طب الأمراض التنفسية في السنة

175
5 دقائق
4 ذو الحجة 1446 (01-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

تكثر أمراض التحسس التنفسي في وسط الجزيرة العربية بسبب الجفاف وشدة الحر صيفا وشدة البرد شتاء، وما يتخلل ذلك من موجات غبارية بين الفصلين.

وقد جمعت ضمن موسوعة الطب النبوي، يسر الله تمامها ما ورد في السنة النبوية في الأمراض التنفسية، وقاية وعلاجا، ومن الله أستمد العون.

مداومة الاستنشاق والاستنثار وقاية من أمراض الأنف.

وقد أمرنا بالوضوء قبل الصلاة وقبل الطواف وقراءة القرآن، ومن فرائض الوضوء الاستنشاق والاستنثار، وفي ذلك تنظيف للأنف وترطيب له. والوضوء والغسل المتكرر تطهير للبدن، فقد روى البخاري (528) ومسلم (667) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟"، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا".

وقد صح عن لَقِيْط بن صَبِرَة قال: "قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" ([1]).

وعن ابن عباس عن النبي : "استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا" ([2]) .

الاستنثار بعد الاستيقاظ من النوم:

كما شرع لنا بالاستنثار بعد الاستيقاظ من النوم، ففي حديث أبي هريرة أن النبي قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" ([3]) .

الثوم للأمراض التنفسية:

في مصنف ابن أبي شيبة [٢٦٠٧٦] حدثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة أن النبي وجد من المغيرة ريح ثوم، فقال: "ألم أنهكم عن هذه الشجرة؟ فقال: يا رسول الله، أقسمت عليك لتدخلن يدك، قال: وعليه جبة أو قميص، فأدخل يده فإذا على صدره عصاب، قال: أرى لك عذرا". اه رواه أبو هلال الراسبي وسليمان بن المغيرة عن حميد عن أبي بردة عن مغيرة بن شعبة. أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما. وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وقوى الدارقطني المرسل.

وروى ابن أبي شيبة [٢٤٩٥٦] بسند حسن حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن عيسى بن حطان عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه كان إذا اشتكى صدره، صنع له الحسو فيه الثوم فيحسوه.

وروى ابن أبي شيبة [٢٤٩٥٧] بسند جيد حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن عبدالله بن الحارث عن نافع أن ابن عمر كان إذا اشتكى صدره، صنع له الحساء فيه الثوم، فيحسوه. اه عبدالله بن الحارث هو نسيب بن سيرين.

وروى ابن سعد [٥١٣٢] بسند صحيح أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن نافع قال: لما غزا ابن عمر نهاوند أخذه ربو، فجعل ينظم الثوم في الخيط، ثم يجعله في حسوة فيطبخه، فإذا أخذ طعم الثوم طرحه، ثم حساه.

الزيت ومدقوق الحبة السوداء للعطاس:

قال ابن حجر: ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض معه عطاس كثير وقالوا تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات فلعل غالب بن أبجر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن أبي عتيق الصفة المذكورة. فتح الباري (10/ 144).

الوقاية من الأمراض التنفسية:

أمرنا بالبعد عن أي مسبب للأمراض التنفسية، وفي ذلك عدد من التوجيهات النبوية، وبيانها فيما يأتي:

التوجيه الأول:

منع المصاب بمرض تنفسي معدي من صلاة الجمعة والجماعة:

روى البخاري (5771) ومسلم (2221) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ".

وقد نهت الشريعة عن إيذاء المصلين بالريح السيئة، فما بالك بالأمراض المعدية، فقد روى البخاري (855) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عبدالله رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ" وروى مسلم (567) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فكان مما قال: "ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا".

قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (6/422): وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه: أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه، لأن رسول الله قال: "لا يقرب مسجدنا أو مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم) وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به، ففي القياس: أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب (سليط) اللسان، سفيهًا عليهم في المسجد، مستطيلًا، أو كان ذا ريحة قبيحة لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت كان له مراجعة المسجد".

قال الرحيباني الحنبلي: "وَيُمْنَعُ أَبْرَصُ وَمَجْذُومٌ يُتَأَذَّى بِهِ" مِنْ حُضُورِ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ، "فَلا يَحِلُّ لِمَجْذُومٍ مُخَالَطَةُ صَحِيحٍ بِلا إذْنِهِ"، أَيْ: الصَّحِيحِ. فَإِنْ أَذِنَ بِذَلِكَ، جَازَ لَهُ مُخَالَطَتُهُ، لِحَدِيثِ: "لا طِيَرَةَ وَلا عَدْوَى" الْحَدِيثَ.

(وَعَلَى وَلِيِّ أَمْرٍ مَنْعُهُ)، أَيْ: الْمَجْذُومِ مِنْ مُخَالَطَةِ الأَصِحَّاءِ، لِحَدِيثِ (فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الأَسَدِ) انتهى من* مطالب أولي النهى* (1/699).

وقال البهوتي في *كشاف القناع* (6/126): (ولا يجوز للجُذَمَاء مخالطة الأصحاء عموما، ولا مخالطة أحد معيَّن صحيح إلا بإذنه، وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن يسكنوا في مكان منفرد لهم) ونحو ذلك.

وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم أثم، وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به: فسق، قاله في الاختيارات، وقال كما جاءت به سنة رسول الله وخلفائه وكما ذكر العلماء.

التوجيه الثاني: منع التجشؤ:

فقد ثبت عن أبي جحيفة قال: "أكلت ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت النبي - ﷺ - فجعلت أتجشأ فقال: يا هذا! كف من جشائك فإن أكثر الناس شبعًا في الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة" رواه الحاكم (4/135، 346)، والطبراني في *الكبير* (22/132) (351)، والبزار (3669-كشف)، وهو عند الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر الآتي، وليس لهما من حديث أبي جحيفة وانظر *الترغيب والترهيب* للمنذري (3/99).

التوجيه الثالث: إقفال الفم عند التثاؤب:

فقد صح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "إذا تثاءب أحدكم ‌‌فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل" وفي رواية: "فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل" أخرجه مسلم (4/2293) (2995).

التوجيه الرابع: إقفال الفم عند العطاس:

فقد روى الترمذي (5/86) (2745) وعن أبي هريرة: "أن النبي ﷺ كان إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته"، قال الترمذي: وقال: حديث حسن صحيح.

التوجيه الخامس: النهي عن التنفس في إناء الشرب:

فقد صح عن أبي قتادة قال: قال رسول الله : "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء" البخاري (1/69، 5/2133) (152، 153، 5307)، مسلم (1/225، 3/1602) (267).

وعن ابن عباس "أن النبي ﷺ نهى أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه" وهو عند أبي داود (3/338) (3728)، والترمذي (4/304) (1888)، وابن ماجه (2/1094، 1134) (3288، 3429)، وأحمد (1/220).

وعن أبي سعيد الخدري: "أن النبي ﷺ نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء. فقال: أهرقها. فقال: إني لا أرى من نفس واحد. قال: فأبن القدح إذًا عن فيك" أحمد (3/26، 32)،والترمذي (4/303) (1887)، ومالك في "الموطأ" (2/925) (1650)، وابن حبان (12/144-145) (5327)، والحاكم (4/155)، والدارمي (2/161) (2121).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


([1]) رواه أبو داود (1/35) (142) ، النسائي (1/66) ، الترمذي (3/155) ، ابن ماجه (1/142) (407) ، وأحمد (4/33) ، ابن خزيمة (1/78، 87) (150، 168) ، ابن حبان (3/368) (1087) ، الحاكم (1/248) وصححه الترمذي، وقال: إن البخاري صححه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبغوي وابن سيد الناس في "شرح الترمذي"..

([2]) رواه أحمد (1/228) ، أبو داود (1/35) (141) ، ابن ماجه (1/143) ولم يذكر «بالغتين» ، الحاكم (1/249) ، ابن الجارود (1/31) (77) وصححه ابن القطان والحاكم وابن الجارود..

([3]) البخاري (3/1199) ، مسلم (1/212).


مقالات ذات صلة


أضف تعليق