بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان وفضله عن كثير مما خلق قال تعالى: {ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (سورة الإسراء آية 70)، وجعله خليفة في الأرض قال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة آية 30)، وحمل الأمانة قال تعالى في (سورة الأحزاب آية 72): {أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} فما لا يكون من بعد هذا التكريم وهذا التفضيل أن يتركه بدون تشريع يفرض فيه توفير الحاجات الضرورية التي تحمي له حياته وتعينه على القيام بتبعيات الخلافة، لذلك فان الشريعة الإسلامية هدفت إلى أن تحفظ للإنسان الدين والنفس والنسل والمال والعقل وسميت بالضروريات الخمس بالقدر الذي يسمح له القيام بمصالح الدين والدنيا قال الإمام الغزالي رحمه الله: أن مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة.
ويقتضي حفظ الدين تطبيق أركانه وأحكامه وأداء واجباته واتباع أوامر الله واجتناب نواهيه والدعوة في سبيل الله وتوفير القوة الدفاعية من جيش وسلاح ومجاهدة الكفار والمنافقين بكل سبل الجهاد، ويقتضي حفظ النفس توفير المأكل والمشرب والمسكن والدواء وكل ما يصون البدن ويستره إلى جانب توفير الأمن وكل الخدمات الضرورية لحفظ النفس، ويقتضي حفظ العقل تنميته بتعلم علوم الدين والدنيا وما يرتبط بذلك من إقامة مؤسسات لتدريس هذه العلوم كالمدارس والجامعات ودور النشر والطباعة إلى جانب الامتناع عن كل ما يغيب العقل من مسكرات ومخدرات وما يضيعه كالملاهي والمؤسسات التي تنشر الأفكار الهدامة للإسلام، ويقتضي حفظ النسل الزواج الشرعي وتوفير متطلباته والإجراءات الوقائية والعلاجية للصحة، ويقتضي حفظ المال استخدامه فيما أباحه الله وتنميته وأداء حقوقه وعدم إتلافه واجتناب النواهي الشرعية في استثماره.
وتوفير كل هذه الضروريات أمر مطلوب شرعا وفرض واجب وليس أمرا مستحبا فقط.
(1) فالإسلام يوفر هذه الضروريات للحفاظ على حياة المسلم الذي استخلفه الله على الأرض لينمي الحياة فيها ويرقيها ثم ليجعلها ناضرة بهيجة ثم ليستمتع بجمالها ونضرتها ثم ليشكر الله على أنعمه التي أتاه والمسلم لن يبلغ من هذا كله شيئا إذا كانت حياته تنقضي بحثا عن لقمه العيش ولو كانت كافية فكيف إذا قضي الحياة فلم يجد الكفاية.
(2) فتوفير هذه الضروريات ييسر له أداء واجب الخلافة والأمانة، ومن حق كل فرد على الجماعة أو الأمة وعلى الحكومة النائبة عن الجماعة أو الدولة أن يحصل على كل هذه الضروريات عن طريق ما يتيسر له من دخل أو ريع من العمل أو سبل الرزق المختلفة وإذا كان ليس له أي دخل أو إنه لا يكفي لضرورياته فله الحق في استكمال هذه الضروريات من عدة وجوه أولا من النفقة التي تفرض له شرعا على القادرين في أسرته وثانيا على القادرين من أهل محلته وثالثا من بيت مال المسلمين من حقه المفروض في الزكاة فإذا لم تكف الزكاة فرضت الدولة المسلمة المنفذة لشريعة الإسلام كلها في دار الإسلام ما يحقق الكفاية للمحرومين في مال الواجدين بحيث لا تتجاوز هذه الحدود ولا تتوسع في غير ضرورة ولا تجور على الملكية الفردية الناشئة من حلال .(3)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
(1) تنمية المال في الإسلام أميره عبد اللطيف مشهور من (ص14 إلى 18).
(2) العدالة الاجتماعية في الإسلام سيد قطب (ص152).
(3) في ظلال القرآن سيد قطب (ج2 ص882 – 883).