<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الإسراء - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد | |
الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " </h1></p> | |
<p>ينزه | |
تعالى نفسه المقدسة, ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة, التي من | |
جملتها أنه " أَسْرَى بِعَبْدِهِ " ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, | |
" لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " الذي هو أجل المساجد على | |
الإطلاق " إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " الذي هو من المساجد الفاضلة, | |
وهو محل الأنبياء. <br> | |
فأسرى به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جدا, ورجع في ليلته. <br> | |
وأراه الله من آياته, ما ازداد به هدى وبصيرة, وثباتا, وفرقانا. <br> | |
وهذا من اعتنائه تعالى به, ولطفه, حيث يسره لليسرى, في جميع أموره, وخوله نعما, | |
فاق بها الأولين والآخرين. <br> | |
وظاهر الآية, أن الإسراء كان في أول الليل, وأنه من نفس المسجد الحرام. <br> | |
لكن ثبت في الصحيح, أنه أسري به من بيت أم هانئ. <br> | |
فعلى هذا, تكون الفضيلة في المسجد الحرام, لسائر الحرم. <br> | |
فكله تضاعف فيه العبادة, كتضاعفها في نفس المسجد. <br> | |
وأن الإسراء, بروحه, وجسده معا, وإلا لم يكن في ذلك آية كبرى, ومنقبة عظيمة. <br> | |
وقد تكاثرت الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الإسراء, وذكر | |
تفاصيل ما رأى, وأنه أسرى به إلى بيت المقدس, ثم عرج به من هناك, إلى السماوات, | |
حتى وصل إلى ما فوق السماوات العلى, ورأى الجنة والنار, والأنبياء على مراتبهم, | |
وفرض عليه الصلوات خمسين. <br> | |
ثم ما زال يراجع ربه بإشارة موسى الكليم, حتى صارت خمسا في الفعل, وخمسين في الأجر | |
والثواب. <br> | |
وحاز من المفاخر تلك الليلة, هو وأمته, ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل. <br> | |
ودكره هنا وفي مقام الإنزال للقرآن, ومقام التحدي بصفة العبودية, لأنه نال هذه | |
المقامات الكبار, بتكميله لعبودية ربه. <br> | |
وقوله: " الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ " أي: بكثرة الأشجار والأنهار, | |
والخصب الدائم. <br> | |
ومن بركته, تفضيله على غيره من المساجد, سوى المسجد الحرام, ومسجد المدينة. <br> | |
وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه, وأن الله اختصه محلا, لكثير من | |
أنبيائه وأصفيائه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من | |
دوني وكيلا " </h1> | |
<p>كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى | |
الله عليه وسلم, ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم, وبين كتابيهما وشريعتيهما, لأن | |
كتابيهما أفضل الكتب, وشريعتيهما أكمل الشرائع, ونبوتيهما أعلى النبوات, وأتباعهما | |
أكثر المؤمنين. <br> | |
ولهذا قال هنا: " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ " الذي | |
هو التوراة " وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ | |
" يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق. <br> | |
" أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا " أي: | |
وقلنا لهم ذلك, وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك, ليعبدوا الله وحده, وينيبوا إليه, | |
ويتخذوه وحده, وكيلا ومدبرا لهم, في أمر دينهم ودنياهم, ولا يتعلقوا بغيره من | |
المخلوقين الذين لا يملكون شيئا, ولا ينفعونهم بشيء. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا " </h1> | |
<p>" ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ " أي: يا ذرية من مننا عليهم, وحملناهم مع نوح. <br> | |
" إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا " ففيه التنويه | |
بالثناء على نوح, عليه السلام, بقيامه بشكر الله, واتصافه بذلك, والحث لذريته, أن | |
يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه, وأن يتذكروا نعمة الله عليهم, إذ أبقاهم | |
واستخلفهم في الأرض, وأغرق غيرهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن | |
علوا كبيرا " </h1> | |
<p>" | |
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ " أي | |
تقدمنا وعهدنا إليهم, وأخبرناهم في كتابهم, أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض | |
مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله, والعلو في الأرض والتكبر فيها, وأنه إذا وقع | |
واحدة منهما, سلط الله عليهم الأعداء, وانتقم منهم, وهذا تحذير لهم وإنذار, لعلهم | |
يرجعون فيتذكرون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد | |
فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا " </h1> | |
<p>" | |
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا " أي: أولي | |
المرتين اللتين يفسدون فيهما. <br> | |
أي: إذا وقع منهم ذلك الفساد " بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ " بعثا | |
قدريا, وسلطنا عليكم تسليطا كونيا جزائيا " عِبَادًا لَنَا | |
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ " أي: ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم, | |
فقتلوكم وسبوا أولادكم, ونهبوا أموالكم. <br> | |
" فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ " وهتكوا الدور, | |
ودخلوا المسجد الحرام, وأفسدوه. <br> | |
" وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا " لا بد من وقوعه, | |
لوجود سببه منهم. <br> | |
واختلف المفسرون, في تعيين هؤلاء المسلطين, إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار. <br> | |
إما من أهل العراق, أو الجزيرة, أو غيرها سلطهم الله على بني إسرائيل, لما كثرت | |
فيهم المعاصي, وتركوا كثيرا, من شريعتهم, وطغوا في الأرض. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر | |
نفيرا " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ " أي: على هؤلاء الذين سلطوا عليكم, فأجليتموهم من دياركم. <br> | |
" وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ " أي: | |
أكثرنا أرزاقكم, وكثرناكم, وقويناكم عليهم. <br> | |
" وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا " منهم, | |
وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة | |
ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا " | |
</h1> | |
<p>" إِنْ | |
أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ " لأن | |
النفع عائد إليكم, حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على أعدائكم. <br> | |
" وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا " أي: فلأنفسكم, | |
يعود الضرر كما أراكم الله, من تسليط الأعداء. <br> | |
" فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ " أي: المرة | |
الأخرى, التي تفسدون فيها في الأرض, سلطنا عليكم الأعداء, " | |
لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ " بانتصارهم عليكم وسبيكم " | |
وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ " والمراد | |
بالمسجد, مسجد بيت المقدس. <br> | |
" وَلِيُتَبِّرُوا " أي: يخربوا ويدمروا " مَا عَلَوْا " عليه " تَتْبِيرًا | |
" فيخربوا بيوتكم, ومساجدكم, وحروثكم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا | |
" </h1> | |
<p>" | |
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ " فيديل | |
لكم الكرة عليهم. <br> | |
فرحمهم, وجعل لهم الدولة, وتوعدهم على المعاصي فقال: " وَإِنْ | |
عُدْتُمْ " إلى الإفساد في الأرض " عُدْنَا | |
" إلى عقوبتكم. <br> | |
فعادوا لذلك, فسلط الله عليهم رسوله, محمدا صلى الله عليه وسلم, فانتقم الله به | |
منهم. <br> | |
فهذا جزاء الدنيا, وما عند الله من النكال, وأعظم وأشنع, ولهذا قال: " وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا " يصلونها, | |
ويلازمونها, لا يخرجون منها أبدا. <br> | |
وفي هذه الآيات التحذير لهذه الأمة, من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم, ما أصاب بني | |
إسرائيل. <br> | |
فسنة الله واحدة, لا تبدل ولا تغير. <br> | |
ومن نظر إلى تسليط الكفرة والظلمة على المسلمين عرف أن ذلك, من أجل ذنوبهم, عقوبة | |
لهم, وأنهم إذا أقاموا كتاب الله, وسنة رسوله, مكن لهم في الأرض, ونصرهم على أعدائهم. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون | |
الصالحات أن لهم أجرا كبيرا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته, وأنه " يَهْدِي | |
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ " أي: أعدل وأعلى, من العقائد, والأعمال, | |
والأخلاق. <br> | |
فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن, كان أكمل الناس, وأقومهم, وأهداهم في جميع | |
الأمور. <br> | |
" وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ | |
الصَّالِحَاتِ " من الواجبات والسنن. <br> | |
" أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا " أعده الله لهم | |
في دار كرامته, لا يعلم وصفه إلا هو. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما " </h1> | |
<p>" | |
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا | |
أَلِيمًا " , فالقرآن مشتمل على البشارة | |
والنذارة, وذكر الأسباب التي تنال بها البشارة, وهو الإيمان, والعمل الصالح, والتي | |
تستحق بها النذارة وهو ضد ذلك</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا " </h1> | |
<p>وهذا من جهل الإنسان وعجلته, حيث يدعو على نفسه وأولاده بالشر عند | |
الغضب, ويبادر بذلك الدعاء, كما يبادر بالدعاء في الخير, ولكن الله - من لطفه - | |
يستجيب له في الخير, ولا يستجيب له بالشر. <br> | |
" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ | |
اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار | |
مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا | |
" </h1> | |
<p>يقول تعالى: " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ | |
آيَتَيْنِ " أي: دالتين على كمال قدرة الله وسعة رحمته, وأنه الذي لا | |
تنبغي العبادة إلا له. <br> | |
" فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ " أي: جعلناه | |
مظلما, للسكون فيه, والراحة. <br> | |
" وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً " أي: | |
مضيئة " لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ " في | |
معايشكم, وصنائعكم, وتجاراتكم, وأسفاركم. <br> | |
" وَلِتَعْلَمُوا " بتوالي الليل والنهار واختلاف | |
القمر " عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ " فتبنون | |
عليها ما تشاءون, من مصالحكم. <br> | |
" وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا " أي: | |
بينا الآيات, وصرفناه, لتتميز الأشياء, ويتبين الحق من الباطل, كما قال تعالى " مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا | |
يلقاه منشورا " </h1> | |
<p>وهذا إخبار عن كمال عدله, أن كل إنسان يلزمه | |
طائره في عنقه, أي: ما عمل من خير وشر, يجعله الله ملازما له, لا يتعداه إلى غيره, | |
فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله. <br> | |
" وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ | |
مَنْشُورًا " فيه عمله, من الخير والشر, حاضرا, صغيره وكبيره, ويقال | |
له: " اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ | |
حَسِيبًا " . <br> | |
وهذا من أعظم العدل والإنصاف, أن يقال للعبد: حاسب نفسك, ليعرف ما عليه من الحق | |
الموجب للعقاب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر | |
وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " </h1> | |
<p>أي: هداية كل أحد وضلاله لنفسه, ولا يحمل | |
أحد ذنب أحد, ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر. <br> | |
والله تعالى, أعدل العادلين, لا يعذب أحدا, حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة, ثم | |
يعاند الحجة. <br> | |
وأما من انقاد للحجة, أو لم تبلغه حجة الله تعالى, فإن الله تعالى لا يعذبه. <br> | |
استدل بهذه الآية, على أن أهل الفترات, وأطفال المشركين, لا يعذبهم الله, حتى يبعث | |
إليهم رسولا, لأنه منزه عن الظلم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها | |
القول فدمرناها تدميرا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, أنه إذا أراد أن يهلك قرية من القرى الظالمة, ويستأصلها | |
بالعذاب, أمر مترفيها, أمرا قدريا, ففسقوا فيها, واشتد طغيانهم. <br> | |
" فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ " أي: كلمة العذاب | |
التي لا مرد لها " فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا " . | |
<br> | |
وهؤلاء أمم كثيرة أبادهم الله بالعذاب, من بعد قوم نوح, كعاد, وثمود, وقوم لوط, | |
وغيرهم, من عاقبهم الله, لما كثر بغيهم, واشتد كفرهم, أنزل الله بهم عقابه العظيم. | |
<br> | |
" وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا | |
" فلا يخافون منه ظلما, وأنه يعاقبهم على ما عملوه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا | |
له جهنم يصلاها مذموما مدحورا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى أن " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ | |
" أي: الدنيا المنقضية الزائلة, فعمل لها, وسعى, ونسي المبتدأ أو | |
المنتهى, أن الله يعجل له من حطامها ومتاعها, ما يشاؤه ويريده, مما كتب الله له في | |
اللوح المحفوظ, ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له. <br> | |
ثم يجعل له في الآخرة " جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا " أي | |
يباشر عذابها " مَذْمُومًا مَدْحُورًا " أي: في | |
حالة الخزي والفضيحة والذم من الله, ومن خلقه, والبعد عن رحمة الله, فيجمع له | |
العذاب والفضيحة.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم | |
مشكورا " </h1> | |
<p>" | |
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ " فرضيها وآثرها | |
على الدنيا " وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " الذي دعت | |
إليه الكتب السماوية, والآثار النبوية, فعمل بذلك على قدر إمكانه " | |
وَهُوَ مُؤْمِنٌ " بالله وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر. <br> | |
" فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا " أي: | |
مقبولا منمى, مدخرا, لهم أجرهم وثوابهم عند ربهم. <br> | |
ومع هذا, فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا, فكلا يمده الله منها, لأنه عطاؤه وإحسانه " وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا " أي: ممنوعا | |
من أحد, بل جميع الخلق راتعون بفضله وإحسانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا | |
" </h1> | |
<p>" | |
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " في الدنيا, بسعة الأرزاق وقلتها, واليسر والعسر, والعلم والجهل, والعقل | |
والسفه, وغير ذلك من الأمور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها. <br> | |
" وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا | |
" فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها, إلى الآخرة, بوجه من الوجوه. <br> | |
فكم بين من هو في الغرف العاليات, واللذات المتنوعات, والسرور والخيرات والأفراح, | |
ممن هو يتقلب في الجحيم, ويعذب بالعذاب الأليم وقد حل عليه سخط الرب الرحيم, وكل | |
من الدارين بين أهلها من التفاوت ما لا يمكن أحدا عده</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا " </h1> | |
<p>أي: لا تعتقد أن أحدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة, ولا تشرك | |
بالله أحدا منهم, فإن ذلك داع للذم والخذلان. <br> | |
فالله, وملائكته, ورسله, قد نهوا عن الشرك, وذموا من عمله أشد الذم, ورتبوا عليه | |
من الأسماء المذمومة, والأوصاف المقبوحة, ما كان به متعاطيه, وأشنع الخلق وصفا, | |
وأقبحهم نعتا. <br> | |
وله من الخذلان في أمر دينه ودنياه, بحسب ما تركه, من التعلق بربه. <br> | |
فمن تعلق بغيره, فهو مخذول, قد وكل إلى من تعلق به, ولا أحد من الخلق ينفع أحدا, | |
إلا بإذن الله. <br> | |
كما أن من جعل مع الله إلها آخر, له الذم والخذلان. <br> | |
فمن وحده, وأخلص دينه لله, وتعلق به دون غيره, فإنه محمود معان في جميع أحواله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك | |
الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما " </h1> | |
<p>لما نهى تعالى عن الشرك به, أمر بالتوحيد, فقال: " | |
وَقَضَى رَبُّكَ " قضاء دينيا, وأمرا شرعيا. <br> | |
" أَنْ لَا تَعْبُدُوا " أحدا من أهل الأرض | |
والسماوات الأحياء والأموات. <br> | |
" إِلَّا إِيَّاهُ " لأنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, | |
الذي له كل صفة كمال, وله من كل صفة أعظمها, على وجه لا يشبهه أحد من خلقه, وهو | |
المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, الدافع لجميع النقم, الخالق, الرازق, المدبر | |
لجميع الأمور. <br> | |
فهو المتفرد بذلك كله, وغيره ليس له من ذلك شيء. <br> | |
ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: " | |
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " . <br> | |
أي: أحسنوا إليهما, بجميع وجوه الإحسان, القول والفعلي, لأنهما سبب وجود العبد, | |
ولهما من المحبة للولد, والإحسان إليه, والقرب, ما يقتضي تأكد الحق, ووجوب البر. <br> | |
" إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا | |
" أي: إذا وصلا إلى هذا السن, الذي تضعف فيه قواهما, ويحتاجان من | |
اللطف والإحسان, ما هو معروف. <br> | |
" فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ " وهذا أدنى مراتب | |
الأذى, نبه به على ما سواه. <br> | |
والمعنى, لا تؤذهما أدنى أذية. <br> | |
" وَلَا تَنْهَرْهُمَا " أي: تزجرهما, وتتكلم كلاما | |
خشنا. <br> | |
" وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " بلفظ | |
يحبانه, وتأدب, وتلطف معهما, بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما, وتطمئن به نفوسهما. <br> | |
وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد, والأزمان. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني | |
صغيرا " </h1> | |
<p>" وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ | |
" أي: تواضع لهما, ذلا لهما, ورحمة, واحتسابا | |
للأجر, لا لأجل الخوف منهما, أو الرجاء لما لهما, ونحو ذلك من المقاصد, التي لا | |
يؤجر عليها العبد. <br> | |
" وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا " أي: ادع لهما | |
بالرحمة أحياء, وأمواتا. <br> | |
جزاء على تربيتهما إياك, صغيرا. <br> | |
وفهم من هذا, أنه كلما ازدادت التربية, ازداد الحق. <br> | |
وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه, تربية صالحة غير الأبوين, فإن له على | |
من رباه, حق التربية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين | |
غفورا " </h1> | |
<p>أي: ربكم تعالى مطلع على ما أكنته سرائركم, من خير وشر, وهو لا ينظر | |
إلى أعمالكم وأبدانكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وما فيها من الخير والشر. <br> | |
" إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ " بأن تكون إرادتكم | |
ومقاصدكم, دائرة على مرضاة الله, ورغبتكم فيما يقربكم إليه, وليس في قلوبكم إرادات | |
مستقرة لغير الله. <br> | |
" فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ " أي: | |
الرجاعين إليه في جميع الأوقات " غَفُورًا " . <br> | |
فمن اطلع الله على قلبه, وعلم أنه ليس فيه إلا الإنابة إليه ومحبته, ومحبة ما يقرب | |
إليه, فإنه, وإن جرى منه في بعض الأوقات, ما هو مقتضى الطبائع البشرية, فإن الله | |
يعفو عنه, ويغفر له الأمور العارضة, غير المستقرة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " | |
</h1> | |
<p>يقول تعالى: " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ | |
" من البر والإكرام, الواجب والمسنون, وذلك الحق, يتفاوت بتفاوت | |
الأحوال, والأقارب, والحاجة وعدمها, والأزمنة. <br> | |
" وَالْمِسْكِينَ " آته حقه من الزكاة ومن غيرها, | |
لتزول مسكنته " وَابْنَ السَّبِيلِ " وهو: الغريب | |
المنقطع به عن بلده. <br> | |
" وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا " يعطي الجميع من | |
المال, على وجه لا يضر المعطي, ولا يكون زائدا على المقدار اللائق, فإن ذلك تبذير, | |
قد نهى الله عنه وأخبر: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا | |
" </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ " لأن الشيطان, لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة, فيدعو الإنسن إلى البخل | |
والإمساك, فإذا عصاه, دعاه إلى الإسراف والتبذير. <br> | |
والله تعالى, إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها, ويمدح عليه, كما في قوله, عن عباد | |
الرحمن الأبرار " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا | |
وكان بين ذلك قواما " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما | |
محسورا " </h1> | |
<p>وقال هنا: " وَلَا | |
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ " كناية عن شدة الإمساك | |
والبخل. <br> | |
" وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ " فتنفق | |
فيما لا ينبغي, وزيادة على ما ينبغي. <br> | |
" فَتَقْعُدَ " إن فعلت ذلك " | |
مَلُومًا " أي: تلام على ما فعلت " مَحْسُورًا | |
" أي: حاسر اليد فارغها, فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح | |
وثناء. <br> | |
وهذا الأمر بإيتاء ذى القربى, مع القدرة والغنى. <br> | |
فأما مع العدم, أو تعسر النفقة الحاضرة, فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال: " وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ | |
تَرْجُوهَا " أي: تعرضن عن إعطائهم إلى وقت آخر, ترجو فيه من الله | |
تيسير الأمر. <br> | |
" فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا " أي: لطيفا | |
برفق, ووعد بالجميل, عند سنوح الفرصة, واعتذار بعدم الإمكان, في الوقت الحاضر, | |
لينقلبوا عنك, مطمئنة خواطرهم, كما قال تعالى " قَوْلٌ | |
مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى " . <br> | |
وهذا أيضا, من لطف الله تعالى بالعباد, أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه, لأن | |
انتظار ذلك, عبادة. <br> | |
وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر, عبادة حاضرة, لأن الهم بفعل الحسنة, | |
حسنة. <br> | |
ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير, وينوي فعل ما لم يقدر عليه, | |
ليثاب على ذلك, ولعل الله ييسر له بسبب رجائه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا | |
" </h1> | |
<p>ثم قال تعالى: " إِنَّ | |
رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ " من عباده " وَيَقْدِرُ " أي: يضيقه على من يشاء, حكمة منه. <br> | |
" إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا " فيجزيهم | |
على ما يعلمه صالحا لهم, ويدبرهم, بلطفه وكرمه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان | |
خطئا كبيرا " </h1> | |
<p>وهذا من رحمته بعباده, حيث كان أرحم بهم من والديهم. <br> | |
فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم, خوفا من الفقر والإملاق, وتكفل برزق الجميع. <br> | |
وأخبر أن قتلهم كان خطئا كبيرا, أي من أعظم كبائر الذنوب, لزوال الرحمة من القلب, | |
والعقوق العظيم والتجري على قتل الأطفال, الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " </h1> | |
<p>النهي عن قربان الزنى أبلغ من النهي عن مجرد فعله, لأن ذلك يشمل النهي | |
عن جميع مقدماته ودواعيه, فإن " من حام حول الحمى, يوشك أن | |
يقع فيه " . <br> | |
خصوصا هذا الأمر, الذي في كثير من النفوس, أقوى داع إليه. <br> | |
ووصف الله الزنى وقبحه بأنه " كَانَ فَاحِشَةً " أي: | |
إنما يستفحش في الشرع والعقل, والفطر, لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله, وحق | |
المرأة, وحق أهلها, أو زوجها, وإفساد الفراش, واختلاط الأنساب وغير ذلك من | |
المفاسد. <br> | |
وقوله " وَسَاءَ سَبِيلًا " أي: بئس السبيل, سبيل | |
من تجرأ على هذا الذنب العظيم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد | |
جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " </h1> | |
<p>وهذا شامل لكل نفس " حَرَّمَ اللَّهُ " قتلها | |
من صغير, وكبير, وذكر وأنثى, وحر, وعبد, ومسلم, وكافر له عهد. <br> | |
" إِلَّا بِالْحَقِّ " كالنفس بالنفس, والزاني | |
المحصن, والتارك لدينه, المفارق للجماعة, والباغي في حال بغيه, إذا لم يندفع إلا | |
بالقتل. <br> | |
" وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا " أي بغير حق " فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ " وهو, أقرب عصباته | |
وورثته إليه " سُلْطَانًا " أي: حجة ظاهرة على | |
القصاص من القاتل وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك. <br> | |
وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص, كالعمد العدوان, والمكافأة. <br> | |
" فَلَا يُسْرِفْ " الولي " | |
فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا " . <br> | |
والإسراف, مجاوزة الحد, إما أن يمثل بالقاتل, أو يقتله بغير ما قتل به, أو يقتل | |
غير القاتل. <br> | |
وفي هذه الآية, دليل على أن الحق في القتل للولي, فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا, سقط | |
القصاص. <br> | |
وأن ولي المقتول, يعينه الله على القاتل, ومن أعانه, حتى يتمكن من قتله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا | |
بالعهد إن العهد كان مسئولا " </h1> | |
<p>وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم, الذي فقد والده, وهو صغير, غير | |
عارف بمصلحة نفسه, ولا قائم بها, أن أمر أولياءه بحفظه, وحفظ ماله, وإصلاحه, وأن | |
لا يقربوه " إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " من | |
التجارة فيه, وعدم تعريضه للأخطار, والحرص على تنميته. <br> | |
وذلك ممتد إلى أن " يَبْلُغَ " اليتيم " أَشُدَّهُ " أي: بلوغه, وعقله, ورشده. <br> | |
فإذا بلغ أشده, زالت عنه الولاية, وصار ولي نفسه, ودفع إليه ماله. <br> | |
كما قال تعالى " فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا | |
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " . <br> | |
" وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ " الذي عاهدتم الله | |
عليه, والذي عاهدتم الخلق عليه. <br> | |
" إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا " أي: | |
مسئولون عن الوفاء به. <br> | |
فإن وفيتم, فلكم الثواب الجزيل, وإن لم تفعلوا, فعليكم الإثم العظيم</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن | |
تأويلا " </h1> | |
<p>وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين | |
بالقسط, من غير بخس ولا نقص. <br> | |
ويؤخذ من عموم المعنى, النهي عن كل غش, أو مثمن, أو معقود عليه, والأمر بالنصح, | |
والصدق في المعاملة. <br> | |
" ذَلِكَ خَيْرٌ " من عدمه " | |
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " أي: أحسن عاقبة به, يسلم العبد من التبعات, | |
وبه تنزل البركة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان | |
عنه مسئولا " </h1> | |
<p>أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم, با تثبت في | |
كل ما تقوله وتفعله. <br> | |
فلا تظن ذلك يذهب, لا لك ولا عليك. <br> | |
" إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ | |
كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول, عما | |
قاله وفعله, وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته, أن يعد للسؤال جوابا. | |
<br> | |
وذلك لا يكون, إلا باستعمالها, بعبودية الله, وإخلاص الدين له, وكفها عما يكرهه | |
الله تعالى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا | |
" </h1> | |
<p>يقول تعالى: " وَلَا | |
تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا " أي: كبرا وتيها وبطرا, متكبرا على | |
الحق, ومتعاظما في تكبرك على الخلق. <br> | |
" إِنَّكَ " في فعلك ذلك " | |
لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا " . <br> | |
بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق, مبغوضا ممقوتا, قد اكتسبت شر الأخلاق, | |
واكتسيت بأرذلها, من غير إدراك لبعض ما تروم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها " </h1> | |
<p>" | |
كُلُّ ذَلِكَ " المذكور الذي نهى الله عنه | |
فيما تقدم من قوله " وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا | |
آخَرَ " والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك " | |
كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا " أي: كل ذلك يسوء | |
العاملين ويضرهم, والله تعالى يكرهه ويأباه</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر | |
فتلقى في جهنم ملوما مدحورا " </h1> | |
<p>" ذَلِكَ " الذي بيناه | |
ووضحناه من هذه الأحكام الجليلة. <br> | |
" مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ " فإن | |
الحكمة, الأمر بمحاسن الأعمال, ومكارم الأخلاق, والنهي عن أراذل الأخلاق, وأسوإ | |
الأعمال. <br> | |
وهذه الأعمال المذكورة في هذه الآيات, من الحكمة العالية, التي أوحاها رب العالمين | |
لسيد المرسلين, في أشرف الكتب, ليأمر بها أفضل الأمم, فهي من الحكمة, التي من | |
أوتيها, فقد أوتي خيرا كثيرا. <br> | |
ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله, كما افتتحها بذلك فقال: " | |
وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ " أي: | |
خالدا مخلدا, فإنه من يشرك بالله, فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. <br> | |
" مَلُومًا مَدْحُورًا " أي: قد لحقتك اللائمة, واللعنة, | |
والذم من الله, وملائكته, والناس أجمعين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون | |
قولا عظيما " </h1> | |
<p>وهذا إنكار شديد, على من زعم أن الله اتخذ | |
من خلقه بنات فقال: " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ | |
" أي: اختار لكم الصفوة والنصيب الكامل, واتخذ لنفسه من الملائكة | |
إناثا, حيث زعموا أن الملائكة بنات الله. <br> | |
" إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " فيه | |
أعظم الجرأة على الله, حيث نسبتم له الولد المتضمن لحاجته, واستغناء بعض المخلوقات | |
عنه, وحكمتم له بأردأ القسمين, وهو الإناث وهو الذي خلقكم, واصطفاكم بالذكور, | |
فتعال الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, أنه صرف لعباده, في هذا القرآن, أي نوع الأحكام, ووضحها, | |
وأكثر من الأدلة والبراهين, على ما دعا إليه, ووعظ وذكر, لأجل أن يتذكروا ما | |
ينفعهم فيسلكوه, وما يضرهم فيدعوه. <br> | |
ولكن أبى أكثر الناس, إلا نفورا عن آيات الله, لبغضهم للحق, ومحبتهم ما كانوا عليه | |
من الباطل, حتى تعصبوا لباطلهم, ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا, ولا ألقوا لها | |
بالا. <br> | |
ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة, التوحيد الذي هو أصل الأصول. <br> | |
فأمر به, ونهى عن ضده, وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية, شيئا كثيرا, بحيث أن | |
من أصغى إلى بعضها, لا تدع في قلبه, شكا ولا ريبا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل لو ك |