<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة إبراهيم - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p> </p> | |
<p><h1>" الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور | |
بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " </h1></p> | |
<p>يخبر تعالى, أنه | |
أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, لنفع الخلق, ليخرج الناس من ظلمات | |
الجهل والكفر والأخلاق السيئة, وأنواع المعاصي, إلى نور العلم والإيمان, والأخلاق | |
الحسنة. <br> | |
وقوله " بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله, إلا | |
بإرادة من الله ومعونة. <br> | |
ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم. <br> | |
ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب, فقال: " إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ | |
الْحَمِيدِ " أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته, المشتمل على العلم بالحق | |
والعمل به. <br> | |
وفي ذكر " العزيز الحميد " بعد ذكر الصراط الموصل إليه, إشارة إلى أن من | |
سلكه, فهو عزيز بعزة الله, قوي, ولو لم يكن له أنصار إلا الله, محمود في أموره, | |
حسن العاقبة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من | |
عذاب شديد " </h1> | |
<p>وليدل ذلك على أن صراط الله, من أكبر الأدلة على ما لله, من صفات الكمال, | |
ونعوت الجلال. <br> | |
وأن الذي نصبه لعباده, عزيز السلطان, حميد, في أقواله, وأفعاله, وأحكامه. <br> | |
وأنه مألوه معبود بالعبادات, التي هي منازل الصراط المستقيم. <br> | |
وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض, خلقا ورزقا, وتدبيرا, فله الحكم على عباده | |
بأحكامه الدينية, لأنهم ملكه, ولا يليق به أن يتركهم سدى. <br> | |
فلما بين الدليل والبرهان, توعد من لم ينقد لذلك فقال: " | |
وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " لا يقدر قدره, ولا | |
يوصف أمره</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله | |
ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد " </h1> | |
<p>ثم وصفهم بأنهم " | |
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ " فرضوا | |
بها, واطمأنوا, وغفلوا عن الدار الآخرة. <br> | |
" وَيَصُدُّونَ " الناس " | |
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " التي نصبها لعباده, وبينها في كتبه, وعلى | |
ألسنة رسله, فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة. <br> | |
" وَيَبْغُونَهَا " أي: سبيل الله " عِوَجًا " أي: يحرصون على تهجينها وتقبيحها, للتنفير | |
منها, ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. <br> | |
" أُولَئِكَ " الذين ذكر وصفهم " | |
فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ " لأنهم ضلوا, وأضلوا وشاقوا الله ورسوله, | |
وحاربوهم. <br> | |
فأي ضلال أبعد من هذا؟!!. <br> | |
وأما أهل الإيمان, فعكس هؤلاء, يؤمنون بالله وآياته, ويستحبون الآخرة على الدنيا, | |
ويدعون إلى سبيل الله ويحسنونها, مهما أمكنهم, ويبغون استقامتها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء | |
ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم " </h1> | |
<p>وهذا من لطفه بعباده, أنه ما أرسل رسولا, إلا بلسان قومه, ليبين لهم ما | |
يحتاجون إليه, ويتمكنون من تعلم ما أتى به. <br> | |
بخلاف ما لو أتى على غير لسانهم, فإنهم يحتاجون إلى تلك اللغة, التي يتكلم بها, ثم | |
يفهمون عنه. <br> | |
فإذا بين الرسول ما أمروا به, ونهوا عنه, وقامت عليهم حجة الله, فيضل الله من | |
يشاء, ممن لم ينقد للهدى, ويهدي من يشاء, ممن اختصه برحمته. <br> | |
وهو العزيز الحكيم, الذي - من عزته - أنه انفرد بالهداية والإضلال, وتقليب القلوب | |
إلى ما شاء. <br> | |
ومن حكمته, أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله, إلا بالمحل اللائق به. <br> | |
ويستدل بهذه الآية الكريمة, على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام | |
رسوله, أمور مطلوبة, محبوبة لله, لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها. <br> | |
إلا إذا كان الناس في حالة, لا يحتاجون إليها, وذلك إذا تمرنوا على العربية, ونشأ | |
عليها صغيرهم, وصارت طبيعة لهم, فحينئذ قد اكتفوا المؤنة وصلحوا لأن يتلقوا عن | |
الله وعن رسوله, ابتداء, كما تلقى الصحابة " 4. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور | |
وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " </h1> | |
<p>يخبر تعالى: أنه أرسل موسى بآياته العظيمة, | |
الدالة على صدق ما جاء به وصحته, وأمره بما أمر الله به رسوله محمدا صلى الله عليه | |
وسلم, بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم. <br> | |
" أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ | |
" أي: ظلمات الجهل والكفر وفروعه, إلى نور العلم والإيمان وتوابعه. <br> | |
" وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ " أي: بنعمه | |
عليهم, وإحسانه إليهم وبأيامه في الأمم المكذبين, ووقائعه بالكافرين, ليشكروا | |
نعمه, وليحذروا عقابه. <br> | |
" إِنَّ فِي ذَلِكَ " أي: في أيام الله على | |
العباد " لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ " أي: صبار في | |
الضراء والعسر والضيق, شكور على السراء والنعمة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل | |
فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم | |
عظيم " </h1> | |
<p>فإنه يستدل بأيامه, على كمال قدرته, وعميم | |
إحسانه, وتمام عدله وحكمته. <br> | |
ولهذا امتثل موسى عليه السلام أمر ربه, فذكرهم نعم الله فقال: " | |
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " أي: بقلوبكم وألسنتكم. <br> | |
" إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ | |
" أي: يولونكم " سُوءَ الْعَذَابِ " أي | |
أشده, وفسر ذلك بقوله: " وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ | |
نِسَاءَكُمْ " أي: يبقونهن فلا يقتلونهن. <br> | |
" وَفِي ذَلِكُمْ " الإنجاء " | |
بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ " أي: نعمة عظيمة. <br> | |
أو في ذلكم العذاب, الذي ابتليتم به من فرعون وملأه ابتلاء من الله عظيم لكم, | |
لينظر هل تعتبرون أم لا؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد | |
" </h1> | |
<p>وقال لهم - حاثا على شكر نعم الله -: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ " أي أعلم ووعد. <br> | |
" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " من نعمي " وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " ومن | |
ذلك, أن يزيل عنهم النعمة, التي أنعم بها عليهم. <br> | |
والشكر هو اعتراف القلب بنعم الله, والثناء على الله بها, وصرفها في مرضاة الله | |
تعالى, وكفر النعمة, ضد ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني | |
حميد " </h1> | |
<p>" | |
وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " فلن تضروا الله شيئا. <br> | |
" فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ " فالطاعات | |
لا تزيد في ملكه, والمعاصي, لا تنقص. <br> | |
وهو كامل الغنى, حميد في ذاته, وأسمائه وصفاته, وأفعاله. <br> | |
ليس له من الصفات, إلا كل صفة حمد وكمال. <br> | |
ولا من الأسماء إلا كل اسم حسن. <br> | |
ولا من الأفعال, إلا كل فعل جميل</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من | |
بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا | |
إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب " </h1> | |
<p>يقول تعالى - مخوفا عباده, ما أحله بالأمم المكذبة, حين جاءتهم الرسل, | |
فكذبوهم, فعاقبهم بالعقاب العاجل, الذي رآه الناس وسمعوه فقال: " | |
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ | |
وَثَمُودَ " . <br> | |
وقد ذكر الله قصصهم في كتابه, وبسطها. <br> | |
" وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا | |
اللَّهُ " من كثرتهم, وكون أخبارهم اندرست. <br> | |
فهؤلاء كلهم " جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ " | |
أي: بالأدلة الدالة على صدق ما جاءوا به. <br> | |
فلم يرسل الله رسولا, إلا أتاه من الآيات, ما يؤمن على مثله الشر. <br> | |
فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها, بل استكبروا عنها. <br> | |
" فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ " أي: | |
لم يؤمنوا بما جاءوا به, ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله " يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ | |
حَذَرَ الْمَوْتِ " . <br> | |
" وَقَالُوا " صريحا لرسلهم: " | |
إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا | |
تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " أي: موقع في الريبة, وقد كذبوا في | |
ذلك وظلموا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم | |
من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما | |
كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين " </h1> | |
<p>ولهذا " قَالَتِ " لهم " رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ " أي: فإنه أظهر الأشياء | |
وأجلاها. <br> | |
فمن شك في الله " فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " الذي | |
وجود الأشياء مستند إلى وجوده, لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات, حتى الأمور | |
المحسوسة. <br> | |
ولهذا خاطبتهم الرسل, خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه. <br> | |
" يَدْعُوكُمْ " إلى منافعكم ومصالحكم " لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ | |
مُسَمًّى " أي: ليثيبكم على الاستجابة لدعوته, بالثواب العاجل والآجل, | |
فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم, بل النفع عائد إليكم. <br> | |
فردوا على رسلهم, رد السفهاء الجاهلين " وَقَالُوا " لهم: | |
" إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا " أي: | |
فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة. <br> | |
" تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ | |
آبَاؤُنَا " فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم, لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وأنتم | |
بشر مثلنا؟ " فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " أي: | |
بحجة وبينة ظاهرة. <br> | |
ومرادهم بينة يقترحونها هم, وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء | |
من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون | |
" </h1> | |
<p>" | |
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ " مجيبين | |
لاقتراحهم واعتراضهم: " إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ | |
" أي: صحيح وحقيقة, إنا بشر مثلكم,. <br> | |
" وَلَكِنْ " ليس في ذلك, ما يدفع ما جئنا به من | |
الحق, فإن " اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ | |
عِبَادِهِ " فإذا من الله علينا بوحيه ورسالته, فذلك فضله وإحسانه, | |
وليس لأحد أن يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله. <br> | |
فانظروا ما جئناكم به, فإن كان حقا, فاقبلوه, وإن كان غير ذلك, فردوه ولا تجعلوا | |
حالنا, حجة لكم على رد ما جئناكم به. <br> | |
وقولكم: " فائتونا بسلطان مبين " فإن هذا ليس | |
بأيدينا, وليس لنا من الأمر شيء. <br> | |
" وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا | |
بِإِذْنِ اللَّهِ " فهو الذي إن شاء جاءكم به وإن شاء, لم يأتكم به, | |
وهو لا يفعل إلا ما هو متقضي حكمته ورحمته. <br> | |
" وَعَلَى اللَّهِ " لا على غيره " | |
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم, ودفع | |
مضارهم, لعلمهم بتمام كفايته, وكمال قدرته, وعميم إحسانه. <br> | |
ويثقون به, في تيسير ذلك, وبحسب ما معهم من الإيمان يكون توكلهم.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما | |
آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون " </h1> | |
<p>فعلم بهذا, وجوب التوكل, وأنه من لوازم الإيمان, ومن العبادات الكبار, | |
التي يحبها الله ويرضاها, لتوقف سائر العبادات عليه. <br> | |
" وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ | |
هَدَانَا سُبُلَنَا " أي: أي شيء يمنعنا من التوكل على الله, والحال, | |
أننا على الحق والهدى. <br> | |
ومن كان على الحق والهدى, فإن هداه, يوجب له تمام التوكل. <br> | |
وكذلك ما يعلم من أن الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته, يدعو إلى ذلك. <br> | |
بخلاف من لم يكن على الحق والهدى, فإنه ليس ضامنا على الله, فإن حاله مناقضة لحال | |
المتوكل. <br> | |
وفي هذا كالإشارة من الرسل, عليهم الصلاة والسلام لقومهم, بآية عظيمة. <br> | |
وهو أن قومهم - في الغالب - أن لهم القهر والغلبة عليهم. <br> | |
فتحدثهم رسلهم, بأنهم متوكلون على الله, في دفع كيدهم ومكرهم, وجازمون بكفايته | |
إياهم. <br> | |
وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على إتلافهم, وإطفاء ما معهم من الحق. <br> | |
فيكون هذا, كقول نوح لقومه: " يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي | |
وتذكيري بآيات الله, فعلى الله توكلت, فأجمعوا أمركم وشركاءكم, ثم لا يكن أمركم | |
عليكم غمة, ثم اقضوا إلي ولا تنظرون " الآيات. <br> | |
وقول هود عليه السلام " إني أشهد الله واشهدوا, أني بريء مما | |
تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون " . <br> | |
" وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا " أي: | |
ولنستمرن على دعوتكم, ووعظكم, وتذكيركم, ولا نبالي بما يأتينا منكم, من الأذى, | |
فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى, احتسابا للأجر, ونصحا لكم, لعل | |
الله أن يهديكم مع كثرة التذكير. <br> | |
" وَعَلَى اللَّهِ " وحده لا على غيره " فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " فإن التوكل | |
عليه, مفتاح لكل خير. <br> | |
واعلم أن الرسل, عليهم الصلاة والسلام, توكلهم في أعلى المطالب وأشرف المراتب, وهو | |
التوكل على الله, في إقامة دينه ونصره, وهداية عبيده, وإزالة الضلال عنهم, وهذا | |
أكمل ما يكون من التوكل. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا | |
فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين " </h1> | |
<p>لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك, وعدم مللهم, ذكر منتهى ما | |
وصلت بهم الحال, مع قومهم فقال: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا | |
لِرُسُلِهِمْ " متوعدين لهم - " لَنُخْرِجَنَّكُمْ | |
مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا " وهذا أبلغ ما يكون | |
من الرد, وليس بعد هذا فيهم, مطمع. <br> | |
لأنه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى, بل توعدوهم بالإخراج من ديارهم ونسبوها إلى | |
أنفسهم, وزعموا أن الرسل, لا حق لهم فيها. <br> | |
وهذا من أعظم الظلم, فإن الله أخرج عباده إلى الأرض, وأمرهم بعبادته, وسخر لهم | |
الأرض وما عليها, يستعينون بها على عبادته. <br> | |
فمن استعان بذلك على عبادة الله, حل له ذلك, وخرج من التبعة. <br> | |
ومن استعان بذلك على الكفر وأنواع المعاصي, لم يكن ذلك خالصا له, ولم يحل له. <br> | |
فعلم أن أعداء الرسل في الحقيقة, ليس لهم شيء من الأرض, التي توعدوا الرسل | |
بإخراجهم منها. <br> | |
وإن رجعنا إلى مجرد العادة, فإن الرسل من جملة أهل بلادهم, وأفراد منهم. <br> | |
فلأي شيء يمنعونهم حقا لهم, صريحا واضحا؟!! هل هذا إلا من عدم الدين والمروءة | |
بالكلية؟ ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال, ما بقي حينئذ, إلا أن يمضي | |
الله أمره, وينصر أولياءه. <br> | |
" فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ | |
الظَّالِمِينَ " بأنواع العقوبات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " </h1> | |
<p>" | |
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ " أي: العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم, جزاء " لِمَنْ خَافَ مَقَامِي " عليه في الدنيا, وراقب الله | |
مراقبة من يعلم أنه يراه. <br> | |
" وَخَافَ وَعِيدِ " أي: ما توعدت به من عصاني, | |
فأوجب له ذلك, الانكفاف عما يكرهه الله, والمبادرة إلى ما يحبه الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " </h1> | |
<p>" | |
وَاسْتَفْتَحُوا " أي: الكفار, أي: هم الذين | |
طلبوا, واستعجلوا فتح الله وفرقانه, بين أوليائه وأعدائه, فجاءهم ما استفتحوا به, | |
وإلا فالله عليم حليم, لا يعاجل من عصاه بالعقوبة. <br> | |
" وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ " أي: خسر في | |
الدنيا والآخرة, من تجبر على الله وعلى الحق, وعلى عباد الله, واستكبر في الأرض, | |
وعاند الرسل, وشاقهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد " </h1> | |
<p>" مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ " أي: جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد, فلا بد له من ورودها, فيذاق | |
حينئذ العذاب الشديد. <br> | |
" وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ " في لونه, | |
وطعمه, ورائحته الخبيثة, وهو في غاية الحرارة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن | |
ورائه عذاب غليظ " </h1> | |
<p>" | |
يَتَجَرَّعُهُ " من العطش الشديد " وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ " فإنه إذا قرب إلى وجهه, | |
شواه, وإذا وصل إلى بطنه, قطع ما أتى عليه من الأمعاء. <br> | |
" وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ | |
بِمَيِّتٍ " أي: يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب, وكل | |
نوع منه, من شدته يبلغ إلى الموت ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى: , لا | |
يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * " | |
وهم يصطرخون فيها " . <br> | |
" وَمِنْ وَرَائِهِ " أي: الجبار العنيد " عَذَابٍ غَلِيظٍ " أي: قوي شديد, لا يعلم وصفه وشدته, | |
إلا الله تعالى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم | |
عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها: إما أن المراد بها, الأعمال | |
التي عملوها لله, بأنها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد, الذي هو | |
أدق الأشياء وأخفها, إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب, فإنه لا يبقى | |
منه شيئا, ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل. <br> | |
فكذلك أعمال الكفار " لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى | |
شَيْءٍ " ولا على مثقال ذرة منه, لأنه مبني على الكفر والتكذيب. <br> | |
" ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ " حيث بطل | |
سعيهم, واضمحل عملهم. <br> | |
وإما أن المراد بذلك, أعمال الكفار التي عملوها, ليكيدوا بها الحق. <br> | |
فإنهم يسعون ويكدحون في ذلك, ومكرهم عائد عليهم, ولن يضروا الله ورسله وجنده وما | |
معهم, من الحق شيئا. <br> | |
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ | |
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ | |
" <br> | |
ينبه تعالى عباده بأن " اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ | |
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ " أي: ليعبده الخلق ويعرفوه, ويأمرهم وينهاهم, | |
وليستدلوا بهما, وما فيهما, على ما له, من صفات الكمال. <br> | |
وليعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض - على عظمهما وسعتهما - قادر على أن يعيدهم | |
خلقا جديدا, ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم, وأن قدرته ومشيئته, لا تقصر عن ذلك, | |
ولهذا قال: " إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ | |
جَدِيدٍ " . <br> | |
يحتمل أن المعنى: إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم, يكونون أطوع لله منكم. <br> | |
ويحتمل أن المراد: إن يشأ يفنيكم, ثم يعيدكم بالبعث خلقا جديدا. <br> | |
ويدل على هذا الاحتمال, ما ذكره بعده, من أحوال يوم القيامة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما ذلك على الله بعزيز " </h1> | |
<p>" وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ " أي: بممتنع بل هو سهل عليه جدا. <br> | |
" ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " " وهو الذي | |
يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا | |
فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا | |
أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " </h1> | |
<p>" | |
وَبَرَزُوا " أي: الخلائق " | |
لِلَّهِ جَمِيعًا " حين ينفخ في الصور, فيخرجون من الأجداث إلى ربهم, | |
فيقفون في أرض مستوية, قاع صفصف, لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ويبرزون له, لا يخفى | |
عليه منهم خافية. <br> | |
فإذا برزوا, صاروا يتحاجون, وكل يدفع عن نفسه, ويدافع ما يقدر عليه ولكن أني لهم | |
ذلك؟ " فَقَالَ الضُّعَفَاءُ " أي: التابعون | |
والمقلدون " لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا " وهم: | |
المتبوعون, الذين هم قادة في الضلال: " إِنَّا كُنَّا لَكُمْ | |
تَبَعًا " أي: في الدنيا, أمرتمونا بالضلال, وزينتموه لنا, | |
فأغويتمونا. <br> | |
" فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ | |
مِنْ شَيْءٍ " أي: ولو مثقال ذرة. <br> | |
" قَالُوا " أي: المتبوعون والرؤساء " أغويناكم كما غوينا " و " لَوْ | |
هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ " فلا يغني أحد أحدا. <br> | |
" سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا " من العذاب " أَمْ صَبَرْنَا " عليه. <br> | |
" مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ " أي: لا ملجأ نلجأ | |
إليه, ولا مهرب لنا من عذاب الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم | |
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا | |
أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين | |
لهم عذاب أليم " </h1> | |
<p>أي: " وَقَالَ الشَّيْطَانُ " الذي هو | |
سبب لكل شر يقع ووقع في العالم, مخاطبا لأهل النار, ومتبرئا منهم " | |
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ " ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: " إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ " على | |
ألسنة رسله, فلم تطيعوه, فلو أطعتموه, لأدركتم الفوز العظيم. <br> | |
" وَوَعَدْتُكُمْ " الخير " | |
فَأَخْلَفْتُكُمْ " أي: لم يحصل, ولن يحصل لكم ما منيتكم به, من | |
الأماني الباطلة. <br> | |
" وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ " أي: | |
من حجة على تأييد قولي. <br> | |
" إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " أي: | |
هذه نهاية ما عندي, أني دعوتكم إلى مرادى, وزينته لكم, فاستجبتم لي, اتباعا | |
لأهوائكم وشهواتكم. <br> | |
فإذا كانت الحال بهذه الصورة " فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا | |
أَنْفُسَكُمْ " فأنتم السبب, وعليكم المدار في موجب العقاب. <br> | |
" مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ " أي: بمغيثكم من | |
الشدة التي أنتم بها " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ " كل | |
له قسط من العذاب. <br> | |
" إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ " | |
أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله, فلست شريكا لله, ولا تجب طاعتي. <br> | |
" إِنَّ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم بطاعة الشيطان " لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " خالدين فيه أبدا. <br> | |
وهذا من لطف الله بعباده, أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله, التي يدخل منها | |
على الإنسان ومقاصده فيه, وأنه يقصد أن يدخله النيران. <br> | |
وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار هو وجنده, أنه يتبرأ منهم هذه البراءة, ويكفر | |
بشركهم " ولا ينبئك مثل خبير " . <br> | |
واعلم أن الله ذكر في هذه الآية, أن الشيطان ليس له سلطان. <br> | |
وقال في آية أخرى " إنما سلطانه على الذين يتولونه, والذين هم | |
به مشركون " . <br> | |
فالسلطان الذي نفاه عنه, هو سلطان الحجة والدليل. <br> | |
فليس له حجة أصلا, على ما يدعو إليه. <br> | |
وإنما نهاية ذلك, أن يقيم من الشبه والتزيينات, ما به يتجرأون على المعاصي. <br> | |
وأما السلطان, الذي أثبته, فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤزهم إلى | |
المعاصي أزا, وهم الذين سلطوه على أنفسهم, بموالاته, والالتحاق بحزبه. <br> | |
ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار | |
خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام " </h1> | |
<p>ولما ذكر عقاب الظالمين, ذكر ثواب الطائعين فقال: " | |
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " أي: الذين | |
قاموا بالدين, قولا, وعملا, واعتقادا. <br> | |
" جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " فيها | |
من اللذات والشهوات, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. <br> | |
" خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " أي: لا | |
بحولهم وقوتهم, بل بحول الله وقوته. <br> | |
" تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ " أي: يحيي بعضهم | |
بعضا بالسلام, والتحية, والكلام الطيب</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت | |
وفرعها في السماء " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ | |
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً " وهي شهادة أن لا إله إلا الله, وفروعها. | |
<br> | |
" كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ " وهي النخلة " أَصْلُهَا ثَابِتٌ " في الأرض " | |
وَفَرْعُهَا " منتشر " فِي السَّمَاءِ " وهي | |
كثيرة النفع دائما. <br> | |
" تُؤْتِي أُكُلَهَا " أي ثمرتها " | |
كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا " . <br> | |
فكذلك شجرة الإيمان, أصلها ثابت في قلب المؤمن, علما, واعتقادا. <br> | |
وفرعها من الكلم الطيب, والعمل الصالح, والأخلاق المرضية, والآداب الحسنة, في | |
السماء دائما, يصعد إلى الله منه, من الأعمال والأقوال, التي تخرجها شجرة الإيمان, | |
ما ينتفع به المؤمن, وينتفع غيره. <br> | |
" وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ | |
يَتَذَكَّرُونَ " ما أمرهم به ونهاهم عنه. <br> | |
فإن في ضرب الأمثال, تقريبا للمعاني المعقولة, من الأمثال المحسوسة, ويتبين المعنى | |
الذي أراده الله, غاية البيان, ويتضح, غاية الوضوح, وهذا من رحمته, وحسن تعليمه. <br> | |
فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه. <br> | |
فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها, في قلب المؤمن. <br> | |
" وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ | |
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " <br> | |
ثم ذكر ضدها وهي: كلمة الكفر, وفرعها فقال: " وَمَثَلُ | |
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ " المأكل والمطعم, وهي: شجرة | |
الحنظل ونحوها. <br> | |
" اجْتُثَّتْ " هذه الشجرة " | |
مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " أي: ثبوت فلا عروق | |
تمسكها, ولا ثمرة صالحة, تنتجها, بل إن وجد فيها ثمرة, فهي ثمرة خبيثة. <br> | |
كذلك كلمة الكفر والمعاصي, ليس لها ثبوت نافع في القلب, ولا تثمر إلا كل قول خبيث, | |
وعمل خبيث, يؤذي صاحبه, ولا يصعد إلى الله منه عمل صالح, ولا ينفع نفسه ولا ينتفع | |
به غيره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي | |
الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " </h1> | |
<p>يخبر تعالى: أنه يثبت عباده المؤمنين أي: | |
الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام, الذي يستلزم أعمال الجوارح | |
ويثمرها. <br> | |
فيثبتهم الله في الحياة الدنيا, عند ورود الشبهات, بالهداية إلى اليقين. <br> | |
وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة, على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس | |
ومرادها. <br> | |
وفي الآخرة عند الموت, بالثبات على الدين الإسلامي, والخاتمة الحسنة. <br> | |
وفي القبر عند سؤال الملكين, للجواب الصحيح, إذا قيل للميت " | |
من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " هداهم للجواب الصحيح, بأن يقول المؤمن: | |
" الله ربي, والإسلام ديني, ومحمد نبيي " . <br> | |
" وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ " عن الصواب | |
في الدنيا والآخرة, وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم. <br> | |
وفي هذه الآية, دلالة على فتنة القبر, وعذابه, ونعيمه, كما تواترت بذلك النصوص عن | |
النبي صلى الله عليه وسلم, في الفتنة وصفتها, ونعيم القبر وعذابه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار | |
" </h1> | |
<p>يقول تعالى - مبينا حال المكذبين لرسوله, من كفار قريش, وما آل إليه | |
أمرهم: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ | |
اللَّهِ كُفْرًا " ونعمة الله هي: إرسال محمد صلى الله عليه وسلم, إليهم | |
يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة, وإلى النجاة من شرور الدنيا والآخرة. | |
<br> | |
فبدلوا هذه النعمة, بردها, والكفر بها والصد عنها, بأنفسهم. <br> | |
وصدهم غيرهم حتى " وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ | |
" وهي: النار, حيث تسببوا لإضلالهم, فصاروا وبالا على قومهم, من حيث | |
يظن نفعهم. <br> | |
ومن ذلك أنهم, زينوا لهم الخروج يوم " بدر " ليحاربوا | |
الله ورسوله. <br> | |
فجرى عليهم ما جرى, وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم, في تلك الوقعة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" جهنم يصلونها وبئس القرار " </h1> | |
<p>" | |
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا " أي: يحيط بهم | |
حرها, من جميع جوانبهم " وَبِئْسَ الْقَرَارُ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى | |
النار " </h1> | |
<p>" | |
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا " أي: نظراء | |
وشركاء " لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ " أي: | |
ليضلوا العباد عن سبيل الله, بسبب ما جعلوا الله من الأنداد, ودعوهم إلى عبادتها. <br> | |
" قُلْ " لهم متوعدا: " | |
تَمَتَّعُوا " بكفرهم وضلالكم قليلا, فليس ذلك بنافعكم. <br> | |
" فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ " أي: | |
مآلكم ومأواكم فيها, وبئس المصير. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا | |
وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال " </h1> | |
<p>أي: " قُلْ لِعِبَادِيَ | |
الَّذِينَ آمَنُوا " آمرا لهم بما فيه غاية صلاحهم, وأن ينتهزوا | |
الفرصة, قبل أن لا يمكنهم ذلك: " يُقِيمُوا الصَّلَاةَ " | |
ظاهرا وباطنا " وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ | |
" أي: من النعم التي أنعمنا بها عليهم, قليلا أو كثيرا " سِرًّا وَعَلَانِيَةً " . <br> | |
وهذا يشمل النفقة الواجبة, كالزكاة, ونفقة من تجب عليه نفقته, والمستحبة, كالصدقات | |
ونحوها. <br> | |
" مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا | |
خِلَالٌ " أي: لا ينفع فيه شيء, ولا سبيل إلى استدراك ما فات, لا | |
بمعاوضة بيع وشراء, ولا بهبة خليل وصديق. <br> | |
فكل امرئ له شأن يغنيه. <br> | |
فليقدم العبد لنفسه, ولينظر ما قدمه لغد, وليتفقد أعماله, ويحاسب نفسه, قبل الحساب | |
الأكبر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من | |
الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار " </h1> | |
<p>يخبر تعالى: أنه وحده " الَّذِي خَلَقَ | |
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " على اتساعهما وعظمهما. <br> | |
" وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً " وهو: المطر | |
الذي ينزله الله من السحاب. <br> | |
" فَأَخْرَجَ بِهِ " أي: بذلك الماء " مِنَ الثَّمَرَاتِ " المختلفة الأنواع. <br> | |
" رِزْقًا لَكُمْ " ورزقا لأنعامكم " وَسَخَّرَ لَكُمُ ا |