بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الضعفاء بدنيًا أو ماليًا ليس لهم شأن يذكر عند عامة الأمم، ولكن في الإسلام لهم منزلة وشأن؛ فنبينا الكريم محمد ﷺ نبّه صحابته الكرام رضي الله عنهم إلى علو منزلة هؤلاء الضعفة وعِظَمِ قدرهم وأثرهم على الأمة الإسلامية، وهذا مما اختصت به شريعة الإسلام، فأمة الإسلام أمة عظيمة متعاضدة متكاملة، وكل فرد من أفرادها الصادقين له أثرٌ وشأن في نصرتها، وتماسك بنيانها وتلاحم أفرادها؛ فالعالم وطالب العلم الشرعي لهما أثر في نشر العلم وتعليم الناس تعاليم دينهم، وبيان ما ينفعهم، وتحذيرهم مما يضرهم من البدع والمعاصي، والقائد المحنّك له دور في التخطيط والقيادة، والشجاع المقدام له دور عظيم في خوض المعارك ومقارعة الأعداء والدفاع عن ثغور البلاد، والغني الباذل له دور الإنفاق في وجوه الخير ونفع المجتمع، وكذلك الضعيف الصالح له دور مهم جدا يتجلى في إخباته ودعائه واهتمامه بشأن أمته؛ فدعاؤه حريٌّ بالإجابة لصدق توجهه وإقباله على الله، مع تواضع نفسه وانكسار قلبه وسلامته من الكبر، فدورُه في الأمة كبير وأثره عظيم؛ لأنه من أعظم أسباب النصر والتمكين للأمة، ومن أسباب الأرزاق التي يفتحها الله بفضله على من يشاء من عباده، فهو سرٌّ وسببٌ قد يغفل عنه كثير من الناس، فدعاء المستضعفين من الصالحين، الذين طهرت قلوبهم من غش المسلمين وحسَدهم وعداوتهم، وامتلأت بمحبة دين الله ونصرته، ولكن لضعفهم ما استطاعوا أن ينصروه بأنفسهم، ولفقرهم ما استطاعوا أن ينصروه بأموالهم، ولا جاه لهم ينصرونه به، فنصروه بصدق دعائهم ليلا ونهارًا، سرًّا وجهارًا.
جاء في صحيح البخاري عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أنَّ له فضلًا على من دونه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟"، أي: بدعائهم وإخلاصهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: *إنْ كان القويُّ يترجّح بفضل شجاعته فإنّ الضّعيف يترجّح بفضْل دعائه وإخْلاصِه*.
وقال العلماء: إنما قال رسول الله ﷺ هذا الحديث كيلا يتكبر المجاهدون على الضعفاء الذين لا يقدرون على الجهاد؛ يعني: هم معذورون في تخلُّفهم لضعفهم، وقلوبهم مع المجاهدين يدعون لهم بالنصر والتمكين، فلهم أجر المجاهدين والمنفقين، بصدق نيّاتهم ودعواتهم.
فهنيئًا للمسلمين بهم، وهنيئًا لهم بأجورٍ مثل أجور المجاهدين الفاتحين، فقد كانوا السبب في النصر والرزق والخير.
وهؤلاء الصالحون المستضعفون ليسوا أهلَ رياء حتى يُجاهروا بما فعلوا، بل كتموا ذلك بينهم وبين الله، فلا يعرفهم إلا الله، ولا يُجازيهم إلا هو، ويوم القيامة سيُكرَّمون بحسنات كالجبال، وسيتبَوّؤون منازلَ رفيعةً لم ينالوها بأعمالهم، بل بصدق نيّاتهم، وصالح دعواتهم.
فيا أخي المسلم: إن عجزت عن القيام بأعمال عظيمة تشق عليك ولا تطيقها، فاصدُقِ الله في رغبتك وعزمِك في القيام بها، واسأله الإعانة عليها، وأكثر من الدعاء للمسلمين بالنصر والفتح والرزق والهداية، فإن استجاب الله دعوتك فنصر أمةً بسبب دعوتك فلك مثل أجر المجاهدين الفاتحين، وإن استجاب الله دعوتك فهدى أناسًا بسبب دعوتك فلك أجر هدايتهم التي هي خير من حمْر النَّعم من عتاق الإبل وأصايل الخيل.
ويا لفرحتك يوم القيامة وأنت ترى أعمالًا صالحة عظيمة كُتبت في صحيفتك لم تنَلْها بعمل عملته، لكنك نلتها بحبك الخير للمسلمين بملازمة الدعاء لهم بصدق وصلاح نية.
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين، وألْهِمْنا الإلحاح بالدعاء للمسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد