بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يا من تحمل في صدرك غيرة للإيمان، وتشتعل جوانحك حبًا لله ورسوله، كيف تقع في حبائل المعصية وأنت تعلم قبحها؟! كيف تذرف الدمع في محراب السجود ثم تسمح لعينك أن تنظر إلى ما حرم الرحمن؟!
إن ذلك الجهاد الذي تشهده نفسك دليل على صحة إيمانك، فلو كان قلبك ميتًا لما تألمت من سقوطك في الذنب. ولكنها النفس الأمارة بالسوء التي لا تفتأ تزين لك الخطيئة، وتوسوس في صدرك حتى تظن أنك قد استسلمت لهواك. قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53].
واعلم أن الشيطان قد أقام عليك حربًا لا هوادة فيها، يريد أن يخرجك من نور الطاعة إلى ظلمات المعاصي. ألم تسمع قول الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]. فهو لا يريد لك إلا الهلاك، ويغريك بالمعصية كما يغري الصياد فريسته.
تأمل في مفارقة عجيبة: أنت بين نداءين. نداء يهتف من السماء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، ونداء آخر يهمس من قرارة الشر: {وَاتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21]. فأي الصوتين أولى بالاستجابة؟
إن كل نظرة محرمة هي خيانة لله تعالى، وقد قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27]. فكيف تخون الأمانة وأنت من حملها؟! {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} [الأحزاب:72].
وأنت في لحظة الضعف، تذكر أن عين الله تراقبك، فالله أحق أن تستحي منه. قال صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء". قالوا: إنا لنستحيي. قال: "ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى" (رواه الترمذي).
أما علمت أن الحلال بين يديك؟ لماذا تبحث عن الحرام وفي بيتك زوجة كريمة؟ لماذا تترك الجوهرة وتذهب إلى الحجارة؟ قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل:72].
وتذكر دائمًا أن الموت قد يبغتك على أي حال، فهل تحب أن تلقى الله وأنت في معصيته؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" (رواه البخاري).
أقبل على الطاعات، وأشغل نفسك بالمفيد، ففي الصالحات غنى عن السيئات. اجلس مع أهلك، واقرأ في كتاب الله، وانشر العلم النافع، فذلك خير لك في الدنيا والآخرة.
اللهم طهر قلوبنا، واستر عيوبنا، وأصلح أحوالنا، واجعلنا من عبادك الصالحين.