بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي شرع لنا من الدين ما يصلح به أمرنا، وجعل من الزواج ميثاقًا غليظًا، ورحمةً عظيمة، وآية من آياته الباهرة الدالة على حكمته ولطفه بعباده.
إنّ من أعظم مقاصد هذا الدين العظيم: حفظُ النسل، وصيانةُ الأعراض، وتزكيةُ النفوس بالعفاف، ولهذا شرع الله الزواج، وجعله سبيلًا شرعيًّا لإشباع الغريزة، وتحصين الفرج، وتكوين الأسر، وبناء المجتمعات.
وقد بيّن الله عز وجل في كتابه أن الزواج من آياته، قال جل جلاله:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١].
وقد أصبح غلاء المهور في زماننا هذا سدًّا منيعًا أمام كثير من الشباب، وحجابًا كثيفًا عن تحقيق سنة من سنن المرسلين. فكم من شاب أعرض عن الزواج! وكم من فتاة بقيت في بيت أهلها تنتظر من لا يأتي!
ولم يكن هذا حال السلف الصالح، الذين فهموا حقيقة الدين، وفقهوا مقاصده.
فهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لرجل أراد الزواج:
"التَمِسْ ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: أمعكَ مِنَ القُرْآنِ شيءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: قدْ زَوَّجْنَاكَهَا بما معكَ مِنَ القُرْآنِ". صحيح البخاري: 5135.
وهذا عبدالرحمن بن عوف تزوّج على وزن نواة من ذهب، ولم يُنكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ المغالاة في المهور ليست من الدين في شيء. بل هي من عادات الجاهلية التي لبست لبوس العصر. والناس اليوم قد جعلوا الزواج تجارةً ومفاخرة، فارتفعت التكاليف، واشتدت المغارم، وغاب المقصد الشرعي، وحضر الرياء والمبالغة.
تأملوا، رحمكم الله، قول الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(ألا لا تُغالوا بصُدُقِ النِّساءِ فإنَّها لو كانت مَكرمةً في الدُّنيا أو تقوى عندَ اللَّهِ لَكانَ أولاكم بِها النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ما أصدقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ امرأةً من نسائِهِ ولا أصدَقت امرأةٌ من بناتِهِ أَكثرَ من ثنتي عشرةَ أوقيَّةً). صحيح أبي داود: 2106.
أيها الآباء، أيها الأمهات، أيها العقلاء، ارحموا أبناءكم، يسّروا عليهم أمر الزواج، لا تجعلوه بابًا للديون، ولا طريقًا للهلكة، ولا بابًا للفتن.
كم من شاب اليوم لا يستطيع أن يتزوج! لا لضعف في دينه، ولا لتقصير في خلقه، وإنما لأن المجتمع قد فرض عليه مهورًا وأسقافًا وتكاليف لم ترد بها سنة ولا عرفها سلف.
وقد قال الله عز وجل:
﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾. سورة النور: ٣٢.
نعم، يُغنِهِم الله. فالفقر ليس مانعًا، بل الترف الزائد هو المانع، والخوف من كلام الناس هو الحاجز، واتباع العادات المريضة هو السبب.
أيها المسلمون، إن كثرة العوانس ليست مجرد أرقام، بل هي جراح في جسد المجتمع، وإن تأخر الزواج ليس شأنًا شخصيًا، بل هو مسألةٌ تُهدّد القيم، وتنشر الفواحش، وتُضعف الروابط. فهل آن لنا أن نرجع إلى الحق؟
فاتقوا الله، عباد الله، وكونوا عونًا لأبنائكم، وكونوا من المصلحين في هذا الباب، وأحيوا سنن الزواج، ويسّروا مهور بناتكم، فإن البركة في اليسير، والسعادة في البساطة، والرضا في التيسير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين