بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا هو النص بعد التدقيق وإضافة علامات الترقيم المناسبة وحذف الرموز غير اللازمة:
دمرت التكنولوجيا حياتنا الأسرية، وفككت العلاقات الاجتماعية، فكل واحد لديه أعمال واهتمامات تشغله عن سماع هموم من يواليه، انشغل الآباء، وتمرد الأبناء.
يعطينا القرآن الكريم صورة راقية للتواصل بين جيلين متباعدين: جيل الآباء وجيل الأبناء، وذلك من خلال قصة يوسف ووالده يعقوب عليهما السلام، لم يظهر بينهما صراع الأجيال كما يطلق عليه.
السورة ترسم لنا العلاقة القوية والحوار الراقي بين العجوز والابن الصبي في مشهد رباني جليل فريد. ابن جعل من أبيه مستودعًا لسر كبير، ومرجعًا له... {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4].
استمع الشيخ الجليل لولده بكل انتباه، لم يزجره ولم يندهش لذلك، بل أدرك أن ابنه هذا سيبلغ شأنًا بعيدًا وسيتبوّأ مكانة كبيرة في المستقبل.
إنه الأب الحريص، لم يغب عليه إحساس أبنائه نحو أخيهم، وحسدهم له ولأخيه بنيامين. فلا يجب إخبارهم الخبر، حتى لا يكيدوا مباشرة له.
أسند تصرف الإخوة إلى الشيطان، وأنه من زيّن لهم فعل ذلك، وهو مصدر الوسوسة والعداوة، فهم ليسوا سيئين. لماذا؟
حتى يحافظ على سلامة قلب الصبي، ولا يملأ صدره غيظًا على إخوته، فيرغب في الانتقام مستقبلًا، حتى لا تنمو نبتة الشر والعداوة في قلبه الغض. {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يوسف: 5].
من القرآن نتعلم طريقة الحوار بين الآباء والأبناء... فكيف ينتقل الحوار؟
الحوار مع الأبناء وسيلة من وسائل التربية، والأب يجب أن يكون عالمًا بنفسية ابنه، مراقبًا له في كل حين.
بالتحاور ننقل قيمنا لهم، نعلمهم الحياة الحقيقية بآلامها وآمالها، فقد نقل يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام قيمًا كبيرة.
الكثير من أبنائنا يعيشون في عالم افتراضي، فيه أشخاص لا يعرفهم، لا يعرف عاداتهم وعقلياتهم، ولا أخلاقهم.
إن هذا العالم يشكل شخصيات أبناءنا، ويبنيها حسب قالبه الذي صنعه. إنهم يأخذون القيم من الهواتف والألعاب الإلكترونية. تحولوا إلى آلات، لا يحركون ساكنًا ولا يحدثون ضجيجًا.
يجب تدريب أطفالنا في العالم الواقعي، عالم الأشخاص الحقيقين، عالم الناس، وذلك بالتحاور الحقي الملموس لاكتساب تجربة، والتجربة مهمة في الحياة.
فقدان الحوارات مع الأبناء ضيَّعهم، وأصيبوا بالاكتئاب وتمردوا علينا، وكثير منا فقد بوصلة التحكم.
إن قطع الحوار معهم، وتركهم مع الهواتف والألعاب الإلكترونية داخل غرفهم أو حتى وهم بيننا، دمر طفولتهم بل إنسانيتهم، وأخذ منهم لحظات سعيدة.
وللأسف، تصادمهم بالواقع في المستقبل سيلومونكم قائلين لكم: لماذا لم تخبروننا بأي شيء؟ تركتموننا لعالم الخيال.
الأمر مؤلم، والتربية الحقيقية لا يمكن أن تتم دون حوار، ولا يكون هذا إلا بالقرب والاقتراب منهم، والتحبب إليهم، وقراءة أفكارهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم، وليس أحب للابن من مناداته: يا بُني.
تنقل لهم قيم الصدق، قيم التعامل، قيم العطاء والأخذ، وكلما كان الاقتراب حقيقيًا كان التغيير حقيقيًا وجيدًا ومؤثرًا.
سورة يوسف مؤشر حقيقي للحوار القيم الرائع البناء بين جيل الآباء والأبناء. بل القرآن الكريم كله والسنة النبوية الشريفة يزخران بالأساليب التربوية التي يجب تدبرها وإسقاطها في واقعنا، لحماية أسرنا وأبنائنا، لأن القادم إلينا أدهى وأمر.