بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أوصيكم أيها الكرام ونفسي بوصية الله القائل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}.
معاشر المؤمنين الكرام: العاقلُ من تفكّرَ في مصيره ومآله، فجدَّ واجتَهدَ في محاسبة نفسهِ وإصلاحِ أحواله، والتزودِ ليوم ارتحاله، نظرَ في العواقب فجانَبَ الذنوبَ والمعاطب، خافَ من ذُلِّ المقامِ بين يديِّ الملكِ العلام، فأخلص لله واستقام. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
وللهِ درُّ أقوامٍ إِذا مسَّهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، نظروا في عيوبهم، فاستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
احبتي في الله: اعلموا أن كلُّ معاناةٍ للقلوبِ، فإنما هي من تراكم الذنوب، وأنّ علاجُها، أن نَفِرَّ إلى اللهِ ونتُوب: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
فالتّوبةُ يا عباد الله: من أعظمِ العباداتِ وأحبِّها إلى الله تعالى. مَن اتّصفَ بها تحقَّق فلاحُه، وتأكدَ نجاحُه، وصلح حاله ومآله، كما قال جلَّ جلاله: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}.
وفي الحديثِ الصَّحِيحِ: "كُلُّ أبن آدمَ خطاءٌ، وخيرُ الخطَائِينَ التَّوابُون". وما منا إلا وهو في أشدِّ الحاجة للتَّوبة، ولذا فالجميع مُطالبٌ بها، وبنصِّ القرآن الكريم والسنة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}.
وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وفي الحديث الصحيح، قال ﷺ: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم والليلة أكثر من مائةِ مرة".
وما هي التوبة يا عباد الله: التَّوبةُ خُضوعٌ للرَّبِّ وانكِسار، وندمٌ وتحسُّرٌ واستغفار.
التَّوبةُ خَوفٌ ورجاء، وخجلٌ من الجليل وحياء، وتَضرعٌ ومُناجاةٌ ودُعاءٌ.
والتَّوبةُ لها أركانٌ ثلاثة: نَدمٌ وإقلاعٌ وعزيمة، نَدمٌ على ما فرَّطَ وقصَّر في الماضي، وإقلاعٌ فوريٌّ عن الذنوبِ والمعاصِي، وعزمٌ قويٌّ على عدمِ مُعاودتها فيما سيأتي. والتَّوبةُ دائمًا بابُها مفتوح، ودخولها في كُلِّ وقتٍ ولكل أحدٍ مسموح، ما لم تأتي سَكرةُ الموتِ وتغرغر الروح.
في الحديثِ القُدسِي الصَحِيحِ، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: قالَ اللهُ تعالى: "يا بن آدم، لو بلَغَتْ ذُنوبُكَ عنانَ السماء، ثمَّ استغفرتَني غفَرْتُ لَكَ ولا أُبالي".
وتأملوا يا عباد الله: كيف ينادى الله عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}. وينادي المسرفين على أنفسهم بالذنوب، ويخصهم بقوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
وفي الحديث القدسي أنَّ الله جلَّ جَلاله يَنزِلُ في كُلِ ليلةٍ إلى سماءِهِ الدُّنيا نزولًا يليقُ بجلاله، فيكرر النداء: هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟. وأنهُ جلّ جلاله يفرحُ بتوبة عبدهِ فرحًا عجِيبًا لا تُطِيقُ العِباراتُ وصفُه، كما جاء في حديث الذي أضلَّ راحلتهُ في أرضٍ فلاة، وأنهُ سبحانه يؤمِنُ التائبين ويطمئنهم، فيقولُ جلَّ وعلا لهم: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ويؤكدُ لهم مغفرته بصيغة المبالغة: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}.
ويؤكد قبولها بقوله: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ويؤكدُ القبول مرارًا فيقول: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}، ويبشرهم ببشارةٍ عجيبةٍ فيقول: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، ويبشرهم بأعظم البشائر فيقول سبحانه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا}.
وباب التوبة هو باب المؤمنين الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا. وهو باب التطهر من الذنوب كلها؛ فالتوبة تجبُ ما قبلها، في الحديث الصحيح يقول ﷺ: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
والتوبة بابٌ من أعظم أبواب الخير، فالله تعالى يقولُ: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ}، ويقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}.
والتوبة بابٌ للسلامة من الظلم والآثام، لنتأمل قول الحق جلَّ وعلا: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
والتوبة بابٌ لتصفية القلوب وتطهيرها، يقول ﷺ: "إذا أذنب العبد ذنبًا نكتت فيه نكتة سوداء، فإذا تاب وندم واستغفر صُقِل قلبه".
والتوبة بابُ لرضوان الله على العبد ومحبته؛ في الحديث الصحيح، يقول ﷺ: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرضٍ فلاة".
والتوبة باب للسعادة والحياة الحسنة المطمئنة؛ يقول تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا}.
والتوبةُ والاستغفارُ بابُ رزقٍ واسع، وبه تتحققُ خيراتُ الدنيا والآخرة: قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
والتوبة بابٌ عظيمٌ من أبواب دخول الجنة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}.
فجدِّدوا يا عباد الله توبتكم، وتداركوا بصادق الرغبةِ ما فاتكم، والجِدَّ الجِدَّ تغنَمُوا، والبِدارَ البِدَارَ أن لا تندَمُوا. {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
اتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، فَعَلَى قَدرِ الصِّدقِ يَكُونُ الفَوزُ، قال جلَّ وعلا: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}، ولا بدُّ للصدق من دليلٍ عملي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
معاشر المؤمنين الكرام: من عظيم كرمِ اللهِ ولُطفهِ بعباده، وسابغ رحمته بهم، أنه سبحانهُ يُيسرُ لهم طريق الرجوع والتوبة، فيوفقهم ابتداءً للتوبة الصادقة، ويحببُها لهم ويُعينهم عليها، ثم يتقبلُها منهم ويعفو عنهم، ويغفرُ لهم الذنوب كلها، مهما كثرت وتعاظمت، تأملوا هذا النص القرآني العجيب: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا}، وفي صحيح الإمام مسلم، يقول المصطفى ﷺ: "والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو لم تُذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُم، وَلَجَاءَ بِقَومٍ يُذنِبُونَ فَيَستَغفِرُونَ اللهَ فَيَغفِرُ لَهُم". ولا أدل على ذلك من كثرة العبادات السهلة، التي من فعل شيئًا منها بصدق وإخلاص غُفر له ما تقدمَ من ذنبه، في الحديث الصحيح: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ".
وفي الصحيحين قال ﷺ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
وفي الصحيحين أيضًا، قال النبي ﷺ: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".
وفي الحديث الحسن، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". "وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وغيرها كثير، والموفق والله، من وفقه الله.
فجاهدوا أنفسكم يا عباد الله، فإنَّ العبدَ المسلم إذا جاهدَ نفسهُ على طاعة ربه، وكفَّها عن مّعصِيتهِ، ولازمَ التوبةَ والاستغفارَ وداومَ عليها، وصبرَ على ذلك ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ؛ انقادت نفسهُ لذلك شيئًا فشيئًا، حتى تألفَ الطاعة وتأنس بها وتحبُها، ومن ثمَّ تُصبِحُ المعاصِي من أكرهِ الأشياءِ إليه. واللهُ عزَّ وجلَّ برحمته وفضلهِ، إذا علمَ من عبده حُسنَ النيةِ، وصِدقَ الرغبةِ، أعانهُ وسددهُ، وهيأ لهُ الأسباب، وفتحَ لهُ من خزائنِ جودهِ ما لا يخطرُ لهُ على بال.
إيّ واللهِ يا عبادَ الله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ويقول جلَّ وعلا أيضًا: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ويا للهِ يا عباد الله: فكم من الأعمارِ أمضينا، وكم من العبرِ والعظاتِ مرَّ بنا، وكم من الفرصِ السانحة مُنحنا، وكم من المواسمِ الفاضلة أدركنا، وكم من النصائحِ والمواعظِ سمعنا وسمعنا، فإلى متى يا عباد الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
ها هي التوبةُ يا عباد الله: قد فُتِحتَ لنا أبوابُها. وحلَّ بيننا زمانُها وآنَ أن يحين أوانُها. فهلمَّ يا كرام! هلمَّ لنجدِّدَ توبتنا، ونفِرَّ سِراعًا إلى ربنا. ومن هو أرحمُ بنا من أمهاتنا، القائلُ جلَّ وعلا: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
هلمَّ يا عباد الله: لنفتحَ صفحةً جديدةً مع الله، نبدأها بتوبةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، وبعزيمةٍ مُؤكدةٍ محقَّقة، ثم نُقبِلُ على الله صادقين مخلصين، وَنَعُودَ إليه تبارك وتعالى نادمين منيبين تائبين. خصوصًا وقد اضلنا زمانُ التوبة والتقوى. بلغنا الله واياكم شهر الخير والهدى، ورزقنا فيه العونَ والتوفيق لكل ما يحبُّ ربنا ويرضى.
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين