عقد النكاح في المسجد

85
3 دقائق
24 ذو القعدة 1446 (22-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فقد حصلت مباحثة حول ما اعتاده أهل مكة من عقد النكاح في المسجد، ومدى مشروعية ذلك فكتبت خلاصة في المسألة.

استحب الفقهاء عقد النكاح في المسجد ؛ للبركة، ولإشهاره، كما في " الموسوعة الفقهية " (37 / 214).

واستدل الفقهاء بما يأتي:

الدليل الأول: ورود الأمر بعقد النكاح في المسجد.

فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : "أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف"، أخرجه الترمذي، في أبواب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح: (٢/ ٣٩٠)، (حديث: ١٠٨٩)، من طريق عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به، وقال: غريب حسن، لكنه أشار إلى ضعف إسناده، فقال بعد ذلك: «وعيسى ابن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث»، وكذا ضعف إسناده الحافظ ابن حجر، فقال: «سنده ضعيف» كما في «فتح الباري» (٩/ ٢٢٦)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم ١٤٨١٤ وقال: عيسى بن ميمون ضعيف.

قال عبد القادر الأرنؤوط: *حديث حسن بشواهده* (جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير(11/439))، وضعفه ابن حجر، والألباني في الإرواء (1993).

قال الملا علي القاري في *مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح* (5/ 2072، ط. دار الفكر): [قوله: (واجعلوه في المساجد) وهو: إما لأنه أدعى إلى الإعلان، أو لحصول بركة المكان] اه..

الدليل الثاني: ثبوت ذلك من فعله، فقد ثبتت مشروعية عقد النكاح في المسجد بما رواه الشيخان في *صحيحيهما* عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.. قال: "اذْهَبْ، فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 206، ط. دار المعرفة): [وفي رواية سفيان الثوري عند الإسماعيلي: *جاءت امرأة إلى النبي وهو في المسجد*، فأفاد تعيين المكان الذي وقعت فيه القصة] اه. فهذه الرواية تدل على أن النبي أجرى عقد الزواج في المسجد وأعلنه.

الدليل الثالث: إقراره لعقد النكاح في المسجد.

ففي المصنف بَابُ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ، روى عبدالرزاق برقم ١٠٤٤٨ ‏ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِبْرَاهِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صالِحٍ، مَوْلَى التوْأَمَةِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ جمَاعَةً فِي الْمسْجِدِ، فقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: نِكَاحٌ قالَ: "هذَا النِّكَاحُ لَيْسَ بِالسفاح". وهو حديث مرسل.

بيان نصوص فقهاء المذاهب الأربعة في استحباب عقد النكاح في المسجد:

أولا: المذهب الحنفي:

قال الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (3/ 189، ط. دار الفكر): [ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد؛ لأنه عبادة، وكونه في يوم الجمعة] اه.

وقال في مجمع الأنهر (1/317): *ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد، وكونه في يوم الجمعة، واختلفوا في كراهة الزفاف فيه، والمختار: لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية*.

ثانيا: المذهب المالكي.

ففي *منح الجليل شرح مختصر خليل* (8/ 86، ط. دار الفكر): [(و) جاز (عقد نكاح) بمسجدٍ، واستحسنه جماعة] اه.

وقال الخرشي في شرح خليل (7/71): *يعني أنه يجوز عقد النكاح أي: مجرد إيجاب وقبول، بل هو مستحب*.

ثالثا: المذهب الشافعي.

قال ابن الصلاح في *شرح مشكل الوسيط* (3/ 561، ط. دار كنوز إشبيليا): [يستحب أن يكون العقد في مسجد] اه.

وجاء في *مغني المحتاج* (4/ 207، ط. دار الكتب العلمية): [ويسن أن يتزوج في شوال، وأن يدخل فيه، وأن يعقد في المسجد، وأن يكون مع جمع، وأن يكون أول النهار] اه.

رابعا: المذهب الحنبلي.

قال البهوتي في *كشاف القناع عن متن الإقناع* (2/ 368، ط. دار الكتب العلمية): [ويباح فيه عقد النكاح، بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب] اه.

وذكر الاستحباب شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٨).

وقد تظافرت عبارات شراح الحديث عند كلامهم على الحديث الأول الذي رواه الترمذي على مشروعية عقد النكاح في المسجد، ولم أجد من استنكر ذلك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق