<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة يونس - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p> </p> | |
<p><h1>" الر تلك آيات الكتاب الحكيم " </h1></p> | |
<p>يقول | |
تعالى " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ " وهو هذا القرآن, | |
المشتمل على الحكمة والأحكام, الدالة آياته على الحقائق الإيمانية, والأوامر | |
والنواهي الشرعية, الذي على جميع الأمة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر | |
الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين " </h1> | |
<p>ومع هذا, فأعرض أكثرهم, فهم لا يعلمون, | |
فتعجبوا " أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ | |
أَنْذِرِ النَّاسَ " عذاب الله, وخوفهم نقم الله, وذكرهم بآيات الله. <br> | |
" وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا " إيمانا صادقا " أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ " أي: | |
لهم جزاء موفور, وثواب مذخور عند ربهم, بما قدموه, وأسلفوه من الأعمال الصالحة | |
الصادقة. <br> | |
فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا, حملهم على الكفر به. <br> | |
" قَالَ الْكَافِرُونَ " عنه: " | |
إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ " أي: بين السحر, لا يخفى - بزعمهم - | |
على أحد, وهذا من سفههم وعنادهم. <br> | |
فإنهم تعجبوا من أمر, ليس مما يتعجب منه, ويستغرب. <br> | |
وإنما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم. <br> | |
كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم, الذي بعثه الله من أنفسهم, يعرفونه حق المعرفة, | |
فردوا دعوته, وحرصوا على إبطال دينه, والله متم نوره, ولو كره الكافرون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى | |
على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا | |
تذكرون " </h1> | |
<p>يقول تعالى - مبينا لربوبيته, وإلهيته, | |
وعظمته:- " إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ | |
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ " مع أنه قادر على | |
خلقها في لحظة واحدة. <br> | |
ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية, ولأنه رفيق في أفعاله. <br> | |
ومن جملة حكمته فيها, أنه خلقها بالحق وللحق, ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد | |
بالعبادة. <br> | |
" ثُمَّ " بعد خلق السماوات والأرض " اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " استواء يليق بعظمته. <br> | |
" يُدَبِّرُ الْأَمْرَ " في العالم العلوي, | |
والسفلي, من الإماتة والإحياء, وإنزال الأرزاق, ومداولة الأيام بين الناس, وكشف | |
الضر عن المضرورين, وإجابة سؤال السائلين. <br> | |
فأنواع التدابير, نازلة منه, وصاعدة إليه, وجميع الخلق, مذعنون لعزته, خاضعون | |
لعظمته وسلطانه. <br> | |
" مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ " فلا | |
يقدم أحد منهم على الشفاعة, ولو كان أفضل الخلق, حتى يأذن الله. <br> | |
ولا يأذن, إلا لمن ارتضى, ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له. <br> | |
" ذَلِكُمْ " الذي هذا شأنه " | |
اللَّهُ رَبُّكُمْ " أي: هو الله الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات | |
الكمال, ووصف الربوبية, الجامع لصفات الأفعال. <br> | |
" فَاعْبُدُوهُ " أي: أفردوه بجميع ما تقدرون | |
عليه من أنواع العبودية. <br> | |
" أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " الأدلة الدالة, على أنه | |
وحده, المعبود المحمود, ذو الجلال والإكرام. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي | |
الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما | |
كانوا يكفرون " </h1> | |
<p>فلما ذكر حكمه القدري, وهو التدبير العام, وحكمه الديني, وهو شرعه, | |
الذي مضمونه ومقصوده, عبادته وحده لا شريك له, ذكر الحكم الجزئي, وهو: مجازاته على | |
الأعمال بعد الموت, فقال: " إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا | |
" أي: سيجمعكم بعد موتكم, لميقات يوم معلوم. <br> | |
" وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا " أي: وعده صادق, لا بد | |
من إتمامه " إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ | |
" . <br> | |
فالقادر على ابتداء الخلق, قادر على إعادته. <br> | |
والذي يرى ابتداءه بالخلق, ثم ينكر إعادته للخلق, فهو فاقد العقل, منكر لأحد | |
المثلين, مع إثبات ما هو أولى منه, فهدا دليل عقلي واضح, على المعاد. <br> | |
ثم ذكر الدليل النقلي فقال: " لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا | |
" بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به. <br> | |
" وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " بجوارحهم, من | |
واجبات, ومستحبات. <br> | |
" بِالْقِسْطِ " أي: بإيمانهم وأعمالهم, جزاء قد | |
بينه لعباده, وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين. <br> | |
" وَالَّذِينَ كَفَرُوا " بآيات الله, وكذبوا رسل | |
الله. <br> | |
" لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ " أي: ماء حار, | |
يشوي الوجوه, ويقطع الأمعاء. <br> | |
" وَعَذَابٌ أَلِيمٌ " من سائر أصناف العذاب " بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ " . <br> | |
أي: بسبب كفرهم وظلمهم, وما ظلمهم الله, ولكن أنفسهم يظلمون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد | |
السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون " </h1> | |
<p>لما قرر ربوبيته وإلهيته, ذكر الأدلة | |
العقلية الأفقية, الدالة على ذلك وعلى كماله, في أسمائه وصفاته, من الشمس والقمر, | |
والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما, من سائر أصناف المخلوقات, وأخبر أنها آيات " لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " و " | |
لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ " . <br> | |
فإن العلم, يهدي إلى معرفة الدلالة فيها, وكيفية استنباط الدلائل, على أقرب وجه. <br> | |
والتقوى, تحدث في القلب, الرغبة في الخير, والرهبة من الشر, الناشئين عن الأدلة | |
والبراهين; وعن العلم واليقين. <br> | |
وحاصل ذلك, أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة, دال على كمال قدرة الله تعالى, | |
وعلمه, وحياته, وقيوميته. <br> | |
وما فيها من الأحكام, والإتقان, والإبداع والحسن, دال على كمال حكمة الله, وحسن | |
خلقه, وسعة علمه. <br> | |
وما فيها, من أنواع المنافع والمصالح - كجعل الشمس ضياء, والقمر نورا, يحصل بهما | |
من النفع الضروري وغيره مما يحصل - يدل ذلك على رحمة الله تعالى, واعتنائه بعباده, | |
وسعة بره, وإحسانه. <br> | |
وما فيها من التخصيصات, دال على مشيئة الله, وإرادته النافذة. <br> | |
وذلك دال على أنه وحده, المعبود, والمحبوب المحمود, ذو الجلال والإكرام, والأوصاف | |
العظام, الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة, إلا إليه, ولا يصرف خالص الدعاء, إلا له, | |
لا لغيره, من المخلوقات المربوبات, المفتقرات إلى الله, في جميع شئونها. <br> | |
وفي هذه الآيات: الحث والترغيب, على التفكير في مخلوقات الله, والنظر فيها, بعين | |
الاعتبار. <br> | |
فإن بذلك تنفسح البصيرة, ويزداد الإيمان والعقل, وتقوى القريحة. <br> | |
وفي إهمال ذلك, تهاون بما أمر الله به, وإغلاق لزيادة الإيمان, وجمود للذهن | |
والقريحة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها | |
والذين هم عن آياتنا غافلون " </h1> | |
<p>يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ | |
لِقَاءَنَا " أي: لا يطمعون بلقاء الله, الذي هو أكبر ما طمع فيه | |
الطامعون; وأعلى ما أمله المؤملون. <br> | |
بل أعرضوا ذلك, وربما كذبوا به " وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ | |
الدُّنْيَا " بدلا عن الآخرة. <br> | |
" وَاطْمَأَنُّوا بِهَا " أي: ركنوا إليها, | |
وجعلوها غاية أمرهم, ونهاية قصد. <br> | |
فسعوا لها, وأكبوا على لذاتها وشهواتها, بأي طريق حصلت, حصلوها, ومن أي وجه لاحت, | |
ابتدروها. <br> | |
قد صرفوا إرادتهم ونياتهم, وأفكارهم, وأعمالهم, إليها. <br> | |
فكأنهم خلقوا للبقاء فيها, وكأنها ليست بدار ممر, يتزود فيها المسافرون, إلى الدار | |
الباقية التي, إليها, يرحل الأولون والآخرون, وإلى نعيمها ولذاتها, شمر الموفقون. <br> | |
" وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ " فلا | |
ينتفعون بالآيات القرآنية, ولا بالآيات الأفقية والنفسية. <br> | |
والإعراض عن الدليل, مستلزم للإعراض والغفلة, عن المدلول المقصود. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون " </h1> | |
<p>" أُولَئِكَ " الذين هذا | |
وصفهم " مَأْوَاهُمُ النَّارُ " أي: مقرهم ومسكنهم, | |
التي لا يرحلون عنها. <br> | |
" بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " من الكفر والشرك, | |
وأنواع المعاصي. <br> | |
فلما ذكر عقابهم, ذكر ثواب المطيعين فقال: " إِنَّ الَّذِينَ | |
آمَنُوا " إلى " أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ | |
الْعَالَمِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من | |
تحتهم الأنهار في جنات النعيم " </h1> | |
<p>يقول تعالى " إِنَّ | |
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " أي: جمعوا بين الإيمان, | |
والقيام بموجبه ومقتضاه, من الأعمال الصالحة, المشتملة على أعمال القلوب, وأعمال | |
الجوارح, على وجه الإخلاص والمتابعة. <br> | |
" يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ " أي: | |
بسبب ما معهم من الإيمان, يتيبهم الله أعظم الثواب, وهو: الهداية. <br> | |
فيعلمهم ما ينفعهم, ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية, ويهديهم للنظر في | |
آياته, ويهديهم في هذه الدار, إلى الصراط المستقيم, وفي دار الجزاء إلى الصراط | |
الموصل إلى جنات النعيم. <br> | |
ولهذا قال: " تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ " الجارية | |
على الدوام " فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " . <br> | |
أضافها الله إلى النعيم, لاشتمالها على النعيم التام. <br> | |
نعيم القلب بالفرح والسرور, والبهجة والحبور, ورؤية الرحمن, وسماع كلامه, والاغتباط | |
برضاه وقربه, ولقاء الأحبة والإخوان, والتمتع بالاجتماع بهم, وسماع الأصوات | |
المطربات, والنغمات المشجيات, والمناظر المفرحات. <br> | |
ونعيم البدن بأنواع المآكل, والمشارب, والمناكح, ونحو ذلك, مما لا تعلمه النفوس, | |
ولا خطر ببال أحد, أو قدر أن يصفه الواصفون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن | |
الحمد لله رب العالمين " </h1> | |
<p>" دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ " أي عبادتهم فيها لله, أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض, وآخرها, | |
تحميد لله, فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء. <br> | |
وإنما بقي لهم, أكمل اللذات, الذي هو ألذ عليهم, من المآكل اللذيذة. <br> | |
ألا وهو: ذكر الله الذي تطمئن به القلوب, وتفرح به الأرواح. <br> | |
وهو لهم بمنزلة النفس, من دون كلفة ومشقة. <br> | |
أما " وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا " فيما بينهم عند | |
التلاقي والتزاور, فهو السلام, أي: كلام سالم من اللغو والإثم, موصوف بأنه " سَلَامٌ " . <br> | |
وقد قيل في تفسير قوله " دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ | |
" إلى آخر الآية. <br> | |
أن أهل الجنة - إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما - قالوا سبحانك اللهم, | |
فأحضر لهم في الحال. <br> | |
" وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ " إذا فرغوا " أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم | |
فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون " </h1> | |
<p>وهذا من لطفه وإحسانه بعباده, أنه لو عجل | |
لهم الشر, إذا أتوا بأسبابه, وبادرهم بالعقوبة على ذلك, كما يعجل لهم الخير إذا | |
أتوا بأسبابه " لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ " أي | |
لمحقتهم العقوبة. <br> | |
ولكنه تعالى, يمهلهم, ولا يهملهم, ويعفو عن كثير من حقوقه. <br> | |
فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم, ما ترك على ظهرها من دابة. <br> | |
ويدخل في هذا, أن العبد إذا غضب على أولاده, أو أهله, أو ماله, ربما دعا عليهم | |
دعوة, لو قبلت منه, لهلكوا, ولأضره ذلك غاية الضرر, ولكنه تعالى, حليم حكيم. <br> | |
وقوله: " فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا " | |
أي: لا يؤمنون بالآخرة, فلذلك لا يستعدون لها, ولا يعلمون ما ينجيهم من | |
عذاب الله. <br> | |
" فِي طُغْيَانِهِمْ " أي: باطلهم, الذي جاوزوا | |
به الحق والحد. <br> | |
" يَعْمَهُونَ " يترددون حائرين, لا يهتدون | |
السبيل, ولا يوفقون لأقوم دليل. <br> | |
وذلك عقوبة لهم على ظلمهم, وكفرهم بآيات الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا | |
عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون " </h1> | |
<p>وهذا إخبار عن طبيعة الإنسان, من حيث هو, | |
وأنه إذا مسه ضر, من مرض, أو مصيبة, اجتهد في الدعاء, وسأل الله في جميع أحواله, قائما, | |
وقاعدا, ومضطجعا, وألح في الدعاء, ليكشف الله عنه ضره. <br> | |
" فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ | |
يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ " أي: استمر في غفلته, معرضا عن ربه, | |
كأنه ما جاءه ضر, فكشفه الله عنه. <br> | |
فأي ظلم أعظم من هذا الظلم؟!! يطلب من الله قضاء غرضه. <br> | |
فإذا أناله إياه, لم ينظر إلى حق ربه, وكأنه ليس عليه لله حق. <br> | |
وهذا تزيين من الشيطان, زين له ما كان مستهجنا مستقبحا في العقول والفطر. <br> | |
" كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ " أي: | |
المتجاوزين للحد " مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات | |
وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين " </h1> | |
<p>يخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية, بظلمهم | |
وكفرهم, بعد ما جاءتهم البينات, على أيدي الرسل, وتبين الحق, فلم ينقادوا لها, ولم | |
يؤمنوا. <br> | |
فأحل بهم عقابه, الذي لا يرد عن كل مجرم, متجرئ على محارم الله. <br> | |
وهذه سنته في جميع الأمم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون " </h1> | |
<p>" ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ " أي: المخاطبين " خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ | |
بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " فإن أنتم اعتبرتم, | |
واتعظتم بمن قبلكم, واتبعتم آيات الله, وصدقتم رسله, نجوتم في الدنيا والآخرة. <br> | |
وإن فعلتم كفعل الظالمين قبلكم, أحل بكم ما أحل بهم, ومن أنذر فقد أعذر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت | |
بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى | |
إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " </h1> | |
<p>يذكر تعالى, تعنت المكذبين لرسوله محمد صلى | |
الله عليه وسلم, وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق, أعرضوا | |
عنها, وطلبوا وجوه التعنت فقالوا, جراءة منهم وظلما: " ائْتِ | |
بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ " فقبحهم الله, ما أجرأهم على | |
الله, وأشدهم ظلما, وردا لآياته. <br> | |
فإذا كان الرسول العظيم, يأمره الله, أن يقول لهم: " قُلْ مَا | |
يَكُونُ لِي " أي ما ينبغي, ولا يليق بي " أَنْ | |
أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي " . <br> | |
فإني رسول محض, ليس لي من الأمر شيء. <br> | |
" إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ " أي: | |
ليس لي غير ذلك, فإني عبد مأمور. <br> | |
" إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ | |
عَظِيمٍ " . <br> | |
فهذا قول خير الخلق, وأدبه مع أوامر ربه ووحيه. <br> | |
فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين, الذين جمعوا بين الجهل والضلال, والظلم والعناد, | |
والتعنت والتعجيز لرب العالمين, أفلا يخافون عذاب يوم عظيم؟!!. <br> | |
فإن زعموا أن قصدهم, أن يتبين لهم الحق بالآيات, التي طلبوا, فهم كذبة في ذلك. <br> | |
فإن الله قد بين من الآيات, ما يؤمن على مثله, البشر. <br> | |
وهو الذي يصرفها كيف يشاء, تبعا لحكمته الربانية, ورحمته بعباده. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم | |
عمرا من قبله أفلا تعقلون " </h1> | |
<p>" قُلْ | |
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ | |
لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا " طويلا " مِنْ قَبْلِهِ " أي: قبل تلاوته, وقبل درايتكم به, | |
وأنا ما خطر على بالي, ولا وقع في ظني. <br> | |
" أَفَلَا تَعْقِلُونَ " أني, حيث لم أتله في مدة | |
عمري, ولا صدر مني, ما يدل على ذلك. <br> | |
فكيف أتقوله بعد ذلك, وقد لبثت فيكم عمرا طويلا, تعرفون حقيقة حالي, بأني أمي, لا | |
أقرأ, ولا أكتب, ولا أدرس, ولا أتعلم من أحد؟!! فأتيتكم بكتاب عظيم, أعجز الفصحاء, | |
وأعيا العلماء. <br> | |
فهل يمكن - مع هذا - أن يكون من تلقاء نفسي, أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم | |
حميد؟ فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم, وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب, لجزمتم جزما لا | |
يقبل الريب بصدقه, وأنه الحق, الذي ليس بعده, إلا الضلال. <br> | |
ولكن إذا أبيتم إلا التكذيب والعناد, فأنتم لا شك أنكم ظالمون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح | |
المجرمون " </h1> | |
<p>" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا | |
أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ " فلو كنت متقولا, | |
لكنت أظلم الناس, وفاتني الفلاح, ولم تخف عليكم حالي. <br> | |
ولكني جئتكم بآيات الله, فكذبتم بها, فتعين فيكم الظلم. <br> | |
ولا بد أن أمركم سيضمحل, ولن تنالوا الفلاح, ما دمتم كذلك. <br> | |
ودل قوله " قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا " الآية, | |
أن الذي حملهم على هذا التعنت, الذي صدر منهم, هو عدم إيمانهم بلقاء الله, وعدم | |
رجائه, وأن من آمن بلقاء الله, فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب, ويؤمن به, لأنه حسن | |
القصد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء | |
شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه | |
وتعالى عما يشركون " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " وَيَعْبُدُونَ " أي: | |
المشركون المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم. <br> | |
" مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ | |
" أي: إن معبوداتهم, لا تملك لهم مثقال ذرة, من النفع, ولا تدفع عنهم | |
شيئا. <br> | |
" وَيَقُولُونَ " قولا خاليا من البرهان: " هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ " أي: | |
يعبدونهم, ليقربوهم إلى الله, ويشفعوا لهم عنده. <br> | |
وهذا قول من تلقاء أنفسهم, وكلام, ابتكروه, هم. <br> | |
ولهذا قال تعالى - مبطلا لهذا القول:- " قُلْ أَتُنَبِّئُونَ | |
اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ " . | |
<br> | |
أي: الله تعالى هو العالم, الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض, وقد | |
أخبركم, بأنه ليس له شريك ولا إله معه. <br> | |
أفأنتم- يا معشر المشركين - تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟. <br> | |
أفتخبرونه بأمر خفي عليه, وعلمتوه؟ أأنتم أعلم أم الله؟ فهل يوجد قول أبطل من هذا | |
القول, المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء, أعلم من رب العالمين؟ فليكتف | |
العاقل بمجرد تصور هذا القول, فإنه يجزم بفساده وبطلانه. <br> | |
" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي: | |
تقدس وتنزه, أن يكون له شريك أو نظير. <br> | |
بل هو الله الأحد الفرد الصمد, الذي لا إله, في السماوات والأرض, إلا هو. <br> | |
وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه, فإنه باطل عقلا, وشرعا, وفطرة. <br> | |
" ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا | |
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ | |
الْكَبِيرُ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك | |
لقضي بينهم فيما فيه يختلفون " </h1> | |
<p>أي " وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً | |
وَاحِدَةً " متفقين على الدين الصحيح, ولكنهم اختلفوا. <br> | |
فبعث الله الرسل, مبشرين ومنذرين, وأنزل معهم الكتاب, ليحكم بين الناس فيما | |
اختلفوا فيه. <br> | |
" وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ " بإمهال | |
العاصين, وعدم معاجلتهم بذنوبهم. <br> | |
" لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ " بأن ننجي المؤمنين, | |
ونهلك الكافرين المكذبين, وصار هذا فارقا بينهم " فِيمَا | |
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " . <br> | |
ولكنه, أراد امتحانهم, وابتلاء بعضهم ببعض, ليتبين الصادق من الكاذب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا | |
إني معكم من المنتظرين " </h1> | |
<p>" وَيَقُولُونَ " أي: | |
المكذبون المتعنتون, " لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ | |
رَبِّهِ " . <br> | |
يعنون: آيات الاقتراح, التي يعينونها, كقولهم " لَوْلَا | |
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا " الآيات. <br> | |
وكقولهم " وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ | |
لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا " الآيات (90 إلى 93) من سورة | |
الإسراء. <br> | |
" فَقُلْ " لهم إذا طلبوا منك آية " إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ " أي: هو المحيط علما | |
بأحوال العباد, فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم, وحكمته البديعة, وليس لأحد تدبير في | |
حكم ولا دليل, ولا غاية, ولا تعليل. <br> | |
" فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ | |
" أي: كل ينتظر بصاحبه, ما هو أهل له, فانظروا لمن تكون العاقبة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا | |
قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " وَإِذَا | |
أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ " كالصحة | |
بعد المرض, والغنى بعد الفقر, والأمن بعد الخوف, نسوا ما أصابهم من الضراء, ولم | |
يشكروا الله على الرخاء والرحمة, بل استمروا في طغيانهم ومكرهم. <br> | |
ولهذا قال: " إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا " أي | |
يسعون بالباطل, ليبطلوا به الحق. <br> | |
" قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا " فإن المكر | |
السيئ, لا يحيق إلا بأهله. <br> | |
فمقصودهم منعكس عليهم, ولم يسلموا من التبعة, بل تكتب الملائكة عليهم, ما يعملون, | |
ويحصيه الله, ثم يجازيهم عليه أوفر الجزاء. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم | |
بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط | |
بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين " </h1> | |
<p>لما ذكر تعالى, القاعدة العامة في أحوال الناس, عند إصابة الرحمة لهم, | |
بعد الضراء, واليسر بعد العسر, ذكر حالة, تؤيد ذلك, وهي: حالهم في البحر, عند | |
اشتداده, والخوف من عواقبه. <br> | |
فقال: " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ | |
" بما يسر لكم من الأسباب الميسرة لكم فيها, وهداكم إليها. <br> | |
" حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ " أي: | |
السفن البحرية " وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ " موافقة | |
لما يهوونه, من غير انزعاج ولا مشقة. <br> | |
" وَفَرِحُوا بِهَا " واطمأنوا إليها. <br> | |
فبينما هم كذلك, " جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ " شديدة | |
الهبوب " وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا | |
أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ " أي: عرفوا أنه الهلاك. <br> | |
فانقطع حينئذ, تعلقهم بالمخلوقين, وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله | |
وحده. <br> | |
وحينئذ " دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " ووعدوا | |
من أنفسهم على وجه الإلزام. <br> | |
فقالوا: " لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ | |
مِنَ الشَّاكِرِينَ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس | |
إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم | |
تعملون " </h1> | |
<p>" فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ | |
بِغَيْرِ الْحَقِّ " أي نسوا تلك الشدة وذلك | |
الدعاء, وما ألزموه أنفسهم, فأشركوا بالله, من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد, | |
ولا يدفع عنهم المضايق. <br> | |
فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء, كما أخلصوها في الشدة؟!!. <br> | |
ولكن هذا البغي, يعود وباله عليهم, ولهذا قال: " يَا أَيُّهَا | |
النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا | |
" أي: غاية ما تؤملون ببغيكم, وشرودكم عن الإخلاص لله, أن تنالوا شيئا | |
من حطام الدنيا وجاهها, النزر اليسير, الذي سينقضي سريعا, ويمضي جميعا, ثم تنتقلون | |
عنه بالرغم. <br> | |
" ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ " في يوم القيامة | |
" فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " وفي | |
هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات | |
الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم | |
قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك | |
نفصل الآيات لقوم يتفكرون " </h1> | |
<p>وهذا المثل من أحسن الأمثلة, وهو مطابق لحالة الدنيا. <br> | |
فإن لذاتها, وشهواتها, وجاهها, ونحو ذلك, يزهو لصاحبه, إن زها وقتا قصيرا. <br> | |
فإذا استكمل وتم, اضمحل, وزال عن صاحبه, أو زال صاحبه عنه. <br> | |
فأصبح صفر اليدين منها, ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها. <br> | |
فذلك " كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ | |
بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ " أي: نبت فيها من كل صنف, وزوج بهيج " مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ " كالحبوب والثمار ومما | |
تأكل " الْأَنْعَامِ " كأنواع العشب, والكلأ | |
المختلف الأصناف. <br> | |
" حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ | |
" أي: تزخرفت في منظرها, واكتست في زينتها, فصارت بهجة للناظرين, | |
ونزهة للمتفرجين, وآية للمتبصرين. <br> | |
فصرت ترى لها منظرا عجيبا ما بين أخضر, وأصفر, وأبيض وغيره. <br> | |
" وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " أي: | |
حصل معهم طمع, بأن ذلك سيستمر ويدوم, لوقوف إرادتهم عنده, وانتهاء مطالبهم فيه. <br> | |
فبينما في تلك الحالة " أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ | |
نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ " أي: | |
كأنها ما كانت. <br> | |
فهذه حالة الدنيا, سواء بسواء. <br> | |
" كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ " أي: نبينها | |
ونوضحها, بتقريب المعاني إلى الأذهان, وضرب الأمثال " | |
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم. <br> | |
وأما الغافل المعرض, فهذا لا تنفعه الآيات, ولا يزيل عنه الشك البيان. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم | |
" </h1> | |
<p>ولما ذكر الله حال الدنيا, وحاصل نعيمها, شوق إلى الدار الباقية فقال: " وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ " إلى " وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " . <br> | |
عمم تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام, والحث على ذلك, والترغيب. <br> | |
وخص بالهداية, من شاء استخلاصه واصطفاءه. <br> | |
فهذا فضله وإحسانه, والله يختص برحمته من يشاء. <br> | |
وذلك عدله وحكمته, وليس لأحد عليه حجة, بعد البيان والرسل. <br> | |
وسمى الله الجنة " دار السلام " لسلامتها من جميع | |
الآفات والنقائص. <br> | |
وذلك, لكمال نعيمها, وتمامه, وبقائه, وحسنه من كل وجه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك | |
أصحاب الجنة هم فيها خالدون " </h1> | |
<p>ولما دعا إلى دار السلام, كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها, | |
الموصلة إليها, أخبر عنها بقوله: " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا | |
الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق, بأن | |
عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة, في عبوديته, وقاموا بما قدروا عليه منها, | |
وأحسنوا إلى عباد الله, بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي, من بذل | |
الإحسان المالي, والإحسان البدني, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وتعليم | |
الجاهلين, ونصيحة المعرضين, وغير ذلك من وجوه البر والإحسان. <br> | |
فهؤلاء الذين أحسنوا, لهم " الحسنى " وهي: الجنة | |
الكاملة في حسنها و " زيادة " وهي: النظر إلى وجه | |
الله الكريم, وسماع كلامه, والفوز برضاه والبهجة بقربه. <br> | |
فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون, ويسأله السائلون. <br> | |
ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال: " وَلَا يَرْهَقُ | |
وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ " . <br> | |
أي: لا ينالهم مكروه, بوجه من الوجوه, لأن المكروه, إذا وقع بالإنسان. <br> | |
تبين ذلك في وجهه, وتغير, وتكدر. <br> | |
وأما هؤلاء - فكما قال الله عنهم - " تَعْرِفُ فِي | |
وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ " . <br> | |
" أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ " الملازمون | |
لها " هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " لا يحولون, ولا | |
يزولون, ولا يتغيرون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من | |
الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها | |
خالدون " </h1> | |
<p>لما ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار. <br> | |
فذكر أن بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الأعمال السيئة المسخطة لله, من أنواع | |
الكفر والتكذيب, وصناف المعاصي. <br> | |
فـ " جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا " أي: جزاء | |
يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات على اختلاف أحوالهم. <br> | |
" وَتَرْهَقُهُمْ " أي تغشاهم " | |
ذِلَّةٌ " في قلوبهم وخوف من عذاب الله. <br> | |
لا يدفعه عنهم دافع ولا يعصمهم منه عاصم. <br> | |
وتسري تلك الذلة الباطنة إلى ظاهرهم, فتكون سوادا في وجوههم. <br> | |
" كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ | |
مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " فكم | |
بين الفريقين من الفرق, ويا بعد ما بينهما من التفاوت؟! " | |
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ | |
بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ " " وُجُوهٌ | |
يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا | |
غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ " . | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم | |
فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون " </h1> | |
<p>يقول تعالى " وَيَوْمَ | |
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا " أي: نجمع جميع الخلائق, لميعاد يوم معلوم, | |
ونحضر المشركين, وما كانوا يعبدون من دون الله. <br> | |
" ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ | |
وَشُرَكَاؤُكُمْ " أي: الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم | |
وبينهم. <br> | |
" فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ " أي: فرقنا بينهم, | |
بالبعد البدني والقلبي. <br> | |
فحصلت بينهم العداوة الشديدة, بعد أن بذلوا لهم في الدنيا, خالص المحبة, وصفو | |
الوداد. <br> | |
فانقلبت تلك المحبة والولاية, بغضا وعداوة. <br> | |
" وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ " متبرئين منهم: " مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ " فإننا ننزه | |
الله أن يكون له شريك, أو نديد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافل |