‏المغناطيس الأسود


 ‏

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

‏المغناطيس بطبيعته: قوة جذبٍ لحبيبات صغيرة صُلبَة تتجمع فيها حين تلتصق به بفعل اجتذابه لها. وهو الأمر نفسه الذي نمارسه في عملية مماثلة أو متطابقة لما تقوم به القوى الباطنة داخل النفس التي هي بمثابة المغناطيس الأسود.

فهذه القوى تجذب جميع سلبيات وأغلاط الماضي والحاضر، وتجعلها تلتصق على جدران النفس، فتتجمع فيها وتثقلها كمادة صُلبَة، تُدمر الشعور الحالي وتحبطه وتثقله، وتغيِّر صورة المستقبل من مشرقة متفائلة إلى صورة مصبوغة بالسواد القاتم، فإذا تلبدت حجبت الرؤية تمامًا باللون الأسود.

‏وكثيرًا ما يتحول القلب تحت الضغوط والآلام إلى مغناطيس أسود، يقوم باستقطاب الذرَّات السوداء في العالم، وهي الأفكار السلبية السوداوية حوله، ليجعلها تلتصق يومًا بعد يوم بجدار القلب، ومن ثم تتسلل إلى دمائه وتسبح في عروقه، وتجول في كل جزء من أجزاء الجسد، حتى تعمه كله من الدماغ حتى القدمين، فلا يبصر ولا يسمع إلا من خلالها.

‏هنا سوف تحس بالوهن والضعف والألم الحسي، ولسوف تتوجع في كل جزء حسي من جسدك، وكلما زادت قوة المغناطيس الأسود زادت قوة ضغط الكآبة والحزن والقلق والخوف، وزاد الضغط على قلبك وجميع ذرات جسدك الحسي، وأصبح قلبك يئن أنينًا لا يسمعه إلا أنت، تستجيب له سائر أعضاء الجسد بالبكاء.

‏وسوف تحاصرك الأفكار السلبية من كل جهة، من داخلك ومن كل العالم الخارجي، وسوف تغلي من داخلك وتُحسن أنك كالبركان، لكن الذي بجوارك لا يُحس بك، لقد أصبحت عالمًا منفصلًا عن عالمك، عالمك كله براكين خامدة في الظاهر، لكنها الآن على أهبة الاستعداد للانفجار في أي لحظة.

‏لم تكن منذ البداية بحاجة أن تصنع من قلبك مغناطيسًا أسودًا تجتمع فيه تلك الذرات والحبيبات مع مرور الأيام. عود نفسك كل يوم أن تنظف قلبك مما علق به من سلبيات، سلبيات الأفكار والعواطف والمشاعر، عود نفسك أن تستيقظ كل صباح كمولدٍ جديدٍ، بقلب بجديد ونفس جديدة وروحٍ جديدة.

‏فالحرارة والسخونة والتوتر والقلق والخوف هي أوسع أبواب دخول السلبيات إلى القلب، هي التي تفتح الشرايين لاستقبال تلك الذرات. وفي حياتنا هذه نحتاج، في مقاومة ظاهرة المغناطيس الأسود، إلى البرود لا إلى السلبيَّة.

‏والفرق كبير بينهما.

فالسلبية هي عجز عن التصرف وهروب عن المواجهة، أما البرود فهو منع للسلبيات من التأثير عليك بسرعة، وذلك بإقفال باب الوارد إليك من تلقي الرسائل السلبية سيل الذرات السوداء التي تتراكم على جدران قلبك، مُسببة الشلل للقلب ومن ثم سائر أعضاء جسدك.

وتذكر مليًّا، أن الإنسان الذي لا يعيش إلا على استذكار الصور والذكريات السلبية التي مر بها في حياته؛ هو كائن أقرب في تكوينه إلى المغناطيس الأسود، الذي لا يستطيع إلا أن يجتذب أسوأ الأشياء إليه. وهو دومًا يعيش ويجعل من حوله يعيشون في تعاسة، بدون أي مبررات حقيقية تستدعيها لحظته الآنية.

ومن أعظم ما يزيل ترسب تلك السلبيات في القلب:

١- الإيمان بالله وحسن الظن به، وتذكر أن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة.

٢- ملازمة الأذكار صباح مساء، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بقلب حاضر.

٤- تغليب حسن الظن بالناس.

٥- تعميق الإيمان بالقدر، وأن ما كتبه الله لك فهو خير لك، فأنت لا تعلم والله هو الذي يعلم.

٦- سرعة الانصراف عن الذكريات والأفكار السلبية بالانشغال بالمصالح الدنيوية والأخروية، وعدم ترك وقت الفراغ تتسلل منه تلك السلبيات للعقل والقلب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply