المدارس الفقهية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

المذاهب الفقهية هي المدارس الفكرية الرئيسية التي نشأت في الفقه الإسلامي وتعتمد على تفسير الشريعة الإسلامية من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس، مع بعض الاختلافات.

1- المذهب الحنفي:

المؤسس: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (توفي 150 ه / 767 م).

أصول المذهب: يعتمد المذهب الحنفي على القرآن والسنة، ويعطي أهمية كبيرة للقياس (الاجتهاد العقلي)، والاستحسان (تفضيل حكم فيه مصلحة راجحة)، والعرف- يعتبر أكثر المذاهب مرونة في التعامل مع المستجدات.

الانتشار: ينتشر في الهند، باكستان، تركيا، أجزاء من العراق، سوريا، وبلدان آسيا الوسطى.

الخصائص: المذهب الحنفي مشهور بأنه يعتمد على العقل في كثير من المسائل الفقهية ويمنح مرونة في التعامل مع العرف والمصالح العامة.

2- المذهب المالكي:

المؤسس: الإمام مالك بن أنس (توفي 179 ه / 795 م).

أصول المذهب: يعتمد المذهب المالكي على القرآن والسنة، مع اهتمام خاص ب"عمل أهل المدينة" (السنة العملية التي كان يعمل بها أهل المدينة المنورة)، بالإضافة إلى القياس والاستحسان والمصالح المرسلة (مراعاة المصلحة العامة).

الانتشار: ينتشر في شمال وغرب أفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا)، وكذلك في أجزاء من مصر، السودان، وبعض دول الخليج.

الخصائص: يشتهر المذهب المالكي بتركيزه على المصلحة العامة وأخذ عمل أهل المدينة كمرجع في الأحكام، مما يجعل المذهب أكثر ارتباطًا بالبيئة الاجتماعية.

3- المذهب الشافعي:

المؤسس: الإمام محمد بن إدريس الشافعي (توفي 204 ه / 820 م).

أصول المذهب: يعتمد المذهب الشافعي على القرآن والسنة كأصول رئيسية، ويعتمد أيضًا على القياس والإجماع- الإمام الشافعي هو أول من وضع علم أصول الفقه بشكل منهجي في كتابه "الرسالة".

الانتشار: ينتشر في مصر، اليمن، شرق أفريقيا، إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، وسوريا.

الخصائص: يمتاز المذهب الشافعي بالاعتماد على النصوص الشرعية (القرآن والسنة) في كثير من المسائل، مع استخدام القياس بشكل منضبط، وهو أكثر تحفظًا في الأخذ بالمصالح المرسلة مقارنة بالمالكية.

4- المذهب الحنبلي:

المؤسس: الإمام أحمد بن حنبل (توفي 241 ه / 855 م).

أصول المذهب: يعتمد المذهب الحنبلي على القرآن والسنة والإجماع، لكنه يُعتبر أكثر تحفظًا في استخدام القياس أو الاجتهاد- يشتهر الإمام أحمد بتمسكه الشديد بالنصوص الشرعية ورفضه لتجاوزها إلا في الحالات الضرورية.

الانتشار: ينتشر في السعودية وقطر وأجزاء من دول الخليج، وكذلك في بعض مناطق العراق وسوريا.

الخصائص: يعتبر المذهب الحنبلي الأكثر تمسكًا بالنصوص والأحاديث، ويرفض استخدام الرأي أو الاستحسان في المسائل الشرعية إلا إذا كانت الضرورة واضحة.

5- المذهب الظاهري:

المؤسس: الإمام داود بن علي الظاهري (توفي 270 ه / 884 م)، وطور هذا المذهب بشكل أكبر الإمام ابن حزم الأندلسي (توفي 456 ه / 1064 م).

أصول المذهب: يعتمد المذهب الظاهري على النصوص الشرعية (القرآن والسنة) بشكل حرفي ويرفض استخدام القياس أو الاجتهاد العقلي- يعتمد على ظاهر النص ولا يقبل التأويل أو الاجتهاد في النصوص.

الانتشار: كان ينتشر في الأندلس وأجزاء من المغرب العربي، لكنه اليوم يعتبر مذهبًا محدود الانتشار.

الخصائص: يشتهر المذهب الظاهري بتمسكه بظاهر النصوص ورفضه للاجتهاد بالرأي أو القياس- الإمام ابن حزم كان من أبرز علمائه وله كتب عديدة أشهرها "المحلى" في الفقه.

6- المذهب الجعفري:

المؤسس: ينسب المذهب الجعفري إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام (توفي 148 ه / 765 م)، الإمام السادس من أئمة الشيعة الاثني عشر- الإمام جعفر الصادق عليه السلام يعتبر مؤسس الفقه الجعفري والمصدر الرئيسي لهذا المذهب، حيث قام بتعليم العديد من الفقهاء والعلماء المسلمين.

الإمام جعفر الصادق عليه السلام عاش في فترة زمنية شهدت بداية تكوين المذاهب الفقهية الأخرى، مثل الحنفي والمالكي، وهو المعروف بسعة علمه ليس فقط في الفقه، بل أيضًا في التفسير والكلام والفلسفة والعلوم الطبيعية.

أصول المذهب الجعفري:

المذهب الجعفري يعتمد على أصول الشريعة الإسلامية المستمدة من:

القرآن الكريم.

السنة النبوية، ويتمثل الجزء الأكبر منها في الروايات المروية عن النبي وعن الأئمة من آل البيت عليهم السلام.

الإجماع: ولكن بطريقة تختلف عن باقي المذاهب، إذ أن الإجماع عند الجعفرية لا يُعتبر ملزمًا إلا إذا كان هناك نص عن أحد الأئمة.

العقل: ويعطي المذهب الجعفري أهمية كبيرة للاستدلال العقلي في فهم النصوص الشرعية وتطبيق الأحكام.

خصائص المذهب الجعفري:

المرجعية إلى الأئمة الاثني عشر: يعتمد المذهب على الأحاديث والروايات المنقولة عن أئمة أهل البيت، خاصة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ويُعتقد أنهم معصومون من الخطأ والزلل.

العقل والاستنباط: يشتهر الفقه الجعفري باعتماده على الاستدلال العقلي، وفتح باب الاجتهاد لدى فقهائه، مما يتيح التعامل مع المستجدات بشكل مرن.

الاجتهاد: الفقه الجعفري يرى وجوب الاجتهاد في المسائل الفقهية، ويسمح للفقيه المجتهد بإصدار الفتاوى بناءً على فهمه للنصوص الشرعية.

التقية: من المفاهيم المميزة في المذهب الجعفري هو مبدأ التقية، وهو إخفاء العقيدة أو العمل بما لا يُعتقد إذا كان هناك خطر على النفس أو الدين.

الولاية: الفقه الجعفري يؤمن ب"ولاية الفقيه" التي تعني أن الفقيه المجتهد يمكنه إدارة شؤون المسلمين في غياب الإمام المهدي المنتظرعليه السلام.

الفرق بين المذهب الجعفري والمذاهب الاخرى:

المذاهب (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي) تعتمد بشكل رئيسي على القرآن، السنة، الإجماع، والقياس- بينما المذهب الجعفري، إلى جانب اعتماده على القرآن والسنة، يعطي أهمية خاصة لروايات الأئمة من آل البيت ويعتمد أيضًا على العقل كمصدر أساسي للاستدلال.

 

مقارنة سريعة بين المذاهب:

الحنفي: أكثر مرونة ويعتمد على القياس والاستحسان.

المالكي: يعتمد على عمل أهل المدينة والمصالح المرسلة.

الشافعي: وسط بين النص والاجتهاد ويعتمد القياس بحذر.

الحنبلي: محافظ ويتمسك بالنصوص ويرفض التوسع في الاجتهاد.

الظاهري: يعتمد على النصوص فقط ويرفض أي تأويل أو اجتهاد.

الجعفري: اعتماده على القرآن والسنة، يعطي أهمية خاصة لروايات الأئمة من آل البيت عليهم السلام ويعتمد أيضًا على العقل كمصدر أساسي للاستدلال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply