مرويات ضرب الزوجة في السنة النبوية

196
4 دقائق
14 ربيع الثاني 1447 (07-10-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فقد حصل نقاش حول أحكام ضرب الزوجات الواردة في السنة، فجمعتها وعلقت عليها.

أولًا: الإذن بالتأديب بالضرب غير المبرح.

ثبت عن جابر رضي الله عنه عن النبي أنه قال في حجة الوداع: "اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". رواه مسلم (1218).

وفي “الموسوعة الفقهية “(10 / 24):

ويجب أن يكون الضّرب غير مبرّح، وغير مدمٍ، وأن يتوقّى فيه الوجه والأماكن المخوفة، لأنّ المقصود منه التّأديب لا الإتلاف؛ لخبر: "إنّ لكم عليهنّ ألاّ يوطئن فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإنْ فعلنَ فاضربوهنّ ضربًا غير مبرّح".

ويشترط الحنابلة ألاّ يجاوز به عشرة أسواط؛ لحديث: "لا يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلاّ في حدّ من حدود اللّه".

ثانيًا: النهي عن ضرب الزوجة في الوجه:

ثبت عَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ".

قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تُقَبِّحْ: أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ. رواه أبو داود (2142) وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.

ثالثًا: التأديب بالضرب مرحلة ثالثة من مراحل التأديب:

قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} النساء/ من الآية 34.

وفي “الموسوعة الفقهية “(10 / 23، 24):

طرق تأديب الزّوجة:

أ. الوعظ.

ب. الهجر في المضجع.

ج. الضّرب غير المبرّح.

وهذا التّرتيب واجب عند جمهور الفقهاء، فلا ينتقل إلى الهجر إلاّ إذا لم يجد الوعظ، هذا لقوله تعالى: {واللّاتي تخافون نشوزَهنّ فعِظُوهنّ واهجروهنّ في المضاجِع واضربوهنّ}. و في “المغني“ لابن قدامة الحنبلي: في الآية إضمار تقديره: واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ، فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهنّ.

وذهب الشّافعيّة - في الأظهر من قولين عندهم - إلى أنّه يجوز للزّوج أن يؤدّبها بالضّرب بعد ظهور النّشوز منها بقول أو فعل، ولا ترتيب على هذا القول بين الهجر والضّرب بعد ظهور النّشوز، والقول الآخر يوافق رأي الجمهور.

رابعًا: ترك الضرب اقتداء بالنبي :

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل". رواه مسلم (2328).

قال النووي - رحمه الله -:

فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحًا للأدب: فتركه أفضل. ”شرح مسلم “(15 / 84).

وترك الضرب كمال في عقل الرجل، وهو خير من الضرب، فقد ثبت عَنْ إِيَاسِ بْنِ عبدالله بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ" فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ". رواه أبو داود (2146)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.

ذئِرنَ: أي: نشزْن وساءت أخلاقهن.

وفي “عون المعبود “(6 / 130):

بل خياركم من لا يضربهن، ويتحمَّل عنهن، أو يؤدبهن ولا يضربهن ضربًا شديدًا يؤدي إلى شكايتهن.

خامسًا: التهديد بالضرب أدب:

ورد حديث: عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ أَدَبٌ لَهُمْ. حسنه ضل الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في”سلسة الأحاديث الصحيحة”(3 / 431).

سادسًا: الضرب رحمة لا عذاب:

صح عن عبدالله بن ‌زمعة: أنه سمع النبي يخطب: وذكر النساء فقال: "يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه". أخرجه البخاري (4942). ومسلم 2855. وفي رواية: "بمَ يَضْرِبُ أحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الفَحْلِ، أوِ العَبْدِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا". رواه البخاري 6042

وعن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لى امرأةً وإنَّ فى لسانِها شيئًا يعنى البَذاءَ قالَ فطلِّقها إذًا قالَ قلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لَها صُحبةً ولى مِنها ولَدٌ قالَ فمُرها يقولُ عِظها فإن يَكُ فيها خيرٌ فستَفعلُ ولا تضرِبْ ظعينتَكَ كضَربِكَ أُميَّتَكَ. أخرجه أبو داود (142) وأحمد (17846).

سابعًا: ترك تزويج ضراب النساء:

عن فاطمة بنت قيس قالت: قال لي رسول الله : إذا حللتِ فآذِنيني فآذنتْهُ فخطبَها معاويةُ وأبو الجَهمِ بنُ صُخيرٍ وأسامةُ بنُ زيدٍ فقالَ رسولُ اللَّهِ أمَّا معاويةُ فرجُلٌ تربٌ لا مالَ لَهُ وأمَّا أبو الجَهمِ فرجلٌ ضرَّابٌ للنِّساءِ ولَكن أسامةُ فقالت بيدِها هَكذا أسامةُ أسامةُ فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ طاعةُ اللَّهِ وطاعةُ رسولِهِ خيرٌ لَك قالت فتزوَّجتُهُ فاغتبطتُ بِهِ. رواه ابن ماجه وهو في صحيح الن ماجه 1527

ثامنا: الإنكار على من يضرب زوجته بلا سبب مشروع

روى أحمد 26339- حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي قالت: أتت سلمى مولاة رسول الله أو امرأة أبي رافع مولى رسول الله إلى رسول الله تستأذنه على أبي رافع قد ضربها. قالت: قال رسول الله لأبي رافع: ((ما لك ولها يا أبا رافع؟)) قال: تؤذيني يا رسول الله، فقال رسول الله : ((بم آذيته يا سلمى؟)) قالت: يا رسول الله، ما آذيته بشيء، ولكنه أحدث وهو يصلي، فقلت له: يا أبا رافع، إن رسول الله قد أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ، فقام فضربني، فجعل رسول الله يضحك ويقول: ((يا أبا رافع، إنها لم تأمرك إلا بخير)).

تاسعًا: خلع المرأة من زوجها عند كسره لسن أو عظم:

روى أبو داوود برقم 2228 عن عائشة، أن حبيبة بنت سهل، كانت عند ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول الله بعد الصبح، فاشتكته إليه، فدعا النبي ثابتا، فقال: خذ بعض مالها، وفارقها، فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟، قال: نعم، قال: فإني أصدقتها حديقتين، وهما بيدها، فقال النبي : خذهما وفارقها، ففعل.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


مقالات ذات صلة


أضف تعليق