بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.
يوم الأحد: 19 من ذي الحجة 1446ه الموافق لـ 15 من يونيو 2025م:
• في الحقيقة أنا أعتبر شرح كتاب «دلائل الإعجاز» سببًا من الأسباب التي تَجمعُنا حول الكتاب، ثم يكون كلامُنا في الكتاب ليس فقط بيانًا لمراد عبد القاهر الجرجاني، وإنما المهمُّ عندي حقيقةً هو أن أعرِفَ طريقة تفكير عالِمٍ أسَّس علمًا.
• عبد القاهر مِن أكرم علمائنا؛ لأن الله أعانه ورزقه وَضْعَ علمٍ جليل، ونَفَع الأمَّةَ بهذا العِلم الجليل، ولم يسبقه أحدٌ، إلا إشارات وخفايا، ففتح اللهُ عليه وجعلَ من هذه الإشارات وهذه الإيماءات علمًا جليلًا جدًّا.
• تَستطيع أن تَفهم مراد عبد القاهر، ليس من كتابه، وإنما مِن كتابات الذين جاءوا بعده ولخَّصُوا كلامَه وشَرَحوا كلامَه.
• لو كانت الغايةُ فَهْمَ مراد عبد القاهر لوصلْنا إلى هذه الغاية مِن غير أن نقرأ كتاب «دلائل الإعجاز»؛ لأن الذين جاءوا بعده لخَّصُوا كلامَه وشَرَحوا كلامَه.
• لن تَسمع منِّي أفضلَ مِن هذه الكلمة: إذا عَلِمْتَ العلمَ كلَّه ولم تَعلمْ طريقة تفكير أيِّ عقلٍ من العقول التي أسَّست العلمَ فكأنك لم تعرف شيئًا .
• إذا هُديتَ إلى معرفة طريقة تفكير العقول الحية التي أسَّست المعرفة تكون قد وقعتَ على علمٍ كثيرٍ جدًّا.
• تعقيبًا على الفقرة رقم (527) من كلام الإمام عبد القاهر، قال شيخُنا: هذه الفقرة ليس فيها علم، وإنما فيها ما هو أجلُّ من العلم، وهو تحذيرُ العقل العلمي الناشئ وهو في خطواته الأولى على دَرْب المعرفة - تحذيرُه من التبعية والتقليد، ولا أعرف خطرًا - ونحن نَعيشُه - أضرَّ بنا من التبعية والتقليد.
• العقلُ الذي رَكِبَه التقليدُ عقلُ الأنعام أفضلُ منه.
• الضَّعيفُ الذي لا يُنجِز هو الذي يعيش في الأحلام، ويُغيِّر الواقع في الأحلام، أمَّا القويُّ المُنجِز فهو الذي يعيش في الواقع ليُغيِّر الواقع إلى أحسن؛ بيده، وجِدِّه، واجتهاده.
• الدعوةُ إلى الأحلام دعوةٌ عجيبةٌ جدًّا؛ دعوة إعلان الإفلاس، إعلان العَجْز.
• نَوعٌ من الأحلام جيِّدٌ جدًّا؛ هو أحلامُ العلماء بمعرفةٍ جديدةٍ. نزعةٌ إنسانيةٌ جليلةٌ جدًّا؛ هي النَّزعةُ التي تتشوَّق وتتشوَّف إلى معرفة المجهول.
• الأحلام الرائعةُ هي أحلامُ الكبار التي تتشوَّق إلى معرفة المجهول، وليست أحلامَ العَجَزة الذين يَعجِزون عن تغيير الواقع الأليم، ويَرون الرَّاحةَ في أحلامِهم ومَنامِهم.. هؤلاء لا قيمةَ لهم.
• العقل الإنساني على الأرض توهَّجَ، مؤمنًا كان أو كافرًا؛ فلا يَعبأ بهذه الأحلام العاجزة الضعيفة، وإنما يتبنَّى الأحلام القوية التي يكون هَمُّها وسَدَمُها هو معرفة المجهول.
• يا بُنيَّ، إذا وجدتَ العالِمَ يبحث عن الخفايا فالزمْه.
• بعد أن لحظَ أحدَ حضور الدرس مشغولًا بالتقاط الصُّور، قال شيخُنا: طبعًا أنا أَسْخَر من السادة الذين في مجلسي وهدفُهم «التصوير»! ما عَملُك! هل جئتَ تَفهمُ بعقلِك أو لتُصوِّر. لا أشغلُ بالي بهؤلاء، ويكفيهم أنهم لا قيمةَ لهم، وخُلُوُّ درسي منهم أفضل. لا أريد «كاميرات»، كفاية علينا «كاميرات»، حياتُنا كلُّها «تصوير»، وخَيبتُنا كلُّها أننا «بتوع تصوير» و«بتوع مَظاهر» و«بتوع معارض»، يا ناس مش كده.
• يا ناس، غيِّروا واقعَكم بسواعدكم، وباتفاقكم لا باختلافكم، وبحُبِّكم لا ببغضائكم، وبعقولكم وبعملكم لا بعقول غيرِكم، إنْ لم نَرجعْ إلى هذا فلن نزدادَ مع الأيام إلا تخلُّفًا.
• مَن يُدمِّر الجِيلَ الذي بعده كأنه هَدَم الدَّار التي يسكن فيها على رأسِه هو.
• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «وإذ قد بانَ سقوطُ ما اعتَرض به القومُ وفُحْشُ غَلَطِهم»، قال شيخُنا: عبد القاهر يقول لي: أذِّنْ في الجِيل الذي أنت فيه، وارفعْ صوتَك في الجِيل الذي أنت فيه، وقل لهم: احذروا الجهل؛ لأن الجاهل كمُرتكب الفاحشة، وإن الله يَنهى عن الفحشاء والمنكر، يعني: يَنهى عن الجهل.
• المعاني تَكتسب مَزيَّتَها وفضلَها وشرفَها ونُبلَها وفخامتَها مِن غيرها، تَكتسب هذا كلَّه مِن طريقة زَرْعها في قلبك، أي: طريقة إثباتِها؛ لأن طريقة الإثبات هي إقناع قلبِك بها، وإقناعُ قلبِك بالمعنى هو سِرُّ فخامة المعنى، وليس المعنى.
• الشاعر المُجِيد هو الذي يَغزُو قلبَك بشِعْره، يَغزُو قلبَك بمعانيه ولو كانت معانيه معانيَ ضلال، والشاعر غير المُجِيد هو الذي لا يَغزُو قلبَك بمعانيه ولو كانت معانيه مِن معاني الهدى والخير. المهمُّ وصولُ ما تريده أنت إلى أعماق قلوب الناس.
• كلامُ سيدنا رسول الله ﷺ كان فَضْلُه الأعلى أنه يُزرَع في النفوس، ويُزرَع في القلوب.
• قالوا: لا يُسألُ الشاعرُ عن الذي قال، وإنما يُسألُ الشاعرُ كيف قال.
• العَجَبُ أن البيان وإن كان يدعو إلى غير الأخلاق له قيمة؛ لأن قيمتَه ليست فيما يدعو إليه، وإنما قيمتُه في الطريقة التي يدعو بها، ولذلك لمَّا تحدَّى القرآنُ العربَ قال لهم: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}، أي: لا تلتزموا بالمعاني الجليلة التي في القرآن؛ لأنها فوق طاقتكم، وإنما عليكم فقط أن تُقنعوا الناس بما تُريدون أن تُقنعوهم به ولو كان مُفترًى، كما أقنع القرآنُ بالحقِّ المبين.
• البيانُ يُجرَّد من معانيه، ويَرتفع مقامُه وهو يَدعو إلى الله؛ لأنه أحسنَ الدَّعوةَ إلى الله، ويَنزِل مقامُه وإن دعا إلى الحق؛ لأنه لم يُحسِن الدَّعوةَ إلى الحق.
• العلمُ كلَّما خَطوتَ فيه خُطوةً بان لك فيه اتِّساع.
• يقيني أن «سقراط» و«أفلاطون» لو قرآ القرآنَ لكانا من السَّابقين إليه؛ لأنهما عقولٌ حية، وأنزل الله الكتابَ ليخاطب العقولَ الحية، وليُصلح أحوالَ العقول غير الحية.
• «سقراط» عقلٌ حيٌّ؛ كلَّما فَتحتْ له نفسُه آفاقًا من المعرفة تضاءلتْ في نفسِه الآفاقُ التي سبقتْها.
• إحساسي - والله أعلم - أن زهير بن أبي سُلمى لو بُعِثَ رسولُ الله وهو حيٌّ، وسَمِع: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} لكان من السَّابقين إلى الإيمان، لكان أسبقَ من أبي بكر، وكذلك قُلْ في «سقراط» و«أرسطو».
• لو خَرَجَ منا جِيلٌ يعرف كيف يستفيد من كلام العلماء لكان هذا الجِيلُ هُدًى وبُشرى لنا.
• أنت عالِمٌ بمقدار ما تَعلمُ مِن صنعة العِلم، وليس بمقدار ما تَعلمُ مِن العِلم.
• أنت فقيهٌ ليس بمقدار ما حصَّلتَ من الفقه، وإن كان هذا جليلًا جدًّا، وإنما بمقدار ما تُنتج من الفقه فقهًا.
• لاحِظْ أن إنتاجَ علمٍ من علمٍ سهلٌ، إنما الفِقهُ هذا عِلمُ الدِّين، وإنتاجُ علمٍ مِن علم الدِّين صعبٌ جدًّا، وهذا الصَّعبُ جدًّا هو الذي حضَّنا رسول الله ﷺ عليه؛ لمَّا قال لصاحبته الكريمة: «أرأيتِ لو كان على أمِّك دَينٌ، أكُنتِ قاضيتَه؟»؛ فعَلَّمها كيف تَستغني عن السؤال بقياس حالٍ على حال.
• تَنبَّهْ؛ لا تَضَعْ رأسك على الوسادة وتَحلم أنك إنسان، إنما قُمْ وأمسكْ عصاك واجتهدْ حتى تكون إنسانًا.
• والله، لِلعلمِ مَذاقٌ أشهى من العسل، وأدعو الله أن يَفتح عليكم ويَفتح لكم هذا الباب؛ حتى تُحِسَّ بأنك خُلِقتَ له، وتُحِسَّ بأنك حين تَجعلُ حياتَك لأجل الأكل والشُّرب تكون قد أخطأتَ؛ لأن العلمَ مُتعةُ رُوحك.
• إذا رزقك الله - سبحانه وتعالى - مُتعةَ الرُّوح حَمَل عنك مُتعةَ الجِسْم؛ ستَجده سهَّل لك الرِّزق من غير أن تُشغلَ به، وَصلَك المالُ من غير أن تُشغلَ به، وَصلَك الطعامُ من غير أن تُشغلَ به؛ لأن الله حبَّب إليك ما يُحبُّه، وما دام حَبَّب إليك ما يُحبُّه سيُوصِل هو إليك ما تُحبُّه.
• براعةُ الشاعر أنه يَغسل الألفاظَ مِن معانيها الحقيقية التي وضعها العربُ لها ويُلْبِسُها المعانيَ التي أرادها هو، وكأنه هو واضعُ اللغة.
• الله تعالى لمَّا بَعثَ رُسلَه وأنبياءه أنزل معهم كُتبًا ولم يُنزل معهم سيوفًا؛ لأن الكتابَ كلمةٌ تُزرَع في القلب، وبلاغ الرَّسول كلمةٌ تُزرَع في القلب؛ فمن أراد أن يَزرع الحقَّ في قلوب قومه فعليه باللُّغة وبالكتاب، وليس بالعصا.
• كلُّ من أرادوا زَرْعَ الحقِّ في أرضهم بالعصا فَشِلُوا فشلًا مُبينًا، وضيَّعوا أرضَهم، وضيَّعوا شعوبَهم، وناموا وأدلجَ الناس.
• نَزعَةُ «لا تتكلَّمْ أنت إلا بالذي أراه أنا» لم توجد في عهد آدم، ولا في عهد الأجيال التي بعد آدم، نوحٌ عليه السلام قال لقومه: {أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}، والاستفهامُ هنا للنفي، يعني: لن نُلزمكم بالرحمة ما دامت عُمِّيتْ عليكم وأنتم لها كارهون، لا نُلزم العقلَ الإنسانيَّ بما يَكره ولو كان حقًّا من عند الله.
• احترموا عقل الإنسان؛ لأن إهانة العقل الإنساني خرابٌ لهذا الوجود؛ لأن الله سخَّر لهذا الإنسان ما في السماوات وما في الأرض، فتأتي أنت لتَحْرِمَه مِن أن يتحدَّث بما يرى!
• ما الذي أغراك يا زيد بن عمرو حتى جعلتَ نفسَك إلهًا فوق الإله وحَرَّمتَ على الإنسان أن يتحدَّث بما يرى.
• لا نريد أن نكون شيئًا إلا شيئًا واحدًا؛ هو أن نقول لله ما يُرضيه، ونحن واثقون بأن ما يُرضي الله هو ما تَصلُح به شعوبُنا.
• كلُّ مُستحسَنٍ؛ في اللُّغة وفي غير اللُّغة، مَطروحٌ عليه سؤالٌ يقول: لماذا كان مُستحسَنًا؟