موقف ابن تيمية من أخطاء بعض العلماء


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أخطاء بعض العلماء والمنشغلين بالعلم:

أفرد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى ورفع منزلته في عليّين- كتابًا قرّر فيه بطلان الحيل التي يُقصد بها إسقاط حكم شرعيّ، وأطال في الرد على من أفتى بذلك، وبيّن أخطاءهم، وردّ على شبههم، دون أن يذكر أسماءهم.

ثم قال كلامًا عجيبًا جدًّا، جعلت أكرره عدة مرات، وزادني يقينًا أن الله إنما رفعه ووضع له المحبة والقبول بين عامّة الناس وخاصتهم؛ لعدة أسباب من أهمها وأعظمها: صفاء قلبه تجاه المسلمين، وحرصه على جمع الكلمة، وتعظيمه لعلماء المسلمين وصالحيهم، وتورّعه عن الخوض في أعراضهم، وكفّ لسانه عن غيبتهم والطعن عليهم..

ودونك كلامه:

وليس الغرضُ هنا بيانَ أعيان الحيل، والفرق بين ما يعذر فيه المفتي في الجملة وما لا يعذر فيه، وإنما الغرض أنْ يُعْلَم أنّ هذه الحِيَل كلّها محدثة في الإسلام، وأن الإفتاء بها إنما وقع متأخرًا، وأنّ بقايا السلف أعظموا القول فيمن أفتى بها إعظامهم القول في أهل البدع، ولو كان جنسُها مأثورًا عمن سلف لم يكن شيء من ذلك، فإنهم لم يكونوا ينكرون على من أفتى باجتهادِ رأيه فتيا لها مساغ في الشريعة، ولا ينكرون ما فعلته الصحابة.

وإنما ذكرنا مثل هذا الكلام على اسْتكراهٍ شديدٍ منا لما يشبه الغيبة، فضلا عن الوقيعة في أعراض بعض أهل العلم.

ولكن وجوب النصيحة اضطرنا إلى أنْ نُنَبِّه على ما عِيْب على بعض الْمُفْتِين من الدخول في الحيل، ونحن نرجو أن يغفر الله سبحانه لمن اجتهد فأخطأ، فإنّ كثيرًا ممن يسمع كلمات العلماء الغليظة قد لا يعرف مخرجها، وكثيرٌ من الناس يرويها روايةَ متشفٍّ متعصب، مع أنهم دائما يفعلون في الفتيا أقبح مما عِيب به من عَيب، مع كون أولئك كانوا أعلم وأفقه وأتقى، ولو علم السبب في ذلك الكلام وهُدي رشده لكان اعتبارُه بمن سلف يكفّه عن أن يقع في أقبح مما وقع فيه أولئك، ولكان شغلُه بصلاح نفْسه استغْفارًا وشكرًا يشغله عن ذكر عيوب الناس على سبيل الاشتفاء والتعصب. بيان الدليل على بطلان التحليل (ص: 145-146).

تأمل قوله: "وإنما ذكرنا مثل هذا الكلام على اسْتكراهٍ شديدٍ منا لما يشبه الغيبة، فضلا عن الوقيعة في أعراض بعض أهل العلم"..

مع أنه لم يسمّ أحدًا ممن وقع في هذه الحيل الباطلة، المناقضة للشريعة، وإنما ذكر أقوالهم، ولم يتكلم على أعيانهم، ولم يشهّر بأسمائهم، ومع ذلك ذكَر أنه إنما ردّ عليهم وبيّن أخطاءهم على اسْتكراهٍ شديدٍ منه لكونه يشبه الغيبة، فيكف بمن يعيب على أهل العلم والصلاح من أهل السنة والجماعة، ويشنّع ويطعن عليهم، ويشهّر بأسمائهم، بحجة مخالفتهم لما يراه صوابًا.

وتأمل قوله: "ولو علم السبب في ذلك الكلام وهُدي رشده لكان اعتبارُه بمن سلف يكفّه عن أن يقع في أقبح مما وقع فيه أولئك"..

حيث أنكر عليهم مسائل ووقع فيما هو أقبح مما عابه، وهو الوقيعة في الغيبة والسبّ والطعن، الذي يؤدي إلى مفاسد عظيمة جدًّا منها: زرع داء الشحناء والبغضاء في القلوب، وتوسعة دائرة التفرق والتدابر والاختلاف الذي نهانا عنه ربّنا في قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقوله: {ولا تكونوا كالذين ‌تفرقوا ‌واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}.

قال شيخ الإسلام: معلوم أن جهة الافتراق جهة ذم لا جهة مدح; فإن الله تعالى أمر بالجماعة والائتلاف، وذم التفرق والاختلاف. منهاج السنة النبوية (3/ 467).

اللهم احفظ ألسنتنا من الكلام فيما يُغضبك، واجعلنا سببًا في تأليف قلوب المسلمين، ونشر الخير والرحمة بينهم، إنك ربنا رؤوف رحيم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply