بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من دقائق الفقه التي يكثر فيها الخلط عند كثير من الناس: ما يخرج من السبيلين من السوائل، وما يترتب على كل منها من أحكام. وفي هذا الموضع بالذات تظهر أهمية ضبط المصطلحات، ومعرفة الأحكام بدقتها، دون توسع يُربك، ولا اختصار يُخلّ.
أولًا: الفرق من حيث الحقيقة:
الماء الذي يخرج من الإنسان على ثلاثة أنواع رئيسية: المني، والمذي، والودي.
- أما المني: فهو ماء ثخين أبيض (عند الرجال) يخرج دفقًا بلذة، وعند النساء يكون ثخينًا مائلًا إلى الصفرة.
- وأما المذي: فهو ماء أبيض رقيق، لزج، يخرج عند التفكير في الجماع أو المداعبة غالبًا، لا بشهوة تامة، ولا يشعر المرء بخروجه غالبًا.
- وأما الودي: فهو ماء أبيض كدر، يشبه المني في هيئته، لكنه لا يخرج بلذة، بل بعد البرد أو حمل شيء ثقيل، أو إرهاق جسدي.
ثانيًا: من حيث النجاسة:
- المني طاهر عند جماعة من العلماء، وهو الصحيح، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه من ثوب النبي ﷺ وهو يصلي فيه.
- أما الودي والبول: فهما نجسان نجاسة مغلظة، معروف حكمهما.
- وأما المذي: فهو نجس، لكن نجاسته مخففة، ويدل على ذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"كنت رجلًا مذّاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله ﷺ لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ" رواه البخاري ومسلم.
ثالثًا: من حيث الاستنجاء:
الاستنجاء لا يجب في كل ما يخرج من الإنسان.
- المني لا يجب فيه استنجاء، لأنه طاهر، ولكن يُستحب غسله إذا أصاب البدن أو الثياب.
- الودي والبول: يجب فيهما الاستنجاء اتفاقًا، إذ هما نجسان.
- المذي: فيه خلاف، والمشهور في المذهب – وهو الراجح – أنه يجب غسل الذكر والأنثيين، لا مجرد الاستنجاء، وهذا مروي عن عدد من الصحابة، وقضى به عروة بن الزبير رضي الله عنه.
رابعًا: من حيث الوضوء والغسل:
- المني يوجب الغسل، ولا يكفي فيه الوضوء، سواء خرج حال اليقظة بلذة أو في النوم مع الاحتلام.
- الودي والمذي والبول: كلها لا توجب الغسل، لكن توجب الوضوء فقط. غير أن المذي، كما سبق، يجب معه غسل الذكر والأنثيين.
وهذه التفصيلات ليست ترفًا علميًا، بل هي من العلم الذي يُحتاج إليه يوميًا، ويتكرر في حياة المسلم كثيرًا. بل وطلب الدقة فيها عبادة، وأداءٌ للأمانة، وتنزيل للأحكام الشرعية على الواقع كما أراد الله، لا كما تتوهمه النفوس أو تتداوله العادات.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين