التراكيب التي لم يُسبق إليها النبي ﷺ

181
5 دقائق
24 محرم 1447 (20-07-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أقرَّ أئمة اللغة وأرباب الفصاحة والبيان للنبي ببلوغه في ذلك الغاية، وإربائه منه على النهاية، واستشهدوا على ذلك بأدلةٍ ناطقةٍ من سنته عليه الصلاة والسلام، فمنها الألفاظ الموجزة المختصرة التي قال هو فيها: "بُعِثتُ بجوامع الكلم"، ومنها التراكيب التي سارت أمثالًا، وتداولتها ألسنة العامة والخاصة، ومنها خطابه كلَّ أمةٍ من العرب بلسانها، إلى غير ذلك.

ويقرب من هذه القضايا: تلك الكلمات والتراكيب اللغوية التي أطلقها النبي دون أن يأتيَ قبله على إطلاقها أحد، واخترعها ابتداءً من غير سابق مثال.

وقد تعدَّدت في التنويهِ بهذا النوع والتمثيلِ له نصوصُ أئمة البلاغة، وعلماء العربية والأدب، كالجاحظ (ت 255ه)، وابن دريد (ت 321ه)، وابن عبد ربه (ت 328ه)، والثعالبي (ت 430ه)، وابن أبي الإصبع (ت 654ه)، والنويري (ت 733ه)، والدميري (ت 808ه)، ثم جامعي السيرة النبوية والخصائص المصطفوية، كالمسعودي (ت 346ه)، والقاضي عياض (ت 544ه)، والسهيلي (ت 581ه)، وابن سيد الناس (ت 734ه)، والصالحي (ت 942ه).

وعُني في عصرنا فضيلة الشيخ أ.د. محمد بن علي بن صالح الغامدي، أستاذ السنَّة في جامعة الملك عبدالعزيز، بجمع هذه التراكيب، استقراءً للأقوال، وتخريجًا للأحاديث، وتمييزًا للصحيح من الضعيف، فأحسن وأجاد بحثًا سماه: «التراكيب المروية عن رسول الله مما لم تعرفه العرب قبله»، جمع فيه 41 تركيبًا من مجموع نصوص الأئمة المذكورين آنفًا[1]..

ولم أجد من نقل عمَّن قبل الجاحظ في هذا الباب شيئًا منشورًا، ووقفتُ على نصٍّ نفيسٍ قيَّده الحافظ المحدِّث أبو بكر محمد بن عبدالله ابن المحب الصامت (ت 789ه) بإسنادٍ له ساقه إلى هناد بن إبراهيم النسفي، وهو يرويه من طريق إمام أهل اللغة أبي سعيد الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء (ت 154ه)، الذي أورد 62 تركيبًا لم يُسبَق إليها النبيُّ ، فزاد على ما ذكره غيرُه في العدد، وسبقهم في الإطلاق، ثم كان أبو عمرٍو من أئمة الدنيا في العربية والقرآن، وهو الذي بدأ به أبو منصور الأزهريُّ ذكرَ من اعتمده في «تهذيب اللغة» (1/9)، وقال: إنه «كان من أعلم الناس بألفاظ العرب، ‌ونوادر ‌كلامهم، ‌وفصيح ‌أشعارهم، وسائر أمثالهم». وكل ذلك يبين أهميَّةَ هذا النص، وأحقِّيَّتَه بالعناية والتقديم.

وقد بيَّن ابن المحب في خاتمة نقلِهِ النصَّ أنه جاء في تضاعيف جزءٍ انتقاه الحافظ الضياء المقدسي (ت 643ه) من حديث هناد النسفي، ولم أقف بعدُ على هذا الجزء المنتقى، ولا على شيءٍ من أصله، ويروي الحافظ ابن حجر جزءًا لهناد -كما في «المعجم المفهرس» (ص377)، إلا أن إسناده مباينٌ لإسناد ابن المحب الذي ساقه هنا إلى هناد.

ومع أن في الإسناد إلى أبي عمرٍو ما فيه، إلا أنه لا يُتطلَّب لمثل ما نحن فيه مِن صحة الإسناد ما يُتطلَّب لغيره من المرفوعات، بل لما دونها من الآثار والمقاطيع في الأحكام والأحوال الشرعية.

وفيما يلي نصُّ أبي عمرو بن العلاء محقَّقًا، مع وضع رمز (*) أمام التراكيب الزائدة على ما جمعه أ.د. الغامدي، وذلك ما بلغ 31 نصًّا، إذ لم يتفق الواردُ في الجمعِ المذكورِ كلُّه مع ما أورده أبو عمرو، فكان في كلٍّ من الجهتين ما ليس في الأخرى. وأما تخريج هذه الزوائد، وبيان مستقيمها من سقيمها من حيث الرواية والإسناد، فلذلك موضع آخر، ولعل نابهًا ينهض إليه، خصوصًا مفتتِح بابه -رعاه الله- ومن الله التسديد.

قال الحافظ ابن المحب الصامت:

قرأت على زينب بنت أحمد بن عبدالرحيم، عن العلامة أبي البركات عبدالسلام بن عبدالله ابن تيمية الحراني -إجازةً-، أنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد -بدار القز، في جمادى الآخرة، سنة إحدى وستمائة-، ح

وأنبأنا علَّامة العالَم في زمانه أبو العباس أحمد بن عبدالحليم ابن تيميَّة، ومؤرخ الإسلام أبو محمد القاسم ابن البرزالي -كتابةً-، قالا: أنا أبو يحيى إسماعيل بن أبي عبدالله ابن العسقلاني -سماعًا-، أنا أبو حفص ابن طبرزد - سماعًا-:

أنا القاضي أبو بكر محمد بن عبدالباقي الأنصاري، أنا هناد بن إبراهيم النسفي، سمعت أبا الحُسين محمد بن علي بن مخلد الوراق -ببغداد- يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عمران يقول: سمعت محمد بن يحيى يقول: سمعت محمد بن يونس يقول: سمعت عبدالملك بن قريب يقول: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول:

اثني وستين[2] كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم [3]– ابتداءً، ما سبقه أحد[4] من الأدباء ولا الفصحاء ولا العلماء ولا العرب، ولا أحد من المخلوقين

قوله صلى الله عليه وسلم:

1. "يا خيل الله اركبي".

2. "لا ينتطح فيها عنزان".

3. "لا يُلسع المؤمن من جحر مرتين".

4. "الآن حمي الوطيس".

5. "لا يجني على المرء إلا يده".

6. "الشديد من غلب نفسه".

7. "ليس الخبر كالمعاينة".

8. "الشاهد يرى ما لا يرى الغائب".

9. "ساقي القوم آخرهم شربًا".

10. "لو بغى جبل على جبل جعله الله دكًّا".

11. "ابدَ بمن تعول".

12. "الحرب خدعة".

13. "المسلم مرآة أخيه".

14. "خير الرزق ما كفى".

15. "مات حتف أنفه".

16. "اليد العليا خير من اليد السفلى".

17. "البلاء موكل بالمنطق".

18. "المسلمون أكفاء كأسنان المشط".

19. "فضل العلم خير من فضل العبادة".

20. "أي داء أدوى من البخل؟".

21. "ترك الشر صدقة".

22. "الغنى غنى النفس".

23. "الأعمال بالنيَّة".

24. "الحياء خير كله".

25. "اليمين الفاجرة تترك الديار بلاقع".

26. "أعجل الشر عقوبةً البغي".

27. "الخيل في نواصيها الخير".

28. "عِدَة المؤمن كأخذٍ باليد".

29. "إن من الشعر حكمًا".

30. و"إن من البيان لسحرًا".

31. "الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما".

32. "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء".

33. "استعينوا على الحوائج بالكتمان".

34. "المكر والخديعة في النار".

35. "ليس منا من غشنا".

36. "المرء مع من أحبّ".

37. "من قتل دون ماله فهو شهيد".

38. "المستشار مؤتمن".

39. "العائد في هبته كالعائد في قيئه".

40. "ليس منا من لم يعرف حق كبيرنا، ويرحم صغيرنا".

41. "الندم توبة".

42. "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".

43. "من لم يرحم لم يُرحم".

44. "الولد للفراش، وللعاهر الحجر".

45. "الدال على الخير كفاعله".

46. "حبك الشيء يعمي ويُصم".

47. "لا يشكر الله من لم يشكر الناس".

48. "كل معروف صدقة".

49. "لا يأوي الضالة إلا ضال".

50. "اتقوا النار ولو بشق تمرة".

51. "الأرواح جنود مجندة".

52. "مطل الغني ظلم".

53. "السفر قطعة من العذاب".

54. "المؤمنون عند شروطهم".

55. "الناس معادن كمعادن الذهب".

56. "من تمام التحيّة المصافحة".

57. "الظلم ظلمات يوم القيامة".

58. "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها".

59. "ما نقص مال من صدقة".

60. "لا رضاع بعد فطام".

61. "لا يتم بعد احتلام".

62. "لا تعرُّب بعد الهجرة".

كتب ابن المحب بأدناه:

سمع هذا الأثر في جملة «المنتقى من حديث هناد» للضياء، على أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدالواحد ابن البخاري: محمد بن أحمد بن عبدالرحمن بن عياش، وعلي بن عمر بن أحمد المقدسي، في الخامس والعشرين من جمادى الأولى، سنة إحدى وسبعين وستمائة، بقراءة الموصلي.

وكتب يوسف ابن عبدالهادي -ابن المبرد- (ت 909ه) بحاشيته:

الحمد لله. سمع هذا الأثر من لفظي عن جماعة من شيوخنا، عن ابن المحب: ولدي بدر الدين، وأمه بلبل بنت عبدالله، وفي غير هذه المرة: ولدي عبدالهادي، وأخوه عبدالله. وصح ذلك ليلة الاثنين، العشرين من شهر جمادى الأولى، سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وأجزت لهم أن يرووه عني، وجميع ما يجوز لي وعني روايته. وكتب: يوسف ابن عبدالهادي.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

[1] نشره أولًا في العدد الثاني من مجلة «سنن»، الصادرة عن الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها (رجب، 1431ه)، ثم أفرده مختصرًا في كتيب صدر عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي ومركز الأدب العربي (1441ه).

[2] كذا.

[3] صياغة الصلاة النبوية دون تسليم معروفة في الأصول العتاق القديمة، فلعل هذا يشير إلى قدم الأصل الذي ينقل عنه ابن المحب.

[4] في الأصل: «أحدا»، وستأتي مرفوعةً على الصواب في الجملة التالية.


مقالات ذات صلة


أضف تعليق