حلقة 441: استدلال خاطئ بجواز شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم - معنى قوله يحكمونك فيما شجر بينهم - تطبيق قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

41 / 50 محاضرة

حلقة 441: استدلال خاطئ بجواز شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم - معنى قوله يحكمونك فيما شجر بينهم - تطبيق قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

1- قال تعالى في كتابه العزيز: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، والسؤال هو: إن بعض المسلمين يأخذون بهذه الآية أنه لا حرج على المسلم أن يذهب ويشد الرحل إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبره، فهل هذا العمل صحيح كما قال تعالى، وهل معنى (جاءوك) باللغة أنهم جاءوك في حياتك أم في موتك، وهل يرتد المسلم عن الإسلام إذا لم يحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل التشاجر هنا على الدنيا أم على الدين؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذه الآية الكريمة فيها حث الأمة على المجيئ إليه إذا ظلموا أنفسهم بشيء من المعاصي، أو وقعوا فيما هو أكبر من ذلك من الشرك، أو يجيئوا إليه تائبين نادمين حتى يستغفر لهم -عليه الصلاة والسلام-، وهذا المراد في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وهو يدعو المنافقين وغيرهم إلى أن يأتوا إليه يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى الله -عز وجل-، ويطلب منهم -عليه الصلاة والسلام- أن يسأل الله أن يقبل توبتهم، وأن يصلح أحوالهم، ولهذا قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ[النساء: 64]، فطاعة الرسل بأمر الله، من أذن الله وأراد هدايته اهتدى، ومن لم يرد الله له الهداية لم يهتد، فالأمر -بيده سبحانه وتعالى-، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[التكوير: 29]، ثم قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ أي النبي -عليه الصلاة والسلام–، فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ أي تائبين نادمين لا بمجرد القول، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ أي دعا لهم بالمغفرة، لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا، فهو حث لهم، حث للعباد على أن يأتوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعلنوا عنده توبتهم، وليسأل الله لهم، وليس المراد بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- كما يظنه بعض الجهال، لا، بعد موته لا يؤتى لهذا الغرض، وإنما يؤتى للسلام عليه لمن كان في المدينة أو وصل إليها من خارجها، لقصد الصلاة في المسجد والقراءة فيه ونحو ذلك، فإذا أتى المسجد سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى صاحبيه، لكن لا يشد الرحل من أجل زيارة القبر فقط، بل من أجل المسجد، وتكون الزيارة تبعاً، تكون الزيارة للقبر الشريف وقبري صاحبيه الصديق وعمر، تابعة لزيارة المسجد، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، فالقبور لا يشد لها الرحال، ولكن متى وصل إلى المسجد وفي نيته السلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى صاحبيه، أو ليس في نيته ذلك، فإنه يشرع له أن يسلم على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويسلم على صاحبيه -رضي الله عنهما-، لكن لا يشد الرحل لأجل الزيارة فقط، زيارة القبر فقط، للحديث السابق. وأما ما يتعلق بالاستغفار والتوبة فهذا كان يكون في حياته، لا بعد وفاته، والدليل على هذا، أن الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- لم يفعلوا ذلك، وهم أعلم الناس بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأفقه الناس، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يملك ذلك بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وأخبر -عليه الصلاة والسلام-، أن من صلى عليه تعرض صلاته عليه -عليه الصلاة والسلام-، هذا شيء خاص، بما يتعلق بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، فمن صلى علي صلاة، صلى الله بها عليه عشراً، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قيل: يا رسول الله تعرض عليك وقد أرمت؟ يعني قد بليت قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فهذا خاص بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، وفي اللفظ: (إن لله ملائكة سياحين، يبلغوني عن أمتي السلام)، هذا شيء خاص، بالصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم-، أنه يبلغ بذلك، وأما أن يأتي من ظلم نفسه ليتوب عند القبر، وليستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو منكر، ولا يجوز، وهو وسيلة للشرك، وسيلة إلى أن يأتي فيسأله الشفاعة، أو يسأله شفاء المريض، أو كذا أو كذا، أو يسأله أن يدعو له، وهذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاته، ولا من خصائص غيره، فكل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة، لا النبي ولا غيره -عليه الصلاة والسلام-، وإنما الشفاعة تطلب منه في حياته -صلى الله عليه وسلم-، يقول الرجل: يا رسول الله! اشفع لي أن يغفر الله لي، اشفع لي أن يشفي الله مريضي، أن يرد غائبي، أن يعطيني كذا وكذا، وهكذا يوم القيامة، بعد البعث والنشور؛ لأنهم أحياء، فإن المؤمنين يأتون آدم ليشفع لهم حتى يقضى بينهم، فيعتذر ويحيلهم إلى نوح، فيعتذر نوح، ثم يحليهم نوح إلى إبراهيم فيعتذر، ثم يحيلهم إبراهيم إلى موسى فيعتذر، ثم يحليهم موسى إلى عيسى فيعتذر -عليهم الصلاة والسلام-، ثم يحيلهم عيسى إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (أنا لها)، فيتقدم ويسجد تحت العرش -عليه الصلاة والسلام-، ويحمد ربه بمحامد عظيمة ثم يشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم. وهكذا يشفع في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة، لأنه حي قائم موجود. أما في البرزخ بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- فلا يسئل الشفاعة ولا يسئل أن يستغفر للناس، ولا يسئل شفاء المريض، ولا رد الغائب ولا غير ذلك من الأمور، وهكذا بقية الأموات لا يسألون شيئاً من هذه الأمور، بل يدعى لهم ويستغفروا لهم إذا كانوا مسلمين. وقوله -جل وعلا-: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ....[النساء: 65] الآية على ظاهرها، لا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يجب عليهم أن يحكموا شرع الله في كل شيء، فيما يتعلق بالعبادات وفيما يتعلق بالمعاملات وفي جميع الشؤون، لأن الله يقول سبحانه وتعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ[المائدة: 49]، ويقول -عز وجل-: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدة: 50]، ويقول -سبحانه-: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة: 44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[المائدة: 45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[المائدة: 47]، هذا عام، في جميع الشؤون، ولهذا قال -سبحانه-: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ يعني الناس يعني المسلمون، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ يعني محمد -صلى الله عليه وسلم-، يعني يحكموا سنته بعد وفاته، يحكموه في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وبعد وفاته يكون التحكيم لسنته -صلى الله عليه وسلم- مع القرآن العظيم، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ يعني فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم أن يحكموا القرآن الكريم والرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وبعد وفاته سنته التي هي شرح للقرآن وهي تفسير للقرآن، وهي الدالة على معانيه. حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا[النساء: 65]، يعني يجب أن تنشرح صدورهم، وألا يبقى في صدورهم حرج من حكمه -عليه الصلاة والسلام-، لأن حكمه هو الحق الذي لا ريب فيه، فالواجب التسليم له، وانشراح الصدر بذلك وعدم الحرج، بل يسلم المؤمن تسليماً كاملاً راضياً بحكم الله مطمئناً إليه، هذا هو الواجب على جميع المسلمين فيما شجر بينهم من الدعاوى والخصومات، سواء كانت متعلقة بالعبادات أو بالأموال أو بالأنكحة أو بالطلاق، أو بغيرها من شؤون الناس. الإيمان هنا -شيخ عبد العزيز- فلا وربك لا يؤمنون، الإيمان هل هو الكامل، يعني كمال الإيمان، أو الإيمان مطلقاً؟ أصل الإيمان، بالنسبة إلى تحكيم الشريعة والرضا بها، والإيمان بأنها الحكم بين الناس، فلا بد من هذا، فمن زعم أن هناك شيئاً يحكم بغير ذلك، وأنه يجوز أن يتحاكم الناس، سواء للآباء والأجداد أو القوانين الوضعية التي وضعها الرجال، سواء كانت شرقية أو غربية، من زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتفياً عنه، يكون كفراً أكبر، فإذا رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه ولكن لو حكم كان أفضل، وإلا لا يجب تحكيمه، أو يرى أن القانون أفضل، أو يرى أن القانون مساوي لحكم الله، كل هذا ردة عن الإسلام، نسأل الله السلامة، وهي ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يقول أن الشرع أفضل، ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع، هذا ردة أيضاً ولو قال: إنه شرع الله. الثانية: أن يقول: الشرع والقانون سواء، ولا فرق، هذا ردة أيضاً. الثالثة: أن يقول: القانون أفضل وأولى من الشرع، وهذا أردأ الثلاث وأقبحها، وهو كفر أيضاً وردة عن الإسلام. أما الذي يرى أن الواجب تحكيم الشرع، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولكنه حكم بغير ما أنزل الله، لهوى في نفسه، ضد المحكوم عليه، أو لرشوة أو ما أشبه ذلك من الأسباب، وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع، هذا يكون نفي الإيمان في حقه، نفي الإيمان الواجب، لا أصل الإيمان، لأنه مؤمن يسلم بأن حكم الله حق، وأنه عاص بعمله، ولكنه حمله حب المال حتى حكم بغير ما أنزل الله بسبب الرشوة أو بسبب العداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو بمحبة المحكوم له وقرابته ونحو ذلك، فيكون هذا منكراً عظيماً وكبيرة عظيمة ونوعاً من الكفر لكنه مثلما قال ابن عباس: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهكذا قال مجاهد وجماعة، قالوا: إن الحكم في هذا كفر أصغر، وفسق أصغر، وظلم أصغر، لأنه مؤمن بحكم الله، مقتنع به، يعلم أنه الحق وأن ما حكم به حكم باطل، وأنه عاص لله، ولهذا صار بذلك ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، وقد نفي الإيمان عنه نفياً للإيمان الواجب الكامل، لا نفياً لأصل الإيمان، الذي يجعله مرتداً، وهذا هو الحق الذي عليه جمهور أهل العلم وهو الذي لا ريب بأنه معتمد. الواقع شيخ عبد العزيز هذه القضية لها أهميتها ولا سيما عند المسلم الذي يحس بأن لأخيه المسلم عليه حقاً، يبدو لي أنه في حاجة إلى مزيد من الطرح، وفي حاجة إلى مزيد من البحث، ولا سيما أن هناك أناساً يعتقدون أنهم من المؤمنين، ويعتقدون أنهم من المسلمين، والشريعة لا تجد طريقها في التحكيم بينهم؟ هذا لا شك أنه من المنكرات العظيمة التي وقعت فيه دول كثيرة الآن منتسبة إلى الإسلام، فهي بهذا العمل إذا كانت ترى أن حكم القانون أفضل وأولى، أو أنه مساوٍ لحكم الله، أو أنه يجوز الحكم به، فهذا كفر أكبر، ردة عن الإسلام نعوذ بالله، بإجماع المسلمين، لا نزاع في هذا. وإنما الكلام فيما إذا كانوا يعلمون أنهم مخطئون، وأنهم عاصون بهذا الأمر، ولكن فعلوه لهوى، أو لإرضاء بعض الشعب، أو لأسباب أخرى فعلوه لا يعتقدون حل ما فعلوه، بل يعلمون أنهم عاصون فيما فعلوا، لكن فعلوه كما يفعل القاضي الذي أخذ الرشوة، أو حكم لقريبه على غير قريبه، ويعلم أنه عاص وأنه يخالف لحكم الله، فإنه لا يرتد بذلك بل يكون عاصياً، وقد أتى كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، وهذا معنى كلام السلف في هذا المعنى. كيف يرى -سماحة الشيخ- إثارة هذا الموضوع فترة بعد أخرى ولا سيما أن هناك أناساً قد لا يعملون بهذا التفصيل؟ إثارته مهمة جداً لينتبه العالم الإسلامي لهذا الأمر، ولينتبه الحكام نسأل الله لنا ولهم الهداية، نعم.  
 
2- هل التشاجر هنا على الدنيا أم على الدين "فيما شجر بينهم"؟
مثلما تقدم يعم، المشاجرة التي تقع بين الناس في أمور دنياهم، في البيع والشراء، والجنايات وأشباه ذلك. وقد تكون مشاجرة في معرفة حكم الله، في العبادات وغيرها، إذا تشاجرون فهذا يقول: هذا حرام، وهذا يقول: هذا مباح، وهذا يقول: هذا واجب، وهذا يقول: هذا غير واجب، فالمرد في هذا إلى كتاب الله وسنة الرسول، لا إلى أهواء الناس وعادتهم وآرائهم.  
 
3- هل من لا يطبق حكم الله يطلق عليه لفظ كافر؟ كما قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة:44]، أم أن هذا اللفظ لمن يقول: بأن حكم الله لا يصلح لهذه الدنيا؟
يطلق عليه أنه كافر وظالم وفاسق، لكن إن كان يرى أن حكم الله لا يصلح أو أنه يجوز تحكيم القوانين هذا كفر أكبر، فإن كان لا يرى ذلك، ولكنه يفعل ذلك عن معصية، وعن هوى، فهو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، فإطلاق الكفر عليه والظلم والفسق جائز على كلا الحالين، أو الأحوال الثلاثة، لكن إن كان استجاز الحكم بغير ما أنزل الله، واستباحه سواء قال: أن حكم الله أفضل، أو مساوم، أو قال: أن حكم الطاغوت أفضل، فهو بهذا مرتد، وكفره كفر أكبر، وظلم أكبر، وفسق أكبر، أما إذا حكم بغير ما أنزل الله، لهوى في نفسه، على المحكوم، أو لمصلحة المحكوم له، أو لرشوة أخذها من المحكوم له، هذا كله يكون من باب الكفر الأصغر، والظلم الأصغر، والفسق الأصغر، وإن أطلق عليه كفر، وإنما كفر بهذا المعنى، من باب الزجر، نسأل الله العافية. الشيخ عبد العزيز، الواقع أستقل كل سؤال يأتي بعد تلك الأسئلة نظراً لأهميتها، بقى من وقت هذه الحلقة عن الموضوع ذاته شيخ عبد العزيز ليكون بلاغ إلى الناس؟ هذا الموضوع من أهم الموضوعات ومن أخطرها، لأن غالب الدول المنتسبة إلى الإسلام، لا تحكم شرع الله في كل شيء، وإنما في بعض الشيء كالأحوال الشخصية أو العبادات، وهذا لا شك خطأ عظيم وجريمة كبيرة، فالواجب على جميع حكام المسلمين التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إلى الصواب والحق، وأن يحكموا شرع الله، في عباد الله في كل شيء، في العبادات والمعاملات، والجنايات، والأحوال الشخصية، وفي كل شأن من شؤونهم، لقول الله -جل وعلا-: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا[النساء: 65]، ولقوله -سبحانه-: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ[المائدة: 50]، بعد قوله: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ[المائدة: 49]، ثم قال بعده: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدة: 50]، ليس هناك حكم أحسن من حكم الله -عز وجل-، وسبق قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة: 44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[المائدة: 45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[المائدة: 47]، هل يرضى مسلم أن يكون موصوفاً بهذا الوصف، وأي شيء يرجى من وراء قوانين البشر وآرائهم وعوائدهم التي درجوا عليها، في شرع الله الكفاية، والغنية والمغنى في كل شيء. فالواجب على كل حاكم سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية أو بأي اسم سمي أو أميراً الواجب عليه أن يحكم شرع الله، وأن يلزم من لديه بذلك، يلزم الشعب بالتحاكم إلى شرع الله، وأن ينصب القضاة وأن يهيأ لهم ما يعينهم على ذلك، وأن يوجد من الأسباب ما يحصل به وجود القضاة العارفون بشرع الله -عز وجل-، فلا بد من إيجاد الدراسة الكافية في العلوم الشرعية، في الجامعات، وغير الجامعات، كالمساجد فليس بشرط التعلم بأن يكون هناك جامعات، بل في أي مكان، في المسجد في المدرسة أو الجامعة لا بد من إيجاد من يتعلم علوم الشريعة حتى يصلح لأن يكون قاضياً يحكم بين الناس، ولا يجوز أبداً أن يحكم بين الناس بقضاء وضعية التي وضعها الرجال في آرائهم، بل يجب أن يسند الحكم إلى شرع الله، وأن يؤخذ الحكم من شرع الله بين عباد الله، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

530 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply