فوائد من درس دلائل الإعجاز 48

98
7 دقائق
3 صفر 1447 (29-07-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 26 من ذي الحجة 1446 هـ الموافق لـ 22 من يونيو 2025 م:

• المهمُّ في قراءة كتب المفكِّرين الكبار أننا نتعلَّم من نُبوغ عقولهم ونُبوغ أفكارهم كيف نتعلَّم.

• الموضوعات التي سنقرؤها اليوم فيها غموضٌ شديد، وفيها لَبْسٌ شديد، وإذا لم تستيقظْ وتُوقِظْ عقلك إلى أقصى درجات اليقظة، فلن تستطيع أن تُدرك حقائق ما تقرأ.

• تجرِبتي تقول لي إن أيسرَ ما في الكتاب تحصيلُ مادَّته العلمية، ومن أهمِّ ما وراء تحصيل المادة العلمية هو أن تتعرَّف على العقل الذي تقرؤه كيف يفكِّر.

• قلتُ، وأكرِّر، ولن أملَّ: إن العلم لا ينتهي عند تحصيله. الذين يُحصِّلون المادة العلمية ويرون أنهم قد بلغوا الغاية هم مخطئون خطًا شديدًا جدًّا؛ لأن الأصلَ والأفضلَ والأهمَّ هو ما نبدؤه في العلم بعد تحصيل العلم.. احفظوا عنِّي هذه.

• الذين يرون أن تحصيل العلم هو النهاية قتلوا العلم؛ لأن تفكيرك فيما حصَّلتَ يَفتح لك آفاقًا أخرى، ويَهديك إلى دقائق أخرى.

• لا بُدَّ أن تَعِيَ ما تَسْمع، وأن تَحفظَ ما تَسْمع، وأن تَجتهدَ في أن تَعمل بما تَسْمع.

• الأستاذُ ليس له طاقةٌ ولا حيلةٌ أكثرُ مِن أن يقول لك الذي عنده، وأنت الذي عليك أن تَستثمِر الذي عنده.

• عبد القاهر يقول لك إن القيمة في الاستعارة والكناية والتمثيل ليست في شيءٍ يَرجِع إلى المعنى، وإنَّما القيمةُ في شيءٍ يَرجِع إلى إثبات المعنى، القيمةُ في طريقة زَرْع المعنى في النَّفْس.

• المسألةُ ليست ثراءَ معرفة، وإنَّما هي مقدارُ تركيز وزَرْع المعرفة في النَّفْس الإنسانية.

• قيمتُك ليست بسَعَة ما تَعْلَم، وإنَّما قيمتُك في الذي زُرِعَ في نفسك، وغُرِسَ في طبعك، وصار جزءًا مِن ذات نفسِك وماهِيَّتك ومِن طبعك؛ لأن المرادَ تغييرُ الإنسان بالعلم.

• لو عَلِمْتَ قليلًا وصار هذا القليلُ جزءًا مِن ذات نفسك فذاك أفضلُ مِن أنْ لو عَلِمْتَ كثيرًا ولم يكن هذا الكثيرُ راسخًا في قلبك.

• الإنسانُ عُرضةٌ لخداعٍ كثير، فإذا لم يكن قد تأصَّل في ذات نفسِه المعرفةُ الحقَّةُ فإنه يُخدَع، ويُضيَّع، وتُضيَّع بلادُه.

• حين يَرجِع العلماءُ بأسباب حُسْن البيان إلى طبائع النَّفْس كأنهم يقولون إن كل الذي تقولونه في البلاغة هو في ظاهر البلاغة، ولكنَّ البلاغة لها باطنٌ؛ البلاغةُ التي في الألسنة تَرجِع إلى البلاغة التي في الطِّباع، وقد عِشْتم تَدرُسون البلاغة التي في الألسنة ولم تفكِّروا يومًا في أن تكتبوا صفحةً واحدةً في البلاغة التي في الطِّباع.

• حين يقول عبد القاهر عبارةَ «المركوز في الطِّباع» فإنما يُحيلني إلى جِذْر البلاغة.

• كما سخَّر الله للبلاغة التي في الألسنة مَن يكتبون فيها كُتبًا، ثم جاءت الأجيال، ومنها جيلُنا الذي كلُّ هَمِّه أن يَحفظ ما قيل = لا أستبعِد أن يُسخِّر الله لهذه البلاغة الخفية التي في الطِّباع جيلًا يَفتح بابَها.

• حين وجدتُ أن البلاغة أصلُها ما في الطَّبْع وليس ما في اللِّسان أردتُ أن أبحثَ عن كلام العلماء عن البلاغة التي في الطِّباع، فوجدتُ كتاباتٍ عن البلاغة وعلم النَّفْس، لكن أنا أحسستُ أن المسألة ليست في علم النَّفْس؛ لأن علم النَّفْس له ضوابطُ وله مصطلحات، وإنَّما القضيةُ هي البلاغة والنَّفْس الإنسانية: لماذا نَستحسِنُ الجناس؟! لماذا نَستحسِنُ المجاز؟!

• السَّجع الذي قالوا إن الناس أفسدوه لمَّا تكلَّفوه وجدتُه في القرآن الكريم عجيبًا جدًّا: اقرأ «الإسراء»، ومِن بعدها «الكهف»، ومِن بعدها «مريم»، ومِن بعدها «طه»، تَجِدْ هذه السُّوَر الأربع لها نَغمٌ مختلفٌ تمامًا عن «النحل» التي قبل «الإسراء» وعن «الأنبياء» التي بعد «طه».

• وأنا أكتبُ حين خَرجتُ مِن «آل حم» ودخلتُ في «محمد» وجدتُ نَغمًا مختلفًا، ولغةً مختلفة، ومعانيَ مختلفة، كأن هناك بلاغةً أخرى مُحتاجة إلى جيلٍ جديدٍ يبحث عنها ويجتهد في استخراجها، وستبدأ في الناس رُموزًا وخفايا كما بدأت البلاغةُ التي شرحها عبد القاهر رُموزًا وخفايا.

• التفكير فيما عُلِمَ يجعل آفاقَ ما لم يُعلَم أوسعَ من آفاق ما عُلِم.

• لو أن «سقراط» سَمِع القرآن وكان عربيًّا لكان أسبقَ مِن أبي بكرٍ للدُّخول في دين الله.

• لمَّا قرأتُ الرجلَ الرَّائعَ زُهيرَ بن أبي سُلمى، ووجدتُ قلبَه الطيِّب المُحبَّ للخير والمُحبَّ للسلام؛ في شِعره وفي جاهليته = أيقنتُ أنه لو بُعِثَ رسولُ الله وهو حيٌّ لكان سابقًا إلى الإسلام.

• وسَّع العلماءُ في اختيار الأحسن في البيان، وقالوا إنه لا ضَيْر في الاختلاف؛ لأنك قد تَستحسِنُ ما لا أستحسِن، وأنا قد أستحسِن ما لا تَستحسِن، وأنت على حقٍّ وأنا على حقٍّ.

• تعليقًا على استحضار الإمام عبد القاهر ثلاثة أبيات في معنًى واحدٍ ولُغةٍ واحدةٍ ومَجازٍ واحد، هكذا على البديهة، قال شيخُنا: وجودُ هذه الشواهد في كلام العلماء بُرهانٌ قاطعٌ على أن الذي جعلهم علماءَ هو الموفورُ مِن حِفْظ الشِّعر، ولذلك كلُّ الذي يُحاوِله عبد القاهر في رفض القول بأن البلاغة ترجع إلى اللفظ أنا في الحقيقة لم أجِدْه لأعرابي واحدٍ يَمشي حافيًا؛ لم يَقُلْ أعرابيٌّ واحدٌ إن بلاغة الكلام تَرجِع إلى لفظه، وإنَّما يقول هذا مَن يَجهل اللُّغة، ومَن يَجهل الشِّعر، ومَن يَجهل البيان العربي.

• وقوفُ عبد القاهر طويلًا لبيان فساد القول بأن بلاغة الكلام تَرجع إلى لفظه أغفلَه المتأخِّرون، وليس في كلام المتأخِّرين حديثٌ عن الذين يقولون إن البلاغة تَرجع إلى اللفظ، مع أن القول بأن البلاغة تَرجع إلى اللفظ هي الفكرةُ الحاضرةُ في «دلائل الإعجاز» مِن أوَّله إلى آخره.

• أكاد أقول، لكنِّي أتردد وأُمْسِك عن القول، إن سببَ شُيوع القول بأن بلاغة الكلام تَرجع إلى اللفظ هو وجودُ البيئة غير العربية التي كان يَعيش فيها عبدُ القاهر؛ لأني لم أجِدْ عالِمًا عاش في بيئة عربية ووُوجِهَ بهذه المفاهيم الفاشلة في الرجوع بالبلاغة إلى اللفظ.

• لابد أن نُقبِلَ على البيان ونَبذل أقصى طاقةٍ في الفَهْم، ثم نُصيب ونخطئ، ولا حَرجَ علينا في الخطأ؛ لأننا إذا تخوَّفْنا من الخطأ علينا أن نَسكت.

• بناءُ الاستعارة على الاستعارة مِن أهمِّ أسباب غموض التشبيه الذي استحسَنه عبد القاهر.

• كنت أُراجع استعارات أبي تمَّام التي انتقدها العلماء؛ فوجدتُ أن أكثرها استعارةٌ بُنيت على استعارة، أي: أَلِفَ الناسُ استعارةَ كذا؛ فهو لم يَقِفْ عند ما أَلِفَه الناس، وإنَّما بَنى استعارةً على استعارة.

• أولُ مَن بنى استعارةً على استعارة، واستحسنها الناس، امرؤ القيس؛ في قوله:

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ *** عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ *** وأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ

أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ أَلَا انْجَلِي *** بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ

كلُّ هذه استعاراتٌ مَبنِيٌّ بعضُها على بعض.

• يا عزيزي الفاضل، حين تَجِد العلماءَ استحسنوا لا تَقُلْ: «استحسنَ العلماءُ»، وإنَّما قُل لي بعد أن تُراجِع: «لماذا استحسَنوا؟»، وبعد أن تَقتنع بالذي اقتنعوا به وأسَّسُوا عليه استحسانَهم.

• وأنا أُراجِع كلامَ العلماء لا تكونُ مراجعتي تشكيكًا في كلامهم، وإنَّما أريد أن تَرى نفسي ما رأتْه نفوسُهم، وهذا حقِّي وحقُّ نفسي عليَّ؛ حتى أتحدَّث للطلاب بلسانهم الذي تحدَّثوا به لطلابهم، ومن هنا يبدأ الطالبُ يَقتنع بما يَسمعه من الأستاذ.

• الأستاذُ لا يَنقلُ لي حديثَ الناس، وإنَّما نَقَلَ حديثَ الناس إلى قلبِه، ثم نَقَلَه مِن قلبِه إلى طلَّابه.. وهكذا تُربَّى الأجيال.

• بين أيدينا أجيالٌ عظيمةٌ جدًّا، لكنْ ما الذي جعلَها تَنخدع بالكذَّابين؟ الجوابُ: لأن عقولَها أُلْغِيَتْ.

• إذا استيقظت الشعوبُ فلن تَجِد فيها كذَّابًا؛ لأن الآذان حولَه لا تَقبل الكذبَ ولا تَسمعُه، وإذا استيقظت الشعوبُ فلن تجد فيها ظالمًا؛ لأن الناس الذين حولَه يَرفضون الظلم.

• لا تَنْفِ الخَبثَ عن قومِك، وإنَّما أيقظْ قومَك ليَنفِيَ قومُك خَبَثَهم.

• اسْقِ ذائقتَك البيانيةَ بسُقْيا كلام الكرام؛ عسى أن تكون هي من الكرام يومًا ما، ولو لم تكنْ فما دُمتَ لم تُقصِّر في سُقياها من كلام الكرام، ثم أبتِ الأقدارُ أن تكون، فلا تَحزنْ؛ لأنك لم تُقصِّر.

• لم أُقصِّر في أن أكون شيئًا نافعًا، وأنا لست نافعًا.

• أنا لا أعملُ لمَرضاتِك؛ لأني لو عَملْتُ لمرضاتك لكذَبْتُ، وإنَّما أنا أبذل أقصى ما عندي في أمَّةٍ قال خالقُها إنها خيرُ أمَّة أُخرِجَتْ للناس، واختار لها نبيًّا هو خيرُ نبي، وأنزل عليها كتابًا هو خيرُ كتاب.

• «النَّظمُ» لم يَشرحْه أحدٌ قبل عبد القاهر، وإن كانوا ذَكَروه، لكنِّي لمَّا وجدتُ عبد القاهر يقول إن فَضْل كلامٍ على كلام يَرجع إلى نَظمه، وفَضْلَ كلام سيِّدنا رسول الله على كلام البشر يَرجع إلى نَظمه، والإعجازَ في كلام الله لا يَرجع إلَّا إلى نَظْمه = أحببتُ أن أفهمَ هذا، وبَقيت زمنًا طويلًا وأنا أريد أن أتعرَّف على حقيقة ما يقوله عبد القاهر في النَّظْم مِن أن فَضْل كلامٍ على كلام لا يَرجع إلا إليه؛ فكنتُ أجد أنني أفكِّر في معنًى وأرتِّب أفكاري في هذا المعنى، ثم أجد الألفاظَ الدالَّةَ على هذا المعنى مُرتَّبةً على أفكاري، وأجد نَسَقَ كلامي في نفسي هو نَسَقُ كلامي في لفظي، فوجدتُ أن المسألة فعلًا هي النَّظْم، ثم وَعَيْتُ أنني لا أحفظ كلام عبد القاهر الذي يقول إن النَّظْم هو تَوخِّي معاني النحو على وَفْق الأغراض، وإنَّما وجدتُ أنني عمليًّا أطبِّق هذا الكلام وأنا أفكِّر في الذي أقوله.

• لا يمكن أبدًا أن أحفظَ علمًا وأقولَه مِن غير أن يكون فِقْهُه في نفسي كفِقْهِه في نَفْس مَن قاله.

• أنت خائنٌ لطلاب العلم إذا حَفِظْتَ كلامًا وقلتَه لطلاب العلم مِن غير أن يكون فِقْهُه في نفسك كفِقْهِه في نَفْس الذي قاله.

• نحن الذين خرَبْنا بُيوتنا بأيدينا.

• مِن العَجَب العاجِب أن الله تعالى أنزل فاتحة الكتاب على لِسان خَلْقِه، وقال لهم: خاطِبُوني بهذه؛ قولوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، كلُّ هذا خطابٌ منك إلى الله، والله يُعلِّمك كيف تُخاطبه، ثم لمَّا حَمِدتَ الله وأثنيتَ عليه وذكرتَ أنه مالِكُ يوم الدِّين، راقني الزمخشريُّ لمَّا قال: إنَّ ما قبل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} كان حديثًا عن الغَيْبة، فلمَّا أكثر العبدُ من الذِّكر، ومن حديثه عن ربِّه، وأصبح مُهيًا لخطاب ربِّه، قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ثم تذكَّر العبدُ أفضلَ ما يرجوه فقال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؛ لأنك لن تُعطَى من الله، ولن تَطلب من الله في هذه الدُّنيا، أفضلَ مِن أن يَهدِيَك، وسيِّدُنا سيِّدُ البَشَر قال: "لأن يَهدِيَ بك الله رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم".

• «الفاتحة» مِن أوِّلها لآخرِها محادثةُ العبد لربَّه، ومُطالبةُ العبد من ربِّه، ودعاءُ العبد لربِّه، وتهيئةُ العبدِ نفسَه لمخاطبة ربِّه.. فكأنها مِن صُنْع الإنسان.

• إذا قرأتَ ولم تَشعر أنك تَتعلَّم العَقْلَ، لا العِلْمَ فحسب، فحاولْ أن تُواصل القراءةَ حتى تتعلَّم العَقْلَ، حاولْ أن تكون أحسنَ، وستكون أحسنَ إن شاء الله، وتأكد أنك لن تَجِدَ من يُريد لك أن تكون أحسن، وإنَّما عليك أنت أن تُريد أن تكون أحسن؛ لأني أخشى أن يكون هناك مَن يُريد أن تكون أغبى؛ حتى تَظلَّ مطيَّة.

• أريدُ أن أكون أفضلَ، وأرضِي أفضلَ، ووطني أفضلَ، وإلَّا فالموتُ أفضل

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق