إمامة الطفل بالكبار

216
3 دقائق
4 ذو الحجة 1446 (01-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

قبل أيام صلى صبي بصبي مثله في جماعة قانية بمسجدنا، فأتى رجال كثر واقتدوا بالصبي وصار الصف طويلا، وارتبك الصبي، فسارني رجل باكستاني قائلا: كيف هذا صغير يصلي أماما، كيف يعرف الطهارة وسجود السهو؟ فبحثت مسألة إمامة الصبي للكبار، وكتبت خلاصتها، ومن الله أستمد العون.

المبحث الأول: تشديد الإمام أحمد في منع إمامة الصغير للكبار:

نقل أبو طالب عن الإمام أحمد في إمامة الغلام: لا يصلي بهم حتى يحتلم لا في المكتوبة ولا في التطوع.

قيل له: فحديث عمرو بن سلمة أليس أم بهم وهو غلام؟

فقال: لعله لم يكن يحسن يقرأ غيره.

"فتح الباري" لابن رجب 6/ 174

وقال أبو عبدالله النجاد: ذكر له حديث عمرو بن سلمة، فال: دعه ليس بشيء فضعفه.

ونقل عنه جعفر بن محمد النسائي: هذا كان في أول الإسلام من ضرورة.

"الانتصار" 2/ 459

وقال عبدالله: قلت لأبي: إذا صلى الغلام الذي لم يدرك؟

قال: يعجبني أن يكون قد بلغ.

قلت: في رمضان؟

قال: لا يعجبني إلا من بلغ، والفريضة أشد.

"مسائل عبدالله" (407).

وقال عبدالله: سألت أبي عن غلام أم قومًا قبل أن يحتلم؟

قال: لا يعجبني أن يؤم، إلا أن يحتلم.

"مسائل عبدالله" (394).

وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا يؤم الغلام حتى يحتلم. فقيل لأحمد: حديث عمرو بن سلمة؟

قال: لا أدري، أي شيء هذا.

وسمعته مرة أخرى وذكر هذا الحديث، فقال: لعله كان في بدء الإسلام.

"مسائل أبي داود" (294).

وقال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: يؤمُ القومَ مَنْ لمْ يحتلمْ؟ فسكتَ.

قُلْتُ: حديث أيوب عن عمرو بن سلمة؟

قال: دعه ليس هو شيء بَيِّن. جَبُنَ أن يقولَ فيه شيئًا.

"مسائل الكوسج" (247).

المبحث الثاني: بيان قول الجمهور في إمامة الصغير للكبار:

في "الموسوعة الفقهية" (6/203-204).

" جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْمَامَةِ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ بَالِغًا، فَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ عِنْدَهُمْ؛ لأِنّها حَال كَمَالٍ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلأِنَّ الإِمَامَ ضَامِنٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْل الضَّمَانِ، وَلأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مَعَهُ الإْخْلاَل بِالْقِرَاءَةِ حَال السِّرِّ.

والشافعية الذين انفردوا بإجازة إمامة الصغير بالكبار قالوا: الْبَالِغُ أَوْلَى مِنَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ، لِصِحَّةِ الاِقْتِدَاءِ بِالْبَالِغِ بِالإْجْمَاعِ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الاِقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ.

المبحث الثالث: أدلة قول الجمهور في منع إمامة الصغير للكبار:

واستدل الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، بما يأتي:

الدليل الأول: ما رواه البخاري ومسلم قال : "إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتمَّ به؛ فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد.."الحديث. البخاري برقم (378) و (688) و (689) و (722) و (732) و (733) و (734). ومسلم برقم (414).

ووجه الدلالة أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الاختلاف على الإمام، وصلاةُ الرجالِ فرضٌ، بينما هي في حقِّ الصَّبيِّ نفلٌ؛ لأنه غيرُ مُكلَّفٍ، فحصلَ الاختلافُ بينَ الإمامِ والمأمومِ، وهُو منهيٌّ عنْهُ، فدلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إمامةِ الصَّبيِّ.

الدليل الثاني: حديث علي رضي الله عنه أن النبي قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق". رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. وروياه أيضا من رواية عائشة رضي الله عنها.

الدليل الثالث: ما ورد عن ابن عباس من قوله: لا يؤم غلام حتى يحتلم.

الدليل الرابع: من النظر: أنه غير مكلف فأشبه المجنون.

المبحث الرابع: جواب الجمهور عن استدلال الشافعي بحديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه:

استدل الشافعي بما في صحيح البخاري (4302) وأبي داود (585) والنسائي (767) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلمَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا رَجَعَ قَوْمِي مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ قَالُوا إِنَّهُ قَالَ: "لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ. قَالَ: فَدَعَوْنِي فَعَلَّمُونِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ".

وأجاب عنه الجمهور بما يأتي:

1- أنه واقعة عين ولم تتكرر، فلا تكون أصلا.

2- أنها في بداية الإسلام.

3- أنهم لا يحسنون الفاتحة ولا شيئا من القرإن. بدليل ما في البخاري البخاري عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: قدم أبي من عند النبي فقال: أنه سمع النبي يقول: "إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآنا، قال فنظروا فلم يجدوا أحدًا أكثر مني قرآنا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين" (المغازي/3963).

4- وأجاب ابن حزم في المحلى على استدلال الشافعية بحديث: يؤم القرم أقرؤهم… بأن الخطاب للكبار، والصغير غير مكلف. المحلى جزء ٣ صفحة ١٣٤- ١٣٥.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق