بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في حديث غدير خُم… هل عيّن النبيُّ عليًّا خليفة؟
يستوقفك المشهد. النبي ﷺ واقفٌ في غدير خم الأرضٍ الجرداء، بعد أن أدّى حجته الأخيرة، وحوله الصحابة يتجمّعون، لا لشيء إلا لأنّ النبي طلب منهم الوقوف، في وقت الحرّ وفي طريق العودة.
يمسك بيد عليٍّ رضي الله عنه، ثم يقول: "مَنْ كنتُ مولاهُ، فعَلِيٌّ مولاهُ" والحديث صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الألباني والأرناؤوط.
وقد وقف كثيرون أمام هذا الحديث. بعضهم رآه دليلًا على الخلافة. وبعضهم رآه إعلانَ محبة. لكنّنا إن أردنا أن نفهم، فعلينا أن نرجع إلى السّبب وإلى السّياق، إلى ما جرى قبل هذه الكلمة لا بعدها.
كان سيدنا عليٌّ رضي الله عنه قد أُرسل إلى اليمن على رأس بعثة، ووقعت هناك حادثة. بعض الصحابة لم يعجبهم تصرّفه حين منعهم من ركوب إبل الصدقة. قالوا: تشدَّد، قالوا ظلم، قالوا بالغ في المنع. ثم بلغ هذا الكلام مسامع النبي ﷺ، وهو الذي يعرف عليًّا حقّ المعرفة.
فماذا فعل النبي؟ دعا الناس في غدير خم، وأخذ بيد عليّ، وأعلنها واضحة: هذا عليّ، من كنت مولاه فعليّ مولاه.
فالحديث ليس عن خلافة. بل الحديث عن تبرئة، وعن ردّ مظلمة، وعن إنصاف.
لم يقل النبي: *هذا خليفتي من بعدي*. لم ينصّب، لم يوصِ، لم يفتح باب السياسة. بل أراد أن يعلن للناس أن عليًّا ليس كما قالوا، وأنّه وليّ الله ورسوله، فمن والاه فقد والى الله، ومن عاداه فقد عادى الله.
والولاء هنا ليس ولاية الحكم، بل ولاية المحبة، الأخوّة، النصرة، الإيمان. والنبي فصّل ذلك بالدعاء :"اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
وهذه ليست أول مرة يُساء فيها الظنّ بعليّ رضي الله عنه. حتى في حياته، فقد عانى من الجفاء، ومن التهم، ومن الظلم. لكن النبي كان يذود عنه كل مرة، حتى قال :"عليٌّ مني وأنا من عليّ".
ولأن بعض الناس اليوم يعيدون تدوير التاريخ ليخدم أغراضًا مذهبية، نجد من يأخذ هذه الحادثة ويحمّلها ما لا تحتمل. يقول: أراد النبي أن يعيّنه خليفة!
لكن كيف؟ وأين؟ وأين السياق؟
ولو كان ذلك كذلك، لما بايع عليٌّ أبا بكر، ولا عمر، ولا عثمان.
عليٌّ رضي الله عنه بايع، وجاهد، وكان الوزيرَ الأمين، حتى تولّى الخلافة بعد أن فُتحت عليه أبواب الفتن، وأصبح الناس لا يطلبون إمامًا بل مُنقذًا.
نعم نحب عليًّا، ونجلّه، ونراه علمًا من أعلام الإسلام.
لكننا لا نقبل أن تُفتَح من أجل محبته أبواب الخلاف، ولا أن تُشَوّه سنّة النبي بقراءةٍ سياسية متأخّرة.
المحبّة لا تعني التأويل، والولاء لا يعني التنصيب، والإيمان لا يُوزَّع على مقاس المذاهب.
قال البيهقي: والمراد به ولاء الإسلام ومودته وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضًا ولا يعادي بعضهم بعضًا.
يكفي أن تعلم أن النبي ﷺ قال: "من أحبّ عليًّا فقد أحبّني، ومن أبغضه فقد أبغضني".
فهل بعد هذا فضلٌ يُطلب؟
عليٌّ رجلٌ أحبّه النبي ﷺ ، وربّاه في بيته، وزوّجه ابنته، وشهد له بالفضل في كل موقف، وكان من أوائل من أسلم، وأشجع من قاتل، وأفقه من نطق.
وما حديث غدير خم إلا شاهدٌ من شواهد ذلك الحبّ.
فيا من تحبّ عليًّا… لا تجعله سُلَّمًا لهدم وحدة الأمة.
ويا من تنكره… راجع قلبك، فإن بغضه نفاق.
نسأل الله أن يجعلنا من المحبّين لعليّ، الموقّرين له، دون غلوّ ولا جفاء، كما علّمنا النبي ﷺ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين