله: استحباب حمد الله، عند تجدد النعم، وحصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله، واندفاع ما كان يخاف وقوعه.

·      من جعل الله على يديه بركة فليحمد الله على ذلك:

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان إذا رأى الله سبحانه وتعالى يجعل على يده الخير والبركة فهذه نعمة عظيمة ينبغي أن يحمد الله عليها بل يجب أن يحمد الله عليها ويشكر عليها

·      حمد المسلم الله عز وجل على ما يرى من آثار نعم على إخوانه المسلمين:

• قال أبو عبدالرحمن السلمي رحمه الله: الصحبة... من آدابها: أن لا يحسد إخوانه على ما يرى عليهم من آثار نعم الله، بل يفرح بذلك، ويحمد الله على ما يرى من النعمة عليهم، كما يحمده بنعمته على نفسه.

·      حمد العبدالله على كل حال، دليل الرضا بقضائه:

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: جاء في الكتاب والسنة حمدالله على كل حال، وذلك يتضمن الرضا بقضائه.

·      عدم الحمد عند الجشأ:

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: يوجد بعض الناس إذا تجشأ قال: الحمد لله، وهذا لا يصح، لأن التجشأ ليس سببًا للحمد.

·      الحمد والثناء والتمجيد:

• قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: الحمد ثناء، لكن إذا كرر صدق عليه الثناء مع الحمد، وإذا كرر ثلاث مرات وأكثر صار تمجيدًا.

·      بداية الدعاء بحمد الله والثناء عليه:

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته.

·      الحامد لله عز وجل داعي له:

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الدعاء يراد به دعاء المسألة، ودعاء العبادة، والمُثني على ربه بحمده وآلائه داع له بالاعتبارين، فإنه طالب منه، وطالب له فهو الداعي حقيقة، قال الله: ﴿هُوَ ٱلۡحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۗ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ [غافر:65].

·      حمد العبدالله تعالى على أن فضله على كثير من الخلق:

• قال العلامة السعدي رحمه الله: يلحظ العبد - في كل وقت - من هو دونه في العقل والنسب والمال، وأصناف النعم، فمتى استدام هذا النظر، اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه، فإنه لا يزال يرى خلقًا كثيرًا دونه بدرجات في هذه الأوصاف، ويتمنى كثيرٌ منهم أن يصل إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال ورزق، وخَلق وخُلُق، فيحمد الله على ذلك حمدًا كثيرًا، ويقول: الحمد الله الذي أنعم عليَّ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا.     

·      حمد الله عند التوفيق للخير:

• قال العلامة ابن باز رحمه الله: حديث القدحين وقول جبرائيلالحمد لله الذي هداك للفطرة، لما أخذ قدح اللبن قال جبرائيلالحمد لله، فيه أن الإنسان يحمد الله عند وجود نعمة، عند وجود التوفيق للخير يحمد الله، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا هداه لقدح اللبن، نسأل الله للجميع التوفيق.

·      حمد الله على العافية من فعل المعاصي:

• عن أبي قلابة أن أبا الدرداء مرّ على رجل قد أصاب ذنبًا فكانوا يسبونه. فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم.

·      افتتاح الخُطب بحمد الله تعالى:

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كان لا يخطب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله وكان مدار خُطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بتقوى الله وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply