بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد اعتنى الإسلام بالأسرة منذ بدء تكوينها، فوضع الأسس والقواعد التي يعتلي عليها البناء الشامخ القوي، الذي لا يهتز أمام رياح المشاكل وعواصف الأزمات، من هذه الأسس:
أولا: إنه جعل من الزواج عبادة يستكمل به المرء نصف دينه، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء، فلم يجعل منه وسيلة لإشباع شهوة سرعان ما تنطفئ جذوتها، ولم يجعله منه وسيلة للاقتران بشخص ميسور الحال أو ذى سلطة ونفوذ تتيسر عنده المتع والحاجات المعيشية، ولم يجعله وسيلة لإيجاد من يعيننا على حوائج الدنيا ومتاعبها أو يقوم بها بدلا منا.
ولكنه جعل منه عبادة بكل ما تشمله كلمة عبادة من معاني لغوية ومقاصد شرعية، فلابد إذن أن يكون خالصا لوجه الله وبما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخاليا من كل شائبة تعكر صفوه، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي" رواه الطبراني والحاكم.
ثانيا: جعل الدين هو الأساس الأول في اختيار كلا الشريكين لشريك حياته الآخر، فعن أبي هريرة عن النبي ﷺ إنه قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".
وقد ورد النهي عن نكاح المرأة لغير دينها ففي الحديث الذي رواه ابن حبان في الضعفاء: "من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة ليغض بها بصره ويحصن فرجه بارك الله له فيها وبارك لها فيه" وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة خرماء (المشقوقة الأنف والأذن) ذات دين أفضل" رواه عبد بن حميد.
وقال منبها على اختيار المرأة ذات الدين التي تنبت في أسرة طيبة: "إياكم وخضراء الدمن قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء" رواه الدارقطني.
ولا يمنع كل هذا من التزوج بامرأة لها من الجمال والمال والحسب، جميعهم أو أي منهم ما ميزها بها الله عن غيرها، ولكن في سياج من الدين، قلبا وقالبا. وعلى الطرف الآخر قال عليه الصلاة والسلام لأهل الفتاة في الحديث الذي رواه الترمذي: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه *فزوجوه* إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
ونذكر أيضا في هذا المقام ما أشار به الحسن بن علي، على أحد المسلمين جاء يسأله قائلا: خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟. قال: زوجها من التقي فإنه إن أحبها أكرمها وإن بغضها لم يظلمها. فلو اتفق الطرفان على أن الدين هو أساس في الاختيار، وهو الهدى والنهج في معترك الحياة، اتفقت منابع الفكر بينهما، وتوحدت مساقي الآراء، وانبعثت من الشريعة الإسلامية فصار الفهم واحدا والتفاهم بينهما تاما، أما الطبائع فمن السهل تغيرها بالتعود والإصرار، وما يصعب تغيره فالتغاضي عنه أولى. فلو هناك صفة من الصفات لم يعجب بها طرف في الطرف الآخر، فهناك العشرات من الصفات والخصال الأخرى تجعل كل طرف يعجب بالطرف الآخر متحمسا على الارتباط به، ومستميتا على عدم التفريط فيه، كما إنه ليس من المطلوب من الزوج والزوجة أن يكونا صورة طبق الأصل من بعضهما، كما إننا أولا وأخيرا لسنا ملائكة ولكننا بشر نخطأ ونصيب، نغضب ونرضا، نثور ونهدئ، نضل ونهتدي.
ثالثا: جعل الإسلام العلاقة بين الزوجين علاقة تكامل لا تنافس، قوامها المودة والرحمة، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (سورة الروم آية 21).
وهذا التكامل أو الاندماج نتيجة أنهما من نفس واحدة وأصل واحد، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} (سورة النساء آية 1). وقال تعالى في وصف العلاقة بين الزوج وزوجته {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (سورة البقرة آية 187)وفي آية أخرى قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم}(سورة البقرة آية 223) فلا يوجد كلام أبلغ وأدق من هذا في وصف العلاقة الزوجية، فاللباس ساتر وواق، والسكن راحة وطمأنينة واستقرار وداخلهما المودة والرحمة.
ولاستمرار العلاقة في الأطر التي بينتها الآيات الكريمة، حدد الإسلام دورا ووظيفة لكل من الرجل والمرأة في الحياة الزوجية، ذاكرا لكل منهما حقوقا وواجبات، إذا أدى كل منهما ما عليه سارت بهما السفينة إلى بر الأمان. فمن واجبات الزوج الإنفاق على زوجته قدر استطاعته، ومن الخطأ الاعتقاد أن المال الكثير هو سبب السعادة الزوجية، ومن الخطأ ما يقال إذا دخل الفقر من الشباك خرج الحب من الباب، فالسعادة رزق يهبها الله عز وجل لمن اتبع تعاليمه وسار على نهجه الذي جاء في كتابه الكريم وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
ومن واجبات الزوج أن يحسن معاملة زوجته، ويعلمها تعاليم دينها، ويشاورها في شئونها، ولكن يرجح رأي الزوج إذا ما اختلفا، وما أجمل إنه مهما اختلفت مع زوجتك فهي تطيع أمرك، وأجمل من ذلك إنها تطيعه بنفس راضية ويظهر ذلك بأنك إذا نظرت إليها وجدتها في حالة تسرك وتسعدك، وهذه من صفات المرأة الصالحة يقول الرسول ﷺ: "خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها طاعتك وإذا أقسمت عليها أبرتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها" رواه النسائي وغيره بسند صحيح.
ومن واجبات الزوج أيضا ما جاء به حكيم بن معاوية عن أبيه قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال عليه الصلاة والسلام: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" سنن أبي داود.
ومنها أيضا أن يغض الزوج طرفه عن بعض نقائص زوجته ولاسيما إن كان لها محاسن ومكارم تغطي هذا النقص، فعن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ إنه قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر أو قال (غيره)" صحيح مسلم. ويجب علينا نحن الرجال أن نضع نصب أعينينا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله" سنن الترمذي.
أما واجبات الزوجة فهي أهم وأكبر من أن تكتب في بعض السطور والأوراق ثم يفرغ من قراءتها، فبيدها يتحول المنزل من روضة من رياض الجنة إلى قطعة من قطع جهنم أو العكس، وأي تضحية من جانب الزوجة سيقابلها رد فعل أقوى وأكبر من جانب الزوج، وسينعكس تأثيره على الأسرة كلها.
ومن المفترض أن تأتي كل المعنويات التي تعتبر من مقومات السعادة الزوجية من الزوجة أولا، وليس هذا من باب التحيز للرجل أو غيره، وإنما هو من باب الفطرة السوية التي فطرت عليها المرآة، فأول من تحتضن الطفل وترعاه هي الأم، وعلى قدر حبها ورعايتها ينشأ الطفل، وما الزوج إلا طفل كبير، والزوجة الناجحة هي التي ترعى زوجها كما ترعى الأم أصغر أبنائها وأحبهم إلى قلبها، كما أن الآية الكريمة عندما ذكرت {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (سورة البقرة آية 187) بدأت بوصف واجب المرأة ودورها، ولما كان اللباس هو الساتر والواقي، ويأتي من صاحب المال والقوة وهو الرجل، فكان من باب أولى أن يبدأ بوصف دور الرجل ووظيفته، ولكنه لعظم دور المرأة وأهميته الذي يفوق دور المال والقوة فبدأ بهن. ولعظم حق الزوج قال عليه الصلاة والسلام: "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال (زوجها) قالت فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال (أمه)". وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" وعلى المرأة أن تعي أن طاعتها لزوجها، وإقامتها على شئون حياته، عبادة لله وستثاب عليها كأجر المجاهدين، أي أن حسن معاشرتها لزوجها ستنعم بنتائجه في الدنيا والآخرة، فعن عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله ﷺ قال: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد والطبراني.
والإسلام أوجب على المرأة الامتناع عن أي شيء يضيق به الرجل، وأن تعلم وتعي أن للرجل حق القوامة عليها، لا تسلبه سلطته عليها، ولا تسطو على شخصه وآرائه. ومن حق الزوج على الزوجة ألا تصوم نافلة إلا بإذنه، ولا تحج تطوعا ولا تخرج من بيته إلا بإذنه وأن لا تدخل أحدا بيته يكرهه إلا بإذنه، فعن عبدالله بن عمر أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها ولو كان على ظهر قتب *أي بعير* وأن لا تصوم يوما واحدا إلا بإذنه إلا الفريضة فإن فعلت أثمت ولم يتقبل منها وألا تعطي من بيتها شيئا إلا بإذنه فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر وألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع وإن كان ظالما" رواه أبو داود الطيالسي.
وكلمة حانية من الزوجة، وابتسامة صافية منها، وهدوء في الطبع وأدب جم وسلوك طيب وقناعة بما قسمه الله، يعد عند الرجل منتهى السعادة. فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: "من سعادة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة. من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح. ومن شقاوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء" رواه أحمد بسند صحيح والطبراني والبزاز والحاكم وصححه. والرجل الذي يشعر بالسعادة والراحة والاطمئنان مع زوجته وفي بيته ينعكس ذلك على عمله وعلى علاقته بالآخرين.
رابعا: جعل الإسلام الأسرة الطيبة وهي التي تنتج أبناء صالحين للمجتمع هي أهم ثمار الزواج في الإسلام، والطفل هذا المخلوق البرئ والذي ننقش عليه نحن الآباء ما نؤمن به ونسيره في هذه الدنيا بإرادتنا وتفكيرنا ونشأتنا وتعليمنا، هذه العجينة اللينة التي نشكلها نحن كيفما نريد، دون إزعاج منه أو إعراض، ما له مثل أعلى يحتذي به إلا أهله، يتأثر بهم تأثيرا مباشرا، ويتكرس سلوكه الأخلاقي نتيجة توجيهم ومن ثم توجيه المجتمع من حوله، وحسب تكيفه معهم متأثرا بالمبادئ والعادات المفروضة عليه، يصبح مفهوم الخير والشر عنده مرتبطا ارتباطا وثيقا بحياة العائلة ومعتقداتها، لذلك فلابد في هذه المرحلة من حياة الطفل أن تعلمه أمه مكارم الأخلاق، والأم التي لا تأخذ وليدها بالتربية والتهذيب، تكون قد قامت بمهمة التكاثر تماما كما تقوم بها الحيوانات، وقصرت فيما وراء ذلك مما يمتاز به الإنسان عن الحيوان، فيتميز الإنسان عن الحيوان حينما يتجاوز مطالب البدن إلى مطالب الروح، ويتجاوز نطاق البيولوجيا إلى نطاق القيم السامية، ويسمو عن النوازع الطينية الأرضية إلى الآفاق النورانية.
وكما تسخو الأم على طفلها بالغذاء إرضاعا أو إطعاما، مما تشتهي النفس حتى ينتفخ من فرط النعمة والتغذية، وكما تحنو عليه وتكثر له من الملابس التي تريح البدن وتسر النظر، ولا ترد له طلبا، عليها أن تأدبه وتحسن تأديبه، وتربيه على السلوك والخلق الإسلامي.
هذه أعرابية يسألها المفضل بن زيد عن ولدها حينما رآه فأعجب بمنظره فقالت له: إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب فحفظه القرآن فتلاه، وعلمه الشعر فرواه، ورغب في مفاخر قومه، وطلب مآثر آبائه فتمرس وتفرس ولبس السلاح، ومشي بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ. فالطفل محتاج إلى عناية تؤهله كي يكون رجلا يحمل رسالة ويبلغ دعوة، فيتعلم القرآن ويحفظه منذ نعومه أظافره، فينشأ متخلقا بالأخلاق الإسلامية الرفيعة، صادرة عنه في كل أعماله ومقاصده ومسترشدا بها في طريق الدعوة، ثم يتعلم الشعر ويرويه، فيرق طبعا ويهذب لسانا، فإذا ما بلغ الحلم يتعلم الفروسية وركوب الخيل مما يكسبه قوة ورجولة، ولابد من تعلم السلاح ففيه هيبة ورهبه تشعر الإنسان بمهمته كرجل يحمي الحمى ويصون الديار ويدفع عن الحرم ويذود عن النفس والعرض والوطن.
وإذا ما نشأت الأسرة منذ بدء تكوينها على المبادئ والأسس الإسلامية التي ذكرنا بعضا منها، ستكون العلاقات الأسرية قوية متينة مبنية على الحب والود والتفاني والتضحية وغيرها من المبادئ السامية، وبالتالي سينشأ الأبناء نشأة إسلامية.
وختاما: فإنه من الملاحظ ومنذ فترة قصيرة فتور العلاقات داخل الأسرة الواحدة بل تحولت الأسر من مصدر للعطف والحنان ولم شمل الأبناء والآباء إلى مصدر للتعاسة والشقاء، وبدلا من أن تكون الأسرة لبنة في بناء المجتمع، أصبحت معوالا لهدم المجتمع، فللأسف ارتفعت معدلات الطلاق، فكيفما تسعى الفتاة حثيثا للزواج تجدها بعد الزواج تسعى بنفس السرعة للطلاق، وأصبح قتل أحد الزوجين للآخر وقتل الأبناء للآباء أو العكس من الجرائم التي ذاع صيتها في الفترة الأخيرة.
وهذا يجعلنا نسأل ما الذي أصاب الأسرة؟. وهل هذه الإصابة أصابت الأشخاص أنفسهم، أم أصابت فكرهم ومعتقداتهم؟. ولماذا فقد الأب سيطرته وسطوته على الأبناء والزوجة؟. هل هو الاستقلال المادي أم الهجمة الفكرية التي أتت علينا من الغرب!؟ فبعد أن كان الابن يعيش في كنف والده حتى بعد أن يتزوج وينجب تجمعهما نفس الدار ونفس المكان ونفس مائدة الطعام يتجمع عليها الآباء والأبناء والأحفاد.
نجد الابن يهجر بيت أبيه سعيا وراء المال في بلاد الغرب التي ليس لها مبادئ أسرية وعندما يعود يضع رأسه برأس أبيه، كأنما أراد بماله أن يكون صاحب الكلمة والسلطة في بيت أبيه!.
وكذلك الأب الذي فر إلى الخارج وترك الأسرة تجابه أزمات الحياة ومشاكلها بدون ربان للسفينة واختار لهم توفير المال بدلا من بناء العواطف والأوصال والشخصية. أم هي الأم الحانية الحنون التي كانت تشعل الدفء في البيت بحبها وعطفها على الكبير والصغير وإدارة شئونهم، الأم التي كانت تضحي بنفسها ومالها وراحتها وسعادتها وكل ما تملك من أجل أبنائها، هل انطفأت شعلة الحب، وما السبب؟! ولماذا سحبت القوامة من بين يدي زوجها لتصبح هي الآمر الناهي في البيت وهي صاحبة الرأي وصوتها فقط هو الذي يعلو ولا يعلى عليه؟.
أم هي الهجمة الفكرية والتي ساهم فيها العديد من الأدباء والكتاب والمفكرين وأدت إلى تمرد الزوجة، وهجرها لبيت الزوجية، ونقمتها على معاشرة زوجها، ودفعت المرأة للاستسلام لإغراءات الشيطان، فوقعت في حبائله، ونزعت حجابها، وعرت جسدها، وخرجت إلى الشارع تمضي فيه وقتها، وقتلت الغيرة والحمية عند الرجل عليها وعلى ابنته، فسمح لها أن تخرج من منزله بدون حساب أو رقيب، وغض بصره عن ما ترتديه من ملابس مثيرة، وأباح لها الاختلاط مع زملائها وأصدقائها واستقبالهم في المنزل ورد عليهم زيارتهم بزيارة مثلها في بيوتهم، والمغيب عن المنزل في رحلة عمل أو فسحة.
وإلى أين سيصل تأثير هذه الهجمة الفكرية علينا؟ وهل سيأتي علينا زمان ننظر فيه إلى خاتم العفة عند الفتاة كما ينظر إليه الغرب الآن، رغم أن خاتم العفة هذا يعتبر شيئا من التكريم الذي أنعم الله به على بني آدم وحدهم دون سائر جنس الحيوان، فلا نعلم أن هناك حيوانا لأنثاه غشاء للبكارة غير بنات حواء، وهل سننظر إلى الفتاة المتدينة التي ليس لها علاقات غرامية مع الشباب بأنها مريضة نفسيا ومعقدة كما ينظر إليها الغرب.
وهل نستهين بالزوجة متعددة العلاقات الغرامية قبل وبعد الزواج، وننظر إلى هذا الموضوع كأنه شيء عادي لا يثير غيرتنا وحميتنا. هذه الهجمة الفكرية التي دفعت بالفتاة لاختيار شريك حياتها بنفسها تتعرف عليه في مرقص أو نادي أو شاطئ أو زميل دراسة أو جار في الحي أو غيرهم من الأماكن، ولم تعد مفاجأة لدي الأسرة أن تأتي الفتاة إلى الأب، بهذا الشاب وقد اختارته شريكا لحياتها، لمجرد إعجابها بما أحسن تمثيله عليها بمظهره الخادع وكلامه المعسول ووعوده الكاذبة، وانحصر دور الأب في الموافقة النهائية، إن لم تكن قد تزوجته بالفعل.
وغالبا ما تعصف الخلافات بمثل هذا الزواج لأنه بني على الغش والخداع كل منهما يظن في الآخر ما ليس في حقيقته، وفي الوقت ذاته كل منهما يظهر خلاف باطنه من صفات وقيم تروق للطرف الآخر حتى يحيك الشباك على فريسته، ويستمر هذا الزيف فترة الخطوبة، وسرعان ما ينكشفا بعد الزواج ويشعر كل طرف بخيبه أمله وصدمته في الطرف الأخر.
وهذه الزيجات هي سبب ما نحن فيه من تحلل خلقي وتفكك أسري، فبالأمس القريب كان الأب صاحب القرار الأول والأخير في اختيار زوج ابنته وكان الأب بما لديه من حنكة وخبرة يجيد ويحسن اختيار زوج لإبنته، ولما لا فهو الذي قام بتربيتها وتهذيبها، ويعرف ما يروق لها وما يتفق مع طباعها ويصلح لحالها.
والإسلام إذا لم يمنع المرأة من أن تعرض نفسها على رجل من أهل الصلاح والتقوى للزواج منه، ولم يمنع من أخذ رأي الفتاة عند زواجها، إلا أنه منع الفتاة من أن تزوج نفسها بدون ولي أمرها، ومن لم يكن لها ولي أمر فالحاكم وليها.
والإسلام لم يمنع من النظر إلى العروس، واستشعار التوافق والقبول بين الطرفين، ولكنه منع وحرم خروج الفتاة مع الفتى، واختفاءهم في الأماكن النائية تحت شعار الحب ودراسة كل طرف للأخر سنوات ثم يقررا إما الفراق أو الزواج.
والإسلام لم يمنع المرأة من التزين ولكنه يحرم عليها أن تتزين وتتجمل لغير زوجها.
والإسلام لم يمنع المرأة من التعليم والعمل في مجالات تخدم بنات جنسها، ولكنه يحرم عليها أن تختلط بزميل العمل أو الدراسة وتتخذه صديقا أو خليلا أو زوجا غير شرعي بجانب زوجها، تظهر له ما تضن به على زوجها، وتحكي له أدق أسرار حياتها الزوجية، بالإضافة إلى الخضوع في القول والفعل.
وفي الماضي القريب ومن قبل هذه الهجمة الفكرية التي أصابت قيمنا ومبادئنا في مقتل كانت الأمهات والزوجات وإن كن كثيرات منهن لا يحملن أية مؤهلات دراسية وعلمية إلا أنهن أنجبن كثيرا ممن قادوا حركات الجهاد والتحرير الوطني من الاستعمار، وممن قادوا حركات التنوير العلمي والثقافي.
وقد كانت الأسرة في الماضي أفضل أداء في تنشئة الطفل من الأسرة الحديثة حيث كانت هناك فطرة سليمة ونسيج قوي من العلاقات والقيم يتوارثه الأجيال ويتم تنشئة الطفل من خلاله.
ولذلك ونحن في القرن الواحد والعشرين وقد انكب العلماء على إنشاء المدارس والمعاهد في جميع شئون الحياة وكافة المهن والتخصصات، مهما كبرت أو صغرت عظم شأنها أو قل، بل إن كثيرا من المهن والحرف التي كانت بالأمس القريب لا تحتاج إلى أي نوع من التعليم الأكاديمي، فتحت لها مدارس، وانقسمت إلى تخصصات وأصبحت مصدر دراسات عليا.
لذلك نطالب من أجل إعداد الأم والزوجة الصالحة بإحياء مدارس التربية أو الثقافية النسوية وهذه المدارس كانت موجودة بالفعل ولكنها للأسف الغيت ولم يعد لها قائمة، أو أن مثل هذه الأمور السالفة الذكر تدرس للطالبات بعد انتهاء دراستهن الجامعية، كما تدرس في مراكز تنظيم الأسرة لكل مقبل على الزواج بدلا من تركها للاجتهادات الغير علمية ولهوس الغزوات الفكرية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد