فوائد من درس دلائل الإعجاز 44

108
6 دقائق
13 ذو الحجة 1446 (10-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 6 من ذي القعدة 1446ه الموافق لـ 4 من مايو 2025م:

• حدَّثنا سيدُنا عن الكلمات التي يُحبُّها اللهُ؛ أربعُ كلمات هنَّ أحبُّ إلى الله: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر"، وابدأ بأيِّها شئتَ.. وسيدُنا رسولُ الله لمَّا عَرَف ذلك قال: "وهنَّ أحبُّ إليَّ من الدُّنيا وما فيها"؛ فهي كلماتٌ أربعٌ هي أحبُّ الكلمات إلى الله، وهي أحبُّ إلى رسول الله من الدُّنيا وما فيها؛ فلا بُدَّ أن نُكثِرَ مِن ذِكرها.. وأنا أحاول في بعض الدُّروس أن أبدأ بمثل هذه النصائح؛ لأن الأصل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}؛ لأن العِلمَ لن يَنفع إلَّا إذا كان مصحوبًا بالعمل، وربُّنا يتولَّانا جميعًا ويُوفِّقنا إلى الذي يَقبلُه ويَرضاه.

• القضيةُ الأمُّ التي يتكلَّم فيها عبدُ القاهر هي تأكيدُ معنى بلاغة البيان، وعبدُ القاهر يقول ويُكرِّر ويُلحُّ على أن فَضْلَ بيانٍ على بيانٍ لا يَرجِعُ إلَّا إلى المعنى، وأن الفصاحة وَصفٌ للمعاني، وأن قيمة البيان هو ما تُدركه الأفئدة وما تُصيبه العقول، وليس للبيان قيمةٌ يُدركها اللِّسانُ ويُدركها الفَمُ.. البلاغةُ أيها النَّاس بلاغةُ القلوب والعقول، وليست بلاغةَ الأفواه والأشداق، وهذه هي الحقيقةُ التي يَدورُ عليها كتاب «أسرار البلاغة» ويدور عليها كتاب «دلائل الإعجاز».

• فَضْلُ كلامٍ على كلامٍ هو ما يَقعُ مِن المرء في فؤاده، هو ما يُصيب القلوبَ والعقول، هو ما يُجلِّي الأفئدةَ والبصائرَ، وليس ما يُسمَع.

• قال العلماءُ إن للَّفظِ حلاوةً، وكثيرًا ما ذكروا حلاوةَ الألفاظ، نَعم، ولكنَّ هذه الحلاوةَ لم تَقعْ في الألفاظ إلَّا للَّذي وراء الألفاظ مِن مَعان.

• لا نُنكر أن للَّفظ حلاوةً، ولكنَّ حلاوةَ اللَّفظ إنَّما كانت مِن حلاوة المعاني، ولم تأتِ للألفاظ حلاوةٌ من ذات الألفاظ.

• ذواتُ الألفاظ ليس فيها فَضلُ كلامٍ على كلام، وليس فيها بلاغةٌ، وإنَّما البلاغةُ شيءٌ يَقعُ في القلب ويَقعُ في العقل، وهذه حقيقةٌ جيِّدةٌ جدًّا؛ لأنها تَعني أنني وأنا أُحسِّن بياني إنَّما أُحسِّن أفكاري وأُحسِّن المعاني؛ لأن خطابي لك ليس خطابًا لأُذنَيْك، وإنَّما خطابي لك خطابٌ لقلبك وعقلك؛ لأنك إنسانٌ ليس لفَضلٍ في أُذنَيْك، وإنَّما أنت إنسانٌ لفَضلٍ يَرجعُ إلى قلبك وعقلك.

• مع ما بَذلَه عبدُ القاهر في هذا الباب؛ الذي هو أن البلاغةَ لا تَرجِع إلى اللَّفظ وإنَّما تَرجِع إلى المعنى - لا نزال نقول في علم البديع إنه مُحسِّناتٌ معنوية ومُحسِّناتٌ لفظية، مع أن فِكرَ عبد القاهر يرفض فكرة «مُحسِّنات لفظية».

• أهمُّ من المعرفة التي نبحث عنها هو إلحاحُ العالِم على تثبيت الحقيقة في القلوب، ويا ليتني كنتُ كذلك، ويا ليت كلَّ مُعلِّمٍ يَقف أمام أبنائنا يُعلِّمهم أن يكونوا كذلك: يُلِحُّوا على زَرْع الصَّواب في القلب.

• إذا تهيَّأ لك زَرْعُ الصَّوابِ في قلب طلابك، وتهيَّأ لغيرك زَرْعُ الصَّواب في قلب طلابه، نكون قد أنشأنا جيلًا أحسنَّا زَرْعَ الصَّواب في قلبه، وما دُمنا أحسنَّا زَرْعَ الصَّواب في قلبه فسيُنتج لنا هو الآخرُ أجيالًا تُحسِنُ زَرْع الصَّواب، ونَخرجُ مِن سرداب التخلُّف الذي ليس منَّا ولسنا منه.

• نحن - كما وَصَفَنا ربُّنا - خيرُ أُمَّةٍ أُخْرِجتْ للنَّاس، ونحن الذين أدخلْنا أنفسَنا في سرداب التخلُّف.

• لا بُدَّ أن يكون عندك بصيرة، ولا تنتظر مِن المُعلِّم أن يُعلِّمَك البصيرة؛ لأن غايةَ ما يُوفِّقه الله إليه أن يقول لك: «البصيرةُ هناك في هذا الطريق»، وأنت عليك الكدُّ والسَّعيُ والجِدُّ والعملُ لتَبْلُغَها.

• إذا كنتَ ستنام وتعتقد أنني سوف أصنعُ منك إنسانًا فلن أستطيع ذلك؛ لأني لم أستطعْ أن أصنعَ إنسانًا مِن ذات نفسي، إنَّما عليك أن تَجِدَّ أنت وتَجتهِدَ أنت.

• لستُ مُطالَبًا بأن أجعلَ منكم شيئًا؛ لأن الذي يَجعلُ منكم شيئًا هو أنفسُكم بمَدَدٍ من الله.

• أنا فقط عليَّ أن أبذلَ أقصى جُهدي في أن تكونوا شيئًا؛ فإذا بذلتُ أقصى جُهدي ولم تكونوا شيئًا فلا حول ولا قوة إلَّا بالله، «ومُبْلِغُ نَفْسٍ عُذْرَها مِثلُ مُنْجِحِ»، وأنا عليَّ أن أُبْلِغَ نفسي عُذْرَها.

• أنتم لا تَعلمون أنني أُعِدُّ الدرسَ لكم مع أنني أحفظُه، وكتبتُ فيه، وكتبتُ عنه، ودرَّسْتُه.. أُعِدُّه لكم لأن إعدادي ومجهودي المبذولَ في العمل ممَّا أرجو به من الله القبول.

• تعليقًا على تكثيف الإمام عبد القاهر العباراتِ التي تدلُّ على معنًى واحد، قال شيخُنا: عبدُ القاهر يُنمِّي ثروتَك اللُّغوية، ويُلِحُّ على المعنى بسلسلةٍ من الكلمات والجُمَل، وبسلسلةٍ من الألفاظ العالية الجَزْلة التي تعبِّر عن المعنى الواحد، وكأنه يريد أن يَزيد ثروتَك البيانية؛ لأنك لن تُحْسِنَ فَهْمَ البيان إلَّا إذا كنتَ قادرًا على صناعة البيان، ولهذا كان أعلمُ النَّاس بالبيان هم صُنَّاع أكرمِ بيان.

• في كلِّ ما يقولُه الكرامُ عطاءٌ، وإنْ وفَّقك الله لتسعى سَعْيَ الكرام فسيَهْدِيك الله لمعرفة كلِّ هذه الأشياء.

• لا أشكُّ في أن يكونَ منكم علماءُ أفضلُ مني بكثير، وهذا ما أرجوه، وقد قلتُ لكم كثيرًا إننا إذا لم نَرُمْ ونستشرفْ ونتطلَّعْ إلى أن نُربِّيَ مَن هم خيرٌ منا فنحن أناسٌ خَوَنةٌ لهذه البلاد التي نعيش فيها، وإنَّما المشكلة في أن الذين أراهم يمكن أن يكونوا أفضلَ مني لم يُلازموا القراءة، والطريقُ هو ملازمةُ القراءة، وقلتُ وكرَّرتُ: يجب أن تَشغلَك القراءةُ عن كلِّ شاغلٍ ولا يَشغلَك شاغلٌ عن القراءة.

• التاريخ السياسيُّ علَّمني شيئًا جليلًا جدًّا جدًّا؛ علَّمني أن كرام علمائنا رأوا أنفسَهم أنهم لو دخلوا المعتركَ السياسيَّ فلن يفعلوا فيه شيئًا؛ لأن المعتركَ السياسيَّ له طرائقُ، وهي القوَّة، المعتركُ السياسيُّ الحقُّ فيه للأقوى، وليس لصاحب الحقِّ؛ فتَجنَّبُوه وشُغِلُوا بالعلم.

• الإمامُ «مالكٌ» حين تجنَّب الصِّراعَ بين بني أميَّة وبني العبَّاس، والتنازعَ السياسيَّ الذي كان فيه، وأغلقَ بابَه على نفسِه - كَتب لنا «الموطَّأ» الذي لا يزال يُعطينا، و«الشافعيُّ» كَتب لنا «الرِّسالة» و«الأُمّ».. كَتبوا لنا ما يُعطينا؛ لأنهم لو دخلوا المعتركَ السياسيَّ فلن يفعلوا شيئًا، وسيَضِيعُ ما رامُوه من خدمة خير أُمَّةٍ أُخْرِجتْ للناس.

• أيُّ شيء يَشغلُك عن خدمة خير أُمَّةٍ أنزلَ الله فيها خيرَ كتاب وبَعثَ فيها خيرَ نَبيٍّ؟!

• الذين يعملون على تخلُّف هذه الأُمَّة هم مِن أسوأ خَلْقِ الله، والذين يَبذلون أقصى ما عندهم في رِفْعة شأن هذه الأُمَّة هم أهلُ الله.

• الذين يُقيِّدون هذه الأُمَّة بالأغلال والسلاسل ليَبْقُوا حُكَّامًا بئس هُم، وبئس الحُكْم، وبئس الأغلالُ التي تُوضَع في أرجُل خير أُمَّةٍ أُخْرِجتْ للناس.

• يا سيدنا، خيرُ أُمَّةٍ فيها خيرُ كتابٍ وخيرُ نَبيٍّ - ابْذُلْ أقصى ما عندَك في خدمتها ولا تَضَعْ حَجرًا في طريقها.

• العلمُ ليس معرفةَ «رأيتُ أسدًا» ولا «رأيتُ بحرًا»، هو علمٌ نَعَم، وهو مِن العلم الجليل، ولكن ابحثْ في الحواشي التي حولَه، انظرْ في الهالَة التي صَنعها عبدُ القاهر الجُرجانيُّ حول «رأيتُ أسدًا» وحول «كثير الرَّماد» وحول «أراك تُقدِّم رِجْلًا وتؤخِّر أخرى»، وانظرْ إلى شبكة الأفكار التي أبان فيها عبدُ القاهر معنى ذلك كلِّه.

• إذا رأيتَ الرجلَ كثير الاتِّهام لخصومه فاعلم أنه ليس عنده إلَّا هذه التُّهم، أما الأقوياء فلا يَعنِيهم الخصوم.

• أُحِبُّ القويَّ الذي لا يُشغَلُ بخصمِه؛ لأن الأقوياء لا يُشغَلُون بالخصوم؛ لأنهم قادرون عليهم، ولا يُشغَلُ بخصمِه إلَّا الضعيف.

• انصرفوا أيها الأقوياء واعملوا لصالح البلاد والعباد، ودَعُوا الخصوم؛ لأن نجاحَكم في عملِ مصالح البلاد والعباد هو خيرُ ردٍّ على الخصوم، وهو أفضلُ ألفَ مرةٍ من قصائد شعرٍ تقولونها في هِجاء الخصوم.

• النجاحُ هو القوَّةُ الحاميةُ للإنسان، هو لسانُ الصِّدق الذي يُحدِّث عن الإنسان.

• لا يُدافِعُ عنك السجنُ يا مولانا، ولا قَتلُ النَّاس يا مولانا، وإنَّما يُدافِع عنك نجاحُك.

• لن يُدافِعَ عنك السجنُ، ولا إرهابُ النَّاس، ولا تسكيتُ النَّاس، ولا تخويفُ النَّاس، إنَّما يُدافِعُ عنك شيءٌ واحدٌ؛ هو نجاحُك، وهو الصوتُ الذي يَفرِضُ نفسَه على الصَّديق والعَدوِّ.

• يُعجبني إلحاحُ العالِم على زَرْع الحقيقة العلمية العالية.

• عبدُ القاهر لو لم يَلْقَ الله إلَّا بهذا الصِّدق الرَّائع في زَرْعِ حقائق العلوم والمعرفة في نفوس أجيال الأُمَّة - لكان ذلك كافيًا له عند الله سبحانه وتعالى.

• شرفُ خدمةِ خيرِ أُمَّةٍ، أُنزل فيها خيرُ كتاب، وبُعِثَ فيها خيرُ نبيٍّ - شرفٌ تسعى إليه النفوسُ التي تَعرِفُ معنى الشَّرف، النفوسُ التي تُحِبُّ أن تكون في مظلَّة هذا الشَّرف الأسنى.

• عبدُ القاهر يُوقِظُ مَن زُرِعَ الخطأُ في قلوبهم ويَزْرَعُ الصَّواب مكانَه، كذلك حالُنا نحن: يجب أن نَنزعَ التفريطَ وإهمالَ شأن الأُمَّة من قلوبنا، ونَزْرعَ فينا الحرصَ الشديدَ عليها والتقرُّبَ إلى الله بخِدْمَتِها.

• لا يجوز لكم أن تُشغَلوا عن قراءة القرآن بتدبُّر، ولا أن تُشغَلوا عن قراءة السُّنة بتدبُّر.

• ربُّنا مِن إكرامِه الكريم البالغ الفيَّاض لهذه الأُمَّة أنه - سبحانه وتعالى - جعل أعداءها أعداءه {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، وقدَّم عداوتَه لله على عداوته لنا؛ فإذا حاربتَ أعداءَ دِين الله فأنت تُحارب عن الله، ولا بُدَّ لنا أن نتذكَّر هذا، ونُذكِّر قومَنا بهذا، وأن نُوقظَهم ممَّا هُم فيه بهذا.

• عبدُ القاهر لا يُعلِّم العلمَ فحَسْب، عبدُ القاهر يُصحِّح طريقةَ القراءة، عبدُ القاهر يُعلِّمك كيف تقرأُ كلامَ العلماء، وإذا عَلِمْتَ وتَعلَّمْتَ كيف تقرأ كلامَ العلماء تكون قد أصبتَ.

• أنتَ إذا لم تَصْنَعْ لتُراب آبائك خيرَ الرِّجال فبئس الولدُ أنت.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق