بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أوصيكم أيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، فمن أصلحَ سريرتهُ، أصلحَ اللهُ لهُ علانيتَهُ، ومن عملَ لدينه، يسَّرَ اللهُ لهُ أمرَ دنياهُ، ومن أحسَنَ فيما بينَهُ وبين اللهِ، أحسَنَ اللهُ ما بينَهُ وبين النَّاسِ. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [النحل:97].
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد
معاشر المؤمنين الكرام: أدَّيتم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، وصمتم لله شهركم. وها أنتم قد حضرتم لتصلوا صلاة عيدكم، ولتكبروا الله على ما هداكم، وعلى ما يسَّرَ لكم. فأسعدَ اللهُ أيامكم، وباركَ أعيادكم، وأدامَ أفراحكم، وتقبلَ اللهُ منَّا ومنكم، وبُشراكم بإذن الله فوزًا عظيمًا، وأجرًا كبيرًا، فربُكم مُحسنٌ كريم، لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملا. كيف وقد جاءَ في حديث صحيح: "للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ بلقاء ربه". فافرحوا بِعِيدِكم واسعدوا، وأَدْخِلُوا البهجةَ عَلَى ذويكم واهنأوا. فالعيد أعادكم الله فرحة، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
والعيدُ عودةٌ للدين، وثباتٌ على الهَدي القويم. وكل يوم يمرُ بغير معصيةٍ فهو عيد وفرحة، وأعيادنا والحمدُ لله عبادة؛ أعيادنا ذكرٌ وتكبيرٌ وصدقةٌ وصلاةٌ، ومحبةٌ وصِلة رحم ومؤاخاة.
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
معاشر الإخوة الفضلاء: موفقٌ مَن تزوَّدَ من حياته لموته، ومن دنياهُ لآخرته، يقرِنُ إيمانهُ بعملٍ صالح، ولا يقبلُ اللهُ إيمانًا بلا عمل، ولا يرفعُ اللهُ عملًا بلا إيمان، قرينانِ لا يفترقان، وجهانِ لعملةٍ واحدة، إيمانٌ وعملٌ للصالحات، بهما يُدرِك العبدُ الفوزَ، وينالُ الرحمة؛ ويدخلُ الجنة بإذن الله، قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق:11].
فإخلاصُ التوحيدِ هو أصلُ الإسلامِ الأصيل وركنهُ المكين: {فَاعبدالله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:2]، فحققوا يا عباد الله التوحيد، واجتنبوا مظان الشرك ومسالكه، وعظوا بالنواجذ على شهادة التوحيد وكلمة الإخلاص، واعملوا بمقتضاها، وكمّلوا توحيدكم بطاعة نبيكم ﷺ واتباعه: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين} [النور:54].
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
أيها المباركون: من حاسبَ نفسَه ربِح، ومن نظرَ في العواقِب نجَا، ومن اتَّبَع هواه ضلَّ، ومن خافَ أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت:58].
والنفسُ بطبيعتِها مَلولَةٌ مُتقلِّبهٌ، تحتاجُ إلى تمرينٍ ومُسايسةٌ، حتى تألفَ الطاعات وتتعوَّدَ عليها، وهذه هي المجاهدةٌ التي ذكرها اللهُ تعالى في كتابهِ بقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
وإذا تأمَّلت في كلمةِ (سُبُلنَا)، علمتَ أنَّ طُرقَ الخيرِ كثيرةٌ ومُتنوعةٌ، وأنها كُلّها تُوصِلُ بإذن اللهِ إلى مَرضاةِ الله، ليختارَ الانسانُ منها ما يُناسِبهُ وما تنشرِحُ لهُ نفسهُ. {قد علم كُلّ أناسٍ مشربهم} [البقرة:60]، {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].
ثمّ إنّ عَلَى المُؤمِنِ النَّاصِحِ لِنَفسِهِ، أَن يُحَاسِبَ نفسهُ وَيَسعَى في تَصحِيحِ أَوضَاعِهَا، ومَهمَا تَغَافَلَ الإنسان عَن تَقصِيرِه، وتجاهلَ محاسبةَ نفسهِ والتفكير في مصيره، فإنهُ أَعلَمُ النَّاسِ بحاله، والأبصَرُ بِعُيُوبِهِ وأخطائه، {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَو أَلقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:14].
وفي صحيح مُسلِم: "الإِثمُ مَا حَاكَ في صَدرِكَ وَكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ". {يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ * مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَاب} [غافر:39].
اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد أيها الكرام: متى وفقَ المسلمُ أن يستثمرَ أوقاتِه بالشكل الصحيح، فإنّ طعمُ الحياةِ سيتغيرُ في حِسه، وسيصنعُ فارقًا ضخمًا لنفسه.
وإذا أرادَ الانسانُ أن يستثمرَ أوقاتهُ بكفاءةٍ وفاعلية، فعليه بثلاثة أمورٍ هامّة، أولها: أن يكونَ جادًا في تنظيم الوقتِ وتقسيمهِ، عازمًا على حُسنِ استثمارهِ وتوظيفه.
وثانيا: أن يتعلَّمَ فنَّ إدارةِ الوقت، وأن يتعوَّدَ على ترتيبِ مهامه وجدولة أعماله، فكل أمرئٍ وما تعود. ولكل جهدٍ مُنظم، مَردودٌ مُضاعف.
وثالثا: ضبطُ النفسِ والتحكّم بها: فبقليلٍ منْ الاهتمام سيتمكنُ الانسانُ منْ توظيفِ أوقاته المهدرةِ، فإن لم يكن كُلها فجلّها، وذلك مغنمٌ عظيم.
ألا فاستبقوا الخيرات يا عباد الله، فالحياةُ قصيرةٌ، والفرصُ محصورةٌ، والصوارفُ كثيرةٌ. والأيامُ تمرُّ سِراعًا، والأوقاتُ تمضي تباعًا. والمرءُ حيثُ يجعلُ نفسهُ، فإنْ رفعها ارتفعتْ وسمت، وإنْ أهملها اتَّضَعتْ وسفلت، ومن كانت له نفسٌ تواقةٌ، طارت به نحو المعالي. ومن تكُنِ العلياءُ همَّةَ نفسهِ. فكلُّ الذي يلقاهُ فيها محبَّبُ.
وفي الحديث القدسي الصحيح: "وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".
ووالله يا عباد الله: إِنَّهُ لتَوفِيقٌ عظيم، ومِنّةٌ كبرى، أن يهبَ اللهِ تعالى لعبده المؤمن أُذُنًا تعي وتَسمَعُ، وَقَلبًا يَخشَى وَيَخشَعُ، وعقلًا يرتدِعُ ويُقلِع، ونفسًا تستجيبُ للحق وتخضع.
قَالَ جَلَّ وَعَلا: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:18]. فطُوبَى لمن استمعَ ووعي، ثم عزمَ ونوى، ثمّ اجتهدَ فتزودَ ليوم الرُّجعى. {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد} [آل عمران:30].
اتقوا الله يا عباد الله: والتمسوا الأجرَ في عيدكم، كما التمستموه فيما مضى من شهركم. وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هدى الله، وأولئك هم أولو الألباب.
اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
يا نساء المسلمين: اتقين الله في أنفسكن، وأقمنَ الصلاة، وآتينَ الزكاة، وأطعنَ الله ورسوله، وتصدقن، وأكثرنَ الاستغفار، وقُمْنَ بحقّ الأزواج، والتزمنَ الحجاب، واحذرنَ التبرجَ والسفور وما يُغرِي مرضى القلوب. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59].
يا فتاةَ الإسلامِ، أنتِ فينا مُربِّيةُ الأجيالِ، وصانعةُ الرجالِ. فكوني كما أرادَكِ اللهُ، لا كما يريدهُ دُعاةُ الفتنةِ والتبرُّجِ. {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27].
اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
أيها الموفقون المباركون رجالًا ونساءًا: بجميل الكلامِ تدومُ المودَّة، وبحُسنِ الخُلُق يَطيبُ العيش، وبلين الجانبِ تستقيمُ الأمور، و"لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم} [فصلت:34].
فإذا عُدتم بفضل اللهِ لبيوتكم، فعودوا بقلوبٍ صافية، ونفوسٍ طيبة، صِلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا إلى من أساءَ إليكم.
فالعيدُ أعادكم الله: مناسبةٌ عظيمةٌ للتسامُح والتَّصافي، والتآلُفِ والتّآخي، فليكن شِعاركم: من الآنَ تصافينا. وننسى ما جَرى مِنّا. وهيَّا اخوتي هيَّا. لنرجِع مثلما كُنّا. فلا كانَ وَلا صارَ. وَلا قُلتُم وَلا قُلنا. فَقد قيلَ لَنا عَنكُم. كَمَا قيلَ لَكُم عَنّا. نسامحُكم من الأعماق. وأنتم فاصفَحوا عنَّا.
اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
أيها الكرام: إنّما فائدةُ الاستماعِ الانتفاع، ودليله الاتّباع، فكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:18].
وأوصيكم أن تُبقوا على رمضان في قلوبكم، نيةً للخير مستمرة، وفي سلوكياتكم، كفًا عن المعاصي والدنايا، وفي أخلاقكم، رُقِيًّا في التّعامل، ولينا في الكلام، وفي أعمالكم، طاعاتٍ تعودتم عليها، كصيام الأيام البيض، وحزبٍ ثابتٍ للقرآن، وتبكيرٍ للصلوات، ونوافلٍ في أوقاتها، وأن نداوم على القيام، ولو بثلاث ركعات قبل أن ننام.
والحذر الحذر من الغفلة، فالغفلةُ هي أشدُّ ما يضرُ القلوب، وإياكم والانشغالُ بالتوافه ورفقةُ البطالين، فبقدر الانشغالِ بالتوافه، يكونُ الانصرافُ عن المعالي والأمور الهامة، قد هيأوك لأمرٍ لو فطنت له. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
ألا فاتقوا الله ربكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، واهنأوا بعيدكم، وادعوا لإخوانكم المستضعفين والمضطهدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على الحق والدين. اللهم آمنا في أوطاننا.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات:180].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين