حلقة 449: توجيه الحجاج بالسؤال عما أشكل عليهم - كيفية حجة النبي صلى الله عليه وسلم - تفسير قوله (إن الصفا والمروة مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) - هل يلزم شيء على من لم يلمس الكعبة ولا شرب من زمزم - غسل الإحرام إذا اتسخ

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

49 / 50 محاضرة

حلقة 449: توجيه الحجاج بالسؤال عما أشكل عليهم - كيفية حجة النبي صلى الله عليه وسلم - تفسير قوله (إن الصفا والمروة مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) - هل يلزم شيء على من لم يلمس الكعبة ولا شرب من زمزم - غسل الإحرام إذا اتسخ

1- بعض الحجاج لا يبالي بحجه، فهو لا يسأل عما أشكل عليه، أو أنه يسأل عامياً أو شخصاً لا يُعرف بالعلم، وتعلمون سماحتكم ما يترتب على ذلك، فبما تنصحون الناس؟ جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن وصيتي لكل مسلم ولكل حاج أن يعنى بحجه وعباداته من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك، فالمؤمن من شأنه أن يهتم بدينه ، وأن يحرص على دينه، حتى يؤدي ما أوجب الله عليه على بصيرة، وحتى يحذر ما حرم الله عليه على بصيرة، والحجاج جاؤوا من أقطار الأرض من كل فج عميق، يريدون رحمة الله وفضله، وعتقه لهم من النار ، ويريدون أداء ما أوجب الله عليهم من مناسك الحج والعمرة ، فالواجب عليهم أن يهتموا بذلك ، وأن يعنوا بذلك، وأن يسألوا عما أشكل عليهم أهل العلم، وهم بحمد الله موجودون، ومن أشكل عليه سأل عنهم في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وقد عينت الحكومة السعودية - وفقها الله - علماء في المسجد الحرام ، والمسجد النبوي، وفي المشاعر، يبصروا الناس ويعلمونهم مناسكهم ، ويرشدونهم إلى كل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فهم يقومون بالوعظ والتذكير، والتدريس والإفتاء ، فعلى الحاج أن يسأل من وجد منهم في المسجد الحرام، في المشاعر ، في المسجد النبوي، وهكذا يسأل من يعرف من العلماء ، من جماعته ، من رفقته ، من غيرهم .... من علماء الشريعة المعروفين بالاستقامة، والغيرة لله، والعلم بشريعته يسألهم من أي جنس كانوا من الشام من العراق من مصر من أفريقيا، من أي مكان، ما دام يعرفهم بالخير ويعرفهم بالفضل والغيرة لله والبصيرة في دينه حتى يفقهه، حتى يعلمه ما يحتاج إليه في حجه وعمرته وصلاته وسفره وإقامته وغير ذلك، ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). متفق على صحته. فهذا يدلنا على أن من علامات الخير ، ومن علامات التوفيق للعبد أن يوفقه في دين الله، وأن يتبصر في دين الله، كما يدل هذا على أن من علامات الخذلان وعدم التوفيق الجهل بالدين والإعراض عن الدين والغفلة ، فعليك يا أخي أيها الحاج، وعليكِ أيتها الأخت في الله الحاجة، عليكما جميعاً العناية بالحج، والعناية بجميع أمور الدين في مكة وفي المدينة وفي بلادكم وفي كل مكان، فالواجب على المكلف من الرجال والنساء العناية والتبصر في الدين لماذا؟ لأننا مخلوقون لنعبد الله، يقول الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [(56) سورة الذاريات]. والله أرسل الرسل لهذا الأمر، ليبصروا الناس ويعلموهم وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله - عليه من ربي أفضل الصلاة والتسليم - فهو أفضل الرسل، وهو إمامهم ، وهو خاتمهم ، وهو نصيبنا منهم - عليه الصلاة والسلام - فالواجب علينا جميعاً أن نتعلم ديننا من كتاب ربنا ومن سنة نبينا - عليه الصلاة والسلام -، حتى نعلم العبادة التي خُلقنا لها ما هي العبادة التي خلقنا لها؟ نتعلمها من كلام ربنا ومن كلام رسوله، فما أمر الله به ورسوله فهو ....، وما نهى الله عنه ورسوله فهو المنكر الذي يترك، والطريق إلى هذا العلماء، العلماء الشرعيون، العلماء الفقهاء بدين الله المعرفون بالخير والاستقامة هم الواسطة بين العامة وبين كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هم الذين يعلمون الناس دينهم، فمن كان عنده علم رجع إلى كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام – وتبصر منهما وعلم الناس، ومن لم يكن له علم من عامة المسلمين من الحجاج وغيرهم يسألوا أهل العلم ، والله يقول – سبحانه -: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [(43) سورة النحل]. ووصيتي للحجاج جميعاً من الرجال والنساء أن يتقوا الله ، وأن يحرصوا غاية الحرص على إكمال حجهم ، وعلى العناية به ، وعلى كل ما أوجب الله عليهم من صلاة وصوم ، وحق الزوج وحق الزوجة وحق الأقارب وحق الوالدين، وحق الجار ، إلى غير ذلك، على المؤمن أن يتبصر في دينه، والمؤمنة كذلك، وبالأخص في الحج، وقت أداء الحج، يخص ذلك بمزيد عناية حتى يؤدي حجه على الوجه المشروع، والله سبحانه يقول: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [(197) سورة البقرة]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). يعني رجع مغفوراً له، إذا أدى الحج كما ينبغي ، والرفث الجماع، ودواعيه، من قبلة ، ومس بشهوة، ونحو ذلك، فالحاج لا يجوز له جماع زوجته، وليس لها أن تمكنه من ذلك، حتى يحل من حجه، حتى يحل التحلل الثاني الكامل برمي الجمار يوم العيد، وبالحلق أو التقصير وبالطواف والسعي، هذا هو التحلل الكامل، وبعده يحل للرجل جماع أهله، وفي العمرة ليس له جماعها ، ولا وسائل ذلك من القبلة والملامسة بشهوة ليس له ذلك حتى يطوف كل منهما ، وحتى يسعى كل منهما، وحتى يحلق كل منهما، حتى يحلق الرجل أو يقصر، وحتى تقصر المرأة ؛ لأنه ليس لها إلا التقصير، فإذا طاف الرجل وسعى وحلق وقصر حل من عمرته، وإذا طافت وسعت وقصرت حلت من عمرتها، وبعد ذلك يحل لهما الجماع الذي أباح الله، ومن الرفث مثلما تقدم دواعي الجماع ، كونه يلمسها بشهوة أو يداعبها المداعبة التي تجر إلى الجماع هذا محرم ؛ لأنه من الرفث، والفسوق المعاصي جميعها ، كل المعاصي تسمى فسوقاً ، كالسب والشتم للناس وضربهم وإيذائهم ، والغيبة والنميمة والسرقة سرقة أموال الناس أو نهبها كل هذه من الفسوق، فالواجب على الحاج أن يحذر ذلك، وهكذا غير الحاج، يجب الحذر من هذه المعاصي ، ولكن الحاج بصفة خاصة يجب أن يحذر ذلك، فلا يؤذي أحداً، لا عند الطواف ولا السعي ولا في أي مكان، لا بيده ولا برجله ولا بكلامه، ولا يأخذ مال أحد إلا بحق، ولا يغتاب الناس، ولا ينم عن الناس، ولا يشهد الزور ، ولا يكذب ولا يفعل شيء مما حرم الله، حتى يكمل حجه، وحتى يتمه، وحتى يرجع مغفوراً له - بإذن الله -. والجدال معناه المراء في الدين بغير حق، .... في حجه ، يعني لا مراء في غير الحق، كونه يجادل بالباطل مع إخوانه ، أو مع آخرين غير جماعته لا يجادل. أما بيان الحق بالدليل وبالتي هي أحسن فهذا لا بأس به؛ لأن الله قال في كتابه العظيم: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [(125) سورة النحل]. فالجدال بالتي هي أحسن في بيان الحق، في بيان مسائل الحج ، بيان ما أشكل على الناس لإزالة الشبهة هذا لا بأس، أما الجدال لإظهار جودته، أو لإظهار فهمه أو ليغلب الناس أو لشيء من الأغراض الأخرى، ليس لقصد الخير، فهذا هو المذموم، وهو الجدال الذي نهى الله عنه، أما الجدال بالتي هي أحسن لبيان الحق ، وإرشاد الجاهل وتعليمه، وإزالة الشبهة وكشفها فهذا مأمور به، وليس داخلاً في النهي، - نسأل الله للجميع التوفيق والهداية-. 
 
2- لخصوا لنا الطريق الذي سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه؟
هذا معناه بيان حجه - صلى الله عليه وسلم -، وعمدة المؤمنين وعمدة الفقهاء في كل مذهب من المذاهب المعروفة، وعمدتهم حج النبي - عليه الصلاة والسلام- في بيان أحكام الحج ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حج وقال: (خذوا عني مناسككم). فالمسلمون اعتمدوا في بيان أعمال الحج وسننه، وما ينهى عنه، اعتمدوا على حجته - صلى الله عليه وسلم-، حجة الوداع، وهي حجة واحدة، لم يحج بعدما هاجر سوى حجة واحدة، وهي الحجة الأخيرة التي حجها عام عشرة، ولم يعش بعدها إلا قليلاً، نحو يعني قريباً من ثلاثة أشهر، قريباً من ثمانين يوماً يزيد قليلاً ثم توفي - عليه الصلاة والسلام -، ونقله الله إلى الرفيق الأعلى - عليه الصلاة والسلام-، وقيل حجة الوداع ؛ لأنه ودع الناس فيها، وقال: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا). فهو صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة لخمس بقت من ذي القعدة عام عشر من الهجرة، ونزل ذا الحليفة ميقات أهل المدينة يوم السبت، بعد صلاة الظهر، صلى بالناس الظهر في المدينة، وذكرهم ووعظهم وعلمهم كثير من مناسك الحج، ثم ارتحل، فنـزل في ذي الحليفة بالناس وصلى فيها العصر ركعتين، والمغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، وصلى فيها الفجر يوم الأحد، وصلَّى فيها الظهر يوم الأحد ركعتين، حتى تلاحق الناس، ثم توجه من ذي الحليفة بعد الظهر، فأحرم بعدما صلى الظهر- عليه الصلاة والسلام-، أحرم بالحج والعمرة قارناً ، وساق معه ثلاث وستين بدنة، وجاء علي - رضي الله عنه – من اليمن ببقية الهدي مائة، سبعة وثلاثين صار الجميع مائة بدنة، وساقها عليه الصلاة والسلام، وكان عندما يعني بعدما صلى الظهر وبعدما لبس الإزار والرداء ، وبعد الغسل، والتطيب، لبى بقوله: اللهم لبيك عمرة وحجا - عليه الصلاة والسلام-، بعدما اغتسل ، وبعدما لبس الإزار والرداء، وبعدما طيبته عائشة بطيب طيب من المسك، بعد ذلك لبى، بعدما ركب دابته، هذا هو السنة، إذا أتى الميقات يغتسل، ويتتطيب ، ويلبس إزاره وردائه إن كان رجلاً، وتلبس ملابسها المرأة التي تريد، والأفضل أن تكون ملابس ما تلفت النظر، ملابس غير جميلة، حتى لا تلفت النظر، فإذا فرغ كل منهما من ذلك، ركب دابته أو السيارة ثم يلبي، هذه السنة، يلبي بعدما يركب، بعدما يفرغ من حاجاته كلها، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم-، وإذا كان بعد الفريضة كان أفضل؛ لأن الرسول أحرم بعد فريضة الظهر - عليه الصلاة والسلام -، وإن كان في غير الفريضة كضحى فلا بأس، وذكر جمهور العلماء أنه يستحب له أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يحرم؛ كما صلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر وأحرم بعدها، يستحب للمسلم والمسلمة عند الإحرام في غير وقت الصلاة أن يصلي قبل .... كالضحى ويحرم بعدهما، هكذا قال جمهور العلماء، ولا أعلم نصاً واضحاً في ذلك، إلا أنهم أخذوا بفعله - صلى الله عليه وسلم - لما أحرم بعد صلاة الظهر، ولأنه جاء في حديث صحيح رواه البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (آتاني آت من ربي فقال: صلي في ....). قال بعض أهل العلم أن هذا بعمومه يدل على شرعية الصلاة عند الإحرام، ولكنه ليس بصريح، لأنه يحتمل أن المراد صلاة الفريضة التي صلاها - عليه الصلاة والسلام-. فالحاصل أن الأمر في هذا واسع، إن كان بعد الفريضة فهو أفضل إذا وافق فريضة، وإن لم يوافق فريضة بأن كان إحرامه مثلاً ضحى فإذا توضأ وصلى ركعتين، وأحرم بعدهما كان حسنا إن شاء الله، كما قاله جمهور أهل العلم، ولأن الوضوء له سنة، إذا توضأ الإنسان شرع له سنة الوضوء، فيلبس إزاره ورداءه ، ويتطيب ويستكمل كل شيء، مثلاً كان شاربه طويل قصه، إن كان عنده أظفار طويلة قلمها، وهكذا إبطه ، وهكذا عانته ، هذا من باب السنة، وإذا فعل هذا في بيته قبل ذلك كفى ذلك، والحمد لله، ثم بعدما ينتهي من هذا كله ويتهيأ يركب، يركب الدابة، أو السيارة، والآن الموجودة السيارات، والدواب الآن تركت، واكتفي بالسيارة، فالسيارة تقوم مقام الدابة، فإذا ركب لبى، اللهم لبيك عمرة وحجاً، إن كان قارناً، كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لبى قارناً ؛ لأنه ساق الهدي، أما إن كان ما ساق الهدي فالأفضل له يلبي بالعمرة، يقول: اللهم لبيك عمرة، وإن كان الوقت ضيقاً لبى بالحج، اللهم لبيك حجاً، ويكفي هذا ، هذا هو الأفضل من القران، وإنما يشرع القران لمن ساق الهدي، من إبل أو بقر أو غنم، وبعدما يقول هذا، يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، هذه تلبيته عليه الصلاة والسلام، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك له لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، بعدما بين نسكه بعدما لبى بالعمرة والحج ، وهكذا الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - فعلوا مثله، كانوا يرفعون أصواتهم بذلك، وكان يرفع صوته بذلك عليه الصلاة والسلام، وهذا المشروع رفع الصوت بالتلبية، حتى يسمع القريب والبعيد، وحتى ينشط الناس ، ويتتابعوا في هذه التلبية العظيمة، التي فيها توحيد الله والإخلاص له، ولهذا قال جابر - رضي الله عنه - إنه صلى الله عليه وسلم لما أحرم ب... أهلَّ بالتوحيد؛ لأنه قوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، هذا هو التوحيد، وكانت العرب تشرك في التلبية، فتقول: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، فأبطل الله ذلك، بفعل نبيه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً - عليه الصلاة والسلام-، فقال: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فهذه التلبية الشرعية الثابتة عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام-، وإن لبى بزيادة بأن قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك إله الحق لبيك، فقد ورد هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، أو لبى بأنواع مما جاء عن بعض الصحابة، مثل : لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، ومثل : لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً ، وما أشبه ذلك كله حق لا بأس، لكن التلبية التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولازمها أفضل من غيرها، ولما كانت أسماء بنت عميس قد ولدت بذي الحليفة، ابنها محمد بن أبي بكر، واستفت النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل وتلبي، وهي في نفاسها، فدل ذلك على أن المرأة إذا كانت في النفاس تلبي وهي في النفاس ، لا بأس، وهكذا الحائض إذا جاءت الميقات وهي حائض تلبي، تغتسل ، الرسول أمرهما بالاغتسال، أمر أسماء بالاغتسال ، وأمر عائشة لما حاضت وأرادت التلبية بالحج، وفي مكة أمرها أن تغتسل. المقصود أنه صلى الله عليه وسلم أمر النفساء والحائض بالاغتسال عند الإحرام ، هو سنة للجميع، ولو كان لا يرفع الحدث .... حتى تنتهي، لكنه فيه النظافة والنشاط، وعائشة - رضي الله عنها - لما وصلت مكة .... بالعمرة نزل بها الحيض قبل أن تطوف وتسعى، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل ، وأن تلبي بالحج مع العمرة فصارت قارنة - رضي الله عنها وأرضاها -، ثم سار النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذي الحليفة ملبياً ، وصار معه المسلمون ملبون، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، حتى وصل مكة يوم الأحد،......... أحرم فيه - عليه الصلاة والسلام-، وصل مكة صباح يوم الأحد، ونزل بذي طوى، بطواف مكة وصلى بها الفجر- عليه الصلاة والسلام، وبات بها - عليه الصلاة والسلام-، واغتسل فيها أيضاً عند دخول مكة ، فهو أفضل، عند دخول مكة إذا تيسر أن يغتسل هذا إذا تيسر وليس بلازم، ثم لما اغتسل دخل مكة - صلى الله عليه وسلم - ، وطاف - عليه الصلاة والسلام- وسعى يوم الأحد - عليه الصلاة والسلام - رابع ذي الحجة، رابع شهر ذي الحجة، عام عشر من الهجرة، طاف وسعى وبقي على إحرامه لأنه قارن، ومعه الهدي فلم يحل إلا يوم النحر- عليه الصلاة والسلام-، وأما الصحابة الذين معه، فمن كان معه الهدي فعل فعله، طاف وسعى وبقي على إحرامه، فلم يحل إلا يوم النحر، وأما الذين ليس لهم معهم هدي وقد لبوا بالحج، أو بالحج والعمرة جميعاً، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يجعلوها عمرة، وأن يفسخوا إحرامهم بالحج، وبالحج والعمرة إذا انتهت العمرة ، أمرهم أن يجعلوها عمرة مفردة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا بأمره عليه الصلاة والسلام، ومن كان معه هدي بقي على إحرامه مع النبي – صلى الله عليه وسلم -، هذه صفة دخوله مكة - عليه الصلاة والسلام - وسيره من ذي الحليفة إلى أن وصل مكة - عليه الصلاة والسلام - على هذا النحو - عليه الصلاة والسلام-، والمسلمون تابعوه في فعله - عليه الصلاة والسلام - واحتجوا بعمله هذا على ما ذكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المشرع والمبين للناس، ولأنه قال للناس: (خذوا عني مناسككم). هذا هو المشروع كما ذكرنا عنه - عليه الصلاة والسلام-، ويأتي إن شاء الله بيان بقية أعماله - صلى الله عليه وسلم - لما توجه إلى منى ، وتوجه المسلمون يأتي إن شاء الله في حلقات قادمة.  
 
3- نسأل لو تكرمتم كما يسأل السادة المستمعون عن قول الحق - تبارك وتعالى-: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا... [البقرة:158] الآية. ولما ذُكر الجناح في هذه الآية بالذات؟
يقول الله – سبحانه-: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ - الصفا والمروة الجبلان المعروفان في مكة في طرفي المسعى- مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ –من معالمه دينه - فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]. فكأن السائل يستشكل كيف يقال: فلا جناح؟ مع أن العبد مأمور بذلك، مفروض عليه أن يسعى، والجواب عن ذلك أن المسلمين تحرجوا عن السعي؛ لأن الجاهلية كانت تسعى بين الصفا والمروة، وكان على المروة صنم وعلى الصفا صنم، فتحرج الناس من ذلك، فأنزل الله الآية وأنه لا جناح على المسلمين لأنهم يسعون ليس كسعي الجاهلية، يسعون لله، والأصنام أزالها الله، كسرت الأصنام وأزالها الله على يد نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - التي في المسجد الحرام، والتي عند الصفا والمروة، وغير ذلك، كلها بحمد الله كسرت وأزيلت، المسلمون سعوا لله - عز وجل-، طاعة له، وتعظيماً لأمره كما سعى نبيهم - صلى الله عليه وسلم-، فلا جناح عليهم في ذلك، وإن كان الجاهلية يفعلون ذلك، لكن عمل الجاهلية غير عمل المسلمين، فالجاهلية يتقربون لأصنامهم وأوثانهم بقربات كثيرة، والمسلمون يتقربون إلى الله بسعيهم، وطوافهم، وصلواتهم، وغير ذلك، فبين سبحانه أنه لا جناح على المسلمين بطوافهم بين الصفا والمروة، وإن كان ذلك من عمل الجاهلية، لكن العمل الذي يفعله المسلمون لله وحده، واتباعاً لنبيه - عليه الصلاة والسلام-، وليس كعمل الجاهلية، فالواجب وفرضاً عليهم، ولا جناح عليهم فيه، ولا حرج عليهم فيه، وإن كانت الجاهلية قد فعلته. 
 
4- إذا لم أمس الكعبة، أو الحجر الأسود، أو الركن اليماني، أو لم أشرب من زمزم، هل يتأثر حجي؟
لا، ليس عليه في هذا شيء، إنما شرع الله لنا عند الطواف أن نستلم الحجر الأسود باليد اليمنى، وأن نقبله إذا تيسر ذلك، هذا هو الأفضل، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، استلمه وقبله – عليه الصلاة والسلام- ، وقال: الله أكبر، هذا هو السنة، وهكذا الركن اليماني، إن تيسر استلامه، استلمه بيمينه وقال: بسم الله، الله أكبر، وأما بقية أجزاء الكعبة، فلا يستحب مسها ، ولا تقبيلها ، ولا غير ذلك، إنما يطوف على الكعبة وعلى الحجر من وراء الحجر حتى يكمل السبعة الأشواط، كل ما حاذى الحجر الأسود قبله واستلمه إذا تيسر من دون زحام ولا مشقة، وكل ما حاذى الركن اليماني كذلك، استلمه من دون تقبيل، الركن اليماني لا يقبل ولكن يستلم باليد، ويقول: بسم الله والله أكبر، والحجر الأسود، إذا وصل إليه، استلمه بيده وقبله، فإن لم يتيسر استلمه بيده وقبلها، أو بعصا معه وقبلها، فإن لم يتيسر ذلك أشار من بعيد، وكبر ويكفي، ولا يزاحم الناس، ولا يؤذي الناس، لا عند هذا ولا عند هذا، بل يمشي في طوافه حتى يكمل، إن تيسر له من دون مزاحمة ولا مشقة استلم الحجر الأسود وقبله واستلم الركن اليماني ولم يقبله اتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسيراً على منهجه -عليه الصلاة والسلام-، فإن شق ذلك بسبب كثرة الزحام، فإنه يشير إلى الحجر الأسود وهو ماشي في طوافه ، وأما اليماني فلم يرد أنه يشار إليه، بل يمر ويكفي، ويقول بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، في آخر كل شوط، كما فعله النبي - عليه الصلاة والسلام-، وبقية الكعبة لا يمسها عند الطواف ، لا الركن الشامي ، ولا غيره العراقي كلها، ولا جدار الحجر ما هو بمشروع، لو مسه ما يضر، لو مسه بيده وهو ماشي ما يضر، لكن ما يشرع أنه يمس هذا للتقرب والطاعة، إنما يشرع مس الحجر الأسود وتقبيله ومس اليماني، هذا هو المشروع، أما بقية أجزاء الكعبة فلا يشرع له تقبيلها ولا استلامها ولا استلام جدار الحجر ولا غير ذلك، فالنبي لما دخل الكعبة- عليه الصلاة والسلام - من وسطها، دار في نواحيها ، ودعا وكبر، ووضع يديه على جدارها من داخل ودعا ربه – عليه الصلاة والسلام - ...... ودعا ربه، أما من خارج فلم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك، وروي عنه أنه وقف في الملتزم ودعا وألصق صدره بالجدار، ولكنه ليس بثابت ، لم يثبت من طريق صحيحة، وإنما يقف عند الملتزم إذا تيسر، ويدعو عند الركن من الباب فعله بعض الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - والأمر في ذلك، بين الركن والباب، بعد الطواف الأول أو غيره ، يدعو ويسأل ربه من فضله - سبحانه وتعالى - فلا بأس بذلك، يضع يديه وذراعيه وخده على جدار الكعبة بين الركن والباب، ويدعو ربه، وإن ترك ذلك فلا بأس، لأنه ليس فيه سنة من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وإنما جاء من فعل بعض الصحابة ، وروي فيه حديثاً مرفوعاً لكن في سنده ضعف، فالأمر فيه واسع إن شاء الله، وأما بقية جدار الكعبة، فلا يستحب للطائف أن يستلمها أو يلصق بدنه بها أو بالكسوة كل هذا غير مشروع. المقدم: إذن الزحام الشديد الذي يصوره سماحتكم يعتبر غير مشروع وذلك من أجل تقبيل الحجر الأسود أو لمسه؟. الشيخ: يكون عذراً في ترك السنة هذه، ولاسيما النساء، النساء أخطر، لا يزاحمن لا عند الركن اليماني ولا عند الحجر الأسود، بل يكن في أطراف المطاف حتى لا يزاحمن الناس، لأنهن فتنة وعورة، فالأمر في حقهن أشد، فلا يزاحمن الرجال لا عند الركن اليماني، ولا عند الحجر الأسود ولا في غير ذلك، بل يكن في أطراف المطاف، يكون ذلك أسلم لهنَّ وأسلم للناس، والزحام ؟؟؟ للجميع، لا يزاحم الزحام الذي يشق عليه وعلى الناس، بل يمشي مع الناس بهدوء، ولا يؤذي أحداً لا من الرجال ولا من النساء، كل واحد من الحجاج يتحرى ذلك، يحرص جداً على أنه لا يؤذي أحداً من الناس، لا في الطواف ولا في السير، لا عند الحجر الأسود ولا عند اليماني، يحرص جداً أنه لا يؤذي أحداً ولو لم يقبل الحجر الأسود، ولو لم يستلم الركن اليماني، يكفيه ذلك والحمد لله. 
 
5- غسل الإحرام إذا اتسخ، هل يجوز للمحرم أن يفعل ذلك؟
نعم، إذا أحب أن يغسل أحرامه ولا سيما إذا اتسخ فلا بأس، لا بأس، ولا بأس أن يبدل بإحرامٍ آخر، الرجل والمرأة، من أراد أن يبدل ملابس الإحرام بملابس أخرى جديدة أو غسيلة فلا بأس للرجال والنساء، وهكذا لو توسخت يغسلها أو أصابها نجاسة يغسلها ثم يلبسها، الأمر فيه واسع، إن شاء أبدلها وإن شاء أغسلها الأمر في هذا واسع.

552 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply