الاستقامة بعد الحج

110
2 دقائق
2 محرم 1447 (28-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنْ اتَّقَاهُ وَقَاهُ وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.

أيُّهَا المُسْلِمونَ: إِنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُم أَنْ أَمَدَّ فِي أَعْمَارِكُم؛ لِتُدْرِكَوا طَاعَاتٍ مَا أَدْرَكَهَا مَنْ اخْتَرَمَتْهُمُ الْمَنَايَا قَبْلَكُمُ؛ وَتَشْهَدَوا أَيَّامًَا فَضِيلَةً، وَلياليَ جَلِيلَةً، يَتَنَافَسُ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ وَيُتَقرَّبُ فِيهَا الْمُتَقرِبُونَ بِالعَمَلِ الصَالِحِ.

وَمِنْ وَاجِبِ العَبْدِ بَعْدَ انْتِهاءِ مَوَاسِمَ الْطَّاعَاتِ المُوَاظَبَةُ عَلَى طَاعَةِ خَالِقِهِ وَمَوْلاَهُ، وَالْاِسْتِقَامَةُ عَلَى عِبَادَتِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾، وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عبدالله الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلًا لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًَا غَيْرَكَ -أَوْ قَالَ: بَعْدَكَ - قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ"؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ يَسْأَلُ رَبَهُ الثَّبَاتَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَتَصْرِيفَ الْقَلْبِ عَلَى الطَّاعَةِ؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَكَانَتْ وَصَايَا النَّبِيِّ لِأَصْحَابِهِ؛ بِالْمُدَاوَمَةِ وَالثُّبَّاتِ عَلَى الْعَمَلِ، وَعَدَمِ تَرْكِهِ بَعْدَ اعْتِيَادِهِ، فَقَالَ لِعبدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "يَا عبدالله لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: "صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

أَلَا وَإِنَّ عِبَادَةَ اللهِ لَيْسَتْ رَهِينَةَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ أَوْ مَوْسِمٍ مِنَ الْمَوَاسِمِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الدَّوَامِ؛ إِذِ الْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ حَتَّى يَلْقَاهُ؛ كَمَا قَالَ جَلَّ فِي عُلاهُ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ».

وَإِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ دِينِنَا الحَنِيفِ الاسْتمْرَارَ عَلَى العِبادَاتِ مَعَ الاقْتِصَادِ فِيهَا وَعَدَمِ الغُلُوِّ، حَتَّى لا تَمَلَّ النَّفْسُ وَتَسْأَمَ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَبِيَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُوْوِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ" مُتَفقٌ عَليِهِ.

وَمِنْ عَلَاَمَاتِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنْ يَسْتَقِيمَ الْمُسْلِمُ بَعْدَ حَجِّهِ، وَيَكْوُنَ بَعْدَ الْحَجِّ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ قِبْلِهِ؛ فَاِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَالزَمُوا طَرَيقَ الاستِقامَةِ، فَلسْتمُ بِدَارِ إقامَةٍ، وَاجْعَلُوا أَيَّامَكُمْ وَلَيَالِيَكُمْ كُلَّهَا كَلَيَالِي رَمَضَانَ وَكَأَيَّامِ العَشْرِ وَالحَجِّ فِي تَعَلُّقِ القُلُوبِ بِاللهِ تَعَالَى وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ وَحُسْنُ عِبَادَتِهِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى الفَرَائِضِ وَإِتْبَاعِهَا بِالنَّوَافِلِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

الَّلهُمَّ عَلَيْكَ تَوَكُّلُنَا وَاعْتِمَادُنَا، فَثَبِّتْنَا عَلَى نَهْجِ الْاِسْتِقَامَةِ، وَأَعِذْنَا مِنْ مُوجِبَاتِ النَّدَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.

اِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَهَا قَدْ اِنْتَهَى مَوْسِمُ الْحَجِّ، لِيُخْتِمُ الْعَامُ بِهَذَا الرُّكْنِ الْعَظِيمِ وَتَقْديمِ النُّسُكِ وَالْهَدَايَا فِي أفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا لِيُتَوِّجَ الْعَامِلُونَ عَامَهُمْ بِالْعِبَادَةِ وَيَخْتِمُوُهُ بِالطَّاعَةِ وَالذِّكْرِ وَالْفَرَحَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالشُّكْرِ؛ لِتَدُومَ صِلَتُهُمْ بِاللهِ جَلَّ وَعَلًّا؛ فَهَنِيئًَا لِلْحُجَّاجِ وَالمُضَحِينَ، وَهَنِيئًَا لِلذَّاكِرِينَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَبُشْرَى لَهُمِ الْأَجْرَ وَالْمَثُوبَةَ، وَاللهَ عِنْدَهُ حَسَنُ الثَّوَابِ.

وَاذْكُرُوا عَلَى الدَّوَامِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاَةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِهِ فَقَالَ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًَا﴾، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمْدٍ، وَارضَ الَّلهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَاشِدينَ أبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ وَعَليٍّ، وَعَنْ سَائرِ الصَحَابةِ أجْمَعِينَ، وَعنَّا مَعهُم بِجُودِكَ وَكرَمِكَ يَا أكْرَمَ الأكرَمِينَ.

الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ والمُسلمينَ، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئنًّا وَسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.

اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَاَنَا، وَارْحَمْ مَوتَانَا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَبِالْسَّعَادَةِ آجَالَنَا، وَبَلِغْنَا فِيمَا يُرْضِيكَ آمَالَنَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادَمَ الحَرَمَينِ الشَرِيفَينِ، وَوَليَ عَهدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوْا اللَّهَ ذِكْرًَا كَثِيرًَا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق