بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يعاني غالبية الناس في حياتهم التسويف والتردد.
التردد يجعل المرء سلبيًا عاجزًا لا يستطيع تحديد هدفه، وما يريد تحقيقه، ويضيع الكثير من الفرص، ويظل حائرًا في أمره، يدور في نقطة الانطلاق لا يتقدم.
وأما التسويف فهو من العادات السلوكية التي تقيد الإنسان عن إنجاز المهام، وتفوت عليه الكثير من الأعمار والإعمار، خاصة إذا أصبح نمط حياة دائم. والمبادرة عكس التردد، قاطعة لدابر التسويف، وهي ملكة يتصف بها الإيجابيون أصحاب الهمم والمعالي.
التسويف والتردد يعيقان حركة الحياة، والناس في بلهنية وغفلة.
ما هي المبادرة؟
المبادرة مصدر بادر، وهي المسابقة والمسارعة دون تردد ومماطلة. أمر بها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: 21].
في تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور: *عَبَّرَ عَنِ العِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ بِفِعْلِ المُسَابَقَةِ لِإِلْهَابِ النُّفُوسِ بِصَرْفِ العِنَايَةِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنَ الفَضَائِلِ، كَفِعْلِ مَنْ يُسَابِقُ غَيْرَهُ إِلَى غَايَةٍ فَهُوَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَكُونَ المُجَلِّي، وَلِأَنَّ المُسَابَقَةَ كِنَايَةٌ عَنِ المُنَافَسَةِ، أَيْ: وَاتْرُكُوا المُقْتَصِرِينَ عَلَى مَتَاعِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأُخْرَيَاتِ وَالْخَوَالِفِ*[1].
وقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
قال البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: *﴿وَسَارِعُوا﴾ بَادِرُوا وَأَقْبِلُوا. ﴿إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ إِلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ المَغْفِرَةَ، كَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاصِ*[2].
ربى نبينا ﷺ أصحابه رضي الله عنهم على الإيجابية وصناعة الفارق في الحياة بالمبادرة، وعدم تفويت الفرص الطيبة واغتنامها، واستثمار اللحظات المناسبة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْظُرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ" رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
الحديث الشريف يبين صورًا لبعض العوارض الدنيوية التي تطرأ على الإنسان وتحول بينه وبين السير بثبات إلى الأمام، وتعرقل مشوار التغيير والفعالية والإصلاح.
أولًا: الفقر المنسي.
إن الفقر ليس عيبًا يستحي منه صاحبه، فكل من يكابد مشاق الحياة منشغلًا بتأمين قوت عياله، صابرًا متوكلًا على ربه، متخذًا للأسباب، متعففًا، فله الأجر والثواب، "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ" رواه مسلم.
والفقر المنسي هو الذي يجتمع لدى الفقير فقر مادي وخواء الروح، وهو من الفتن المرهقة التي تنسي الفقير، الذي يستنفذ جهده في الجري وراء الكسب ناسيًا واجباته الدينية والأسرية، حيث تولدت بداخله أزمات نفسية من حقد وحسد ونقمة على المجتمع، تجره إلى الإجرام والانحراف كالسرقة، والنصب، والاحتيال على الناس، والرشوة، والخيانات، همه الوحيد الدنيا، ابتعد عن الصراط السوي، لم يرض بقسمة الله تعالى، وتكون النتيجة الجحود والكفر ولعياذ بالله. في الدعاء الجميل قرن النبي ﷺ بين الكفر والفقر، وأوصانا بالاستعاذة منهما: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ" صحيح.
وما نراه في يومياتنا من عينات، وما نسمع به من حوادث في الأحياء الشعبية من مدننا لخير دليل.
والفقر مرض اجتماعي خطير قدم الإسلام حلولًا لعلاجه منها إعطاء الزكاة، والتكافل والتراحم، والتعاون ونشر التآلف بين طبقات المجتمع، وعدم إشعار الفقير المتصدق عليه بالدونية أو المن عليه وجرح كرامته الإنسانية.
وكما أن الفقر الشديد يهدم كينونة الإنسان ويفسده ويجعله ساخطًا.
ثانيًا: الغنى المطغي.
وكثرة المال فتنة تؤدي إلى الطغيان وتطمس معالم الفطرة السوية في الإنسان.
عرف الجرجاني الطغيان: *مجاوزة الحد في العصيان* [2].
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم نموذجًا عن طغاة المال؛ قارون أعطاه الله من المال ما يثقل عن الجماعة حمل مفاتح خزائنه، لكنه بغى وطغى *اسْتَخَفَّ بِالْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَرْعَ لَهُمْ حَقَّ الْإِيمَانِ وَلَا عَظَّمَهُمْ مَعَ كَثْرَةِ أَمْوَالِهِ*[3]. قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ [القصص: 76].
إن المال عصب الحياة، والحفاظ عليه من مقاصد الشريعة، ومع غياب العقل الراجح، وغلبة الأثرة والاستكبار، وسيطرة الحب الجم له يصبح عاملًا من عوامل طغيان الإنسان وبطره، واحتقاره للناس والتعالي عليهم، والاغترار بما آتاه الله من نعم، ومن ثَمَّ الاستغناء عن المنعم وتجاوز حدوده، ناسيًا أنه مستخلف في ماله، وأن الله سائله، وأن إلى الله المنتهى. قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ • أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ • إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ﴾ [القلم: 6-8].
ثالثًا: المرض المفسد.
ما هو المرض؟
المرض: الفساد الذي يعرض للإنسان فيخرجه عن حالة الاعتدال والصحة، وهو نوعان:
- مرض جسمي، ومنه قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور: 61]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ﴾ [التوبة: 91].
- والثاني عبارة عن الرذائل كالجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، وأمراض الشهوات والشبهات، وغيرها من الأمراض القلبية والرذائل الخلقية.
ومنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: 10]، وقوله تعالى: ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا﴾ [النور: 50]، وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: 125]، ونحو قوله تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ [المائدة: 64]. ويشبّه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض، إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل، وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64]، وإما لميل النفس بها إلى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة [4].
إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، والمرض إذا حل بالجسد أفسد على الإنسان مزاجه، وحاله وجمال دنياه وبهائها، فتضيق عليه الأرض بما رحبت، ويذهب الأنس والانشراح. فإذا كان من الأمراض المزمنة الدائمة والعلل خطيرة المستعصية، أسودت الدنيا في وجهه ودخل في دوامة لا نهاية لها.
وإن زيارة واحدة لقسم من أقسام المستشفى مثل أمراض الدم أو مرضى الكلى كافية لمعرفة مدى معاناة المرضى، وإدراك شدة البلاء الواقعين فيه، ونظرة تأمل في أحوالهم مع السقم، كفيلة بتقدير قيمة الصحة والعافية التي يضيعها الأصحاء في الكسل والخمول وما لا ينفع.
والناس مع المرض أصناف، فمنهم الحامد لله الصابر المحتسب الفاهم لقوله ﷺ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" رواه البخاري.
ومنهم الساخط المكتئب، القلق المقلق لغيره، نسأل الله السلامة. فما أعظم وصية النبي ﷺ وهو يقول: "صِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ"، ويقول: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" متفق عليه.
وأما أمراض الشبهات والشهوات فالحديث عنها يطول، لأنها تتسرب إلى القلب ويتشربها، وتقود إلى الشك فتفسد على العبد دنياه بالقلق والحيرة والاضطراب.
يقول ابن القيم: *القلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن اشرب شبهات الباطل تَفَجَّرَتْ على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه*[5].
رابعًا: الهرم المفند.
مع تقدم الإنسان في العمر تحدث تغيرات جسدية كبيرة جدًا تجعله عرضة لعدة أمراض منها مرض الباركنسون، والزهايمر، وضعف السمع والبصر، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل، وغيرها كثير، فيؤول الإنسان إلى ضعف كما بدأ، يحتاج إلى رعاية مستمرة ومرافقة دائمة. تتغير حاله النفسية، وتتبدل تصرفاته من إنسان عاقل إلى طفل يطلب الحنو والشفقة، وخرف واختلاط، فذلك الهرم المفند. قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54].
وصف سيد قطب الشيخوخة قائلًا: *والشيخوخة نكسة إلى الطفولة. بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة! وما يزال الشيخ يتراجع، وينسى ما علم، وتضعف أعصابه، ويضعف فكره، ويضعف احتماله، حتى يرتد طفلًا. ولكن الطفل محبوب اللثغة، تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة. والشيخ محتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز. وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون!* [6].
ومع انشغال من حوله من الأبناء يصبح كبير السن عبئًا ثقيلًا، للأسف يسعى الكثير التخلص منه بوضعهم في دار المسنين. وما يحدث في الغرب من تجاوزات القتل الرحيم الطوعي إلا نذير شؤم في عصر وصل فيه الإنسان إلى أوج التقدم العلمي… لكن غابت الإنسانية ونزعت الرحمة من القلوب.
أمرنا النبي ﷺ أن نستعيذ بالله من أن نرد إلى أرذل العمر، وحثنا على اغتنام ساعات الشباب في الطاعات والقربات والأعمال الصالحة لأنها تحفظ الإنسان في كبره، ولا يتعرض للحسرة والندم على ما فات دون انتفاع.
وقال: "شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ".
خامسًا: الموت المجهز.
كفى بالموت واعظًا، فلا أحد منا يدري متى وكيف سينتهي أجله. فالكيس من دان نفسه، واستعد للسفر الأخير، ولم تلهه زهرة الدنيا وبهجتها، وتاب إلى الله عن قريب.
قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ • وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ • وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: 9-11].
وبموت الإنسان ينقطع عمله، فلا يرافقه إلا ما قدم أمامه: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ" متفق عليه…. هنيئًا لمن حسنت خاتمته، وفاز برضا مولاه.
سادسًا: الدجال الشر المنتظر.
إن ظهور الدجال فتنة مظلمة وشر كبير لا ينجو منها إلا من عصمه الله، إذا تمسك بالإسلام في حياته، وأخذ بأسباب تقوية الإيمان، وحرص على العلم بحال الدجال، وما ورد في فتنته.
علمنا نبينا ﷺ التعوذ بالله من فتنة الدجال دبر كل صلاة. ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". وأن نقرأ سورة الكهف كل يوم جمعة، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ" أخرجه مسلم.
سابعًا: قيام الساعة.
وهي أعظم الدواهي وأشدها على العبد: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ﴾ [القمر: 46]. يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى. حثنا نبينا ﷺ حتى في اللحظات الصعبة الحرجة لقيام الساعة، أن نتحلى بالإيجابية والفعالية بمبادرة الغرس. قال صلى الله عليه وسلم: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا" أخرجه مسلم.
لأن الغرس يعني استمرارية الحياة ودوام نظارتها وحسنها، ويعني الحركة والإنتاج، والإصلاح في الأرض وعدم اليأس ونبذ الكسل والتواكل.
إن الأعمار أنفاسًا ودقائق من الدهر معدودة، فالبدار البدار… فلننفقها في ما يعلي شؤوننا… وشؤون أمتنا….
أيها السالك لطريق الفلاح، انفض عنك غبار التسويف، اكسر الأغلال التي تقيدك، ولا تركن إلى التكاسل والتأجيل، املأ الفراغ، إياك وعيش السبهللا.
الحياة أمانة، وأنت مسؤول عن حياتك، بادر بالأخذ بالأسباب اللازمة للوصول إلى النتائج المرغوب فيها، فلا تنتظر ولا تسوِّف، فكل تسويف وراءه عوائق، وموانع وعقبات تصرفك عن الخير. فكم من أعمال، ومشاريع أردنا القيام بها فترددنا وتماطلنا فدخلت في طي النسيان، وتحسرنا على فواتها.
إن الأخذ بزمام المبادرة يجنبنا مغبة النتائج غير المرجوة، وتحفظ أوقاتنا وأعمارنا من الضياع دون مردود طيب.
ولنعلم أن الأعمال التي تتطلب المبادرة غير متقزمة، ومجالها واسع غير ضيق ولا مغلق، بل تسعها الحياة كلها… في مبادرتك لقراءة كتاب نافع يفتح لك آفاق المعرفة عمل صالح… وتعليمك لغيرك العلم النافع عمل صالح… مبادرتك لقول شهادة حق عمل صالح… ومبادرتك لكتابة بحث في تخصصك عمل صالح. مبادرتك لتعلم حرفة أو لغة جديدة عمل صالح… فَسَائِل كثيرة تنتظر منك الغرس والري… اغرس… وامض في ثبات… بادر ولا تلتفت أبدًا.