بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الحياة دون نصائح وتوجيهات أشبه بحياة البهائم أكرمكم الله فكيف وهي شبه مُنعدمة في أكثر بيوت المسلمين اليوم وأصبح التساهل في المنازل عادة عند البعض لا يهتم بمسؤوليته تُجاه أسرته وكأنه قطعة من أثاثها ليس أكثر من ذلك والله المستعان.
وهذا التساهل يتمركز على ثلاث أسس مهمة ومنها إهمال التربية والتعليم وإهمال الرقابة وحسن التوجيه وإهمال الحقوق والنُصح وهذا أمر يحدث سواء من طرف الآباء تُجاه أبنائهم أو الأزواج فيما بينهم أو الإخوة فيما بينهم أو حتى تدخُل الأخوال والأعمام والجَد والجار... الخ، فقد أصبح في طي النسيان ولو من باب النصيحة لأن مفهوم التربية عند الكثير من المسلمين أصبح اليوم في الأكل والشرب والملبس والمبيت فقط وهذا مفهوم خاطئ لأن هذه ما هي إلا رعاية وعناية به فلو أحضر قط لأطعمه وسقاه وأما التعليم فهناك من يظن أنه مجرد إدخاله المدرسة يُعتبر هذا تعليم وهذا أيضا مفهوم خاطئ فالتعليم على حقيقته هو أن تُعلمه العقيدة الصحيحة لتستغل فرصة الفطرة السليمة في قلبه فيتقبلها برحابة الصدر وأن تُعلمه القرآن والأخلاق والآداب والإحترام والحياء... الخ.
وأما مفهوم الرقابة على حقيقتها تكون بمراقبة سلوكياته مع أصحابه ومع إخوته ومع جيرانه ومع أهله ومع أمه وأثناء إستعماله لوسائل التواصل الإجتماعي ومراقبته في المدرسة والسؤال عنه... الخ.
حتى نتفادى جيل تفسدُ طبيعته ورجولته وأخلاقه ويُصبح مدمن مخدرات وكحول... الخ، وأما عن حُسن التوجيه بمفهومه الحقيقي هو التوجيه إلى الخير وإلى صلة الأرحام وإلى الصلاة في المسجد وإلى العمل وسدْ الفراغ الروحي إما بالرياضة أو المطالعة... الخ.
وأما عن الحقوق فهي كثيرة ومنها العدل بين الأبناء في كل شيء دون إقصاء والنفقة عليه... الخ.
قال محمود السعيد في نتائج إهمال الوالدين لأبنائهم (إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المهملين من قِبل آبائهم ومنها سرعة إنجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوع الجريمة في المجتمع) تربية الأبناء له ص (39).
وقد صدق الإمام ابن باديس رحمه الله حين قال (ومن ضيّع بيته فهو لما سواه أضيع) الرد النفيس للشيخ حاج عيسى الجزائري ص (263) فالذي يُهمل أبنائه وزوجته قد يُهمل صلاته أيضا وقد قال الشيخ سعيد الصاغرجي في من أهمل أولاده من دون تربية حسنة (قد ضيعت حق أولادك وجنيت عليهم وقدمتهم طعمة ولقمة سائغة للشيطان ثم بعد ذلك تعضُ على يديك من الندم ولات ساعة مُندم) تأديب البنين والبنات له ص (43)، ثم قال (ولقد عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال الولد يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا) المصدر السابق ص (40) وهذا مؤسف طبعا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد قال ﷺ "وإن لولدك عليك حقا" رواه الشيخان، ولهذا قال بعض العلماء عن المسلمين (إنما ساءت حالهم حين ساءت أعمالهم) وسوء العمل يبدأ من البيت فإن صلح أهل البيت صلح حال المجتمع وإن فسد حالهم فسد المجتمع ولهذا يقال (الجزاء من جنس العمل) واليوم أكثر البيوت لم تُأدي دورها في التربية والإرشاد رغم أن الإسلام جاء بهما ورغبنا فيهما لكن أكثر المسلمين تركوا العمل بشريعة الإسلام وطبقوا شريعة الأفلام والمسلسلات المخلة للحياء تقليدا لهم واقتداءا بهم متأثرين بالفكر العلماني الذي يُروج له عبر شاشات المسلمين والعرب خاصة وهي السبب الأول في خراب البيوت ودمارها وإنحلالها وتمُزق الأسر مع تشتُتها فإن الواقع مشهود والحقيقة تُقال أن المسلسلات التركية بصفة خاصة وجميع المسلسلات بصفة عامة لها آثارا سلبية في المجتمع العربي والإسلامي ومنها الفساد الأخلاقي ثم إنتشار الرذيلة في هذا المجتمع ثم إنها تُدعِّم الطلاق بأنواعه وتُشجع على الخيانة الزوجية وكذلك الدعوة إلى العلمانية ثم إن أصل هذه المسلسلات هي محاربة التقاليد العربية كالغيرة ومحاربة الأصول كالدين والسُنة وأخيرا هي تُشجع الدياثة وسط الرجال والله المستعان.
وهذا سببه الأول هو إهمال الرقابة بل إن عين الكارثة أنه هناك آباء يشاهدون هذه الأفلام والمسلسلات التي تَشبه الإباحة في الترويج لها مع أبنائهم وهذا هو باب الخراب بنفسه فالزمن الذي نحن فيه قد كثر فيه الفساد مع غياب التوعية وضُعف التفكير وتفكيك الأسر وأزمة الأخلاق هي اليوم تمسُ بالساحة الشبابية بكثرة ومنه تحطيم المجتمع نفسه بنفسه نفسيا ومعنويا وهذا واقع مؤلم وكلنا ندفع ثمن هذا الألم وهي معيشة ضنكا على أكثر الآباء اليوم فهناك من هو نادم على سوء تربيته لأبنائه وتمنى لو لم يُرزق بهم وقد صدق من قال (أن الشباب في هذا الزمان أكثرهم يطمحون في قشور الحضارة) وهو يقصد بهذه القشور أي تقليد الغرب في لباسهم وقصات شعورهم وتخنث بعض شباب المسلمين وترُجل نساءهم... الخ، والله المستعان.
فيرون التطور من عين الفساد، ومن كثرة الفساد العلني في أوساط المسلمين قد ماتت بسببه اليوم القلوب وذابت الغيرة في صدور الرجال كما يذوب الملح في الماء فأصبحنا نرى المنافسة حول الدياثة فلا يهتم بتبرج بناته أو زوجته أو أخواته... الخ، والدياثة لها مراتب وهي أكثر من عشرة فأعلاها الرضا بفسق نساء لأهل بيته وتبرجهن وأدناها السكوت عن الحق ومن هذه المراتب أيضا تفضيل الزوجة على الأم ومنها ترك نساء أهله يشاهدن الأفلام والمسلسلات المخلة للحياء أو سماع الغناء الفاحش وكذلك تركهن في التجول بين الحمامات والأسواق وحدهن وكذلك ترك المرأة تعمل مع الرجال الأجانب عنها وكذلك من يقدر على العمل ولا يعمل وزوجته هي التي تعمل من أجل إطعامه وكذلك من يُفشي أسرار السرير للأهل أو غيرهم أو أسرار البيت للأجانب عنه وكذلك من يتجول مع زوجته في وسط المتبرجين من النساء والرجال كالبحر وغيره وهو راضي ولا يبحث عن تغيير المكان وكذلك من يترك زوجته تُخاطب الرجال في حضرته وهو ساكت عنها وكذلك من يقبل أن تُصافح زوجته على أخيه أو أصدقائه وكذلك من يخاف من زوجته إذا غضبت منه فيُنفذ كل أوامرها دون تردد وكذلك من يظلم زوجته بالعنصرية أو لا يدافع عنها أمام إخوته وهكذا... ، فمن ثبتت فيه صفة من صفات الدياثة لا يكون رجلا لأنه أعان على هدم عرش الرجولة بين الرجال والله المستعان.
فانظر إلى نتائج التساهل في المنازل كيف تتحول إلى السلبيات وهذا بسبب التفريط في التربية الإسلامية التي أمرنا بها نحن المسلمين فتركها كان عارا من أكبر أبواب المهازل في الحياة البشرية نغرق في فوضى أخلاقية لا نهاية لها ومن المهازل أكثر البيوت أسرارها أصبحت مكشوفة والله المستعان بل أصبحوا يضعون صور لنسائهم في مواقع التواصل الإجتماعي ويتفاخرون بها وقد نُسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال (ومن كتم سره كانت الخيرة بيده) ومن المهازل أيضا هي أنه في بعض البيوت كل من تقدم لخطبة إبنته زوَّجها إياه دون أن يسأل عنه هل هو الرجل الميثالي لها أم لا؟ فلا يسأل عن دينه ولا خُلقه بل يسأل عن عمله وماله فقط فقد يُزوجها لفاجر فاسق وهو لا يدري أو يدري لكن لا يهتم بما يجري قال الشعبي (من زوَّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها) النوادر والنتف للأصبهاني ص (266)، أي هو في مرتبة قطع صلة الرحم لأنها لن ترى نورا معه إلا إن هداه الله بهدايته وهناك بعض الحقوق بين الأزواج أصبحت تحت راية الإهمال ومنها الإذن من الزوج سواء في الخروج أو غيره.
قال ﷺ: "لا يحل لإمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" متفق عليه، وقوله: "ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" أي خروجها أو إدخال أهلها لغرفته الخاصة أو صديقاتها... الخ.
وفي الختام لكم هذه الموعظة للإمام الذهبي رحمه الله الذي يقول فيها: (ابن آدم كيف تظن أعمالك مشيدة وأنت تعلم أنها مكيدة؟ وكيف تترك معاملة المولى وتعلم أنها مفيدة؟ وكيف تُقصر في زادك وقد تحققت أن الطريق بعيدة؟) الكبائر له ص (99)، وتربية الأبناء جزء من هذا الزاد قال فضيلة الشيخ الغسيري رحمه الله (وأقرب خَلق الله إلى الله أنفعهم لعياله) ص (50) صورة من حياة ونضال ابن باديس له، والنفع يكون في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة فمن قدم لهذه وترك الأخرى لم ينفع أهله ولو أطعمهم من كل أنواع اللحوم التي هي حلال لنا.