بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ.
إنَّ الإسلامَ كَرَّمَ المرأة وأعطاها حقوقها كاملة في جميع مجالات الحياة، مِن أجْل ذلك أحببت أن أُذَكِّر الأحباب الكرام ببعض مظاهر تكريم الإسلام للمرأة. فأقول وباللهِ تَعَالَى التوفيق:
المرأة عند العرب في الجاهلية:
* قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل 59:58).
* قال الإمام ابن كثير(رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} أَيْ: كَئِيبًا مِنَ الْهَمِّ، (وَهُوَ كَظِيمٌ) سَاكِتٌ مِنْ شِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ، (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ) أَيْ: يَكْرَهُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ (مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) أَيْ: إِنْ أَبْقَاهَا أَبْقَاهَا مُهَانَةً لَا يُورِّثُهَا، وَلَا يَعْتَنِي بِهَا، وَيُفَضِّلُ أَوْلَادَهُ الذُّكُورَ عَلَيْهَا، (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) أَيْ: يَئِدُهَا: وَهُوَ: أَنْ يَدْفِنَهَا فِيهِ حَيَّةً، كَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (تفسير ابن كثير ج5 ص24).
* رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: "أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً". (تفسير ابن كثير ج14 ص265).
كان الجاهليون قبل الإسلام، يُوَرِّثُونَ الذكور القادرين على الحرب، فلم يكن للإناث ولا للصبية الصغار ميراث.
(شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط ج1 ص:262).
* قال الإمام الطبري (رَحِمَهُ اللهُ): إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَمُوتُ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوِ ابْنُهُ، فَإِذَا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ سَبَقَ وَارِثُ الْمَيِّتِ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا بِمَهْرِ صَاحِبِهِ أَوْ يُنْكِحَهَا فَيَأْخُذَ مَهْرُهَا، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا.
(تفسير الطبري ج19 ص107).
المساواة بين الرجل والمرأة في غالب الأحكام الشرعية:
* قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. (الأحزاب 36).
* وقال جل شأنه:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71).
أجمع العلماء على أن كل خطاب مُوجهٌ مِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للرجال هو مُوَجَّهٌ إلى النساء أيضًا إلا ما دَلَّ الدليلُ على أنه خاصٌ بالرجال دون النساء أو كان خاصًا بالنساء فقط.
المساواة بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب:
قال اللهُ تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء:124).
* قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}. (غافر:40).
رَوَى ابنُ حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ". (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث:660).
حرية المرأة في التصرف في مالها:
يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها الخاص بها، بدون الحصول على إذن زوجها، بشرط الإنفاق بالمعروف في طاعة الله تعالى.
رَوَى الشيخانِ عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحَارِثِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (زوجة نبينا ﷺ) أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ (أَعَلِمْتَ) يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي (جاريتي)، قَالَ: "أَوَ فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: َمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ". (البخاري حديث:2592 / مسلم حديث:999).
مساواة المرأة بالرجل في الحقوق المادية:
لقد أكد الإسلام احترام شخصية المرأة المعنوية، وسَوَّاهَا بالرَّجُلِ في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع العقود: كحق البيع، وحق الشراء، وحق الدائن، وحق المدين، وحق الراهن، وحق المرتهن، كذلك حق الوكالة، والإجارة، والاتجار في المال الخاص، وما إلى ذلك، وكل هذه الحقوق المدَنِيَّة واجبة النفاذ.ولقد أطلق الإسلام للمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سِوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها,ألا وهو قيد المبدأ العام: أن لا تصدم الحرية بالحق أو الخير، فلها أن تملك الضياع، والدور، وسائر أصناف المال بكافة أسباب التملك، ولها أن تمارس التجارة، وسائر تصرفات الكسب المباح، ولها أن تضمن غيرها,وأن يضمنها غيرها، وأن تهب الهبات، وأن تُوصي لمن تشاء من غير ورثتها، وأن تخاصم غيرها على
القضاء لها أن تفعل ذلك ونحوه بنفسها، أو بمَن تُوَكله عنها باختيارها. (شبهات حول المرأة ج1 ص125).
حرية المرأة في اختيار زوجها:
لقد أنصف الإسلام المرأة في كل جوانب حياتها، فجعل موافقتها على الزواج شرطًا من شروط صحة العقد ,وأعطاها الحق في فسخ عقد الزواج إذا زَوَّجَها أبوها أو ولي أمرها بغير رضاها، ذلك لأن الزواج عقد الحياة فيجب أن يتوافر فيه رضا الطرفين، الرجل والمرأة.
* رَوَى البخاريُّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا، وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَرَدَّ نِكَاحَهَا. (البخاري حديث 5138).
* رَوَى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ". (البخاري حديث 5136 / مسلم حديث 1419).
لا يجوز منع المرأة من الزواج بالرجل الصالح الكفء:
* قال جَلَّ شأنه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (البقرة: 232).
* العَضْل: منع المرأة من تزويجها بكفئها، إذا طلبت ذلك ورغب كلٌ منهما في صاحبه.
قال النووي (رَحِمَهُ اللهُ): لَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ تَزْوِيجَهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي .(مسلم بشرح النووي ج5 ص221).
حق المرأة في مفارقة زوجها:
إذا وجدت المرأة صعوبةً في الاستمرار في حياتها الزوجية، وتمسكت بحقها في مفارقة زوجها، فلا حرج، لأن الإسلام قد أعطاها ذلك الحق، وهو ما يُسَمَّى بالْخُلْعِ.
* رَوَى البخاريُّ عَنِ عبدالله بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً". (البخاري حديث: 5273).
* (مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ): لا أعيبه ولا ألومه * (أَكْرَهُ الكُفْرَ): أي: أقع في أسباب كفران العشير،مِن سُوء العشرة مع الزوج ونقصانه حقه.
الحجاب الشرعي كرامة للمرأة:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب:59). وقال سبحانه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب 32: 33).
* قال ابنُ كثير: هَذِهِ آدَابٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنِسَاءُ الْأُمَّةِ تَبَعٌ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ. (تفسير ابن كثيرج11 ص150).
إن الله تعالى قد خَلَقَ المرأةَ ورزقها الصحة وفرض عليها الحجاب، بشروطه الشرعية، صيانة لها وحفظًا لكرامتها مِن أعين الرجال، فهي كالجوهرة الثمينة المكنونة إذا حافظت على حِجابها وسترت عَورتها، وحرصت على طاعة الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مسئولية المرأة عن رعاية البيت:
رَوَى البخاريُّ عَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَ بنِ الخطاب، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". (البخاري حديث: 2558).
حرص نبينا ﷺ على صيانة شرف المرأة:
* رَوَى مسلمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ (أقارب الزوج) قَالَ: الْحَمْوُ: الْمَوْتُ". (مسلم حديث: 2172).
رَوَى مسلمٌ عَنْ عبدالله بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رسولُ ﷺ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". (مسلم حديث: 1341).
رَوَى الترمذيٌّ عَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ". (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث1758).
اهتمام الإسلام بتعليم المرأة:
إن مِن تكريم الإسلام للمرأة المسلمة أن جعل التعليم حقٌ للرجل والمرأة على السواء، ولم يخص بها الرجال دون النساء.
قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11).
رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرة أن النبيَّ ﷺ قال: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ". (مسلم حديث 2699).
* رَوَى البخاريُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: "قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: وَاثْنَتَيْنِ". (البخاري حديث: 101).
هذه النصوص وغيرها كلها شاملة للرجل والمرأة على السواء، وهكذا كان نساء الجيل الأول مِن الصحابة، فهذه عائشة، أم المؤمنين رضي الله عنها، تضرب أروع الأمثلة لطالبات العِلْم والمتسابقات فيه. لقد روت أم المؤمنين عائشة كثيرًا مِن الأحاديث النبوية المباركة وكانت رضي الله عنها مَرجِعًا للصحابة في كثير مِن المسائل الفقهية.
رَوَى الترمذيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: "مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا". (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 3044).
نبينا ﷺ يوصي بالنساء خيرًا:
رَوَى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبدالله أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (في حجة الوداع): "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". (مسلم حديث: 1218)
رَوَى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ". (حديث حسن صحيح). (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 928).
الإسلام يُحرم قتل النساء في الحروب:
رَوَى الشيخانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ". (البخاري حديث: 3015 / مسلم حديث: 1744).
المرأة المسلمة لها شخصية قوية:
لقد كَرَّمَ الإسلامُ المرأةَ وجعل لها شخصية مستقلة عن الرجل، وتتضح مظاهر قوة شخصية المرأة المسلمة في الأمر التالية:
(1) المرأة شاركت الرجل في الهجرة إلى الحبشة:
رَوَى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: "دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَر"َ. (البخاري حديث: 4230/ مسلم حديث:2502).
(2) المرأة شاركت الرجل في الهجرة إلى المدينة:
رَوَى البخاريُّ عن المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: "جَاءَتِ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ،وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا". (البخاري حديث: 2711).
(3) المرأة شاركت الرجل في الجهاد في سبيل الله:
رَوَى البخاريُّ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَسْقِي القَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الجَرْحَى وَالقَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ". (البخاري حديث: 2883).
الإسلام يحترم رأي المرأة:
* رَوَى البخاريُّ عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من كتابة صلح الحديبية مع سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا". (البخاري حديث:2731).
انظر، أخي المسلم الكريم، كيف احترم نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأي أم سلمة وعَمِلَ به، فكان خيرًا وبَرَكَة على المسلمين.
المرأة المسلمة صانعة الأبطال:
شَهِدَتْ الْخَنْسَاءُ (تُماضر بنت عمرو) حَرْبَ الْقَادِسِيَّةِ، وَمَعَهَا أَرْبَعَةُ بَنِينَ لَهَا فَقَالَتْ لَهُمْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ: يَا بُنِيَّ إِنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ طَائِعِينَ، وَهَاجَرْتُمْ مُخْتَارِينَ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَبَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّكُمْ بَنُو امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مَا خُنْتُ أَبَاكُمْ، وَلَا فَضَحْتُ خَالَكُمْ، وَلَا هَجَّنْتُ حَسَبَكُمْ، وَلَا غَيَّرْتُ نَسَبَكُمْ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ فِي حَرْبِ الْكَافِرِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الدَّارَ الْبَاقِيَةَ خَيْرٌ مِنَ الدَّارِ الْفَانِيَةِ، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200)، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ سَالِمِينَ، فَاغْدُوا إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُسْتَبْصِرِينَ، وَبِاللهِ عَلَى أَعْدَائِهِ مُسْتَنْصِرِينَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْحَرْبَ قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا، وَاضْطَرَمَتْ لَظًى عَلَى سِبَاقِهَا، وَجَلَّلَتْ نَارًا عَلَى أَرْوَاقِهَا، فَيَمِّمُوا وَطِيسَهَا، وَجَالِدُوا رَئِيسَهَا عِنْدَ احْتِدَامِ خَمِيسِهَا(جيشها)، تَظْفَرُوا بِالْغُنْمِ، وَالْكَرَامَةِ فِي دَارِ الْخُلْدِ وَالْمُقَامَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ فِي الْغَدِ كَانَ يَهْجُمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَقُولُ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ وَصِيَّةَ الْعَجُوزِ وَيُقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَلَمَّا بَلَغَهَا خَبَرُ قَتْلِهِمْ كُلِّهِمْ قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَنِي بِقَتْلِهِمْ، وَأَرْجُو رَبِّي أَنْ يَجْمَعَنِي بِهِمْ فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ.وكان عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُعطِي الخنساء بنت عمرو خراج أولادها الأربعة حتى مات. (صفة الصفوة لابن الجوزي ج4 ص385).
المرأة المسلمة مربية العلماء:
(1) أم الإمام سفيان الثوري:
قال وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بُني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي. وقالت: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك. (صفة الصفوة لابن الجوزي ج3 ص189).
(2) أم الإمام محمد بن إدريس الشافعي:
كان ميلاد الإمام الشافعي بغزة ومات أبوه إدريس شابًا فنشأ الشافعي يتيمًا في حجر أمه فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ موطأ الإمام مالك، وهو ابن عشر سنين وطلب العلم حتى أصبح مذهبه أحد المذاهب الأربعة المشهورة. (سير أعلام النبلاء للذهبي ج12 ص6: 11).
(3) أم الإمام أحمد بن حنبل:
كان والد أحمد بن حنبل مِن الجنود المجاهدين الذين ذهبوا إلى مَرو، مات شابًا وله نحو مِن ثلاثين سنة، فقامت أم أحمد على تربيته وحثته على حفظ القرآن وطلب الحديث، فطلب العِلم وهو ابن خمس عشرة سنة. كان عدد شيوخه الإمام أحمد الذين رَوَى عنهم في المسند أكثر مِن مائتين وثمانين شيخًا.رَوَى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائي. والإمام أحمد صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة. (سير أعلام النبلاء ج11 ص177: 183).
(4) أم الإمام محمد بن إسماعيل البخاري:
لما مات والد البخاري قامت أمه على تربيته، وفَقَدَ البخاري بصره وهو صغير، فرأت أمهُ الخليل إبراهيم ( في المنام يخبرها بأن الله تعالى رد على البخاري بصره لكثرة دعائها له، فاهتمت به أمه اهتمامًا كبيرًا، وألهمه الله تعالى حفظ الحديث وعُمُرهُ عشر سنوات، ولما بلغ السادسة عشرة خرج حاجًا مع أمه وأخيه، وبعد أداء الحج تخلَّفَ بمكة في طلب الحديث، وفي سن الثامنة عشرة صنف في قضايا الصحابة والتابعين وأقوالهم.كان للبخاري أكثر مِن ألف شيخ وجمع كتابه الصحيح مِن ستمائة ألف حديث مسموعة. (سير أعلام النبلاء ج12 ص391: 415).
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن ينفعَ به طلاب العِلْمِ الكِرَامِ.