تفسير سورة يونس

رجوع
 
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة يونس - تفسير السعدي</h1>
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p>&nbsp;</p>
  
 <p><h1>&quot; الر تلك آيات الكتاب الحكيم &quot; </h1></p>
  
 <p>يقول
 تعالى &quot; الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ &quot; وهو هذا القرآن,
 المشتمل على الحكمة والأحكام, الدالة آياته على الحقائق الإيمانية, والأوامر
 والنواهي الشرعية, الذي على جميع الأمة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر
 الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين &quot; </h1>
  
 <p>ومع هذا, فأعرض أكثرهم, فهم لا يعلمون,
 فتعجبوا &quot; أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ
 أَنْذِرِ النَّاسَ &quot; عذاب الله, وخوفهم نقم الله, وذكرهم بآيات الله. <br>
 &quot; وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا &quot; إيمانا صادقا &quot; أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ &quot; أي:
 لهم جزاء موفور, وثواب مذخور عند ربهم, بما قدموه, وأسلفوه من الأعمال الصالحة
 الصادقة. <br>
 فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا, حملهم على الكفر به. <br>
 &quot; قَالَ الْكَافِرُونَ &quot; عنه: &quot;
 إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ &quot; أي: بين السحر, لا يخفى - بزعمهم -
 على أحد, وهذا من سفههم وعنادهم. <br>
 فإنهم تعجبوا من أمر, ليس مما يتعجب منه, ويستغرب. <br>
 وإنما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم. <br>
 كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم, الذي بعثه الله من أنفسهم, يعرفونه حق المعرفة,
 فردوا دعوته, وحرصوا على إبطال دينه, والله متم نوره, ولو كره الكافرون. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى
 على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا
 تذكرون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى - مبينا لربوبيته, وإلهيته,
 وعظمته:- &quot; إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
 السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ &quot; مع أنه قادر على
 خلقها في لحظة واحدة. <br>
 ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية, ولأنه رفيق في أفعاله. <br>
 ومن جملة حكمته فيها, أنه خلقها بالحق وللحق, ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد
 بالعبادة. <br>
 &quot; ثُمَّ &quot; بعد خلق السماوات والأرض &quot; اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ &quot; استواء يليق بعظمته. <br>
 &quot; يُدَبِّرُ الْأَمْرَ &quot; في العالم العلوي,
 والسفلي, من الإماتة والإحياء, وإنزال الأرزاق, ومداولة الأيام بين الناس, وكشف
 الضر عن المضرورين, وإجابة سؤال السائلين. <br>
 فأنواع التدابير, نازلة منه, وصاعدة إليه, وجميع الخلق, مذعنون لعزته, خاضعون
 لعظمته وسلطانه. <br>
 &quot; مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ &quot; فلا
 يقدم أحد منهم على الشفاعة, ولو كان أفضل الخلق, حتى يأذن الله. <br>
 ولا يأذن, إلا لمن ارتضى, ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له. <br>
 &quot; ذَلِكُمْ &quot; الذي هذا شأنه &quot;
 اللَّهُ رَبُّكُمْ &quot; أي: هو الله الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات
 الكمال, ووصف الربوبية, الجامع لصفات الأفعال. <br>
 &quot; فَاعْبُدُوهُ &quot; أي: أفردوه بجميع ما تقدرون
 عليه من أنواع العبودية. <br>
 &quot; أَفَلَا تَذَكَّرُونَ &quot; الأدلة الدالة, على أنه
 وحده, المعبود المحمود, ذو الجلال والإكرام. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي
 الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما
 كانوا يكفرون &quot; </h1>
  
 <p>فلما ذكر حكمه القدري, وهو التدبير العام, وحكمه الديني, وهو شرعه,
 الذي مضمونه ومقصوده, عبادته وحده لا شريك له, ذكر الحكم الجزئي, وهو: مجازاته على
 الأعمال بعد الموت, فقال: &quot; إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا
 &quot; أي: سيجمعكم بعد موتكم, لميقات يوم معلوم. <br>
 &quot; وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا &quot; أي: وعده صادق, لا بد
 من إتمامه &quot; إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
 &quot; . <br>
 فالقادر على ابتداء الخلق, قادر على إعادته. <br>
 والذي يرى ابتداءه بالخلق, ثم ينكر إعادته للخلق, فهو فاقد العقل, منكر لأحد
 المثلين, مع إثبات ما هو أولى منه, فهدا دليل عقلي واضح, على المعاد. <br>
 ثم ذكر الدليل النقلي فقال: &quot; لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
 &quot; بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به. <br>
 &quot; وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ &quot; بجوارحهم, من
 واجبات, ومستحبات. <br>
 &quot; بِالْقِسْطِ &quot; أي: بإيمانهم وأعمالهم, جزاء قد
 بينه لعباده, وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين. <br>
 &quot; وَالَّذِينَ كَفَرُوا &quot; بآيات الله, وكذبوا رسل
 الله. <br>
 &quot; لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ &quot; أي: ماء حار,
 يشوي الوجوه, ويقطع الأمعاء. <br>
 &quot; وَعَذَابٌ أَلِيمٌ &quot; من سائر أصناف العذاب &quot; بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ &quot; . <br>
 أي: بسبب كفرهم وظلمهم, وما ظلمهم الله, ولكن أنفسهم يظلمون. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد
 السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون &quot; </h1>
  
 <p>لما قرر ربوبيته وإلهيته, ذكر الأدلة
 العقلية الأفقية, الدالة على ذلك وعلى كماله, في أسمائه وصفاته, من الشمس والقمر,
 والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما, من سائر أصناف المخلوقات, وأخبر أنها آيات &quot; لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ &quot; و &quot;
 لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ &quot; . <br>
 فإن العلم, يهدي إلى معرفة الدلالة فيها, وكيفية استنباط الدلائل, على أقرب وجه. <br>
 والتقوى, تحدث في القلب, الرغبة في الخير, والرهبة من الشر, الناشئين عن الأدلة
 والبراهين; وعن العلم واليقين. <br>
 وحاصل ذلك, أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة, دال على كمال قدرة الله تعالى,
 وعلمه, وحياته, وقيوميته. <br>
 وما فيها من الأحكام, والإتقان, والإبداع والحسن, دال على كمال حكمة الله, وحسن
 خلقه, وسعة علمه. <br>
 وما فيها, من أنواع المنافع والمصالح - كجعل الشمس ضياء, والقمر نورا, يحصل بهما
 من النفع الضروري وغيره مما يحصل - يدل ذلك على رحمة الله تعالى, واعتنائه بعباده,
 وسعة بره, وإحسانه. <br>
 وما فيها من التخصيصات, دال على مشيئة الله, وإرادته النافذة. <br>
 وذلك دال على أنه وحده, المعبود, والمحبوب المحمود, ذو الجلال والإكرام, والأوصاف
 العظام, الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة, إلا إليه, ولا يصرف خالص الدعاء, إلا له,
 لا لغيره, من المخلوقات المربوبات, المفتقرات إلى الله, في جميع شئونها. <br>
 وفي هذه الآيات: الحث والترغيب, على التفكير في مخلوقات الله, والنظر فيها, بعين
 الاعتبار. <br>
 فإن بذلك تنفسح البصيرة, ويزداد الإيمان والعقل, وتقوى القريحة. <br>
 وفي إهمال ذلك, تهاون بما أمر الله به, وإغلاق لزيادة الإيمان, وجمود للذهن
 والقريحة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها
 والذين هم عن آياتنا غافلون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى &quot; إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ
 لِقَاءَنَا &quot; أي: لا يطمعون بلقاء الله, الذي هو أكبر ما طمع فيه
 الطامعون; وأعلى ما أمله المؤملون. <br>
 بل أعرضوا ذلك, وربما كذبوا به &quot; وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ
 الدُّنْيَا &quot; بدلا عن الآخرة. <br>
 &quot; وَاطْمَأَنُّوا بِهَا &quot; أي: ركنوا إليها,
 وجعلوها غاية أمرهم, ونهاية قصد. <br>
 فسعوا لها, وأكبوا على لذاتها وشهواتها, بأي طريق حصلت, حصلوها, ومن أي وجه لاحت,
 ابتدروها. <br>
 قد صرفوا إرادتهم ونياتهم, وأفكارهم, وأعمالهم, إليها. <br>
 فكأنهم خلقوا للبقاء فيها, وكأنها ليست بدار ممر, يتزود فيها المسافرون, إلى الدار
 الباقية التي, إليها, يرحل الأولون والآخرون, وإلى نعيمها ولذاتها, شمر الموفقون. <br>
 &quot; وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ &quot; فلا
 ينتفعون بالآيات القرآنية, ولا بالآيات الأفقية والنفسية. <br>
 والإعراض عن الدليل, مستلزم للإعراض والغفلة, عن المدلول المقصود. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; أُولَئِكَ &quot; الذين هذا
 وصفهم &quot; مَأْوَاهُمُ النَّارُ &quot; أي: مقرهم ومسكنهم,
 التي لا يرحلون عنها. <br>
 &quot; بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ &quot; من الكفر والشرك,
 وأنواع المعاصي. <br>
 فلما ذكر عقابهم, ذكر ثواب المطيعين فقال: &quot; إِنَّ الَّذِينَ
 آمَنُوا &quot; إلى &quot; أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
 الْعَالَمِينَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من
 تحتهم الأنهار في جنات النعيم &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى &quot; إِنَّ
 الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ &quot; أي: جمعوا بين الإيمان,
 والقيام بموجبه ومقتضاه, من الأعمال الصالحة, المشتملة على أعمال القلوب, وأعمال
 الجوارح, على وجه الإخلاص والمتابعة. <br>
 &quot; يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ &quot; أي:
 بسبب ما معهم من الإيمان, يتيبهم الله أعظم الثواب, وهو: الهداية. <br>
 فيعلمهم ما ينفعهم, ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية, ويهديهم للنظر في
 آياته, ويهديهم في هذه الدار, إلى الصراط المستقيم, وفي دار الجزاء إلى الصراط
 الموصل إلى جنات النعيم. <br>
 ولهذا قال: &quot; تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ &quot; الجارية
 على الدوام &quot; فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ &quot; . <br>
 أضافها الله إلى النعيم, لاشتمالها على النعيم التام. <br>
 نعيم القلب بالفرح والسرور, والبهجة والحبور, ورؤية الرحمن, وسماع كلامه, والاغتباط
 برضاه وقربه, ولقاء الأحبة والإخوان, والتمتع بالاجتماع بهم, وسماع الأصوات
 المطربات, والنغمات المشجيات, والمناظر المفرحات. <br>
 ونعيم البدن بأنواع المآكل, والمشارب, والمناكح, ونحو ذلك, مما لا تعلمه النفوس,
 ولا خطر ببال أحد, أو قدر أن يصفه الواصفون. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن
 الحمد لله رب العالمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ &quot; أي عبادتهم فيها لله, أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض, وآخرها,
 تحميد لله, فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء. <br>
 وإنما بقي لهم, أكمل اللذات, الذي هو ألذ عليهم, من المآكل اللذيذة. <br>
 ألا وهو: ذكر الله الذي تطمئن به القلوب, وتفرح به الأرواح. <br>
 وهو لهم بمنزلة النفس, من دون كلفة ومشقة. <br>
 أما &quot; وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا &quot; فيما بينهم عند
 التلاقي والتزاور, فهو السلام, أي: كلام سالم من اللغو والإثم, موصوف بأنه &quot; سَلَامٌ &quot; . <br>
 وقد قيل في تفسير قوله &quot; دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ
 &quot; إلى آخر الآية. <br>
 أن أهل الجنة - إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما - قالوا سبحانك اللهم,
 فأحضر لهم في الحال. <br>
 &quot; وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ &quot; إذا فرغوا &quot; أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم
 فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون &quot; </h1>
  
 <p>وهذا من لطفه وإحسانه بعباده, أنه لو عجل
 لهم الشر, إذا أتوا بأسبابه, وبادرهم بالعقوبة على ذلك, كما يعجل لهم الخير إذا
 أتوا بأسبابه &quot; لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ &quot; أي
 لمحقتهم العقوبة. <br>
 ولكنه تعالى, يمهلهم, ولا يهملهم, ويعفو عن كثير من حقوقه. <br>
 فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم, ما ترك على ظهرها من دابة. <br>
 ويدخل في هذا, أن العبد إذا غضب على أولاده, أو أهله, أو ماله, ربما دعا عليهم
 دعوة, لو قبلت منه, لهلكوا, ولأضره ذلك غاية الضرر, ولكنه تعالى, حليم حكيم. <br>
 وقوله: &quot; فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا &quot;
 أي: لا يؤمنون بالآخرة, فلذلك لا يستعدون لها, ولا يعلمون ما ينجيهم من
 عذاب الله. <br>
 &quot; فِي طُغْيَانِهِمْ &quot; أي: باطلهم, الذي جاوزوا
 به الحق والحد. <br>
 &quot; يَعْمَهُونَ &quot; يترددون حائرين, لا يهتدون
 السبيل, ولا يوفقون لأقوم دليل. <br>
 وذلك عقوبة لهم على ظلمهم, وكفرهم بآيات الله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا
 عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون &quot; </h1>
  
 <p>وهذا إخبار عن طبيعة الإنسان, من حيث هو,
 وأنه إذا مسه ضر, من مرض, أو مصيبة, اجتهد في الدعاء, وسأل الله في جميع أحواله, قائما,
 وقاعدا, ومضطجعا, وألح في الدعاء, ليكشف الله عنه ضره. <br>
 &quot; فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ
 يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ &quot; أي: استمر في غفلته, معرضا عن ربه,
 كأنه ما جاءه ضر, فكشفه الله عنه. <br>
 فأي ظلم أعظم من هذا الظلم؟!! يطلب من الله قضاء غرضه. <br>
 فإذا أناله إياه, لم ينظر إلى حق ربه, وكأنه ليس عليه لله حق. <br>
 وهذا تزيين من الشيطان, زين له ما كان مستهجنا مستقبحا في العقول والفطر. <br>
 &quot; كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ &quot; أي:
 المتجاوزين للحد &quot; مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات
 وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية, بظلمهم
 وكفرهم, بعد ما جاءتهم البينات, على أيدي الرسل, وتبين الحق, فلم ينقادوا لها, ولم
 يؤمنوا. <br>
 فأحل بهم عقابه, الذي لا يرد عن كل مجرم, متجرئ على محارم الله. <br>
 وهذه سنته في جميع الأمم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ &quot; أي: المخاطبين &quot; خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ
 بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ &quot; فإن أنتم اعتبرتم,
 واتعظتم بمن قبلكم, واتبعتم آيات الله, وصدقتم رسله, نجوتم في الدنيا والآخرة. <br>
 وإن فعلتم كفعل الظالمين قبلكم, أحل بكم ما أحل بهم, ومن أنذر فقد أعذر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت
 بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى
 إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم &quot; </h1>
  
 <p>يذكر تعالى, تعنت المكذبين لرسوله محمد صلى
 الله عليه وسلم, وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق, أعرضوا
 عنها, وطلبوا وجوه التعنت فقالوا, جراءة منهم وظلما: &quot; ائْتِ
 بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ &quot; فقبحهم الله, ما أجرأهم على
 الله, وأشدهم ظلما, وردا لآياته. <br>
 فإذا كان الرسول العظيم, يأمره الله, أن يقول لهم: &quot; قُلْ مَا
 يَكُونُ لِي &quot; أي ما ينبغي, ولا يليق بي &quot; أَنْ
 أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي &quot; . <br>
 فإني رسول محض, ليس لي من الأمر شيء. <br>
 &quot; إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ &quot; أي:
 ليس لي غير ذلك, فإني عبد مأمور. <br>
 &quot; إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ
 عَظِيمٍ &quot; . <br>
 فهذا قول خير الخلق, وأدبه مع أوامر ربه ووحيه. <br>
 فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين, الذين جمعوا بين الجهل والضلال, والظلم والعناد,
 والتعنت والتعجيز لرب العالمين, أفلا يخافون عذاب يوم عظيم؟!!. <br>
 فإن زعموا أن قصدهم, أن يتبين لهم الحق بالآيات, التي طلبوا, فهم كذبة في ذلك. <br>
 فإن الله قد بين من الآيات, ما يؤمن على مثله, البشر. <br>
 وهو الذي يصرفها كيف يشاء, تبعا لحكمته الربانية, ورحمته بعباده. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم
 عمرا من قبله أفلا تعقلون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; قُلْ
 لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ
 لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا &quot; طويلا &quot; مِنْ قَبْلِهِ &quot; أي: قبل تلاوته, وقبل درايتكم به,
 وأنا ما خطر على بالي, ولا وقع في ظني. <br>
 &quot; أَفَلَا تَعْقِلُونَ &quot; أني, حيث لم أتله في مدة
 عمري, ولا صدر مني, ما يدل على ذلك. <br>
 فكيف أتقوله بعد ذلك, وقد لبثت فيكم عمرا طويلا, تعرفون حقيقة حالي, بأني أمي, لا
 أقرأ, ولا أكتب, ولا أدرس, ولا أتعلم من أحد؟!! فأتيتكم بكتاب عظيم, أعجز الفصحاء,
 وأعيا العلماء. <br>
 فهل يمكن - مع هذا - أن يكون من تلقاء نفسي, أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم
 حميد؟ فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم, وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب, لجزمتم جزما لا
 يقبل الريب بصدقه, وأنه الحق, الذي ليس بعده, إلا الضلال. <br>
 ولكن إذا أبيتم إلا التكذيب والعناد, فأنتم لا شك أنكم ظالمون. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح
 المجرمون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
 أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ &quot; فلو كنت متقولا,
 لكنت أظلم الناس, وفاتني الفلاح, ولم تخف عليكم حالي. <br>
 ولكني جئتكم بآيات الله, فكذبتم بها, فتعين فيكم الظلم. <br>
 ولا بد أن أمركم سيضمحل, ولن تنالوا الفلاح, ما دمتم كذلك. <br>
 ودل قوله &quot; قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا &quot; الآية,
 أن الذي حملهم على هذا التعنت, الذي صدر منهم, هو عدم إيمانهم بلقاء الله, وعدم
 رجائه, وأن من آمن بلقاء الله, فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب, ويؤمن به, لأنه حسن
 القصد. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء
 شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه
 وتعالى عما يشركون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى: &quot; وَيَعْبُدُونَ &quot; أي:
 المشركون المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم. <br>
 &quot; مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ
 &quot; أي: إن معبوداتهم, لا تملك لهم مثقال ذرة, من النفع, ولا تدفع عنهم
 شيئا. <br>
 &quot; وَيَقُولُونَ &quot; قولا خاليا من البرهان: &quot; هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ &quot; أي:
 يعبدونهم, ليقربوهم إلى الله, ويشفعوا لهم عنده. <br>
 وهذا قول من تلقاء أنفسهم, وكلام, ابتكروه, هم. <br>
 ولهذا قال تعالى - مبطلا لهذا القول:- &quot; قُلْ أَتُنَبِّئُونَ
 اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ &quot; .
 <br>
 أي: الله تعالى هو العالم, الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض, وقد
 أخبركم, بأنه ليس له شريك ولا إله معه. <br>
 أفأنتم- يا معشر المشركين - تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟. <br>
 أفتخبرونه بأمر خفي عليه, وعلمتوه؟ أأنتم أعلم أم الله؟ فهل يوجد قول أبطل من هذا
 القول, المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء, أعلم من رب العالمين؟ فليكتف
 العاقل بمجرد تصور هذا القول, فإنه يجزم بفساده وبطلانه. <br>
 &quot; سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ &quot; أي:
 تقدس وتنزه, أن يكون له شريك أو نظير. <br>
 بل هو الله الأحد الفرد الصمد, الذي لا إله, في السماوات والأرض, إلا هو. <br>
 وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه, فإنه باطل عقلا, وشرعا, وفطرة. <br>
 &quot; ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا
 يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
 الْكَبِيرُ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك
 لقضي بينهم فيما فيه يختلفون &quot; </h1>
  
 <p>أي &quot; وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً
 وَاحِدَةً &quot; متفقين على الدين الصحيح, ولكنهم اختلفوا. <br>
 فبعث الله الرسل, مبشرين ومنذرين, وأنزل معهم الكتاب, ليحكم بين الناس فيما
 اختلفوا فيه. <br>
 &quot; وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ &quot; بإمهال
 العاصين, وعدم معاجلتهم بذنوبهم. <br>
 &quot; لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ &quot; بأن ننجي المؤمنين,
 ونهلك الكافرين المكذبين, وصار هذا فارقا بينهم &quot; فِيمَا
 فِيهِ يَخْتَلِفُونَ &quot; . <br>
 ولكنه, أراد امتحانهم, وابتلاء بعضهم ببعض, ليتبين الصادق من الكاذب. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا
 إني معكم من المنتظرين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَيَقُولُونَ &quot; أي:
 المكذبون المتعنتون, &quot; لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ
 رَبِّهِ &quot; . <br>
 يعنون: آيات الاقتراح, التي يعينونها, كقولهم &quot; لَوْلَا
 أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا &quot; الآيات. <br>
 وكقولهم &quot; وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ
 لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا &quot; الآيات (90 إلى 93) من سورة
 الإسراء. <br>
 &quot; فَقُلْ &quot; لهم إذا طلبوا منك آية &quot; إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ &quot; أي: هو المحيط علما
 بأحوال العباد, فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم, وحكمته البديعة, وليس لأحد تدبير في
 حكم ولا دليل, ولا غاية, ولا تعليل. <br>
 &quot; فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
 &quot; أي: كل ينتظر بصاحبه, ما هو أهل له, فانظروا لمن تكون العاقبة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا
 قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى: &quot; وَإِذَا
 أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ &quot; كالصحة
 بعد المرض, والغنى بعد الفقر, والأمن بعد الخوف, نسوا ما أصابهم من الضراء, ولم
 يشكروا الله على الرخاء والرحمة, بل استمروا في طغيانهم ومكرهم. <br>
 ولهذا قال: &quot; إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا &quot; أي
 يسعون بالباطل, ليبطلوا به الحق. <br>
 &quot; قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا &quot; فإن المكر
 السيئ, لا يحيق إلا بأهله. <br>
 فمقصودهم منعكس عليهم, ولم يسلموا من التبعة, بل تكتب الملائكة عليهم, ما يعملون,
 ويحصيه الله, ثم يجازيهم عليه أوفر الجزاء. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم
 بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط
 بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر تعالى, القاعدة العامة في أحوال الناس, عند إصابة الرحمة لهم,
 بعد الضراء, واليسر بعد العسر, ذكر حالة, تؤيد ذلك, وهي: حالهم في البحر, عند
 اشتداده, والخوف من عواقبه. <br>
 فقال: &quot; هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
 &quot; بما يسر لكم من الأسباب الميسرة لكم فيها, وهداكم إليها. <br>
 &quot; حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ &quot; أي:
 السفن البحرية &quot; وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ &quot; موافقة
 لما يهوونه, من غير انزعاج ولا مشقة. <br>
 &quot; وَفَرِحُوا بِهَا &quot; واطمأنوا إليها. <br>
 فبينما هم كذلك, &quot; جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ &quot; شديدة
 الهبوب &quot; وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا
 أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ &quot; أي: عرفوا أنه الهلاك. <br>
 فانقطع حينئذ, تعلقهم بالمخلوقين, وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله
 وحده. <br>
 وحينئذ &quot; دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ &quot; ووعدوا
 من أنفسهم على وجه الإلزام. <br>
 فقالوا: &quot; لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ
 مِنَ الشَّاكِرِينَ &quot; </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس
 إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم
 تعملون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ
 بِغَيْرِ الْحَقِّ &quot; أي نسوا تلك الشدة وذلك
 الدعاء, وما ألزموه أنفسهم, فأشركوا بالله, من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد,
 ولا يدفع عنهم المضايق. <br>
 فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء, كما أخلصوها في الشدة؟!!. <br>
 ولكن هذا البغي, يعود وباله عليهم, ولهذا قال: &quot; يَا أَيُّهَا
 النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
 &quot; أي: غاية ما تؤملون ببغيكم, وشرودكم عن الإخلاص لله, أن تنالوا شيئا
 من حطام الدنيا وجاهها, النزر اليسير, الذي سينقضي سريعا, ويمضي جميعا, ثم تنتقلون
 عنه بالرغم. <br>
 &quot; ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ &quot; في يوم القيامة
 &quot; فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ &quot; وفي
 هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات
 الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم
 قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك
 نفصل الآيات لقوم يتفكرون &quot; </h1>
  
 <p>وهذا المثل من أحسن الأمثلة, وهو مطابق لحالة الدنيا. <br>
 فإن لذاتها, وشهواتها, وجاهها, ونحو ذلك, يزهو لصاحبه, إن زها وقتا قصيرا. <br>
 فإذا استكمل وتم, اضمحل, وزال عن صاحبه, أو زال صاحبه عنه. <br>
 فأصبح صفر اليدين منها, ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها. <br>
 فذلك &quot; كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ
 بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ &quot; أي: نبت فيها من كل صنف, وزوج بهيج &quot; مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ &quot; كالحبوب والثمار ومما
 تأكل &quot; الْأَنْعَامِ &quot; كأنواع العشب, والكلأ
 المختلف الأصناف. <br>
 &quot; حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
 &quot; أي: تزخرفت في منظرها, واكتست في زينتها, فصارت بهجة للناظرين,
 ونزهة للمتفرجين, وآية للمتبصرين. <br>
 فصرت ترى لها منظرا عجيبا ما بين أخضر, وأصفر, وأبيض وغيره. <br>
 &quot; وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا &quot; أي:
 حصل معهم طمع, بأن ذلك سيستمر ويدوم, لوقوف إرادتهم عنده, وانتهاء مطالبهم فيه. <br>
 فبينما في تلك الحالة &quot; أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ
 نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ &quot; أي:
 كأنها ما كانت. <br>
 فهذه حالة الدنيا, سواء بسواء. <br>
 &quot; كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ &quot; أي: نبينها
 ونوضحها, بتقريب المعاني إلى الأذهان, وضرب الأمثال &quot;
 لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ &quot; أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم. <br>
 وأما الغافل المعرض, فهذا لا تنفعه الآيات, ولا يزيل عنه الشك البيان. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
 &quot; </h1>
  
 <p>ولما ذكر الله حال الدنيا, وحاصل نعيمها, شوق إلى الدار الباقية فقال: &quot; وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ &quot; إلى &quot; وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ &quot; . <br>
 عمم تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام, والحث على ذلك, والترغيب. <br>
 وخص بالهداية, من شاء استخلاصه واصطفاءه. <br>
 فهذا فضله وإحسانه, والله يختص برحمته من يشاء. <br>
 وذلك عدله وحكمته, وليس لأحد عليه حجة, بعد البيان والرسل. <br>
 وسمى الله الجنة &quot; دار السلام &quot; لسلامتها من جميع
 الآفات والنقائص. <br>
 وذلك, لكمال نعيمها, وتمامه, وبقائه, وحسنه من كل وجه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك
 أصحاب الجنة هم فيها خالدون &quot; </h1>
  
 <p>ولما دعا إلى دار السلام, كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها,
 الموصلة إليها, أخبر عنها بقوله: &quot; لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
 الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ &quot; أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق, بأن
 عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة, في عبوديته, وقاموا بما قدروا عليه منها,
 وأحسنوا إلى عباد الله, بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي, من بذل
 الإحسان المالي, والإحسان البدني, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وتعليم
 الجاهلين, ونصيحة المعرضين, وغير ذلك من وجوه البر والإحسان. <br>
 فهؤلاء الذين أحسنوا, لهم &quot; الحسنى &quot; وهي: الجنة
 الكاملة في حسنها و &quot; زيادة &quot; وهي: النظر إلى وجه
 الله الكريم, وسماع كلامه, والفوز برضاه والبهجة بقربه. <br>
 فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون, ويسأله السائلون. <br>
 ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال: &quot; وَلَا يَرْهَقُ
 وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ &quot; . <br>
 أي: لا ينالهم مكروه, بوجه من الوجوه, لأن المكروه, إذا وقع بالإنسان. <br>
 تبين ذلك في وجهه, وتغير, وتكدر. <br>
 وأما هؤلاء - فكما قال الله عنهم - &quot; تَعْرِفُ فِي
 وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ &quot; . <br>
 &quot; أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ &quot; الملازمون
 لها &quot; هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ &quot; لا يحولون, ولا
 يزولون, ولا يتغيرون. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من
 الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها
 خالدون &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار. <br>
 فذكر أن بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الأعمال السيئة المسخطة لله, من أنواع
 الكفر والتكذيب, وصناف المعاصي. <br>
 فـ &quot; جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا &quot; أي: جزاء
 يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات على اختلاف أحوالهم. <br>
 &quot; وَتَرْهَقُهُمْ &quot; أي تغشاهم &quot;
 ذِلَّةٌ &quot; في قلوبهم وخوف من عذاب الله. <br>
 لا يدفعه عنهم دافع ولا يعصمهم منه عاصم. <br>
 وتسري تلك الذلة الباطنة إلى ظاهرهم, فتكون سوادا في وجوههم. <br>
 &quot; كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ
 مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ &quot; فكم
 بين الفريقين من الفرق, ويا بعد ما بينهما من التفاوت؟! &quot;
 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
 بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ &quot; &quot; وُجُوهٌ
 يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا
 غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ &quot; .
 </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم
 فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى &quot; وَيَوْمَ
 نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا &quot; أي: نجمع جميع الخلائق, لميعاد يوم معلوم,
 ونحضر المشركين, وما كانوا يعبدون من دون الله. <br>
 &quot; ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ
 وَشُرَكَاؤُكُمْ &quot; أي: الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم
 وبينهم. <br>
 &quot; فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ &quot; أي: فرقنا بينهم,
 بالبعد البدني والقلبي. <br>
 فحصلت بينهم العداوة الشديدة, بعد أن بذلوا لهم في الدنيا, خالص المحبة, وصفو
 الوداد. <br>
 فانقلبت تلك المحبة والولاية, بغضا وعداوة. <br>
 &quot; وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ &quot; متبرئين منهم: &quot; مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ &quot; فإننا ننزه
 الله أن يكون له شريك, أو نديد. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافل