بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتَّقوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ المُؤمِنينَ-، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
عِبَادَ اللهِ: إنَّ اللهَ تَعَالى رَفَعَ مَنزِلَةَ المَسَاجِدِ، وَعَظَّمَ مَكَانَتَهَا بِأنْ نَسبَهَا إليِهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾؛ وَقدْ أذنَ اللهُ أنْ تُرفعَ، وَأنْ تَكُونَ بِقاعًَا طَاهِرَةً تتنزلُ فيهَا الرَحمَاتُ؛ قَالَ تعَالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ﴾.
الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ، وَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَيْهِ، قَالَ ﷺ: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدِهَا، وَأُبْغِضُ الْبِلَادَ إِلَى اللهِ أَسَوَّاقُهَا"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِذَا كَانتِ الْمَسَاجِدُ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ، وَأَشْرَفَ أَمَاكِنِ ذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ وَضِيَافَتِهِ، صَارَ مَنِ الْمُحَتَّمِ تَعْظِيمُهُا وَرِعَايَتُهَا وَتَطْهِيرُهَا، فَإِنَّ عِمَارَتَهَا مِمَّا رَتَبَ عَلَيْهِ الشَّرَعُ جَزِيلُ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَجَعَلَهُ عَلَاَمَةَ الْإيمَانِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، وَقَالَ ﷺ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا: "أَمَرَّ رَسُولُ اللهِ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ، وَتُطَيَّبُ"؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَلِرَفِيعِ مَكَانَةِ الْمَسَاجِدِ، شُرِعَ لَهَا التَّجَمُّلُ وَالزِينَةُ؛ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.
وَمِنْ أدَبِ الْمَسَاجِدِ الْاِهْتِمَامُ بِنَظَافَتِهَا، وَصِيَانَتُهَا عَنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ؛ قَالَ ﷺ: "مَنْ أكلَ البصَلَ والثومَ والكُرَاثَ فَلا يَقربَنّ مَسْجِدَنَا، فإنَّ الملائكةَ تتأذى ممَا يتأذى مِنهُ بَنُو آدمَ"، وَقدْ رَأى النَبيُ ﷺ نُخَامةً في جِدَارِ المَسْجِدِ فتغيرَ وَجْهُهُ، مُنكرًا لِذَلكَ الفعلَ، وآمِرًا بإزالتِهِ.
المَسَاجِدُ لَهَا آدَابٌ فَاضِلةٌ، وَسُلوكياتٌ مِثاليةٌ؛ مِنَ المَشيِ إليهَا بتؤدَةٍ وَطُمَأنينةٍ، وَالمُكوثِ فِيهَا بوقَارٍ وَسَكِينةٍ، وَعَدمِ الانشِغَالِ بِالبَيعٍ وَالشرِاءِ وَإنشْادِ الضَالةِ، وتَخَطِي الرِقَابِ لا سيمَا فِي صَلاةِ الجُمعَةِ.
وَمَا يَنْبَغِي لَفْتُ النَّظَرِ إِلَيْهِ الْمُحَافَظَةُ عَلى الْمَسَاجِدِ وَأوقَافِهَا وَحِمَايَةِ مَرَافِقِهَا مِنْ أَيِ غَصْبِ وَاعْتِدَاءٍ؛ فَهوَ مُحَرَّمٌ، مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ؛ لِقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، وَقَولِهِ ﷺ: "مِنْ ظَلَمَ قِيْدَ شِبْرٍ طُوْقِهِ مِنْ سَبْعِ أَرَضَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وَأَرَاضِي الْمَسَاجِدِ وَملحقاتُهَا مِنْ السَّاحَاتِ المُهيئةِ لِلصَّلَاَةِ وَالأسطحِ وَالمنارةِ تَعْتَبِرُ أَوَقَافًا، فَلَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامِهَا فِي غَيْرِ مَا خَصَّصَتْ لَهُ، مِنْ صَلَاَةٍ وَحَلْقَاتٍ عِلْمٍ وْتَحْفِيظِ قُرْآنٍ، وَمِنْ ذَلكَ إِحْدَاثُ إِنْشَاءَاتٍ أو تَعَدِيَاتٍ عَلَى الْكَهْرَبَاءِ وَالْمِيَاهِ الْخَاصَّةِ بِالْمَسَاجِدِ فهَذَا مِنَ الاِخْتِلاَسِ الَّذِي يَجِبُ مَنْعُهُ وَالإِبْلاَغُ عَنْهُ.
وَدَوْرُ الْأئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ مُهِمٌ فِي حِفْظِ مَكَانَةِ الْمَسَاجِدِ وَحُقوقِهَا؛ وَمَنعُ التَعديَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى مَنْعِهِ وَالْإِبْلَاَغِ عَنْهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَحَافِظُوا عَلَى بُيُوتِ اللهِ، وَتَعَاوَنُوا عَلى مَا يَخْدِمُ بُيُوتَ اللهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
الخُطبَةُ الثَّانيةُ:
اتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، وَكَوُنُوا مِمَّنْ أَحَبَّ مَوْلَاهُ وَخَالَفَ هَوَاهُ، فَهُوَ مِمَّنْ؛ قَالَ اللهُ فِيهُمْ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾.
اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ وَالمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنًَا مُطمئنًا وسائرَ بِلادِ المُسلمينَ.
اللهُمَّ وفِّقْ خَادَمَ الحَرمينَ الشَريفينَ، وَوَليَ عَهدِهِ لمَا تُحِبُ وَترضَى، يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد