<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الأنعام - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم | |
الذين كفروا بربهم يعدلون " </h1></p> | |
<p>هذا إخبار عن | |
حمده والثناء عليه, بصفات الكمال, ونعوت العظمة والجلال عموما, وعلى هذه المذكورات | |
خصوصا. <br> | |
فحمد نفسه على خلقه السماوات والأرض, الدالة على كمال قدرته, وسعة علمه ورحمته, | |
وعموم حكمته, وانفراده بالخلق والتدبير, وعلى جعله الظلمات والنور. <br> | |
وذلك شامل للحسي من ذلك, كالليل والنهار, والشمس والقمر. <br> | |
والمعنوي, كظلمات الجهل, والشك, والشرك, والمعصية, والغفلة, ونور العلم والإيمان, | |
واليقين, والطاعة. <br> | |
وهذا كله, يدل دلالة قاطعة أنه تعالى, هو المستحق للعبادة, وإخلاص الدين له. <br> | |
ومع هذا الدليل ووضوح البرهان " ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ | |
يَعْدِلُونَ " به سواه. <br> | |
يسوونهم به في العبادة والتعظيم, مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال, وهم | |
فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم | |
تمترون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" هُوَ | |
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ " </span>وذلك بخلق | |
مادتكم وأبيكم آدم. <br> | |
عليه السلام. <br> | |
" ثُمَّ قَضَى أَجَلًا " أي: ضرب لمدة إقامتكم في | |
هذه الدار, أجلا فتتمتعون به وتمتحنون, وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله. <br> | |
" لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " ويعمركم | |
ما يتذكر فيه من تذكر. <br> | |
" وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ " وهي: الدار | |
الآخرة, التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار, فيجازيهم بأعمالهم من خطر وشر. <br> | |
" ثُمَّ " مع هذا البيان التام وقطع الحجة " أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ " أي: تشكون في وعد الله | |
ووعيده, ووقوع الجزاء يوم القيامة. <br> | |
وذكر الله الظلمات بالجمع, لكثرة موادها, وتنوع طرقها. <br> | |
ووحد النور, لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة, لا تعدد فيها, وهي: الصراط | |
المتضمنة للعلم بالحق, والعمل به كما قال تعالى " وَأَنَّ | |
هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ | |
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما | |
تكسبون " </h1> | |
<p>أي: وهو المألوه المعبود, في السماوات وفي الأرض, فأهل السماء والأرض, | |
متعبدون لربهم, خاضعون لعظمته, مستكينون لعزه وجلاله, الملائكة المقربون, | |
والأنبياء والمرسلون, والصديقون, والشهداء والصالحون. <br> | |
وهو تعالى, يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون, فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال, | |
التي تقربكم منه, وتدنيكم من رحمته, واحذروا من كل عمل يبعدكم منه, ومن رحمته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " </h1> | |
<p>هذا إخبار منه تعالى, عن إعراض المشركين, وشدة تكذيبهم وعداوتهم, وأنهم | |
لا تنفع فيهم الآيات, حتى تحل بهم المثلات فقال: " وَمَا | |
تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ " الدالة على الحق | |
دلالة قاطعة, الداعية لهم إلى اتباعه وقبوله. <br> | |
" إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ " لا يلقون | |
لها بالا, ولا يصغون لها سمعا, قد انصرفت قلوبهم إلى غيرها, وولوها أدبارهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به | |
يستهزئون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ " </span>والحق حقه, أن يتبع, ويشكر الله على تيسيره لهم, وإتيانهم به. <br> | |
فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به فاستحقوا العقاب الشديد. <br> | |
" فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ | |
يَسْتَهْزِئُونَ " أي: فسوف يرون ما استهزأوا به, أنه الحق والصدق, | |
ويبين الله للمكذبين كذبهم وافترائهم وكانوا يستهزئون بالبعث والجنة والنار. <br> | |
فإذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين " هَذِهِ النَّارُ الَّتِي | |
كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ " . <br> | |
وقال تعالى: " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ | |
لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ | |
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُالَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ | |
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن | |
لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم | |
وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " </h1> | |
<p>ثم أمرهم أن يعتبروا بالأمم السابقة فقال: " | |
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ " أي: | |
كم تتابع إهلاكنا للأمم المكذبين, وأمهلناهم قبل ذلك الإهلاك, بأن " | |
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ " من الأموال | |
والبنين والرفاهية. <br> | |
" وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا | |
وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ " تنبت لهم بذلك ما | |
شاء الله, من زروع وثمار, يتمتعون بها, ويتناولون منها ما يشتهون. <br> | |
فلم يشكروا الله على نعمه, بل أقبلوا على الشهوات, وألهتهم اللذات فجاءتهم رسلهم | |
بالبينات, فلم يصدقوها, بل ردوها وكذبوها " فَأَهْلَكْنَاهُمْ | |
بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ " أي: | |
فأهلكهم الله بذنوبهم, وأنشأ من بعدهم قرنا آخرين. <br> | |
فهذه سنة الله ودأبه, في الأمم السابقين واللاحقين. <br> | |
فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا | |
إن هذا إلا سحر مبين " </h1> | |
<p>هذا إخبار من الله لرسوله عن شدة عناد | |
الكافرين, وأنه ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به, ولا لجهل منهم بذلك, وإنما ذلك | |
ظلم وبغي, لا حيلة لكم فيه. <br> | |
فقال: " وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ | |
فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ " وتيقنوه " لَقَالَ | |
الَّذِينَ كَفَرُوا " ظلما وعدوانا " إِنْ هَذَا | |
إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ " . <br> | |
فأي بينة أعظم من هذه البينة, وهذا قولهم الشنيع فيها, حيث كابروا المحسوس, الذي | |
لا يمكن من له أدنى مسكة من عقل دفعه؟!! </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا | |
ينظرون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
وَقَالُوا " </span>أيضا - تعنتا مبنيا على الجهل, | |
وعدم العلم بالمعقول. <br> | |
" لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ " أي: هلا | |
أنزل مع محمد ملك, يعاونه ويساعده على ما هو عليه بزعمهم أنه بشر, وأن رسالة الله, | |
لا تكون إلا على أيدي الملائكة. <br> | |
قال الله - في بيان رحمته ولطفه بعباده, حيث أرسل إليهم بشرا منهم يكون الإيمان | |
بما جاء به, عن علم وبصيرة, وغيب. <br> | |
" وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا " برسالتنا, لكان | |
الإيمان لا يصدر عن معرفة بالحق ولكان إيمانا بالشهادة, الذي لا ينفع شيئا وحده. <br> | |
وهذا إن آمنوا, والغالب أنهم لا يؤمنون بهذه الحالة. <br> | |
فلو لم يؤمنوا " لَقُضِيَ الْأَمْرُ " بتعجيل | |
الهلاك عليهم, وعدم إنظارهم, لأن هذه سنة الله, فيمن طلب الآيات المقترحة, فلم | |
يؤمن بها. <br> | |
فإرسال الرسول البشري إليهم, بالآيات البينات, التي يعلم الله أنها أصلح للعباد, | |
وأرفق بهم, مع إمهال الله للكافرين والمكذبين - خير لهم وأنفع. <br> | |
فطلبهم لإنزال الملك, شر لهم, لو كانوا يعلمون. <br> | |
ومع ذلك, فالملك لو أنزل عليهم, وأرسل, لم يطيقوا التلقي عنه, ولا احتملوا ذلك, | |
ولا أطاقته قواهم الفانية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا " </span>لأن الحكمة لا تقتضي سوى ذلك. <br> | |
" وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " أي: | |
ولكان الأمر, مختلطا عليهم, وملبوسا. <br> | |
وذلك بسبب ما لبسوه على أنفسهم, فإنهم بنوا أمرهم على هذه القاعدة التي فيها | |
اللبس, وعدم بيان الحق. <br> | |
فلما جاءهم الحق, بطرقه الصحيحة, وقواعده التي هي قواعده, لم يكن ذلك هداية لهم, | |
إذا اهتدى بذلك غيرهم. <br> | |
والذنب ذنبهم, حيث أغلقوا على أنفسهم باب الهدى, وفتحوا أبواب الضلال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به | |
يستهزئون " </h1> | |
<p>يقول تعالى - مسليا لرسوله, ومصبرا ومتهددا | |
أعداءه, ومتوعدا. <br> | |
" وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ " لما | |
جاءوا أممهم بالبينات, كذبوهم واستهزأوا بهم, وبما جاءوا به. <br> | |
فأهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب, ووفر لهم من العذاب أكمل نصيب. <br> | |
" فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ | |
يَسْتَهْزِئُونَ " فاحذروا - أيها, المكذبون - أن تستمروا على | |
تكذيبكم, فيصيبكم ما أصابهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" قُلْ | |
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ | |
" </span>أي: فإن شككتم في ذلك, أو ارتبتم, فسيروا | |
في الأرض, ثم انظروا, كيف كان عاقبة المكذبين, فلن تجدوا إلا قوما مهلكين, وأمما | |
في المثلات تالفين. <br> | |
قد أوحشت منهم المنازل, وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل. <br> | |
أبادهم الملك الجبار, وكان نبأهم عبرة لأولي الأبصار. <br> | |
وهذا السير المأمور به, سير القلوب والأبدان, الذي يتولد منه - الاعتبار. <br> | |
وأما مجرد النظر من غير اعتبار, فإن ذلك لا يفيد شيئا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة | |
ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " </h1> | |
<p>يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " قُلْ | |
" لهؤلاء المشركين, مقررا لهم وملزما بالتوحيد: " | |
لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: من الخلق لذلك, | |
المالك له, المتصرف فيه؟ " قُلْ " لهم: " لِلَّهِ " وهم مقرون بذلك لا ينكرونه, أفلا, حين | |
اعترفوا بانفراد الله, بالملك والتدبير أن يعترفوا له بالإخلاص والتوحيد؟!!. <br> | |
وقوله " كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " أي: | |
العالم العلوي والسفلي, تحت ملكه وتدبيره, هو تعالى, قد بسط عليهم رحمته وإحسانه, | |
وتغمدهم برحمته وامتنانه, وكتب على نفسه كتابا " أن رحمته | |
تغلب غضبه " و " أن العطاء أحب إليه من المنع | |
" و " أن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة, | |
إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم, دعاهم إليها, إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم | |
وعيوبهم " وقوله " لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى | |
يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ " وهذا قسم منه, وهو أصدق | |
المخبرين. <br> | |
وقد أقام على ذلك, من الحجج والبراهين. <br> | |
ما يجعله حق اليقين. <br> | |
ولكن أبى الظالمون إلا جحودا, وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق, فأوضعوا في | |
معاصيه, وتجرأوا على الكفر به, فخسروا دنياهم وأخراهم. <br> | |
ولهذا قال: " الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا | |
يُؤْمِنُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم " </h1> | |
<p>اعلم أن هذه السورة الكريمة, قد اشتملت على تقرير التوحيد, بكل دليل | |
عقلي, ونقلي. <br> | |
بل كادت أن تكون كلها, في شأن التوحيد, ومجادلة المشركين بالله, المكذبين لرسوله. <br> | |
فهذه الآيات, ذكر الله فيها, ما يتبين به الهدى, وينقمع به الشرك. <br> | |
فذكر أن " لَهُ " تعالى " | |
مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " . <br> | |
وذلك هو المخلوقات كلها من آدميها, وجنبها وملائكتها وحيوانتها وجماداتها. <br> | |
فالكل خلق مدبرون, وعبيد مسخرون لربهم العظيم, القاهر المالك. <br> | |
فهل يصح في عقل ونقل, أن يعبد من هؤلاء المماليك, الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك | |
الإخلاص للخالق, المدبر المالك الضار النافع؟!!. <br> | |
أم العقول السليمة, والفطر. <br> | |
المستقيمة, تدعو إلى إخلاص العبادة, والحب, والخوف, والرجاء لله رب العالمين؟!!. <br> | |
" السَّمِيعُ " لجميع الأصوات, على اختلاف | |
اللغات, بتفنن الحاجات. <br> | |
" الْعَلِيمُ " بما كان, وما يكون وما لم يكن, لو | |
كان كيف كان يكون, المطلع على الظواهر والبواطن؟!!. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم | |
قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" قُلْ | |
" </span>لهؤلاء المشركين بالله: " | |
أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا " من هؤلاء المخلوقات العاجزة, | |
يتولاني, وينصرني؟!!. <br> | |
فلا, أتخذ من دونه تعالى وليا لأنه, فاطر السماوات والأرض, أي: خالقهما ومدبرهما. <br> | |
" وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ " أي: وهو | |
الرازق لجميع الخلق, عن غير حاجة منه تعالى اليهم. <br> | |
فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرزاق, الغني, الحميد؟!! " | |
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ " لله | |
بالتوحيد, وانقاد له بالطاعة. <br> | |
لأني أولى من غيري, بامتثال أوامر ربي. <br> | |
" وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " أي: | |
ونهيت أيضا, عن أن أكون من المشركين, لا في اعتقادهم, ولا في مجالستهم: ولا في | |
الاجتماع بهم, فهذا أفرض الفروض علي, وأوجب الواجبات.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" قُلْ | |
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " </span>فإن المعصية في الشرك, توجب الخلود في النار, وسخط الجبار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين " </h1> | |
<p>وذلك اليوم, هو اليوم الذي يخاف عذابه, ويحذر عقابه. <br> | |
لأنه من صرف عنه العذاب يومئذ, فهو المرحوم, ومن نجا فيه, فهو الفائز حقا. <br> | |
كما أن من لم ينج منه, فهو الهالك الشقي. <br> | |
ومن أدلة توحيده, أنه تعالى, المنفرد بكشف الضراء, وجلب الخير والسراء. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على | |
كل شيء قدير " </h1> | |
<p>ولهذا قال: " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ | |
" من فقر, أو مرض, أو عسر, أو غم, أو هم أو نحوه. <br> | |
" فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ | |
فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فإذا كان وحده النافع الضار, فهو | |
الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " </span>فلا | |
يتصرف منهم متصرف, ولا يتحرك متحرك, ولا يسكن ساكن, إلا بمشيئته. <br> | |
وليس للملوك وغيرهم, الخروج عن ملكه وسلطانه, بل هم مدبرون مقهورون. <br> | |
فإذا كان هو القاهر, وغير مقهورا, كان هو المستحق للعبادة. <br> | |
" وَهُوَ الْحَكِيمُ " فيما أمر به ونهى, وأثاب, | |
وعاقب, وفيما خلق وقدر. <br> | |
" الْخَبِيرُ " المطلع على السرائر والضمائر | |
وخفايا الأمور, وهذا كله من أدلة التوحيد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا | |
القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما | |
هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" قُلْ | |
" </span>لهم - لما بينا لهم الهدى, وأوضحنا لهم | |
المسالك-: " أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً " على | |
هذا الأصل العظيم. <br> | |
" قُلِ اللَّهُ " أكبر شهادة, فهو " شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " فلا أعظم منه شهادة, | |
ولا أكبر, وهو يشهد لي بإقراره وفعله, فيقرني على ما قلت لكم. <br> | |
كما قال تعالى " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ | |
الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ | |
الْوَتِينَ " . <br> | |
فالله حكيم قدير, فلا يليق بحكمته وقدرته, أن يقر كاذبا عليه, زاعما أن الله أرسله | |
ولم يرسله, وأن الله أمره بدعوة الخلق, ولم يأمره, وأن الله أباح له دماء من | |
خالفه, وأموالهم ونساءهم, وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله فيؤيده على ما قال | |
بالمعجزات الباهرة, والآيات الظاهرة, وينصره, ويخذل من خالفه وعاداه, فأي شهادة | |
أكبر من هذه الشهادة؟!! وقوله " وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا | |
الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " أي وأوحى الله إلي | |
هذا القرآن, لمنفعتكم ومصلحتكم, لأنذركم به من العقاب الأليم. <br> | |
والنذارة, إنما تكون بذكر ما ينذرهم به, من الترغيب, والترهيب, وببيان الأعمال, | |
والأقوال الظاهرة والباطنة, التي من قام بها, فقد قبل النذارة. <br> | |
فهذا القرآن, فيه النذارة لكم, أيها المخاطبون, وكل من بلغه القرآن إلى يوم | |
القيامة, فإن فيه بيان كل ما يحتاج إليه من المطالب الإلهية. <br> | |
لما بين تعالى شهادته, التي هي أكبر الشهادات على توحيده, قال: قل لهؤلاء | |
المعارضين لخبر الله, والمكذبين لرسله " أَئِنَّكُمْ | |
لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ " . | |
<br> | |
أي: إن شهدوا, فلا, تشهد معهم. <br> | |
فوازن بين شهادة أصدق القائلين, ورب العالمين وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين | |
القاطعة والحجج الساطعة, على توحيد الله, وحده لا شريك له, وشهادة أهل الشرك, | |
الذين مرجت عقولهم وأديانهم, وفسدت آراؤهم وأخلاقهم, وأضحكوا على أنفسهم العقلاء. <br> | |
بل خالفت شهادتهم فطرهم, وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى. <br> | |
مع أنه لا يقوم على ما خالفوه أدنى شبهة, فضلا عن الحجج. <br> | |
واختر لنفسك أي الشهادتين, إن كنت تعقل. <br> | |
ونحن نختار لأنفسنا, ما اختاره الله لنبيه, الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال: " قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ " أي: منفرد, لا | |
يستحق العبودية والإلهية سواه, كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير. <br> | |
" وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ " به, | |
من الأوثان, والأنداد, وكل ما أشرك به الله. <br> | |
فهذا حقيقة التوحيد إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا | |
أنفسهم فهم لا يؤمنون " </h1> | |
<p>لما بين شهادته وشهادة رسوله على التوحيد وشهادة المشركين الذين لا علم | |
لديهم على ضده, ذكر أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى. <br> | |
" يَعْرِفُونَهُ " أي: يعرفون صحة التوحيد " كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ " . <br> | |
أي: لا شك عندهم فيه, بوجه, كما أنهم لا يشتبهون بأولادهم, خصوصا البنين الملازمين | |
في الغالب لآبائهم. <br> | |
ويحتمل أن الضمير, عائد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, وأن أهل الكتاب لا | |
يشتبهون بصحة رسالته, ولا يمترون بها, لما عندهم من البشارات به, ونعوته التي | |
تنطبق عليه, ولا تصلح لغيرة. <br> | |
والمعنيان متلازمان. <br> | |
قوله " الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " أي: | |
فوتوها ما خلقت له, من الإيمان والتوحيد, وحرموها الفضل من الملك المجيد " فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " . <br> | |
فإذا لم يوجد الإيمان منهم, فلا تسأل عن الخسار والشر, الذي يحصل لهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح | |
الظالمون " </h1> | |
<p>أي: لا أعظم ظلما وعنادا, ممن كان فيه أحد الوصفين, فكيف لو اجتمعا, | |
افتراء الكذب على الله, أو التكذيب بآياته, التي جاءت بها المرسلون, فإن هذا, أظلم | |
الناس, والظالم لا يفلح أبدا. <br> | |
ويدخل في هذا, كل من كذب على الله, بادعاء الشريك له والمعين وزعم أنه ينبغي أن | |
يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا, وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل أو من قام | |
مقامهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم | |
تزعمون " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة وأنهم يسألون ويوبخون فيقال | |
لهم " أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ | |
" أي إن الله ليس له شريك, وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " | |
</h1> | |
<p><span | |
dir=RTL>" ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ " </span>أي لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال إلا إنكارهم لشركهم | |
وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
أَنْظُرْ " </span>متعجبا منهم ومن أحوالهم. <br> | |
" كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ " أي كذبوا | |
كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم- والله- غاية الضرر " | |
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " من الشركاء الذين زعموهم | |
مع الله, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي | |
آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين | |
كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين " </h1> | |
<p>أي: ومن هؤلاء المشركين, قوم يحملهم بعض | |
الأوقات, بعض الدواعي إلى الاستماع. <br> | |
ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه, ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع, لعدم | |
إرادتهم للخير. <br> | |
" وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً " أي: | |
أغطية وأغشية, لئلا, يفقهوا كلام الله, فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. <br> | |
" وَفِي آذَانِهِمْ " جعلنا " | |
وَقْرًا " أي: صمما, فلا يستمعون ما ينفعهم. <br> | |
" وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا " , | |
وهذا غاية الظلم والعناد, أن الآيات البينات الدالة على الحق, لا ينقادون لها, ولا | |
يصدقون بها, بل يجادلون بالباطل, ليدحضوا به الحق. <br> | |
ولهذا قال: " حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ | |
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " أي: | |
مأخوذ من صحف الأولين المسطورة, التي ليست عن الله, ولا عن رسله. <br> | |
وهذا من كفرهم, وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء. <br> | |
السابقين واللاحقين, والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون, والحق, والقسط, | |
والعدل التام, من كل وجه, أساطير الأولين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون | |
" </h1> | |
<p>وهم: أي المشركون بالله, المكذبون لرسوله, يجمعون بين الضلال والإضلال. | |
<br> | |
ينهون الناس عن اتباع الحق, ويحذرونهم منه, ويبعدون بأنفسهم عنه. <br> | |
ولن يضروا الله ولا عباده المؤمنين, بفعلهم هذا, شيئا. <br> | |
" وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ | |
" بذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات | |
ربنا ونكون من المؤمنين " </h1> | |
<p>يقول تعالى - مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة - وإحضارهم النار. <br> | |
" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ " ليوبخوا | |
ويقرعوا, لرأيت أمرا هائلا, وحالا مفظعة. <br> | |
ولرأيتهم كيف أقروا على أنفسهم بالكفر والفسوق, وتمنوا أن لو يردون إلى الدنيا. <br> | |
" فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ | |
رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه | |
وإنهم لكاذبون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" بَلْ | |
بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ " </span>. <br> | |
فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم, أنهم كانوا كاذبين ويبدو في قلوبهم, في كثير من | |
الأوقات. <br> | |
ولكن الأغراض الفاسدة, صدتهم عن ذلك, وصدفت قلوبهم عن الخير, وهم كذبة في هذه | |
الأمنية وإنما قصدهم, أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب. <br> | |
" وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ | |
لَكَاذِبُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
وَقَالُوا " </span>منكرين للبعث " | |
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا " أي: ما حقيقة الحال والأمر | |
وما المقصود من إيجادنا, إلا الحياة الدنيا وحدها. <br> | |
" وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا | |
قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " </h1> | |
<p>أي: " وَلَوْ تَرَى " الكافرين " إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ " لرأيت أمرا عظيما, | |
وهولا جسيما. <br> | |
" قَالَ " لهم موبخا ومقرعا " | |
أَلَيْسَ هَذَا " الذي ترون من العذاب " | |
بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا " فأقروا, واعترفوا, حيث لا | |
ينفعهم ذلك. <br> | |
" قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ | |
" . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة | |
قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما | |
يزرون " </h1> | |
<p>أي: قد خاب وخسر, وحرم الخير كله, من كذب بلقاء الله, فأوجب له هذا | |
التكذيب, الاجتراء على المحرمات, واقتراف الموبقات. <br> | |
" حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ " وهم على | |
أقبح حال وأسوأه, فأظهروا غاية الندم. <br> | |
" قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا | |
" ولكن هذا تحسر ذهب وقته. <br> | |
" وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا | |
سَاءَ مَا يَزِرُونَ " . <br> | |
فإن وزرهم وزر, يثقلهم, ولا يقدرون على التخلص منه, ولهذا خلدوا في النار, | |
واستحقوا التأبيد في غضب الجبار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون | |
أفلا تعقلون " </h1> | |
<p>أما حقيقة الدنيا: فإنها لعب ولهو لعب في الأبدان ولهو في القلوب | |
فالقلوب لها والهة والنفوس لها عاشقة والهموم فيها متعلقة والاشتغال بها كلعب | |
الصبيان. <br> | |
وأما الآخرة, فإنها " خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ " في | |
ذاتها وصفاتها, وبقائها ودوامها. <br> | |
وفيها ما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, من نعيم القلوب والأرواح, وكثرة السرور | |
والأفراح. <br> | |
ولكنها ليست لكل أحد, وإنما هي للمتقين, الذين يفعلون أوامر الله, ويتركون نواهيه | |
وزواجره. <br> | |
" أَفَلَا تَعْقِلُونَ " أي: أفلا يكون لكم عقول, | |
بها تدركون, أي الدارين أحق بالإيثار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين | |
بآيات الله يجحدون " </h1> | |
<p>أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك, | |
يحزنك ويسوءك. <br> | |
ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر, إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال | |
الغالية. <br> | |
فلا تظن أن قولهم, صادر عن اشتباه في أمرك, وشك فيك. <br> | |
" فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ " لأنهم يعرفون | |
صدقك, ومدخلك ومخرجك, وجميع أحوالك, حتى إنهم كانوا يسمونه - قبل بعثته - الأمين. <br> | |
" وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ | |
" أي: فإن تكذيبهم لآيات الله, التي جعلها الله على يديك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم | |
نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا | |
وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا " </span>. <br> | |
فاصبر كما صبروا, تظفر كما ظفروا. <br> | |
" وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ " ما | |
به يثبت فؤادك, ويطمئن به قلبك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو | |
سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين | |
" </h1> | |
<p><span dir=RTL>" | |
وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ " </span>أي: شق عليك, من حرصك عليهم, ومحبتك لإيمانهم, فابذل وسعك في ذلك, فليس | |
في مقدورك, أن تهدي من لم يرد الله هدايته. <br> | |
" فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ | |
أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ " . <br> | |
أي: فافعل ذلك, فإنه لا يفيدهم شيئا. <br> | |
وهذا قطع لطمعه في هداية أشباه هؤلاء المعاندين. <br> | |
" وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى " ولكن | |
حكمته تعالى, اقتضت أنهم يبقون على الضلال. <br> | |
" فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ " الذين | |
لا يعرفون حقائق الأمور, ولا ينزلونها على منازلها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون | |
" </h1> | |
<p>يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا | |
يَسْتَجِيبُ " لدعوتك, ويلبي رسالتك, وينقاد لأمرك ونهيك " الَّذِينَ يَسْمَعُونَ " بقلوبهم, ما ينفعهم وهم أولو | |
الألباب والأسماع. <br> | |
والمراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة, وإلا فمجرد سماع الأذن, يشترك فيه | |
البر والفاجر. <br> | |
فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى, باستماع آياته, فلم يبق لهم عذر, في | |
عدم القبول. <br> | |
" وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ | |
يُرْجَعُونَ " يحتمل أن المعنى, مقابل للمعنى المذكور. <br> | |
أي: إنما يستجيب لك, أحياء القلوب وأما أموات القلوب, الذين لا يشعرون بسعادتهم, | |
ولا يحسون بما ينجيهم, فإنهم لا يستجيبون ذلك, ولا ينقادون, وموعدهم يوم القيامة, | |
يبعثهم الله, ثم إليه يرجعون. <br> | |
ويحتمل أن المراد بالآية, على ظاهرها, وأن الله تعالى يقرر المعاد, وأنه سيبعث | |
الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. <br> | |
ويكون هذا, متضمنا للترغيب في الاستجابة, لله ورسوله, والترهيب من عدم ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل | |
آية ولكن أكثرهم لا يعلمون " </h1> | |
<p><span dir=RTL>" وَقَالُوا | |
" </span>أي: المكذبون بال |