بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هل الرسوم المتحرّكة جائزة؟
سؤال يتكرّر كثيرًا، ويقع فيه بعض الحرج للناس: أبنائي يحبّون "الأنمي"، فهل أتركهم؟ وهل أسمح بوضع صور كرتونية على الجدران؟ وماذا لو كان فيها ذوات أرواح؟ وأين الحدّ الفاصل بين الحرام والجائز؟
نقول، وبالله التوفيق:
أصل التصوير لذوات الأرواح –سواء كان باليد أو بالبرامج– محرّم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وقد لعَن النبيُّ ﷺ المصوّرين، وأخبر أنهم أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة. وهذا الأصل لا خلاف عليه.
ولكن، ككلّ قاعدة، هناك تفصيل.
بدايةً فهل يُستثنى من ذلك شيء؟
جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تلعب بجوارٍ –أي دُمى– فيها صورٌ لفرسٍ ذي جناحين، فقال لها النبي ﷺ: ما هذا؟ قالت: من خيل سليمان. فضحك ﷺ، ولم ينكر عليها.
فقال العلماء: هذه دُمى للأطفال، وهي ليست للتعظيم، وليست كصور المجسّمات التي تُعلّق. فكان هذا مدخلًا للتفريق بين الصور الموجّهة للأطفال، وتلك الموجّهة للكبار أو الموضوعة للزينة أو التعظيم.
ماذا عن "الرسوم المتحرّكة"؟
الرسوم المتحرّكة ليست مجسّمات، وليست تماثيل، إنما هي صور تُعرض على الشاشة وتزول، فحُكمها أخفّ.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا، فقسّم:
ما كان لا يُشبه المخلوقات –كالكائنات الخيالية– فهذا لا حرج فيه.
وما كان على هيئة البشر أو الحيوانات فهذا محلّ تردّد، لكنه قال: الأقرب الجواز، إذا خلت من المحرّمات.
لكن لماذا؟
لأن الطفل المسلم اليوم محاصر برسوم لا دِين فيها، ولا قيم، بل فيها شبهات وأفكار خفية، بل كفر أحيانًا، ودعوات للتمرد والسحر و"القوة الذاتية".
فإذا قدّمنا له بديلًا، يحفظ عليه فطرته، ويُفرحه دون أن يُفسده، كان ذلك خيرًا من تركه فريسة للموجات القادمة من خلف البحار.
فما الضابط إذًا؟
إن كانت الرسوم المتحرّكة موجهة للأطفال، وخالية من:
- الكفر أو الاستهزاء بالدين.
- الموسيقى.
- التبرّج أو الاختلاط.
- التعظيم أو التجسيد.
وكان الغرض منها التعليم، أو التسلية المباحة، أو غرس القيم، فلا حرج إن شاء الله في مشاهدتها، بل قد تكون وسيلة من وسائل الدعوة والتربية.
وأما الصور على الجدران فهذا باب آخر. والصور المعلّقة على الجدران فيها تفصيل:
فإن كانت لذوات الأرواح، ووُضعت للزينة، فالأصل فيها المنع.
وإن كانت صورًا كرتونية، لا تُشبه خلق الله، كأن يكون الرأس أكبر من الجسد جدًا، أو فيها مبالغة تخرجها عن الواقع، فهنا رخص بعض العلماء فيها، لا سيما إن لم تكن موضع تعظيم.
لكن تبقى القاعدة: الأولى البُعد، ومن ترك شيئًا لله، عوّضه الله خيرًا منه.
فلنربي أطفالنا على حب الجمال الحقيقي، لا التعلّق بالصور. ولتكون التربية على معرفة الله وأسمائه، وقصص البطولة والإباء في الرسول ﷺ وصحابته لا على أبطال الخيال، وليكن بيتنا بيت ذكر وتلاوة قرآن، لا معرض رسوم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.