المحافظة على المكاسب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

حقيقةً، بدايةً أشكر الأمير أحمد بن بندر السديري على هذه الاستضافة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا اللقاء في ميزان حسناته يوم يلقاه. وأشكر الإخوة الحضور الذين حضروا للاستماع لما يتم تداوله في هذه الديوانية المباركة التي لها حضور منذ سنوات، وهي لم تنضب بعد، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى. أسأل الله أن يبارك في الجهود.

أيها الإخوة، حقيقةً قبل أن أبدأ، لما انتشر الإعلان وبدأ بالانتشار وتكلم عن هذا العنوان الذي أعتقد أن البعض منكم دار في ذهنه ماذا سيتحدث عنه وهو (المحافظة على المكاسب)، البعض قال: أنت تخصصك أسري، كيف تتكلم عن الفلوس والمال؟ وآخر قال: إذا حضرنا نستفيد، يعني في فائدة مادية؟ والبعض قال: هناك دمج في الطرح. بلا شك، أيها الإخوة، هذا الموضوع خطير جدًا، وعادةً في أي لقاء قبل أن أبدأ وأتحدث به آتي بآخر استشارة أسرية حتى ننطلق منها ونبين أهمية الحفاظ على المكاسب.

زوج وزوجته بعد مدة من الزمن رزقا بخمسة أطفال، وهذا مكسب حقيقةً، لكن سبحان الله، الحياة تتعرض لمثل هذه المواقف، والإنسان لا يضمن هذه الحياة أبدًا. فهي تتقلب حبًا ومحبةً واحترامًا وتقديرًا ومودة، ولكن في لحظة من اللحظات للأسف، الكثير من الأزواج يتنازلون عن هذه المكاسب. مضى أكثر من عشرين سنة، خمس وعشرين سنة، ثلاثين سنة زواج، ومع ذلك قد يتنازلون عن هذه المكاسب. هذا جزء مما أتكلم عنه. تجد أحيانًا بعض الأصدقاء يمضون عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين سنة، في لحظة من اللحظات لا يحافظون على هذه المكاسب، لا يحافظون على المودة والرحمة والصفاء والنقاء الذي بينهم. تجد الإنسان يتعلم ويدرس ويبتعث، ثم بعد ذلك يرجع ولديه كم هائل من المكاسب، فسرعان ما تتلاشى لأنه لا يحافظ على هذه المكاسب.

أيها الإخوة، سنتحدث عن المكاسب عمومًا، ولن أخصص في هذا اللقاء عن الأسرة إلا في نهايته، وهذا أمر لابد أن ننتبه له.

من أعظم وأول المكاسب التي يجب أن نحافظ عليها ونقف عندها:

أولًا: نعمة الإسلام:

والله، أعظم مكسب يجده الإنسان في حياته أنك تكون ابنًا لأم مسلمة وأب مسلم، وناهيك أنك في بلاد الوحي والقرآن وبلاد السنة، ومع ذلك رزقك الله سبحانه وتعالى أن تكون بذلك. وهذا من أعظم المكاسب وينبغي للإنسان أن ينتبه له. بالأمس القريب، تجد الاحتفالات بالمولد، الاحتفالات بالنصرانية، احتفالات بالكفر وغيرها، كل هذه الأشياء. أنت في نعمة من الله سبحانه وتعالى أنك تنطق الشهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله. للأسف، اليوم بعض الأبناء وبعض البنات لا يعرفون هذه النعمة، وأنها مكسب عظيم. بل إن الله قال لا يقبل من أحد إلا الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ). مهما ضاع العمر وضاعت الأوقات، لن يقبل الله سبحانه وتعالى منك إلا الإسلام. فهذا مثال، وهو مثال عظيم ويجب أن نحافظ عليه. بعض الناس يتهاون بهذا الأمر، يأتي بما يقدح بهذا الدين ويقدح بهذا الإسلام، كما ورد في كتاب التوحيد، لما جاء رجل فقال: قرب ولو ذبابة، فقرب ذبابة فدخل النار والعياذ بالله. لاحظوا معي، هذا الدين قد ينتهي بشيء بسيط أنت تتصاغره بعينك، ولكنه عند الله سبحانه وتعالى عظيم. البعض منا يغتر بما عمل من الطاعات والأعمال الصالحة والصدقات، ثم يجلس يفكر فيها فإذا هي عظيمة جدًا. الأعمال، لكن قد يأتي الإنسان بلحظة لا يحافظ على هذا. وكلكم تحفظون هذا الحديث، وهو لما قال أحدهم لما رأى العاصي الذي خالف أمر الله سبحانه وتعالى: والله لا يغفر الله لفلان! ماذا قال الله جل وعلا؟ من ذا الذي يتألى علي؟ والله لأغفرن له ولأحبطن عملك. لاحظوا، المكسب ضاع بكلمة. فلذلك، أيها الإخوة، عظيم أن نعرف هذا المكسب وأن نبين لأبنائنا عظم هذا الدين، وأن الله لا يقبل إلا هذا الدين.

من المكاسب العظيمة في هذه البلاد المباركة، سأتحدث عن كثير من المكاسب، لكن سأمر عليها سريعًا. من أعظمها وأجلها أننا في بلد وفقه الله جل وعلا لولاة أمر يحكمون بشرع الله. هذه نعمة لا يوازيها نعمة، حقيقةً، أن توفق في بلاد الحرمين لولاة أمر خصهم الله سبحانه وتعالى ووفقهم لتطبيق شرعه. وهذه نعمة من نعم الله ومكسب عظيم. انظر إلى حولك شرقًا وشمالًا وغربًا وجنوبًا، تجد أغلب البلاد فيها ولاة أمر لا يقومون بأمر الله سبحانه وتعالى، بل ومخالفين، بل ويأتون بما يناقض شرع الله جل وعلا. إلا هذه البلاد، جعلت كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم دستورًا لها. فهذه من المكاسب العظيمة التي يجب أن نقف عندها وأن نحمد الله عليها، وأن نحافظ عليها، وأن نقاتل ونجاهد لكي يبقى هذا الأمر العظيم الذي كان فيه نصرة الإسلام والمسلمين.

من نشر التوحيد؟ من نشر الإسلام؟ من نشر ومن نشر؟ فإن هذه من الأشياء المهمة جدًا. جعلتها كبداية لهذا اللقاء، أن نحافظ على هذه النعمة الكبرى. والله، نحن محسودون عليها، والكل يتمنى أن تزول هذه النعمة، وأن يزول هذا المكسب. ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في ولاة أمرنا، وأن يطرح فيهم البركة، وأن يجعلهم هداة مهديين يا رب العالمين.

أيضًا من المكاسب المهمة جدًا في حياة الإنسان هي العلاقات الاجتماعية: مع جيرانك، مع أحبابك، مع أقاربك، مع أرحامك. هذه العلاقات والمكاسب عظيمة جدًا، وقد انتشرت بعض المقاطع التي يطرح الله سبحانه وتعالى فيها البركة، وتنتشر في كل مكان. وقد سمعت قصة عظيمة يرويها أحد المشايخ الكرام، أن رجلًا كان لديه أخ وكانا يعملان معًا، وكان يعطيه كل نهاية شهر مبلغًا وقدره عشرون ألف ريال. وبعض الوشاة وبعض الذين يكذبون من هنا وهناك قالوا: عشرون ألفًا شوية، تراه يكسب ملايين. فلما اشتكاه على القاضي، وجاء عند القاضي، قصة معروفة مشهورة، لكن تبين لك أنها مكاسب ضاعت. هذا المبلغ كله قاله الشيخ لأخيه حتى يحافظ على العلاقة والمكسب العظيم: كل مالي سجله باسمه. من يستطيع، أيها الإخوة؟ حقيقةً، ترى الأمر خطير جدًا، لكنه علم أن المكسب الحقيقي أن تكسب أخيك وأن تبقى هذه الدائرة. وبعض الناس الآن يأتينا في بعض المجالس وبعض الأقارب يقول: يا أخي فلان ما احترمك، فلان ما قدرك، فلان ما أجلك، فلان ما دعاك، فلان ما فعل. كل هذه الكلمات ضعها جانبًا وحافظ على هذه العلاقة، حافظ على هذه الرحم.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قال: أصلهم ويقطعونني، قال: كأنما يسف وجوههم بالمل الحار. اصبر يا أخي واحتسب، هذا مكسب ينبغي للإنسان أن يحافظ عليه. كثير من الناس الآن لا يهتم لهذه النقطة، وهي قضية المكاسب. أعطيك مثالًا آخر: بعض الناس وفق كم بيتًا الآن جنبنا؟ كم قصرًا جنبنا؟ كم وكم وكم. لكن من الذي وفق أن يفتح بيتًا مثل هذه الديوانية؟ كلهم فيهم خير إن شاء الله، لكن هذا مكسب عظيم أن يكون هذا البيت عامرًا مفتوحًا، والكل يدخله، والكل يتحدث عنه، والكل يجلس فيه، والكل يذكر الله سبحانه وتعالى فيه. هذا توفيق ومكسب لا يكون إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى. هذه النقاط المهمة جدًا في حياة الإنسان أن يحافظ على هذه المكاسب، العلاقات الاجتماعية ذكرناها وهي مهمة جدًا، ومن ضمنها العمل، ومن ضمنها الجيران، ومن ضمنها كثير من العلاقات التي تتعب وتتعب لسنوات. فأخشى أن يأتي يوم من الأيام لا تحافظ على هذا المكسب العظيم. هذا أمر مهم جدًا.

نرجع إلى قضية المال، وما أدراك ما المال. البعض منكم يحب الفلوس، وهذا أمر طبيعي. الله سبحانه وتعالى ذكره وهو زين للناس حب الشهوات من النساء... إلخ. لكن مهم جدًا حب المال. ما رأيت إنسانًا يحافظ على ماله إلا زاد. طبعًا، الحفاظ ليس معنى أنك تكنزه، لا. ما رأيت إنسانًا حافظ على المك

اسب إلا نمت. الكثير منا يصل إلى القمة، لكن القليل منا من يثبت. كم من تجار وكم من شركات وكم وكم وصلوا إلى منزلة عالية، لكن ما حافظوا عليها. وكل واحد منكم الآن مع جوالات، أول ما جاءت الجوالات كان كلنا شركة، وتعرفون ليس أنا أسوق لهذه الشركة، معروفة للصغير والكبير بأشكالها وألوانها. أين هي هذه الشركة؟ ما حافظت على مكاسبها، لم تطور نفسها، لم تبذل في أن تبقى وتنافس، اكتفت بالمال الذي كسبت، ثم بعد ذلك بدأ ينزل شيء فشيء. الوصول للقمة ليس هو الهدف، ولكن المحافظة على أن تبقى في القمة، هذا هو الهدف. كثير منا اليوم يتعلم هذه الطرق ويتعلم هذه المكاسب، ولكن لا يحافظ عليها. العنوان هو (كيف نحافظ على المكاسب). أي مكسب في حياتك، اليوم مر علي مقطع لأخ سوداني قديم، لكنه والله أثر فيني، ما أمل من سماعه. لما سألوه: كيفك؟ قال: والله إني في زحام من النعم. تخيل هذه الكلمة: في زحام من النعم. بعض الناس يقول: ماشي الحال، يا رجل خلها مستورة، خلها تمشي، يا ابن الحلال. وأنا متأكد أنه بحاجة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. قال: إني في زحام من النعم. ولكن كيف تحافظ على هذه النعم؟ وهو أساس لقاءنا وينبغي للإنسان أن يعرف ويتأمل في ذلك.

أول أمر وهو نقطة مهمة في أن تحافظ على المكاسب، وهو أن تعرف أهمية هذا المكسب. هناك جوهرة، لا يضعها صاحبها في الشارع. لو قلت هذا موجود، قلتوا هذا مجنون، صح ولا؟ لا يمكن تضع جوهرة، حتى لو سيارة جديدة ندخلها في بيتنا، ما نضعها برا. فكيف بجوهرة تسوى لها ملايين؟ لأنه يعرف قيمتها، وليس في أي غرفة، وليس في المجلس، وليس في الصالة، وليس في غرفة النوم، بل أدق الدق في الخزنة، لأنه يعرف قيمة هذه الجوهرة. لذلك إذا أردت أن تحافظ على هذه المكاسب يجب أن تعرف قيمة هذا المكسب. أغلب الناس زهدوا في مكاسبهم لأنهم لا يعرفون قيمتها. وسأضرب لك كثيرًا من الأمثلة:

بعض الناس ليس لديه أصحاب ولا أقارب وليس له علاقات ويعيش منعزلًا عن الناس تمامًا ويموت ولا أحد يدري عنه. فلذلك ضاع هذا العمر دون أن يتعرف على الناس وعلى المكاسب الأخرى. فلذلك مهم جدًا أن تحافظ على هذه المكاسب إذا عرفت أهمية المكسب. والله ستحافظ عليه. اليوم، كثير منا عنده أطفال وعنده أولاد وعنده زوجات وعنده سيارات، ولكن من منا يحافظ عليها؟ من يعرف قيمتها؟ من يعرف قيمة هذا الموضوع؟ فلذلك، أول نقطة في الحفاظ على المكاسب هي أن تعرف قيمة هذا المكسب، وأن تحافظ عليه، وأن تجتهد على محافظته. ليس فقط كسبت اليوم مبلغًا، كسبت علاقة، كسبت ابنًا، كسبت زوجة. لا، يجب أن أحافظ على هذا المكسب، وأول نقطة أن تعرف أهمية هذا المكسب.

طيب، الأمر الذي بعده وهو أمر مهم جدًا. أي حاجة في الدنيا ما جاءت إلا بعد مجاهدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا). لا يمكن لأي إنسان أن يصل لمرحلة عالية إلا بالمجاهدة. ما في أحد نال شهادة بالمجان، ما في أحد نال مالًا بالمجان، ما في أحد نال منصبًا بالمجان. جاهد وتابع وثابر واجتهد. لذلك، إذا حصلت على شيء اجتهد في المحافظة عليه. إياك أن تتركه للسراق. البعض منا يترك ما يكسبه للسراق فلا يجتهد في المحافظة عليه. يحتاج إلى مجاهدة عالية جدًا منا، وهذا أمر لا يخفى عليكم. يجب على الإنسان أن يجاهد في المحافظة على المكسب. أي إنسان وصل إلى مرحلة من المراحل من المكاسب دون أن يجتهد في المحافظة عليه لن يستطيع. لابد أن تبذل وقتك، جهدك، عملك، فراغك، طاقتك، نومك، كله من أجل أن تحافظ على هذه المكاسب. وهذا أمر قد لا ينتبه له البعض منا.

من الأمور التي تحافظ على المكاسب بعد الأهمية والمجاهدة لدينا أمر مهم جدًا في العلاقات الاجتماعية والأسرية. لا يمكن أن تحصل على مكسب وتحافظ عليه إلا بالتنازل. بعض الناس يقول: كيف أتنازل عشان أحصل على مكسب؟ ترى مهم جدًا أن تعرفه. اليوم الشهر كله بالميلادي، أغلب الشركات الآن تضع ماذا؟ تخفيض وتخفيضات، تخسر مكاسب، لكن هو تنازل عن هذه المكاسب من أجل مكاسب أخرى. أنا أتنازل عن علاقتي مع الآخرين من أجل مكاسب أخرى. أغض الطرف عن أشياء من أجل أمور أخرى. ولذلك، مهم جدًا، أيها الإخوة، في العلاقات جميعها، أن يكون عندنا التنازل.

طيب، أعطنا شيئًا يا شيخ صالح في قضية التنازل من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. واحد منكم يعرف. أمثلة كثيرة، سأذكر مثلين ولن أتطول فيها. المثال الأول، قضية صلح الحديبية، تنازل النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يتنازل؟ تنازل عن أشياء كثيرة، ولكن كسب أشياء كثيرة. في لحظتها الصحابة غضبوا وحزنوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقع مع الكفار صلح الحديبية، ويرون فيه غبنًا لهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تنازل لشيء أعظم. والله ما دعاني أتنازل، ما كلمني أتنازل، قط علي كلمة في المجلس، لكني أتنازل، لكني أكسب شيئًا آخر. وهذا أمر مهم جدًا.

والله لن تحافظوا على المكاسب إلا بالتنازل. النبي صلى الله عليه وسلم مثال آخر، وهو في العلاقات الأسرية. جاءته زوجته سودة كبيرة في السن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كأنه وصلها خبر أشيع أنه سوف يطلقها. قالت: أنا سأخسر شيئًا كبيرًا لو طلقني النبي صلى الله عليه وسلم، لكني سأتنازل عن شيء من أجله، من أجل أن أحافظ على المكاسب الكبرى. تنازلت عن ليلتها لعائشة، لأحب أزواجه عائشة. طبعًا المرأة، والله لو أنها كبيرة في السن، فيها من الغيرة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن تنازلت لعائشة، لأحب أزواجه عائشة. اختارت عائشة بذاتها لحب النبي صلى الله عليه وسلم لها. لكن وش المكسب؟ لا ينام عندها النبي صلى الله عليه وسلم. من هذا الحديث، ما هو المكسب لسودة من تنازلها؟ ترى عظيم. تظل أمًّا لمن؟ للمؤمنين. تظل زوجة لمن؟ للنبي صلى الله عليه وسلم. أخسر ليلة، أتنازل عن ليلة، لكن أبقى. وهذا مهم جدًا، أيها الإخوة، في قضية أنني أحافظ على المكاسب. وهذا مهم جدًا.

أيضًا من أعظم الأمور التي يحافظ الإنسان عليها، وأتي بأي شخص حصل وظفر على مكاسب عالية في علاقاته وفي معاملاته، لن تجد إلا أنه كان يحافظ على الصبر. أعطيكم مثالًا آخر من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مهم جدًا.

جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي تصرع، فيها مرض الصرع. شوفوا المكسب العظيم وشوفوا المقابل له. ماذا قالت؟ يا رسول الله، إني أصرع، فادع الله لي أن أشفى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتصبرين ولكِ الجنة؟ قالت نعم. قالت: يا رسول الله، إني إذا صرعت أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف". تراها الآن قارنت وتصوروا، يا إخوان، في جنة وفي شفاء، مكسب وهذا مكسب يعني تعيش نقية صحيا في الدنيا أم الجنة؟ قالت: يا رسول الله، ادعُ أن يكون لي الجنة وأصبر. فلما صبرت، ظفرت، وكان المكسب عظيمًا، أيها الإخوة، وهذا الأمر مهم جدًا ينبغي أن ننتبه له.

أيضًا، أي حرب يدخلها الإنسان فيها خسارة وربح. وأي معركة يدخلها الإنسان، من اسمها يروع، مجرد معركة يروع اسمها. لكن القائد الذكي، القائد الفذ الذي يخرج من المعركة بمكاسب وتسمى أقل الخسائر. أي قائد عسكري يجب أن يكون عنده هذا الأمر. خالد ابن الوليد لما كان في الغزوة وأمسك زمام الغزوة، ثم وضع خطته، ثم رجع إلى المدينة، ثم اتهم بأنه من الفرار، بل قال: أنتم من الكرار. استطاع أن يحافظ ويبقي الجيش قويا لأنه تنازل عن أشياء من أجل أن يبقي أشياء. فهذه من المكاسب العظمى، أيها الإخوة.

ما منا من أحد إلا ويجلس مع نفسه ويتأمل في مكاسبه العظام. اليوم وأنا أتكلم بكل واقعية، كثير من الناس تنازل عن مكاسب كثيرة جدًا دون أن يشعر، بل وجعلها تنتهي بلحظة. وهذا أمر خطير جدًا. تجد البعض اليوم يعيش فترة طويلة مع أسرته، لكنه لم ينتبه لهذه الأسرة، ولم يحافظ على المكاسب لديه.

ولو جلسنا نتطرق لكثير من المشاكل وكثير من الأمور التي تقع فيها الأسرة لندى لها الجبين. تجد بعض الناس متزوجًا واحدًا، متزوجًا من واحدة، موحدًا لله جل وعلا، راكدة أموره. طبعًا، لا ندعو أننا ضد هذه الأمور. هذه الأمور الشرعية والمشروعة، ولكن تجده عنده مكسب عظيم، ولكن يريد أن يبحث عن زوجة أخرى وزوجة ثانية. لديه مكسب، ولكن قد يأتي بأمر آخر يخرب عليه المكسب الثاني. يريد أن يكحلها فأعماها، حقيقي، واقعي. ولو كانت له أمور، ولكن ينبغي للإنسان أن ينتبه له. وهذه مهمة جدًا في قضية أن الإنسان يضيع هذه الحياة فيريد أن يكحل عينا فيعميها، يريد أن يشعر ويعيش، لكن يضيع جيلًا، يضيع أبناء. ليس أي شخص يناسبه التعدد، أقوله بكل صراحة. هو مشروع حياة، ومشروع يجب أن ننتبه له. فلذلك بعض الناس في علاقته الزوجية قد يفسد ويضيع مكاسبه من أجل أن يقول: والله أتزوج، وهذا حلال، وليس لديه أي مقومات التعدد. ترى الرجال ليسوا سواء، والرجل ليس معناه الإنسان عندك مال أو عندك قوة أو نشاط أو صحة أو قدرة، يعني باءة تقول: بتزوج. بعضهم لا يستطيع أن يدير، لا يدير حياته الزوجية، فالزواج من أخرى لا يستطيعه إلا رجل يدير فعلًا وقائد يدير هذه المكاسب وقد يضيف مكسبًا آخر. ليس مانعًا أن الإنسان ضد التعدد، لكن ليس لأي شخص أن يستطيع ذلك فيضيع نفسه ويضيع الأخرى.

أيضًا من الأمور، وهو في العلاقات الأسرية، وهو مهم جدًا. بعض الآباء والأمهات الحاضرين والذين يسمعون، لديهم أبناء، ولكن يفرطون فيهم، يفرطون في التعامل معهم. يعني نفرح، وكلنا ذاك الرجل الذي في البداية أول ما بشر أن زوجته حبلى كأول مولود طار من الفرح، وفرح شديدًا. ولكن بعد عشرين سنة، هذا المكسب، أنت أول من ضيعه وأول من فرط فيه، أنت. فلذلك من أعظم المكاسب هي الذرية، لذلك (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ). وأهم وأعظم خسارة ليست المال وليست النفس، إنما قال الله جل وعلا في كتابه: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). هذا أخطر شيء، تأتي يوم القيامة تبحث عن نفسك خسرتها، تبحث عن أهلك وأولادك خسرتها. لذلك، أيها الإخوة، انتبهوا لهذه النقطة العظيمة، وهي قضية مكسب الأبناء. وأنا أعرف ناس حُرِموا الأبناء والذرية، وأخذوا يعالجون ودفعوا الأموال الطائلة من أجل أن يأتيهم ذرية وفرحوا فيها فرحًا شديدًا. والبعض يتمنى، لكنه ما استطاع. لذلك أنت في نعمة، فأرعها. ينبغي على الإنسان أن ينتبه لذلك المكسب، نجد أن بعض الآباء يفرطون في التربية، في فترة يفرطون في الجلوس، يفرطون في النصح والتوجيه والإرشاد. بعد فترة من الزمن يعض على أصابع الندم، ياليتني ما فرطت في تربيتي لأبنائي. فلذلك بعض الآباء والأمهات يفرطون في قضية وهي من أعظم القضايا، وهي تربية الأبناء وتربية البنات. فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرط فيها، وحافظ عليهم صغارًا، وحافظ عليهم أول ما تزوجوا، وحافظ عليهم بعد الزواج، وحافظ عليهم حتى بعد الأولاد. وهذا أمر خطير جدًا يغيب عن بعض الآباء. أنت ملزم بالمحافظة على أبنائك من الصغر، بل أعظم محافظة أنك تختار أمًا لهم (تخيروا لنطفكم). هذا أمر يغفل عنه الكثير من الآباء.

النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع بناته أمر عجيب وأمر غريب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهم محافظة شديدة، ويتعهد البنت ويستمع لها ويرحب بها ويزورها في بيت الزوجية. المحافظة على المكسب. ما يقول: والله زوجتها علي وانتهى الموضوع. زوجتها رابع الخلفاء وانتهى الموضوع. بل جاءها في بيتها من الروايات، وهذا دليل أنه يحافظ على المكسب. أول ما دخل عليها ما قال: أين زوجك؟ ما قال: أين أبا الحسن والحسين؟ قال: أين ابن عمك؟ شوف اللفظة هذه. قالت: أنا غاضبته، فخرج. اتهمت نفسها أنها هي أغضبته، فقال: ادعوه. ثم بحثوا عنه، فوجدوه في المسجد وقد أثر التراب عليه. قال: قم أبا تراب. هذه المحافظة. أين أنت أيها الأب اليوم من المحافظة على أبنائك؟ كم من أب ضيع في تربية أبنائه؟ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. وهذا أمر غفل عنه الكثير.

أيضًا من بعد قضية الصبر يكون عندنا أمر مهم جدًا، وهو قضية الدعاء. والبعض منا اليوم صلى العشاء. أنا أسألك سؤالًا: هل دعوت الله أن يحفظ لك مكاسبك؟ مالك، صحتك، علمك، أبناءك، آباءك، أمهاتك، كل من حواليك؟ هل دعوت الله أن يحفظهم لك؟ البعض منا يغفل عن هذا الأمر. وأفضل طريقة للمحافظة على المكاسب الدعاء (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ورُزِقتُ حبها". الرزق من الله سبحانه وتعالى: الحب، والمال، والعلم، والقوة، والنشاط، والشفاء. إذن، من أجل أن نحافظ على هذه المكاسب أن نحافظ وأن تبقى.

ومن أعظم الحفاظ على المكاسب بعد الدعاء: الشكر. بعضنا يغفل عن الشكر، وكلكم تحفظون الآية: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ). من منا يشكر الله جل وعلا على هذه النعم؟ يوم من الأيام، مجلس كان سبب هدوء في ذكري وفي استشاراتي لما كان خلاف بين زوج وزوجة عشان الأبناء. أول كلمة قلتها لهم وهم مختلفين: أبناؤكم، هل هم مريضون؟ قالوا: لا. هل هم كل يوم منادينكم في الشرطة؟ قالوا: لا. هل كل يوم مودينهم مستشفى؟ مرضى؟ إذن أنتم في نعمة فاشكروا الله عليها. يخالفك في بعض الأمور، ما انتهت الدنيا.

فلذلك من أعظم المحافظة على المكاسب أن تشكروا الله جل وعلا على هذه النعمة. أنت اليوم في نعم وفي مكاسب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولن تقيد إلا بشكر الله جل وعلا.

أيضًا من المحافظة عليها، أيها الإخوة، المحافظة على المكاسب أن الإنسان يديم شكر الله جل وعلا ويديم الصلة بالله جل وعلا في دعائه، ويديم أن يضع على هذه النعم وهذه المكاسب من الحراسات، وأعظم ما يحرس ويحفظ هذه النعم الصدقة. والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنها تزده، يتصدق الإنسان بل تزده. طيب، من الناس يقول لك: أنا ما أملك مالًا. يا أخي، أنت تملك علمًا، ما تملك مالًا ولا علمًا، تملك قوة ونشاطًا. ما تملك؟ يا أخي، استغفر للمسلمين والمسلمات.

أيها الإخوة، أتمنى أن ننظر إلى هذه المكاسب بنظرة إيجابية لا بنظرة سلبية، وأن تُستغل في طاعة الله لا في معصيته. اليوم، أخذت هذه المكاسب واستُغلت في غير طاعة الله، فتحولت عكسيًا. وهذه مهمة جدًا، أيها الإخوة. أن الله جل وعلا إذا قيدت النعمة بالشكر قرت، وإذا لم تُشكر وجاء بدلها الكفر، فرت. وهذه من أعظم النقاط التي ينبغي أن ننتبه لها.

اليوم، أيها الإخوة، كثير من الناس بعيدون عن هذه المكاسب. أحد الشباب أعرفه شخصيًا عنده مكسب وعنده شيء يمكن ليس عند الآخرين. قال: اليوم أوقفت شيئًا عظيمًا. قال: وش أوقفت؟ قال: أوقفت علمي لله جل وعلا. ترى صدقة هذا، أنت تعلم الناس صدقة. بل أنت المتفضل على نفسك، وأنت تخرج ما لديك للآخرين. والحديث عن هذا الموضوع مهم جدًا. ففيه من الناس اليوم من لديه مكاسب لا يحافظ عليها، كثير من النعم لا يحافظ عليها، كثير من المواقف الأسرية لكن لا يحافظ عليها، كثير من الأشياء التي من الله بها عليه لكن لا يحافظ عليها. وهذه من الأمور التي يغفل عنها كثير اليوم.

أيها الإخوة، لعل ما ذكرناه فيه نوع من التذكير. وأنا أتمنى أن أستمع إليكم ولمناقشاتكم، وأيضًا نتمنى أن نستفيد. وقد مداخلاتكم نذكر فيها شيئًا من الأمور، ولو جلسنا نتحدث عن هذه الأمور وعن هذه العلاقات وهذه المكاسب لطال بنا المقام، ولكن نتكلم بشيء قليل وتصل الرسالة أفضل من أن نتكلم بشيء كثير ولا تكون هناك رسالة أو هدف يصل.

حقيقة، لا يسعني في هذا اللقاء وهذه الدقائق المعدودة إلا أن أشكر الأمير أحمد بن بندر السديري على هذه الاستضافة، وأشكركم على الاستماع، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بما قلناه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply