محمد ابن الجزري
اسمه ومولده:
هو شيخُ القرَّاء العلاَّمة الثِّقة الإمام الحافظ: أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجَزَرِيُّ الشهير بابن الجَزَرِيِّ نسبة إلى جزيرة ابن عمر؛ (تسمَّى جزيرة "بُوْطَان" حاليًّا، وتقع في منطقة جنوب شرق الأناضول بتركيا، قربَ حدود العراق وسوريا).
وُلد رحمه الله بدِمشق في ليلةِ السبت الخامس والعشرين من شهرِ رمضان سنة 751هــ، الموافق 30 نوفمبر 1350 م، وقصَّة ولادتِه عجِيـبة؛ فقد كان أبوه عقيمًا - أي: لا يُولد له - فذهب إلى الحجِّ، وفي أثناءِ حجَّته شرب مِن ماء زمزم بنيَّة أن يُرزَق ولدًا صالحًا عالمًا، ثم رجع إلى الشامِ، فما أن جاء رمضان إلاَّ وقد وُلد ابنُه محمد.
نشأته وحياته:
نشأَ رحمه الله في دمشق، وأتمَّ حفظَ القرآن الكريم في الثالثة عشرة من عمرِه، وصلَّى به وهو ابن أربعة عشر، وأفرد القراءات وعمره خمس عشرة سنة، وجمعَها وهو ابن سبعة عشر عامًا.
وحجَّ مرارًا، ورحلَ إلى مصر تكرارًا، والتقَى بالأئمَّة القرَّاء، وسمع الحديثَ، وأخذ الفقهَ، وأجازَه بالإفتاء أبو الفداء إسماعيل بن كثير وغيرُه.
وجلس للإقراء تحت قُبَّة النَّسر من الجامع الأُموي سنين، ووليَ مشيخةَ الإقراء الكبرى، وابتنى بدمشق مدرسةً سمَّاها "دار القرآن الكريم"، وولِيَ قضاءَ الشام سـنة 793هــ.
ولم يكن الإمام عالمًا في التجويدِ والقراءات فحَسْب؛ بل كان عالمًا في شتَّى العلومِ؛ من تفسيرٍ وحديث وفقهٍ وأصول وتوحيدٍ وبلاغة ولغة، وسافر لنشر العلمِ إلى أنطاكيا ثم بُرْصَة في تركيا، ولما قامَت الفتنةُ التيموريَّة في بلاد الروم رحل إلى بلاد ما وراء النَّهر، ثم إلى شيراز في إيران، وتعلَّم على يديه خلقٌ كثيرون.
شيوخه:
كان الإمام ابن الجزري رحمه الله شافعيَّ المذهبِ، تلقَّى العلمَ على شيوخ كثيرين، نذكر منهم:
1- الشيوخ الذين تلقَّى عنهم علمَ القراءات والتجويد
أ- من علماء دمشق: العلاَّمة أبو محمد عبدالوهاب بن السلاَّر، والشيخ أحمد بن إبراهيم الطحان، والشيخ أبو المعالي محمد بن أحمد اللبان، والشيخ أحمد بن رجب، والقاضي أبو يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي.
ب- من علماء مصر: الشيخ أبو بكر عبدالله بن الجندي، والعلاَّمة أبو عبدالله محمد بن الصائغ، والشيخ أبو محمد عبدالرحمن بن البغدادي، والشيخ عبدالوهاب القروي.
ت- من علماء المدينة المنورة: الشيخ أبو عبدالله محمد بن صالح الخطيب.
2- الشيوخ الذين تلقَّى عنهم الحديثَ والفقه والأصول واللُّغة وغير ذلك:
تلقَّى هذه العلوم رحمه الله من خَلْقٍ كثير من شيوخ مصر وغيرهم، منهم: الشيخ ضياء الدين سعد الله القزويني، والشيخ صلاح الدين محمد بن إبراهيم بن عبدالله المقدسي الحنبلي، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، والإمام المفسِّر المحدِّث الحافظ المؤرِّخ أبي الفداء إسماعيل بن كثير صاحب التفسير المعروف بـ"تفسير ابن كثير"، وهو أوَّل من أجاز له بالإفتاء والتدريس سنة 774هـ.
تلاميذه:
أخذ العلمَ عن الإمام ابن الجزري رحمه الله تلاميذ كثيرون، ومنهم:
1- ابن الناظم: أبو بكر أحمد بن محمد الجزري.
2- الشيخ: إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي.
3- الشيخ: محمود بن الحسين بن سليمان الشيرازي.
4- الشيخ: عبدالدائم بن علي الأزهري.
5- الشيخ: أبو الفتح محمد بن محمد بن علي المزي.
6- الشيخ: أبو بكر بن أحمد بن مصبح الحموي.
7- الشيخ: نجيب الدين عبدالله بن قطب بن الحسن البيهقي.
8- الشيخ: أحمد بن محمود بن أحمد الحجازي الضرير.
9- الشيخ: علي بن محمد بن حمزة الحسيني.
10- الشيخ: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن علي الناشري الزبيدي العدناني.
مؤلفاته:
كان غزير الإنتاجِ في ميدان التأليف، في أكثر من علمٍ من العلوم الإسلاميَّة، وإن كان علم القراءات والتجويد هو العلم الذي اشتهر به، وغلب عليه، إلاَّ أنَّ له كتبًا في الحديث ومصطلحِه، والفقه وأصوله، والتاريخ والمناقب، وعلوم اللغة، وغير ذلك، وتجاوز عددُ مصنَّفاته التسعين كتابًا، نذكر منها أهمَّ مؤلَّفاته في علمِ القراءات والتجويد:
1- منظومة المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه المشهورة بـ"المقدمة الجزرية".
2- تحبير التيسير في القراءات العشر.
3- النشر في القراءات العشر.
4- غاية النهاية في طبقات القرَّاء.
5- التمهيد في علم التجويد.
6- منجد المقرئين ومرشد الطالبين.
7- منظومة الدرَّة المضيَّة في القراءات الثلاث المتمِّمة للعشر المرضيَّة.
8- منظومة طيِّبة النشر في القراءات العشر.
9- إتحاف المهَرة في تتمَّة العشرة.
10- غاية المهرة في الزيادة على العشرة.
وفاته:
توفِّي الإمامُ ابن الجزري رحمه الله ضحوة يوم الجمعة 5 ربيع الأول سنة 833 هــ بمنزلِه بمدينة شيراز في إيران، ودُفن بدار القرآن التي أنشأها بها عن عُمْرٍ يناهز 82 سنة رحمه الله تعالى وأسكنه فسيحَ جنَّاته.