الإحباط

24
2 دقائق
22 ربيع الأول 1447 (15-09-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مهما مر عليك من إحباط، فلن يكون كالإحباط الذي مر على يوسف العلم وسأروي لك الموقف كما أراه.

يوسف عليه السلام، كان فرحًا جدًا لما أخبره إخوته الكبار أنهم سيأخذونه إلى البر يرتع ويلعب، وكان شعوره لا يوصف تلك الليلة عندما وافق والده على ذهابه.

جمع مستلزمات الرحلة، ولم ينم تلك الليلة من شدة الفرح، فغدًا من الفجر سيذهبون، وكان يسمع من إخوانه وأصدقائه عن السعادة في الرحلات البرية.

ومع بزوغ الفجر يقبل والده قبلات الوداع، ويتنقل بين أيدي إخوانه من هذا إلى هذا، كلهم يحبونه ويضاحكونه، ويودون له الاستمتاع في هذه الرحلة، فكلها كانت من أجله.

يستنشق الهواء بصدر منشرح، ويقفز هنا وهناك، سيتحدث لأبيه عن هذه الرحلة وتفاصيلها، سيقول لأصدقائه عن سعة البر واللعب الذي لعبه والحيوانات التي رآها، ولاعبها. سيكون حديثًا شيقًا وسيستمعون له بإنصات، ودهشة، ويغبطونه.

توقفوا، واستعد، وقام بإنزال أغراضه الخاصة، وهو في قمة السرور والسعادة، يحمله إخوته الذين كانوا يضاحكونه قبل قليل، وتتغير ملامحهم، ويبدو الشر من نظراتهم، فلا يمهلونه ليسأل حتى رموه في الجب، وهو يتمسك بهم، ويتشبث بثيابهم، فلااااان، فلاااان، أخي، أخي.

ثم أظلم كل شيء، يسمع قرع نعالهم وضحكاتهم، شعور غريب جدًا، وأفكار فوق مستوى عقله، لا يستطيع تفسير الحدث فبراءته لا تصل إلى عمق كيدهم.

ما أشد تلك الليلة، أين البر وسعته، وأين اللعب، وأين الأحاديث التي سيقصها لوالده، ولم تغير إخوتي فجأة، أين ضحكاتهم، ووعودهم لأبي تبخرت كل الخيالات وتحطمت الأحلام على جدار الحيرة، ولم يسمع إلا عواء الذئاب، ونبضات قلبه المتسارعة.

هذا موقف من المواقف التي مرّت على يوسف عليه السلام، وهناك موقف الاسترقاق، وكيد امرأة العزيز، والسجن، ولو لم نعرف خاتمة يوسف عليه السلام وأن الله مكن له في الأرض، وأصبح عزيز مصر، لتقطعنا كمدًا لأجله، يتنقل من شقاء إلى شقاء، ومن هم إلى غم إلى حزن، ولكن الخاتمة كانت جميلة جدًا؛ لذا نحن نقرأ القصة بارتياح لأننا نعرف خاتمتها، ولو عشناها لحظة بلحظة مع يوسف عليه السلام لعرفنا المعاناة الشديدة التي مرت به وبوالده.

هذه قصة يوسف عليه السلام وهو نبي كريم ابن نبي كريم ابن نبي كريم يحبهم الله، ورفع ذكرهم فالإحباط والفشل والهموم والصعوبات في بداية الحياة مرت على أكرم الخلق وأزكاهم، وليس فيها دلالة على الخاتمة السيئة، ولا على عدم حب الله لعبده، بل قد تكون هذه صناعة الله لعبده في الدنيا ليرفعه فيها وفي الآخرة، وما عند الله خير وأبقى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق