بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن كنا نريد أن نعيش حياتنا مرتاحي البال ومطمئني الضمير، فيجب علينا أن نعرف ماهية الحياة وطرق عيشها ومقتضياتها حالًا ومآلًا، وللحياة جوانب كثيرة ونواحٍ شتى وطرق متعدّدة ومناهل مختلفة، فأيّتها أخذتها توصلك إلى نهاية المطاف وتبلغك إلى غاية الهدف، ولكنها لا تعاونك في السعادة والفوز، وإياك أن تبذل جهودك وتفني عمرك فيما ليس فيه الخير، فالطرق في الحياة كثيرة ولكسب الأموال والأقوات مهارات وأساليب، ولكن النجاح بقدر كدّ السالك وبقدر جهده.
فكثير منا يختارون طريقًا فيفوزون في مقصدهم وكثير يختارون طريقًا فيفشلون فيه، وبعض منا يسير على درب الفلاح والرقي، وبعض منا يمشي في طريق الخيبة والخسارة، فخلاصة الكلام: أن هذه الدار هي دار الابتلاء والامتحان وقاعة السرور والحزن، وفيها يعيش كل من ظهر ووُلد بين السعادة والشقاء وبين الفرح والترح.
فالحياة لكل مَن جاءَ مِن عالَم الأرواح إلى عالَم الأجسام، ولكن يجب أن نعرف الفرق بين عيش الحيوان وبين عيش الإنسان، فأما عيش الحيوان فلا نعرف حقيقته، ولكننا نرى الدواب تتمتع بحياتها بقدر استطاعتها ولا نرى آثار الحزن والفرح في وجوهها، ولكن من ناحية أخرى لو نطل على حياة الناس فنجد جميع الناس يشتركون في شيئين: في السعادة والشقاء، في الفرح والحزن.
ترى صاحبك قد فاز في اختبار الثانوية فيطير فرحًا وسرورًا، والآخر قد ترقى في أعماله السياسية وجدته أشد الناس سرورًا وبهاءً، وترى أسيرًا ففك سبيله، فرح كأنه وجد حياة جديدة، وفي جانب آخر من الحياة تجد شخصا ابتلي بمرضٍ فاغتم وغم الآخرين، أو كان تاجرًا فكسدت تجارته فأصبح يقلب كفّيه ندمًا وحسدًا، أو عزل عن الرتبة والمنصب فأخذته الدهشة أو كان موظّفًا فعين غيره فيحزن حزنًا شديدًا ويتجول هائمًا وقانطًا من حياته، فيقتل نفسه هما وغما.
والله تعالى يقول: {لَا تَقنَطُواْ مِن رَّحمَةِ الله} وأية نعمة فوق رحمة الله؟! فإن الله يجعل لنا من كل أمر فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني".
أيها الكرام: لماذا نقنط من رحمة الله ولماذا لا نحسن الظن به؟ ولماذا لا نختار سبل الفرح والراحة وطرق الخير والفضل؟ ولماذا نتهم الأيام والشهور بالجور والظلم، ولماذا ننكر ساعات الفرح والسرور، ولماذا دائما نختار طرق الضيق والعيش الضنك ولا نبادر إلى الأمور السهلة والأعمال الهيّنة؟!
لو فكرنا وتعمقنا في هذه المشكلة وفي حلِّها، نجد أن المشكلة في شيء واحد، وهو اتباع الهوى ومتابعة النفس وقلة الصبر والقناعة، نرى الخير فيما ليس فيه الخير، ونرى الشرَّ فيما فيه الخير، نتمنّى دائمًا أن نفوز على الطريق الذي ليس فيه الفوز، والله تعالى يقول: {عَسَىٰٓ أَن تَكرَهُواْ شَئٗا وَهُوَ خَيرٞ لَّكُم وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَئٗا وَهُوَ شَرّٞ لكم}.
فلو تركنا اتباع الهواء وعدلنا إلى إعطاء كل ذي حق حقه، وتعاملنا مع الناس بالعدل والإنصاف، وتلاطفنا معهم في كل أمر، فالناس يحبُّونكم، ويقتربون إليكم، وهكذا ستصلح أمور دنياكم، وتُحفظون من شرورهم ومن حقدهم.
وأما سنّة الحياة فأن يكون الرجل مع الفرح والحزن، وأن يتقلّب بين البؤس والرخاء، وألا يكون دائمًا في حالة واحدة، فالحياة تذيقك حلاوة الثراء والراحة والصحة والعافية ثم تذيقك مرارة الفقر والفاقة والمرض، فلا تجزع لحوادث الزمن، فإن الحوادث ليس لها بقاء، ولا بؤس يدوم ولا رخاء، فليكن أيام سرورك أكثر من أيام الحزن، واجعل فرحك غالبًا على الغم والحزن؛ لتعيش حياتك بالسرور والفرح والسلام.