مسائل في مناسك الصغار


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فقد سألني شخص عن أحكام إحرام الرضيع فجمعت له هذه المسائل المختصرة. وأمل أن تكون وافية.

أولًا: الصغير مأجور ووليه عند إحرامه للحج أو العمرة.

حج الصغير وعمرته صحيحة ويثاب عليها، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي لقي ركبًا بالروحاء فقال: "مَن القوم؟ قالوا: المسلمون .فقالوا: مَن أنت؟ قال: رسول الله. فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولكِ أجر". رواه مسلم (1336).

وقال السائب بن يزيد: حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأنا ابن سبع سنين. رواه البخاري 1759 والترمذي 925.

ثانيًا: لا تغني الصغير حجته عن حجة الإسلام، فعليه حجة بعد البلوغ.

يلزم الصغير الذي حج حجة بعد البلوغ ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى". رواه ابن أبي شيبة وصححه ابن حجر في التلخيص (2/220) والألباني في الإرواء (4/159).

قال ابن قدامة في المغني (5/44): *قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم - إلا من شذَّ عنهم ممن لا يُعتد بقوله خلافًا - على أن الصبي إذا حج في حال صغره، والعبد إذا حج في حال رقه، ثم بلغ الصبي وعتق العبد، أن عليهما حجة الإسلام، إذا وجدا إليهما سبيلا*.

ثالثًا: يجرد الصغير من المخيط ويمنع من محظورات الإحرام.

فقد ذكر ابن قدامة في المغني أنه ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم. قال عطاء: يفعل بالصغير كما يفعل بالكبير، ويشهد به المناسك كلها إلا أنه لا يصلى عنه.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: وإن كان صغيرًا دون السبع كشف رأسه وألبس قطعة وجرد من القميص والفنيلة مثلًا والسراويل ولف في اللفافة وضبطت عليه حتى يكمل عمرته أو حجه.

رابعًا: لبس الصغير للمخيط عند الحاجة.

من احتاج إلى لبس التبان أو الحفاظة، جاز له ذلك، ويفدي احتياطًا.

فقد روى ابن أبي شيبة (6/34) عن حبيب بن أبي ثابت قال: *رأيت على عمار بن ياسر تُبَّانًا، وهو بعرفات*.

وورد عند ابن شبة في *أخبار المدينة* (3/1100) ما يدل على أن عمارا رضي الله عنه لبس ذلك لعذر، وفيه قوله: *فلا يستمسك بولي*.

وفي *النهاية في غريب الأثر*(2/126): وفي حديث عبد خير قال: *رأيت على عمار دقرارة، وقال: إني ممثون*.

الدقرارة: التبَّان، وهو السراويل الصغير الذي يستر العورة وحدها، والممثون: الذي يشتكي مثانته.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: *وما ذُكر عن عائشة رضي الله عنها ظاهره أنها إنما رخّصت في التبان لمن يُرَحِّل هودجها، لضرورة انكشاف العورة، وهو يدل على أنه لا يجوز لغير ضرورة، والعلم عند الله تعالى*. انتهى من *أضواء البيان* (5/464).

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن لبس المحرم للتبان، لأنه إذا لم يلبسه لحقه ضرر.

فأجاب: *إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه، ولكن إن حَصَّل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن*. انتهى من *لقاءات الباب المفتوح (177/32)*.

والفدية هي: إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة.

قال تعالى: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ{ البقرة196.

خامسًا: ينظف الصغير من الأذى قبل الطواف.

قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/120): "يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة، ومن به سلس بول، أو مذي، أو ريح، أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف (غسلُ المحل) الملوث بالحدث، لإزالته عنه (وتعصيبه) أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن، وشده بخرقة طاهرة... و(لا) يلزمه (إعادتهما) أي الغسل والعصب (لكل صلاة، إن لم يفرّط)؛ لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه...

(ويتوضأ) من حدث دائم (لوقت كل صلاة إن خرج شيء)". انتهى مختصرا.

وقال في "مطالب أولي النهى" (1/236): "(ولا يلزم إعادة غسل، ولا) إعادة (تعصيب لكل صلاة؛ حيث لا تفريط) في الشد؛ لأن الحدث مع غلبته وقوته: لا يمكن التحرز منه، قالت عائشة: "اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدم والطست تحتها، وهي تصلي" رواه البخاري.

فإن فرّط في الشد، وخرج الدم بعد الوضوء لزمت إعادته؛ لأنه حدث أمكن التحرز منه. انتهى.

سادسًا: يكفي الصغير المحمول طواف واحد مع حامله.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: *فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجبًا لبيّنه صلى الله عليه وسلم*. انتهى من *مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (5/257)*.

سابعًا: تكون الكعبة عن يسار الصغير.

اشترط الفقهاء أن تكون الكعبة عن يسار الطائف، فلا يحمل الصغير مقلوبا ووجهه لوجه حامله.

ثامنًا: لا أثر لرفض الصغير للإحرام.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المشهور من المذهب [يعني مذهب الحنابلة] أنه يلزمه الإتمام؛ لأن الحج والعمرة يجب إتمام فعلهما.

والقول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أنه لا يلزمه الإتمام؛ لأنه غير مكلف، ولا ملزم بالواجبات.

وهذا القول هو الأقرب للصواب، وهو ظاهر ما يميل إليه صاحب الفروع [يعني ابن مفلح، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية].

وعلى هذا له أن يتحلل، ولا شيء عليه، وهو في الحقيقة أرفق بالناس؛ لأنه ربما يظن الولي أن الإحرام بالصبي سهل، ثم يكون على خلاف ما يتوقع، فتبقى المسألة مشكلة، وهذا يقع كثيرا من الناس اليوم، فإذا أخذنا بهذا القول، الذي هو أقرب للصواب لعلته الصحيحة، زالت عنا هذه المشكلة. الشرح الممتع 7/25، وانظر الفتاوى 22/148.

تاسعًا: يعمل الولي المناسك التي لا يستطيعها الصغير.

ورد عن جابر قال: حجَجْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، معنا النساءُ، والصِّبيانُ، فلَبَّينا عن الصِّبيانِ ورمَينا عنهم.

أخرجه الترمذي (927)، وابن ماجه (3038) واللفظ له، وأحمد (14410). وفي سنده ضعف، ومعناه صحيح.

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني: إن كل ما أمكن الصبي فعله بنفسه، لزمه فعله، ولا ينوب غيره عنه فيه، كالوقوف والمبيت بمزدلفة، ونحوهما، وما عجز عنه عمله الولي عنه.

قال جابر: "خرجنا مع رسول الله ﷺ حجاجا، ومعنا النساء والصبيان، فأحرمنا عن الصبيان". رواه سعيد في (سننه). ورواه ابن ماجه في (سننه) فقال: فلبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم. ورواه الترمذي، قال: فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان.

كان مميزًا أحرم بإذن وليِّه، ولا يَصِحُّ بغير إذنه؛ لأنه عقد يؤدِّي إلى لزوم مال فلم ينعقد من الصبي بنفسه كالبيع، وإن كان غير مميز فأحرم عنه مَن له ولاية على ماله كالأب والوصي وأمين الحاكم؛ صَحَّ.

ومعنى إحرامه عنه أنه يعقد له الإحرام فيصح للصبي دون الولي كما يعقد له النكاح، فعلى هذا يصحُّ عقد الإحرام عنه سواءٌ كان الوليُّ محرِمًا أو حلالًا، ممن عليه حجة الإسلام أو غيره، فإن أحرمت عنه أمه صحَّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (... ولكِ أجرٌ) ولا يُضاف الأجر إليها إلا لكونه تبعًا لها في الإحرام.

قال ابن المنذر: كل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي، كان ابن عمر يفعل ذلك. وبه قال عطاء، والزهري، ومالك، والشافعي، وإسحاق.

وعن ابن عمر: أنه كان يحج بصبيانه وهم صغار، فمن استطاع منهم أن يرمي رمى، ومن لم يستطع أن يرمي رمى عنه.

وعن أبي إسحاق، أن أبا بكر رضي الله عنه طاف بابن الزبير في خرقة. رواهما الأثرم. قال الإمام أحمد: يرمي عن الصبي أبواه أو وليه.

قال القاضي: إن أمكنه أن يناول النائب الحصى ناوله، وإن لم يمكنه استحب أن يوضع الحصى في يده فيرمي عنه. وإن وضعها في يد الصغير، ورمى بها، فجعل يده كالآلة، فحسن.

ولا يجوز أن يرمي عنه إلا من قد رمى عن نفسه؛ لأنه لا يجوز أن ينوب عن الغير وعليه فرض نفسه.

وأما الطواف، فإنه إن أمكنه المشي مشى، وإلا طيف به محمولًا أو راكبًا، فإن أبا بكر طاف بابن الزبير في خرقة. ولأن الطواف بالكبير محمولًا لعذر يجوز، فالصغير أولى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply