بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يتصدر الصدق منظومة القيم، وهو من كمالات الأخلاق، وهو دليل على سلامة القلب وخلوه من الأمراض الباطنة التي تفتك بالمرء، وتنهك قواه النفسية، وتحطم أواصر المجتمع.
إن أعظم من جسد الصدق عمليًا في تاريخ الانسانية هو الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عرف بالصادق قبل بعثته، فقد كانت أفعاله تطابق أقواله، وشهد على صدقه العدو قبل الصديق، وأكد لأمته على أهميته وضرورته للفرد والمجتمع.
روى الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حديثا عظيما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ وإنَّ الرَّجلَ ليصدقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عندَ اللَّهِ صدِّيقًا وإنَّ الكذبَ يَهدي إلى الفجورِ وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتَبَ عندَ اللَّهِ كذَّابًا" أخرجه البخاري.
الحديث، يبين طريقين طريق يوصل سالكه إلى الجنة وطريق يوصل سالكه إلى النار فلكل طريق أهله.
الطريق إلى الجنة دليله الصدق والصدق يرشد صاحبه إلى البر.
فكيف يهدي الصدق إلى البر؟
إن البر هو جامع لأنواع الخير، التي تقرب إلى الله سبحانه، ومن أسمائه تعالى البَرُّ اي كثير الإحسان والخير، فالبِر يعني كثرة الخير، وهو من ثمرات الصدق، ولا يكون الانسان مكثرا من الخيرإلا وبين جنباته قلبا مخموما سليما عامربالإيمان الصادق انعكس على اقوله وأفعاله، وحركاته حتى الدقيقة منها كإشارات اليد والعين و الحاجب والرأس.
صادقًا مع الله بإخلاص أعماله، صادق مع نفسه في نيته وقصده، معترفًا بضعفه أمام الفتن، مقرًا بأخطائه ساعيًا لإصلاحها، صادق مع الناس بكلامه وتعاملاته.
يدرك تمامًا أن الصدق يبني جسور الثقة بينه وبين المجتمع من حوله، وأنه السبيل الأنجع لتكوين علاقات ناجحة، وروابط صلبة لا تتحطم. وهذا الزاد الطيب الذي يحمله حقيق أن يبلغه إلى الجنة.
كيف يتحرى الإنسان الصدق؟
التحري في اللغة: هو القَصْدُ و الاجتهادُ في الطلب و العزمُ على تخصيص الشيء بالفعل و القول. ذكر عبدالرحمن حبنكة الميداني في كتابه الأخلاق الإسلامية وأسسها كلامًا جميلا عن كيفية تحري الصدق قائلًا: (إن خلق الصدق في حياة الإنسان قابل للاكتساب، وقابل للتنمية والترسيخ، عن طريق التدريب العملي المقترن بالإرادة الجازمة، والانسان يتحرى الصدق في الأقوال وفي مختلف وسائل التعبير العملية، لا يسمح لنفسه بأن يلقي كلامًا جزافًا دون ترو ولا بصيرة، لا يسمح لنفسه بأن يتبع ماليس له به علم فيحكم بالظنون التي ليس لها ما يدعمها ويؤيدها من الأدلة التي تثبت أو تنفي، لا يسمح لنفسه أن يُرائي أو ينافق في أعماله وأفعاله. لأنه يحرص على الصدق ويتحراه بإرادته الجازمة، وعندئذ يكون صدّيقًا).
ومعني هذا أن الصادق يسعى في طلب الصدق بل يبحث عنه في كل ركن، ويتحراه في قضاياه الحياتية، مع أسرته وأبنائه، في ميدان عمله، ومع جيرانه، وفي أماكن عبادته في السوق، وفي الشارع ولا يفوت عن نفسه مكان ولا زمان إلا وينثر بذور الصدق مجتهدًا في ذلك أيما اجتهاد لأن الصدق أصبح ملكة راسخة في وجدانه، فينصبغ بالصبغة التي يحبها الله، تجعله يكتب عند الله صدّيقًا. نسأل الله أن يجعلنا من الصادقين.
والكذب دليل للفجور والفجور دليل إلى النار:
فكيف ذلك؟
الكذب: خلاف الصدق، قال الجرجاني: *هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع سواء بالقول أو بالإشارة، أو بالسكوت* والكذب خسيسة، وخلق مذموم سالك نهجه يوصل إلى الفجور.
والفجور عرفه العلماء بأنه: الانبعاث في المعاصي والتوسع فيها، وقيل الفجور: اسم جامع لكل شر أي الميل إلى الفساد والانطلاق إلى المعاصي، ومن صوره الظلم، الفسوق، النفاق، الغرور....
والفاجر: هو السالك لطريق النار البعيد عن الحق، المنحرف عن طريق الهداية.
ولكن كيف يهدي الكذب إلى الفجور؟
إن الكذب نوع من انواع النفاق، والنفاق نفاق قول ونفاق عمل، والمنافق يظهر ما لا يبطن، فهو إذا حدث كذب وإذا اوتُّمن خان وإذا وعد أخلف، فالكاذب ️محركه الأساسي هواه، ومصالحه، ولما كان النفاق فجورا كان المنافق في الدرك الأسفل من النار.
كيف يكون تحري الكذب؟
و تحري الكذب هو ممارسته، والاصرار عليه، بل من الناس من يفتخر بذلك ويجهر به، وهنا تكمن الخطورة والمصيبة، وربما غاب عنه حقيقة أن الكذب عنده عادة قد تحولت إلى خلق راسخ وملكة لا يمكن التخلي و الابتعاد عنها، ويعيش حياته كذب في كذب، في أقواله، وإشاراته كلها لمز وغمز، مغرورًا متكبرًا، يكذب على الله، وعلى رسوله ﷺ، يكذب على نفسه وعلى المجتمع من حوله، تفوح منه رائحة الكذب حيث حل، يفقد مصداقيته، لا يَثق فيه أحد، فريسة سهلة للشيطان يتخبطه من كل جانب، يدخل في دائرة الكذابين المفترين، الشاهدين بالزور، فتهون عليه معظم أعمال الفجور فيفقد السيطرة على تصرفاته، وتضيع منه بوصلة الهداية، ويُحرم التوفيق في حياته، فلا هو ربح الدنيا ولا نال رضا الله في الآخرة، فيُدفع إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين