أبو منصور الأزهري

24
1 دقائق
22 ربيع الأول 1447 (15-09-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أبو منصور الأزهري المتوفى:370 هـ. من أبناء إقليم «خراسان» ومن مواليد مدينة «هراة» الأفغانية وهي مدينة «محشوة بالعلماء ومملوءة بأهل الفضل والثراء» بتعبير ياقوت الحموي(ت:626).

لم يكن الأزهري عربيا غير أنه شديد العناية بالعربية، وعروبة العلم بعروبة اللسان لا عروبة النسب والجغرافيا، فأولع سبعين عاما بالبحث في جذور العربية، وفحص متنها، وتتبع أصولها كما في سيرته الذاتية.

رحل في طلب العربية إلى بغداد، مدينة السلام، وحاضرة اللغة وحاضنة العباقرة، توغل بين القبائل العربية يجمع ما تحدرت به ألسنتها من ألفاظ الكمال، حتى أنتج وأحدًا من أهم معاجم العربية، وقواميسها النفيسة، «تهذيب اللغة» الذي يعد مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية في عنايتها بلغتها العالية.

من أعجب ما قرأت في سيرته أن الرجل وقع أسيرًا في يد القرامطة، حين اعتدوا على الحجيج، فكان من نصيب فريق من هوازن من أهل البادية «يتكلمون بطباعهم البدوية ولا يكاد يوجد في منطقهم لحن» كما ذكر في مقدمة كتابه «تهذيب اللغة»، فساقه الله إليهم، وأوقفه الله زمنا في أرضهم، وحُبس بباديتهم، تهيئة وتفريغا لإتمام مشروعه الاستراتيجي العظيم الذي ستنتفع به الأجيال المتعاقبة في حفظ قوام لغتها الرشيقة، فبقي في أسرهم دهرا طويلا، وهي تلك المدة التي يحبس الله فيها أصفياءه ويختارهم لتنفيذ أمر ما.

أدرك أبو منصور جيدا فحوى تلك الرسالة، ومضمون ذلك البلاء، إذ في كل محطة بلائية رسالة خفية من الله لك. عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، فما أقعده الحزن لا قيده الفراق، ونشط للتو في جمع اللسان من تلك البادية والتركيز على الانجاز.

كلما أدمت الطرق، والتحفت العزم، وأشعلت العزيمة وأريت الله صمودك على أبواب العلم،، أقبل الله عليك بفتوحه وهيأك لذلك الوقف، واصطنعك لنفسه، وتصدر مشروعك على قوائم القبول، وخلق لك أسباب التفرغ والتوفيق. وربما حسبته غمًّا بلاء وهو فتح من الله عظيم.

هذه فلسفة الاصفاء، (وربك يخلق ما يشاء ويختار).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق