من خطبة دروس من الهجرة وعاشوراء للسديس

198
4 دقائق
30 محرم 1447 (26-07-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

شهر الله المحرم به يبدأ العام الهجري، وبه وقعت أحداث عظام فهو شهر نجى الله فيه أنبياءه فقد نجى الله موسى عليه السلام من فرعون يوم عاشوراء فشكرا لله على هذه النجام نتقرب لله بصيام هذا اليوم، وحول الهجرة وعاشوراء ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس خطبة بعنوان: دروس من الهجرة وعاشوراء اشتملت على المحاور التالية:

*بشرى وأمل في بداية العام الهجري الجديد

*دروس وعبر من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه.

*منهج المسلم عند حلول الفتن.

* الوصية بصيام عاشوراء.

وفيما يلي عرض لنص ما قيل في ذلك مع تصريف يسير:

· المحور الأول: بشرى وأمل في بداية العام الهجري الجديد.

يقول فضيلة الشيخ السديس: "إن استهلال عام هجريّ جديد ليذكرنا بأحداث عظيمة جليلة، كان فيها نصرٌ وتمكينٌ، وعزٌّ للمرسَلينَ والمؤمنينَ، تبعث في النفوس التفاؤل والاستبشار والأمل، وحسن الظن بالله مع إتقان العمل؛ إنها قصة موسى عليه السلام، وهجرة المصطفى سيد الأنام، عليه أفضل صلاة وأزكى سلام، ويوم عاشوراء ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه نبيه موسى عليه السلام وقومه، ونصره على فرعون وملئه".

*المحور الثاني: دروس وعبر من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه:

يقول فضيلة الشيخ السديس: "لقد أوحى الله -عز وجل- إلى موسى وهارون عليهما السلام ليذهبا إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد والإيمان؛ {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: 43-44]، وهذا درسٌ عظيمٌ في منهج الدعوة إلى الله تعالى؛ وهو أن يلتزم الداعي إلى الله الرفقَ واللينَ، والدعوةَ إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار؛ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النَّحْلِ: 125]، فخرج موسى ببني إسرائيل وتبعهم فرعون وجنوده، فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم، وقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشُّعَرَاءِ: 61]، فكان الرد الحازم من موسى عليه السلام بلسان الواثق بنصر الله: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشُّعَرَاءِ: 62].

* اليقين وحُسْن الظن بالله:

يقول فضيلة الشيخ السديس: "هذا درسٌ آخَرُ في اليقين وحُسْن الظن بالله؛ فأَحسِنُوا الظنَّ بربكم -عباد الله-، وخذوا من تلك القصص والأحداث والأنباء الدروس والعِبَر والإثراء، فعلى قدر اليقين الراسخ والإيمان الثابت لنبي الله موسى عليه السلام جاءت الإجابة الفوريَّة: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[الشُّعَرَاءِ: 63]، الله أكبر، فأغرق الله فرعون وقومه جميعًا، وكان ذلك في يوم عاشوراء، فكانت نعمة عظيمة على موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل، فصام موسى عليه السلام هذا اليوم شكرًا لله -تعالى-، وصامه بنو إسرائيل، وهكذا تحقق النصر المبين، والعاقبة للمتقين".

* المحور الثالث:أنموذج عمليّ متكامل للنجاة من الفتن:

* يقول فضيلة الشيخ السديس: "في قصة نبي الله موسى عليه السلام وهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنموذج عمليّ متكامل للنجاة من الفتن، بالتمسُّك بشرع الله تعالى، وحُسْن الظن به، وجميل التوكل عليه، فتذكَّروا أيامَ الله، واشكروا آلاء الله، فموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام حتى في لحظة الانتصار أدَّيَا حقَّ الشكر لربِّ العالمينَ".

* الهجرة والاعتزازًا بالهوية الدينيَّة والتأريخية والوطنيَّة.

يقول فضيلة الشيخ السديس: "في حدث الهجرة النبويَّة ما يقرر هذه السنة الشرعيَّة والكونية؛ {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التَّوْبَةِ: 40]، قال أبو بكر رضي الله عنه: "والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا"، فقال عليه الصلاة والسلام بلسان الواثق بنصر ربه: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؛ لا تحزن إن الله معنا"، الله أكبر، إنه اليقين بنصر رب العالمين؛ ولهذا كان من أهميَّة هذا الحدث العظيم أن أجمع المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه على التأريخ به؛ اعتزازًا بالهوية الدينيَّة والتأريخية والوطنيَّة، مما ينبغي اقتفاء أثره والاعتزاز به، فنحن أمة لها تأريخ وحضارة ورسالة على مر الأيام وتعاقب الأعوام.

*من الدروس المستفادة من قصة موسى والهجرة النبوية:

يقول فضيلة الشيخ السديس: ومن الدروس والعِبَر الإثرائية لهذه القصص القرآنيَّة: أن منهج المسلم عند حلول الفتن الالتجاء إلى الله، والاعتماد عليه بالدعاء، وحُسْن الظن به، وكثرة التوبة والاستغفار، وعدم الخوض فيما لا يعنيه، وردّ الأمر إلى أهله؛ {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النِّسَاءِ: 83]، والإسلام دين يدعو إلى نبذ العنف، وتحقيق السلام والوئام، والتفرغ للبناء والإعمار، والتنميَّة والازدهار والإبهار، والبُعْد عن الخراب والفساد والدمار، ألَا ما أحوجَ الشعوبَ إلى نَبْذ الحروب، وما أحوجَ البلادَ والعبادَ إلى الأمن والسلام والرشاد، فاتقوا الله -عباد الله- وانصروا دينَ الله، تُنصَرُوا وتفوزوا، ولخيرَي الدنيا والآخرة تحوزوا، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يحقن دماءهم، ويجمع كلمتهم على الكتاب والسُّنَّة؛ إنه ذو الفضل والمنة، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدًا، إنه جواد كريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[مُحَمَّدٍ: 7].

· في قصة نبي الله موسى عليه السلام وهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنموذج عمليّ متكامل للنجاة من الفتن، بالتمسُّك بشرع الله تعالى، وحُسْن الظن به، وجميل التوكل عليه.

· المحور الرابع: صوم عاشور شكر لله على عظيم نعمته:

يقول فضيلة الشيخ السديس: "فتذكَّروا أيامَ الله، واشكروا آلاء الله، فموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام حتى في لحظة الانتصار أدَّيَا حقَّ الشكر لربِّ العالمينَ، فكانا عليهما الصلاة والسلام يصومان هذا اليوم؛ يوم عاشوراء شكرًا لله على عظيم نعمته، في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، ‌فَرَأَى ‌الْيَهُودَ ‌تَصُومُ ‌يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا". قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ أنجى اللَّهُ فيه موسى وقومه بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى شكرًا، فنحن نصومه. فقَالَ عليه الصلاة والسلام: "نحن أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم- يتحرَّى صيامَ يومٍ فضَّلَه على غيره إلا هذا اليوم"؛ يعني يوم عاشوراء.

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"(رواه مسلم)، والسُّنَّة أن يصوم يومًا قبلَه، أو يومًا بعدَه، قال عليه الصلاة والسلام: "لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسعَ"(رواه مسلم).

فيجب علينا صيامه، ودونكم هذا الأجر العظيم فاغتنموه واحرصوا على التمسك دومًا بالكتاب والسُّنَّة، ومنهج سلف هذه الأمة، ولا تحيدوا عنه قيد أنملة؛ ففيه السلامة من الشرور والفتن، والبدع والمحدثات والفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. اللهم آمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المراجع:

الشيخ د عبدالرحمن السديس: دروس من الهجرة وعاشوراء، تاريخ الإلقاء: 2025-07-04 - 1447/01/09 تاريخ النشر: 2025-07-05 - 1447/01/10


مقالات ذات صلة


أضف تعليق