البدعة من العادة إلى العبادة 1


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إن خطر البدع بين المسلمين هو أخطر من المعاصي، فالمعصية ظاهرها العصيان وصاحبها يعلم أنه في ضلال، والبدعة باطنها العصيان وصاحبها لا يعلم ويظن أنه على الصواب بل يعتقد أنه على حق. فالبدعة هي ما ظن أن فاعلها يُأجر عليها كالتكبير الجماعي وقراءة القرآن على الميت... إلخ.

وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسبقونا إلى هذا فهم أحرص منا على هذا الدين. قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم، وقوله: *أمرنا* أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره هو الأمر المطاع بعد أمر الله تعالى، وأمره صلى الله عليه وسلم هو التشريع، ومن عمل ما لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يأمرنا به أو لم يوافق عليه فكأنما قام بعمل التشريع في دين الله.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالتكبير الجماعي ولا بقراءة القرآن جماعة. وكل عمل لم يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة، والبدعة تُرد ولا تُقبل من صاحبها بل يُأثم عليها وإن كانت فيها حُسن النية مع الصدق.

والدليل على قولنا هذا هو الأثر الذي جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين التمس الحجر الأسود وقبّله فقال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" رواه البخاري. وهذا رد شافي وكافي على أهل البدع عامة، فالصحابة رضي الله عنهم جميعا اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ونحن نقتدي بهم وهذا هو الاتباع. أما أهل البدع فقد تركوا الاقتداء فوقعوا في الابتداع، فالبدعة بمعنى الابتداع وهو الاكتشاف من أصل الإبداع، أي شخص يعمل بعمل هو من أصل الدين مثل قراءة القرآن هذا من الدين، لكن تخصيص القراءة في الجنائز والأعراس... إلخ

فهذا هو المنهي عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوها قبلنا، أي كأنك تكتشف شيئًا جديدًا في دين الله لم يعمله أصحاب القرون الأولى التي تُعتبر هي من خير القرون منذ زمن النبوة، وهذا منهي عنه لأن الدين كامل غير ناقص ولم يبق شيئًا إلا علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا واعتقادا. وهذا لقوله تعالى: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا... } المائدة (3).

قال يهودي: *لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا* فقال ابن عباس: (فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عيد ويوم جمعة) تفسير القرآن العظيم لابن كثير رحمه الله ص (19) من الجزء الثاني.

وقد رأى سعيد بن المسيب رجلا كان يُصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يُطيل فيها الركوع والسجود فنهاه، فقال: *يا أبا محمد أيُعذبني الله على الصلاة؟* قال: (لا ولكن يُعذبك على خلاف السنة) رواه البيهقي. فالصلاة من الدين لكن الأثر واضح وضوح الشمس، فالحوار بين سعيد بن المسيب والرجل لخص معنى الزيادة في الدين من أمر التشريع بالبدع، وهذا طعن في رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكأن المبتدع يقول لنا *إن رسالته ناقصة* معاذ الله وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا إله إلا الله محمدًا رسول الله. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}المائدة (67).

وهذا رد على أهل البدع الذين يعبدون الله بالزيادة في الدين. قال الشيخ السعدي رحمه الله مفسرا على الآية: (فبلغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ ودعا وأنذر وبشر ويسر وعلم الجهال الأميين حتى صاروا من العلماء الربانيين، وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله فلم يبق خير إلا دل أمته عليه ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة من الصحابة فمن بعدهم من أئمة الدين ورجال المسلمين) تيسير الكريم الرحمن له ص (217).

وما قصده الشيخ بمعنى *كتبه* أي كتاباته التي كان يرسلها إلى الملوك مثل هرقل، وأما *رسله* فهم الصحابة الذين أخذوا هذه الرسائل المكتوبة وأمنوها حتى أوصلوها لأهلها وعليها ختمه. فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام لم يكن شيء متعلق بطاعة الله إلا بلغه لنا إما بوصية أو أمر، فهل التكبير الجماعي أو قراءة القرآن على الميت وغيرها من البدع هي من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أم من أمره؟

وسنطالبهم بدليل شرعي من الكتاب والسنة فلن يجدوا دليلا على أفعالهم وضلالهم من البدع، وهنا حجتنا عليهم أن نقول لهم دليلنا هو أننا لا نملك أي دليل على فعل ذلك الفعل الذي هو ظاهره بدعة وإن كان أصله من الدين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم" رواه البخاري.

فلو كان التكبير الجماعي أو الذكر الجماعي أو قراءة القرآن جماعة وبصوت واحد وفي وقت واحد الكل يتلفظ به على نسق واحد أو من يخصص القراءة في الجنائز وكل البدع لو كان فيها خير لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لنا وأمرنا بفعلها كما أمرنا بالسنن وما صح عنه مثل التأمين الجماعي في الصلاة خلف الإمام.

وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فلا تصدقه) رواه البخاري. فنسأل مثلا من يفعل هذه البدع المحدثة مثل التكبير الجماعي أو قراءة القرآن جماعة، فهل هي من الوحي؟ سيقولون لا لأنهم لا يملكون أي دليل على فعلهم ذاك. فجوابهم هو أن هذه بدع لأن الله ما أنزل بها من سلطان، والسنن توافق الوحي والبدع تخالفه.

قال فضيلة الشيخ فركوس حفظه الله: (ميزان القوة في القبول والرد هو الكتاب والسنة وهو ميزان شريف) شهادة للتاريخ ص (24) نسخة إلكترونية. فهذه البدع يجب أن تُعرض على الكتاب والسنة، فإن كان فيها دليل على الفعل وإلا رُدت ودُحرت، وهذا ما قصده الشيخ *في القبول والرد*.

وللشيخ الإمام البربهاري رحمه الله كلام نفيس حيث قال: (كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق) نقلا من مجلة الإحياء للشيخ فركوس حفظه الله ص (10) من العدد (15).

قال ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق) رواه الدارمي. وقال أحدهم: (لو فعل المسلم كل الطاعات الواجبة والسنن المستحبة ما استطاع أن يجمعها كلها ويفعلها فكيف يتركها ويذهب للبدع). فالبدعة هي طريق كل انحراف، فالذي يُلح على البدع المبتكرة كالتسبيح الجماعي والدعاء الجماعي وقراءة صلاة الفاتح... إلخ نقول له هل هذا الفعل شرعي أم غير شرعي؟ فإن قال غير شرعي قلنا له إذًا هذه بدعة وأنت تعلم بها فلماذا تفعلها؟ وإن قال شرعي قلنا له هل العمل هذا عادة أم عبادة؟ فإن قال عبادة قلنا له هات الدليل على قولك؟ فلن يجد دليلا ولا نصفه بل سيأتي بأدلة لا علاقة لها بالموضوع.

أما إن قال عادة قلنا له لا علاقة للعادات في الأفعال الشرعية، بل لا نعبد الله بالعادات لأننا أمرنا بالاتباع وهذا يقتضي الدليل من الكتاب والسنة لا من البدع والآراء. ثم نقول له هل العادة إذا اُدخلت في العبادة تكون بدعة أم تكون سنة؟ فلن يستطيع الإجابة، وإن قال تكون سنة قلنا هات الدليل؟ وهنا قد أغلقنا كل الأبواب عليهم إلا إن أصروا على العناد. فهنا قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} القصص (56).

فمن شر أهل البدع هو من يُدافع عن بدعته بكل عناد وضلال مبين. وهنا نقول لهم هل وجدتم في الدين نقصًا فأكملتموه؟ سيغضبون لشدة الكلام عليهم ثم يقولون لنا أنتم وهابية، أنتم مداخلة... إلخ من أسماء علماء السلف، وهذه من صفات أهل البدع في كل الأزمان أينما كانوا. وقد قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله في معنى الوهابية: (الوهابية أنه يُذيب البدع كما تُذيب النار الحديد) نقلا عنه من كتاب الرد النفيس للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري ص (283). والشيخ يُعتبر رمزًا من رموز الجزائر في عمق تاريخها وأهل البدع في الجزائر يعلمون بهذا جيدا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (فكل ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته فهو باطل وضلال مردود على فاعله) ص (4) أخطاء يرتكبها بعض الحجاج.

فهل هذا الفعل هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته؟ فإن قالوا نعم جددنا الطلب وهو الدليل، وإن قالوا لا فقد أجابوا على أنفسهم بأنهم وقعوا في البدع.

وقد قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (اتبع السنة سر حيث سارت وقف حيث وقفت) وصية ابن قدامة ص (26).

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: (إذا أردت عملا ترى أنه طاعة فانظر فإن وردت به السنة وإلا فدعه) المصدر السابق ص (27). وهذا كله خوفا من الوقوع في البدع والمخالفات.

ولهذا قال أهل العلم: (قبول كل عمل يتوقف على شرطين: الأول صحة النية لأن الأعمال بالنيات، والثاني موافقة العمل لما شرعه الله تعالى) ص (4) الإيضاح التام لبيان ما يقع في ألسنة العوام للشيخ شهاب الدين الطيبي.

فكل ما ليس فيه دليل في الدين من أمر العبادة فهو إلى ضلالة عن طريق البدعة، فلا يُعبد الله عز وجل بالعادات والتقاليد، ولا يُتقرب إليه بالعواطف والشبهات. فالذي ليس فيه دليل في الدين يصيرُ محدثًا مشرعًا بغير علم، وتكون بدعة على صاحبها فيدافع عنها أكثر من دفاعه عن الفرض والسنة، وهذا هو الضلال بعينه. فمن أصر عليها ومات من غير توبة منها فقد علمتم ما قاله صلى الله عليه وسلم في أصحابها: "وكل ضلالة في النار" صحيح الجامع.

وقد قال ابن القيم رحمه الله: (وجميع أهل البدع قد كذبوا على الله ورسوله) ص (170) الطرق الحكمية له.

قال أهل العلم: (إذا رأيت من يتعبد عبادة فأنكرت عليه فقال أين الدليل على إنكارك؟ قل أين الدليل على فعلك؟ لأنك أنت المطالب بالدليل) القواعد الفقهية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ص (33).

ولهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (العبادات الأصل فيها المنع إلا إذا إذن بها الشرع) المصدر السابق ص (32).

وقال أيضا: (وإذا تعبد إنسان بعبادة أو عمل عملًا يُتقرب به إلى الله، فقال رجل هات الدليل على أنه مشروع، فإن أتى بالدليل فهذا هو المطلوب، وإن لم يأت بالدليل صار عمله منكرا وبدعة) المصدر السابق ص (33).

وقد قال ابن باديس رحمه الله: (فكل بدعة حرام) نقلا من الرد النفيس للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري ص (85). ثم قال رحمه الله: (فإن البدع كلها من قسم المخالفات والمخالفات لا تنقلب طاعات بالنيات) المصدر السابق. وقال أيضا: (البدعة كل ما أحدث على أنه عبادة وقربة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله) المصدر السابق ص (86).

قال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله: (لا تكون البدعة قربة إلى الله تعالى ولا وسيلة إليه بحال من الأحوال) نقلا من كتاب بدع للشيخ الطهطاوي ص (53).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply