دعوات الشافعي... وتخريج المعلمي

172
3 دقائق
24 ذو القعدة 1446 (22-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الناظر في كتب الشافعي يجد أن له -رحمه الله- سَننًا عاليًا في الثناء على الله تعالى ودعائه وذكره والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام.

وكان لأدعيته شيوعٌ لدى أهل العلم، فضمَّنوها كتبهم وتناقلوها جيلًا بعد جيل، وعُنِي بها بعضهم كخادم علومه البيهقي رحمه الله، فقد قال في موضعٍ بعد نقله كلامًا للشافعي: (وله دعواتٌ حسانٌ قد نَقلْتُ أكثرَها إلى كتاب الصلاة والحج من كتاب «المعرفة») مناقب الشافعي (1: 402).

ومما يلاحظه المطالع أن للشافعي في مواضعَ من العبادات أدعيةً لم يرد فيها شيءٌ، بل كان هو الواضعَ لها، وكان مع ذلك يستحب للمرء أن يقولها، ومن تتبَّع كلام الشافعي أدرك أن له في هذا الباب -أعني باب الأدعية والأذكار- اتساعًا، على خلاف غيره من الأئمة ممن كانوا يغلبون جانب التوقيف في ذلك، وهذا من مواضع البحث الجديرة بالتحرير والعناية.

وممن وقفت على تحريرٍ له لبعض مرادات الشافعي في ذلك: العلامة المعلمي رحمه الله، فقد تعرض لما يضعه الشافعي من ذلك مصرِّحًا فيه بالاستحباب، وخرَّجه تخريجًا حسنًا على خلاف طريقة بعض الفقهاء من أهل مذهب الشافعي والمذاهب الأخرى ممن تلقَّى أدعية الشافعي تلك مستحبًّا لها على سبيل التعيين والتخصيص.

قال المعلمي رحمه الله:

(ذكر الشافعي في الحج أدعيةً بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسندٍ لا يثبت، وبعضها حكاها عن بعض التابعين، وبعضها لم يَحْكِها عن أحد، ويعبر عنها بقوله: «أستحب» ونحوه.

وقد يُتَوهَّمُ أن تلك الأدعية مستحبة على التعيين، وليس هذا مرادَ الشافعي إن شاء الله، وإنما مراده -إن شاء الله- أن الدعاء المناسب للمقام مستحب، وذلك الدعاء الذي ذكره مناسب، وروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن بعض السلف يُكسِبُ النفس طمأنينة بسلامة الدعاء مما يكره، ولو عَدَل الحاج عنه إلى دعاء آخر مناسب كان قد أتى بالمستحب، ولهذا قال الشافعي في باب القول عن رؤية البيت بعد أن ساق بعض الأدعية: «فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال من حَسَنٍ أجزأه إن شاء الله تعالى».

وهذا كثيرٌ في كلام الشافعي، يقول: «أستحب كذا»، ويذكر مثالًا خاصًّا، يريد -والله أعلم- أنه فردٌ من أفراد المستحب المطلق، لا أنه مستحب بعينه) مجموع الرسائل الحديثية «أحكام الحديث الضعيف» (ص194).

ثم أورد المعلمي بعد ذلك -على سبيل التمثيل- استحباب الشافعي للصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند الذبح، مع عدم ورود ذلك.

يقول الشافعي: (ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبه له) الأم (3: 621).

قال المعلمي بعد نقله كلام الشافعي في هذه المسألة:

(قوله: "بل أحبه له" مراده أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم محبوبة مطلقا، وهذا الموضع من أفراد ذلك المطلق، وهذا ظاهر في سياق عبارته، وإن غلط في هذا بعض الفقهاء فزعم أنها مستحبة في هذا الموضع بعينه على الخصوص).

هذا المثال أحسب أنه كاشفٌ لبعض منهج الشافعي في هذا الباب إذا ما قارنتَ قولَه فيه بقول غيره من الأئمة.

ففي مقابل استحباب الشافعي تجد من أهل العلم من ينكر ذلك، وقد ألمح إليهم الشافعي في تتمة كلامه واشتد في الرد عليهم.

ويُنقَل عن الإمام مالك كراهة ذلك، وقيل بأنه المراد في رد الشافعي.

وأما الإمام أحمد فيقول ابنه عبدالله: (سألت أبي: ما يقال عند الذبيحة؟ قال: يقال: «بسم اللَّه، واللَّه أكبر». قلت لأبي: هل يصلي على النبي عند الذبيحة؟ قال: ما سمعت فيه بشيء) مسائل عبدالله (969).

فتلحظ هنا قدرًا من الافتراق بين مسالك الأئمة في هذا الباب من الفقه، بين مستحب ومانع ومتوقف.

فهذا بابٌ من الفقه دقيقٌ، وهو كما أسلفتُ جديرٌ بالتتبع والتحرير، ليصل المرء فيه إلى قولٍ قاصدٍ من خلال النظر في تصرفات الأئمة المتقدمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق