سورة الأنعام - تفسير السعدي | |
| | |
" الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم | |
| الذين كفروا بربهم يعدلون " | |
هذا إخبار عن | |
| حمده والثناء عليه, بصفات الكمال, ونعوت العظمة والجلال عموما, وعلى هذه المذكورات | |
| خصوصا. | |
| فحمد نفسه على خلقه السماوات والأرض, الدالة على كمال قدرته, وسعة علمه ورحمته, | |
| وعموم حكمته, وانفراده بالخلق والتدبير, وعلى جعله الظلمات والنور. | |
| وذلك شامل للحسي من ذلك, كالليل والنهار, والشمس والقمر. | |
| والمعنوي, كظلمات الجهل, والشك, والشرك, والمعصية, والغفلة, ونور العلم والإيمان, | |
| واليقين, والطاعة. | |
| وهذا كله, يدل دلالة قاطعة أنه تعالى, هو المستحق للعبادة, وإخلاص الدين له. | |
| ومع هذا الدليل ووضوح البرهان " ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ | |
| يَعْدِلُونَ " به سواه. | |
| يسوونهم به في العبادة والتعظيم, مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال, وهم | |
| فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه. | |
" هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم | |
| تمترون " | |
" هُوَ | |
| الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ " وذلك بخلق | |
| مادتكم وأبيكم آدم. | |
| عليه السلام. | |
| " ثُمَّ قَضَى أَجَلًا " أي: ضرب لمدة إقامتكم في | |
| هذه الدار, أجلا فتتمتعون به وتمتحنون, وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله. | |
| " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " ويعمركم | |
| ما يتذكر فيه من تذكر. | |
| " وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ " وهي: الدار | |
| الآخرة, التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار, فيجازيهم بأعمالهم من خطر وشر. | |
| " ثُمَّ " مع هذا البيان التام وقطع الحجة " أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ " أي: تشكون في وعد الله | |
| ووعيده, ووقوع الجزاء يوم القيامة. | |
| وذكر الله الظلمات بالجمع, لكثرة موادها, وتنوع طرقها. | |
| ووحد النور, لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة, لا تعدد فيها, وهي: الصراط | |
| المتضمنة للعلم بالحق, والعمل به كما قال تعالى " وَأَنَّ | |
| هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ | |
| فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ " . | |
" وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما | |
| تكسبون " | |
أي: وهو المألوه المعبود, في السماوات وفي الأرض, فأهل السماء والأرض, | |
| متعبدون لربهم, خاضعون لعظمته, مستكينون لعزه وجلاله, الملائكة المقربون, | |
| والأنبياء والمرسلون, والصديقون, والشهداء والصالحون. | |
| وهو تعالى, يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون, فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال, | |
| التي تقربكم منه, وتدنيكم من رحمته, واحذروا من كل عمل يبعدكم منه, ومن رحمته. | |
" وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " | |
هذا إخبار منه تعالى, عن إعراض المشركين, وشدة تكذيبهم وعداوتهم, وأنهم | |
| لا تنفع فيهم الآيات, حتى تحل بهم المثلات فقال: " وَمَا | |
| تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ " الدالة على الحق | |
| دلالة قاطعة, الداعية لهم إلى اتباعه وقبوله. | |
| " إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ " لا يلقون | |
| لها بالا, ولا يصغون لها سمعا, قد انصرفت قلوبهم إلى غيرها, وولوها أدبارهم. | |
" فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به | |
| يستهزئون " | |
" | |
| فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ " والحق حقه, أن يتبع, ويشكر الله على تيسيره لهم, وإتيانهم به. | |
| فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به فاستحقوا العقاب الشديد. | |
| " فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ | |
| يَسْتَهْزِئُونَ " أي: فسوف يرون ما استهزأوا به, أنه الحق والصدق, | |
| ويبين الله للمكذبين كذبهم وافترائهم وكانوا يستهزئون بالبعث والجنة والنار. | |
| فإذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين " هَذِهِ النَّارُ الَّتِي | |
| كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ " . | |
| وقال تعالى: " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ | |
| لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ | |
| أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُالَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ | |
| وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ " | |
" ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن | |
| لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم | |
| وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " | |
ثم أمرهم أن يعتبروا بالأمم السابقة فقال: " | |
| أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ " أي: | |
| كم تتابع إهلاكنا للأمم المكذبين, وأمهلناهم قبل ذلك الإهلاك, بأن " | |
| مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ " من الأموال | |
| والبنين والرفاهية. | |
| " وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا | |
| وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ " تنبت لهم بذلك ما | |
| شاء الله, من زروع وثمار, يتمتعون بها, ويتناولون منها ما يشتهون. | |
| فلم يشكروا الله على نعمه, بل أقبلوا على الشهوات, وألهتهم اللذات فجاءتهم رسلهم | |
| بالبينات, فلم يصدقوها, بل ردوها وكذبوها " فَأَهْلَكْنَاهُمْ | |
| بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ " أي: | |
| فأهلكهم الله بذنوبهم, وأنشأ من بعدهم قرنا آخرين. | |
| فهذه سنة الله ودأبه, في الأمم السابقين واللاحقين. | |
| فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم | |
" ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا | |
| إن هذا إلا سحر مبين " | |
هذا إخبار من الله لرسوله عن شدة عناد | |
| الكافرين, وأنه ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به, ولا لجهل منهم بذلك, وإنما ذلك | |
| ظلم وبغي, لا حيلة لكم فيه. | |
| فقال: " وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ | |
| فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ " وتيقنوه " لَقَالَ | |
| الَّذِينَ كَفَرُوا " ظلما وعدوانا " إِنْ هَذَا | |
| إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ " . | |
| فأي بينة أعظم من هذه البينة, وهذا قولهم الشنيع فيها, حيث كابروا المحسوس, الذي | |
| لا يمكن من له أدنى مسكة من عقل دفعه؟!! | |
" وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا | |
| ينظرون " | |
" | |
| وَقَالُوا " أيضا - تعنتا مبنيا على الجهل, | |
| وعدم العلم بالمعقول. | |
| " لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ " أي: هلا | |
| أنزل مع محمد ملك, يعاونه ويساعده على ما هو عليه بزعمهم أنه بشر, وأن رسالة الله, | |
| لا تكون إلا على أيدي الملائكة. | |
| قال الله - في بيان رحمته ولطفه بعباده, حيث أرسل إليهم بشرا منهم يكون الإيمان | |
| بما جاء به, عن علم وبصيرة, وغيب. | |
| " وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا " برسالتنا, لكان | |
| الإيمان لا يصدر عن معرفة بالحق ولكان إيمانا بالشهادة, الذي لا ينفع شيئا وحده. | |
| وهذا إن آمنوا, والغالب أنهم لا يؤمنون بهذه الحالة. | |
| فلو لم يؤمنوا " لَقُضِيَ الْأَمْرُ " بتعجيل | |
| الهلاك عليهم, وعدم إنظارهم, لأن هذه سنة الله, فيمن طلب الآيات المقترحة, فلم | |
| يؤمن بها. | |
| فإرسال الرسول البشري إليهم, بالآيات البينات, التي يعلم الله أنها أصلح للعباد, | |
| وأرفق بهم, مع إمهال الله للكافرين والمكذبين - خير لهم وأنفع. | |
| فطلبهم لإنزال الملك, شر لهم, لو كانوا يعلمون. | |
| ومع ذلك, فالملك لو أنزل عليهم, وأرسل, لم يطيقوا التلقي عنه, ولا احتملوا ذلك, | |
| ولا أطاقته قواهم الفانية. | |
" ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون " | |
" | |
| وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا " لأن الحكمة لا تقتضي سوى ذلك. | |
| " وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " أي: | |
| ولكان الأمر, مختلطا عليهم, وملبوسا. | |
| وذلك بسبب ما لبسوه على أنفسهم, فإنهم بنوا أمرهم على هذه القاعدة التي فيها | |
| اللبس, وعدم بيان الحق. | |
| فلما جاءهم الحق, بطرقه الصحيحة, وقواعده التي هي قواعده, لم يكن ذلك هداية لهم, | |
| إذا اهتدى بذلك غيرهم. | |
| والذنب ذنبهم, حيث أغلقوا على أنفسهم باب الهدى, وفتحوا أبواب الضلال. | |
" ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به | |
| يستهزئون " | |
يقول تعالى - مسليا لرسوله, ومصبرا ومتهددا | |
| أعداءه, ومتوعدا. | |
| " وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ " لما | |
| جاءوا أممهم بالبينات, كذبوهم واستهزأوا بهم, وبما جاءوا به. | |
| فأهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب, ووفر لهم من العذاب أكمل نصيب. | |
| " فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ | |
| يَسْتَهْزِئُونَ " فاحذروا - أيها, المكذبون - أن تستمروا على | |
| تكذيبكم, فيصيبكم ما أصابهم. | |
" قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " | |
" قُلْ | |
| سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ | |
| " أي: فإن شككتم في ذلك, أو ارتبتم, فسيروا | |
| في الأرض, ثم انظروا, كيف كان عاقبة المكذبين, فلن تجدوا إلا قوما مهلكين, وأمما | |
| في المثلات تالفين. | |
| قد أوحشت منهم المنازل, وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل. | |
| أبادهم الملك الجبار, وكان نبأهم عبرة لأولي الأبصار. | |
| وهذا السير المأمور به, سير القلوب والأبدان, الذي يتولد منه - الاعتبار. | |
| وأما مجرد النظر من غير اعتبار, فإن ذلك لا يفيد شيئا. | |
" قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة | |
| ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " | |
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " قُلْ | |
| " لهؤلاء المشركين, مقررا لهم وملزما بالتوحيد: " | |
| لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: من الخلق لذلك, | |
| المالك له, المتصرف فيه؟ " قُلْ " لهم: " لِلَّهِ " وهم مقرون بذلك لا ينكرونه, أفلا, حين | |
| اعترفوا بانفراد الله, بالملك والتدبير أن يعترفوا له بالإخلاص والتوحيد؟!!. | |
| وقوله " كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " أي: | |
| العالم العلوي والسفلي, تحت ملكه وتدبيره, هو تعالى, قد بسط عليهم رحمته وإحسانه, | |
| وتغمدهم برحمته وامتنانه, وكتب على نفسه كتابا " أن رحمته | |
| تغلب غضبه " و " أن العطاء أحب إليه من المنع | |
| " و " أن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة, | |
| إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم, دعاهم إليها, إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم | |
| وعيوبهم " وقوله " لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى | |
| يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ " وهذا قسم منه, وهو أصدق | |
| المخبرين. | |
| وقد أقام على ذلك, من الحجج والبراهين. | |
| ما يجعله حق اليقين. | |
| ولكن أبى الظالمون إلا جحودا, وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق, فأوضعوا في | |
| معاصيه, وتجرأوا على الكفر به, فخسروا دنياهم وأخراهم. | |
| ولهذا قال: " الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا | |
| يُؤْمِنُونَ " . | |
" وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم " | |
اعلم أن هذه السورة الكريمة, قد اشتملت على تقرير التوحيد, بكل دليل | |
| عقلي, ونقلي. | |
| بل كادت أن تكون كلها, في شأن التوحيد, ومجادلة المشركين بالله, المكذبين لرسوله. | |
| فهذه الآيات, ذكر الله فيها, ما يتبين به الهدى, وينقمع به الشرك. | |
| فذكر أن " لَهُ " تعالى " | |
| مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " . | |
| وذلك هو المخلوقات كلها من آدميها, وجنبها وملائكتها وحيوانتها وجماداتها. | |
| فالكل خلق مدبرون, وعبيد مسخرون لربهم العظيم, القاهر المالك. | |
| فهل يصح في عقل ونقل, أن يعبد من هؤلاء المماليك, الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك | |
| الإخلاص للخالق, المدبر المالك الضار النافع؟!!. | |
| أم العقول السليمة, والفطر. | |
| المستقيمة, تدعو إلى إخلاص العبادة, والحب, والخوف, والرجاء لله رب العالمين؟!!. | |
| " السَّمِيعُ " لجميع الأصوات, على اختلاف | |
| اللغات, بتفنن الحاجات. | |
| " الْعَلِيمُ " بما كان, وما يكون وما لم يكن, لو | |
| كان كيف كان يكون, المطلع على الظواهر والبواطن؟!!. | |
" قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم | |
| قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين " | |
" قُلْ | |
| " لهؤلاء المشركين بالله: " | |
| أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا " من هؤلاء المخلوقات العاجزة, | |
| يتولاني, وينصرني؟!!. | |
| فلا, أتخذ من دونه تعالى وليا لأنه, فاطر السماوات والأرض, أي: خالقهما ومدبرهما. | |
| " وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ " أي: وهو | |
| الرازق لجميع الخلق, عن غير حاجة منه تعالى اليهم. | |
| فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرزاق, الغني, الحميد؟!! " | |
| قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ " لله | |
| بالتوحيد, وانقاد له بالطاعة. | |
| لأني أولى من غيري, بامتثال أوامر ربي. | |
| " وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " أي: | |
| ونهيت أيضا, عن أن أكون من المشركين, لا في اعتقادهم, ولا في مجالستهم: ولا في | |
| الاجتماع بهم, فهذا أفرض الفروض علي, وأوجب الواجبات. | |
" قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " | |
" قُلْ | |
| إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " فإن المعصية في الشرك, توجب الخلود في النار, وسخط الجبار. | |
" من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين " | |
وذلك اليوم, هو اليوم الذي يخاف عذابه, ويحذر عقابه. | |
| لأنه من صرف عنه العذاب يومئذ, فهو المرحوم, ومن نجا فيه, فهو الفائز حقا. | |
| كما أن من لم ينج منه, فهو الهالك الشقي. | |
| ومن أدلة توحيده, أنه تعالى, المنفرد بكشف الضراء, وجلب الخير والسراء. | |
" وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على | |
| كل شيء قدير " | |
ولهذا قال: " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ | |
| " من فقر, أو مرض, أو عسر, أو غم, أو هم أو نحوه. | |
| " فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ | |
| فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فإذا كان وحده النافع الضار, فهو | |
| الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية. | |
" وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير " | |
" | |
| وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " فلا | |
| يتصرف منهم متصرف, ولا يتحرك متحرك, ولا يسكن ساكن, إلا بمشيئته. | |
| وليس للملوك وغيرهم, الخروج عن ملكه وسلطانه, بل هم مدبرون مقهورون. | |
| فإذا كان هو القاهر, وغير مقهورا, كان هو المستحق للعبادة. | |
| " وَهُوَ الْحَكِيمُ " فيما أمر به ونهى, وأثاب, | |
| وعاقب, وفيما خلق وقدر. | |
| " الْخَبِيرُ " المطلع على السرائر والضمائر | |
| وخفايا الأمور, وهذا كله من أدلة التوحيد. | |
" قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا | |
| القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما | |
| هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون " | |
" قُلْ | |
| " لهم - لما بينا لهم الهدى, وأوضحنا لهم | |
| المسالك-: " أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً " على | |
| هذا الأصل العظيم. | |
| " قُلِ اللَّهُ " أكبر شهادة, فهو " شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " فلا أعظم منه شهادة, | |
| ولا أكبر, وهو يشهد لي بإقراره وفعله, فيقرني على ما قلت لكم. | |
| كما قال تعالى " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ | |
| الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ | |
| الْوَتِينَ " . | |
| فالله حكيم قدير, فلا يليق بحكمته وقدرته, أن يقر كاذبا عليه, زاعما أن الله أرسله | |
| ولم يرسله, وأن الله أمره بدعوة الخلق, ولم يأمره, وأن الله أباح له دماء من | |
| خالفه, وأموالهم ونساءهم, وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله فيؤيده على ما قال | |
| بالمعجزات الباهرة, والآيات الظاهرة, وينصره, ويخذل من خالفه وعاداه, فأي شهادة | |
| أكبر من هذه الشهادة؟!! وقوله " وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا | |
| الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " أي وأوحى الله إلي | |
| هذا القرآن, لمنفعتكم ومصلحتكم, لأنذركم به من العقاب الأليم. | |
| والنذارة, إنما تكون بذكر ما ينذرهم به, من الترغيب, والترهيب, وببيان الأعمال, | |
| والأقوال الظاهرة والباطنة, التي من قام بها, فقد قبل النذارة. | |
| فهذا القرآن, فيه النذارة لكم, أيها المخاطبون, وكل من بلغه القرآن إلى يوم | |
| القيامة, فإن فيه بيان كل ما يحتاج إليه من المطالب الإلهية. | |
| لما بين تعالى شهادته, التي هي أكبر الشهادات على توحيده, قال: قل لهؤلاء | |
| المعارضين لخبر الله, والمكذبين لرسله " أَئِنَّكُمْ | |
| لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ " . | |
| أي: إن شهدوا, فلا, تشهد معهم. | |
| فوازن بين شهادة أصدق القائلين, ورب العالمين وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين | |
| القاطعة والحجج الساطعة, على توحيد الله, وحده لا شريك له, وشهادة أهل الشرك, | |
| الذين مرجت عقولهم وأديانهم, وفسدت آراؤهم وأخلاقهم, وأضحكوا على أنفسهم العقلاء. | |
| بل خالفت شهادتهم فطرهم, وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى. | |
| مع أنه لا يقوم على ما خالفوه أدنى شبهة, فضلا عن الحجج. | |
| واختر لنفسك أي الشهادتين, إن كنت تعقل. | |
| ونحن نختار لأنفسنا, ما اختاره الله لنبيه, الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال: " قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ " أي: منفرد, لا | |
| يستحق العبودية والإلهية سواه, كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير. | |
| " وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ " به, | |
| من الأوثان, والأنداد, وكل ما أشرك به الله. | |
| فهذا حقيقة التوحيد إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه. | |
" الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا | |
| أنفسهم فهم لا يؤمنون " | |
لما بين شهادته وشهادة رسوله على التوحيد وشهادة المشركين الذين لا علم | |
| لديهم على ضده, ذكر أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى. | |
| " يَعْرِفُونَهُ " أي: يعرفون صحة التوحيد " كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ " . | |
| أي: لا شك عندهم فيه, بوجه, كما أنهم لا يشتبهون بأولادهم, خصوصا البنين الملازمين | |
| في الغالب لآبائهم. | |
| ويحتمل أن الضمير, عائد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, وأن أهل الكتاب لا | |
| يشتبهون بصحة رسالته, ولا يمترون بها, لما عندهم من البشارات به, ونعوته التي | |
| تنطبق عليه, ولا تصلح لغيرة. | |
| والمعنيان متلازمان. | |
| قوله " الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " أي: | |
| فوتوها ما خلقت له, من الإيمان والتوحيد, وحرموها الفضل من الملك المجيد " فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " . | |
| فإذا لم يوجد الإيمان منهم, فلا تسأل عن الخسار والشر, الذي يحصل لهم. | |
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح | |
| الظالمون " | |
أي: لا أعظم ظلما وعنادا, ممن كان فيه أحد الوصفين, فكيف لو اجتمعا, | |
| افتراء الكذب على الله, أو التكذيب بآياته, التي جاءت بها المرسلون, فإن هذا, أظلم | |
| الناس, والظالم لا يفلح أبدا. | |
| ويدخل في هذا, كل من كذب على الله, بادعاء الشريك له والمعين وزعم أنه ينبغي أن | |
| يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا, وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل أو من قام | |
| مقامهم. | |
" ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم | |
| تزعمون " | |
يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة وأنهم يسألون ويوبخون فيقال | |
| لهم " أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ | |
| " أي إن الله ليس له شريك, وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء | |
" ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " | |
| dir=RTL>" ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ " أي لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال إلا إنكارهم لشركهم | |
| وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين | |
" انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " | |
" | |
| أَنْظُرْ " متعجبا منهم ومن أحوالهم. | |
| " كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ " أي كذبوا | |
| كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم- والله- غاية الضرر " | |
| وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " من الشركاء الذين زعموهم | |
| مع الله, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. | |
" ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي | |
| آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين | |
| كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين " | |
أي: ومن هؤلاء المشركين, قوم يحملهم بعض | |
| الأوقات, بعض الدواعي إلى الاستماع. | |
| ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه, ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع, لعدم | |
| إرادتهم للخير. | |
| " وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً " أي: | |
| أغطية وأغشية, لئلا, يفقهوا كلام الله, فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. | |
| " وَفِي آذَانِهِمْ " جعلنا " | |
| وَقْرًا " أي: صمما, فلا يستمعون ما ينفعهم. | |
| " وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا " , | |
| وهذا غاية الظلم والعناد, أن الآيات البينات الدالة على الحق, لا ينقادون لها, ولا | |
| يصدقون بها, بل يجادلون بالباطل, ليدحضوا به الحق. | |
| ولهذا قال: " حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ | |
| الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " أي: | |
| مأخوذ من صحف الأولين المسطورة, التي ليست عن الله, ولا عن رسله. | |
| وهذا من كفرهم, وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء. | |
| السابقين واللاحقين, والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون, والحق, والقسط, | |
| والعدل التام, من كل وجه, أساطير الأولين. | |
" وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون | |
| " | |
وهم: أي المشركون بالله, المكذبون لرسوله, يجمعون بين الضلال والإضلال. | |
| ينهون الناس عن اتباع الحق, ويحذرونهم منه, ويبعدون بأنفسهم عنه. | |
| ولن يضروا الله ولا عباده المؤمنين, بفعلهم هذا, شيئا. | |
| " وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ | |
| " بذلك. | |
" ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات | |
| ربنا ونكون من المؤمنين " | |
يقول تعالى - مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة - وإحضارهم النار. | |
| " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ " ليوبخوا | |
| ويقرعوا, لرأيت أمرا هائلا, وحالا مفظعة. | |
| ولرأيتهم كيف أقروا على أنفسهم بالكفر والفسوق, وتمنوا أن لو يردون إلى الدنيا. | |
| " فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ | |
| رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " | |
" بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه | |
| وإنهم لكاذبون " | |
" بَلْ | |
| بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ " . | |
| فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم, أنهم كانوا كاذبين ويبدو في قلوبهم, في كثير من | |
| الأوقات. | |
| ولكن الأغراض الفاسدة, صدتهم عن ذلك, وصدفت قلوبهم عن الخير, وهم كذبة في هذه | |
| الأمنية وإنما قصدهم, أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب. | |
| " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ | |
| لَكَاذِبُونَ " . | |
" وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " | |
" | |
| وَقَالُوا " منكرين للبعث " | |
| إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا " أي: ما حقيقة الحال والأمر | |
| وما المقصود من إيجادنا, إلا الحياة الدنيا وحدها. | |
| " وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ " . | |
" ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا | |
| قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " | |
أي: " وَلَوْ تَرَى " الكافرين " إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ " لرأيت أمرا عظيما, | |
| وهولا جسيما. | |
| " قَالَ " لهم موبخا ومقرعا " | |
| أَلَيْسَ هَذَا " الذي ترون من العذاب " | |
| بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا " فأقروا, واعترفوا, حيث لا | |
| ينفعهم ذلك. | |
| " قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ | |
| " . | |
" قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة | |
| قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما | |
| يزرون " | |
أي: قد خاب وخسر, وحرم الخير كله, من كذب بلقاء الله, فأوجب له هذا | |
| التكذيب, الاجتراء على المحرمات, واقتراف الموبقات. | |
| " حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ " وهم على | |
| أقبح حال وأسوأه, فأظهروا غاية الندم. | |
| " قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا | |
| " ولكن هذا تحسر ذهب وقته. | |
| " وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا | |
| سَاءَ مَا يَزِرُونَ " . | |
| فإن وزرهم وزر, يثقلهم, ولا يقدرون على التخلص منه, ولهذا خلدوا في النار, | |
| واستحقوا التأبيد في غضب الجبار. | |
" وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون | |
| أفلا تعقلون " | |
أما حقيقة الدنيا: فإنها لعب ولهو لعب في الأبدان ولهو في القلوب | |
| فالقلوب لها والهة والنفوس لها عاشقة والهموم فيها متعلقة والاشتغال بها كلعب | |
| الصبيان. | |
| وأما الآخرة, فإنها " خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ " في | |
| ذاتها وصفاتها, وبقائها ودوامها. | |
| وفيها ما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, من نعيم القلوب والأرواح, وكثرة السرور | |
| والأفراح. | |
| ولكنها ليست لكل أحد, وإنما هي للمتقين, الذين يفعلون أوامر الله, ويتركون نواهيه | |
| وزواجره. | |
| " أَفَلَا تَعْقِلُونَ " أي: أفلا يكون لكم عقول, | |
| بها تدركون, أي الدارين أحق بالإيثار. | |
" قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين | |
| بآيات الله يجحدون " | |
أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك, | |
| يحزنك ويسوءك. | |
| ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر, إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال | |
| الغالية. | |
| فلا تظن أن قولهم, صادر عن اشتباه في أمرك, وشك فيك. | |
| " فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ " لأنهم يعرفون | |
| صدقك, ومدخلك ومخرجك, وجميع أحوالك, حتى إنهم كانوا يسمونه - قبل بعثته - الأمين. | |
| " وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ | |
| " أي: فإن تكذيبهم لآيات الله, التي جعلها الله على يديك. | |
" ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم | |
| نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين " | |
" | |
| وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا | |
| وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا " . | |
| فاصبر كما صبروا, تظفر كما ظفروا. | |
| " وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ " ما | |
| به يثبت فؤادك, ويطمئن به قلبك. | |
" وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو | |
| سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين | |
| " | |
" | |
| وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ " أي: شق عليك, من حرصك عليهم, ومحبتك لإيمانهم, فابذل وسعك في ذلك, فليس | |
| في مقدورك, أن تهدي من لم يرد الله هدايته. | |
| " فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ | |
| أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ " . | |
| أي: فافعل ذلك, فإنه لا يفيدهم شيئا. | |
| وهذا قطع لطمعه في هداية أشباه هؤلاء المعاندين. | |
| " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى " ولكن | |
| حكمته تعالى, اقتضت أنهم يبقون على الضلال. | |
| " فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ " الذين | |
| لا يعرفون حقائق الأمور, ولا ينزلونها على منازلها. | |
" إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون | |
| " | |
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا | |
| يَسْتَجِيبُ " لدعوتك, ويلبي رسالتك, وينقاد لأمرك ونهيك " الَّذِينَ يَسْمَعُونَ " بقلوبهم, ما ينفعهم وهم أولو | |
| الألباب والأسماع. | |
| والمراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة, وإلا فمجرد سماع الأذن, يشترك فيه | |
| البر والفاجر. | |
| فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى, باستماع آياته, فلم يبق لهم عذر, في | |
| عدم القبول. | |
| " وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ | |
| يُرْجَعُونَ " يحتمل أن المعنى, مقابل للمعنى المذكور. | |
| أي: إنما يستجيب لك, أحياء القلوب وأما أموات القلوب, الذين لا يشعرون بسعادتهم, | |
| ولا يحسون بما ينجيهم, فإنهم لا يستجيبون ذلك, ولا ينقادون, وموعدهم يوم القيامة, | |
| يبعثهم الله, ثم إليه يرجعون. | |
| ويحتمل أن المراد بالآية, على ظاهرها, وأن الله تعالى يقرر المعاد, وأنه سيبعث | |
| الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. | |
| ويكون هذا, متضمنا للترغيب في الاستجابة, لله ورسوله, والترهيب من عدم ذلك. | |
" وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل | |
| آية ولكن أكثرهم لا يعلمون " | |
" وَقَالُوا | |
| " أي: المكذبون بال أكثر المصاحف تفاعلاً |