سورة الإسراء - تفسير السعدي | |
| | |
" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد | |
| الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " | |
ينزه | |
| تعالى نفسه المقدسة, ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة, التي من | |
| جملتها أنه " أَسْرَى بِعَبْدِهِ " ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, | |
| " لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " الذي هو أجل المساجد على | |
| الإطلاق " إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " الذي هو من المساجد الفاضلة, | |
| وهو محل الأنبياء. | |
| فأسرى به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جدا, ورجع في ليلته. | |
| وأراه الله من آياته, ما ازداد به هدى وبصيرة, وثباتا, وفرقانا. | |
| وهذا من اعتنائه تعالى به, ولطفه, حيث يسره لليسرى, في جميع أموره, وخوله نعما, | |
| فاق بها الأولين والآخرين. | |
| وظاهر الآية, أن الإسراء كان في أول الليل, وأنه من نفس المسجد الحرام. | |
| لكن ثبت في الصحيح, أنه أسري به من بيت أم هانئ. | |
| فعلى هذا, تكون الفضيلة في المسجد الحرام, لسائر الحرم. | |
| فكله تضاعف فيه العبادة, كتضاعفها في نفس المسجد. | |
| وأن الإسراء, بروحه, وجسده معا, وإلا لم يكن في ذلك آية كبرى, ومنقبة عظيمة. | |
| وقد تكاثرت الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الإسراء, وذكر | |
| تفاصيل ما رأى, وأنه أسرى به إلى بيت المقدس, ثم عرج به من هناك, إلى السماوات, | |
| حتى وصل إلى ما فوق السماوات العلى, ورأى الجنة والنار, والأنبياء على مراتبهم, | |
| وفرض عليه الصلوات خمسين. | |
| ثم ما زال يراجع ربه بإشارة موسى الكليم, حتى صارت خمسا في الفعل, وخمسين في الأجر | |
| والثواب. | |
| وحاز من المفاخر تلك الليلة, هو وأمته, ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل. | |
| ودكره هنا وفي مقام الإنزال للقرآن, ومقام التحدي بصفة العبودية, لأنه نال هذه | |
| المقامات الكبار, بتكميله لعبودية ربه. | |
| وقوله: " الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ " أي: بكثرة الأشجار والأنهار, | |
| والخصب الدائم. | |
| ومن بركته, تفضيله على غيره من المساجد, سوى المسجد الحرام, ومسجد المدينة. | |
| وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه, وأن الله اختصه محلا, لكثير من | |
| أنبيائه وأصفيائه. | |
" وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من | |
| دوني وكيلا " | |
كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى | |
| الله عليه وسلم, ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم, وبين كتابيهما وشريعتيهما, لأن | |
| كتابيهما أفضل الكتب, وشريعتيهما أكمل الشرائع, ونبوتيهما أعلى النبوات, وأتباعهما | |
| أكثر المؤمنين. | |
| ولهذا قال هنا: " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ " الذي | |
| هو التوراة " وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ | |
| " يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق. | |
| " أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا " أي: | |
| وقلنا لهم ذلك, وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك, ليعبدوا الله وحده, وينيبوا إليه, | |
| ويتخذوه وحده, وكيلا ومدبرا لهم, في أمر دينهم ودنياهم, ولا يتعلقوا بغيره من | |
| المخلوقين الذين لا يملكون شيئا, ولا ينفعونهم بشيء. | |
" ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا " | |
" ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ " أي: يا ذرية من مننا عليهم, وحملناهم مع نوح. | |
| " إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا " ففيه التنويه | |
| بالثناء على نوح, عليه السلام, بقيامه بشكر الله, واتصافه بذلك, والحث لذريته, أن | |
| يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه, وأن يتذكروا نعمة الله عليهم, إذ أبقاهم | |
| واستخلفهم في الأرض, وأغرق غيرهم. | |
" وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن | |
| علوا كبيرا " | |
" | |
| وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ " أي | |
| تقدمنا وعهدنا إليهم, وأخبرناهم في كتابهم, أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض | |
| مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله, والعلو في الأرض والتكبر فيها, وأنه إذا وقع | |
| واحدة منهما, سلط الله عليهم الأعداء, وانتقم منهم, وهذا تحذير لهم وإنذار, لعلهم | |
| يرجعون فيتذكرون. | |
" فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد | |
| فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا " | |
" | |
| فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا " أي: أولي | |
| المرتين اللتين يفسدون فيهما. | |
| أي: إذا وقع منهم ذلك الفساد " بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ " بعثا | |
| قدريا, وسلطنا عليكم تسليطا كونيا جزائيا " عِبَادًا لَنَا | |
| أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ " أي: ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم, | |
| فقتلوكم وسبوا أولادكم, ونهبوا أموالكم. | |
| " فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ " وهتكوا الدور, | |
| ودخلوا المسجد الحرام, وأفسدوه. | |
| " وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا " لا بد من وقوعه, | |
| لوجود سببه منهم. | |
| واختلف المفسرون, في تعيين هؤلاء المسلطين, إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار. | |
| إما من أهل العراق, أو الجزيرة, أو غيرها سلطهم الله على بني إسرائيل, لما كثرت | |
| فيهم المعاصي, وتركوا كثيرا, من شريعتهم, وطغوا في الأرض. | |
" ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر | |
| نفيرا " | |
" | |
| ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ " أي: على هؤلاء الذين سلطوا عليكم, فأجليتموهم من دياركم. | |
| " وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ " أي: | |
| أكثرنا أرزاقكم, وكثرناكم, وقويناكم عليهم. | |
| " وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا " منهم, | |
| وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله. | |
" إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة | |
| ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا " | |
" إِنْ | |
| أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ " لأن | |
| النفع عائد إليكم, حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على أعدائكم. | |
| " وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا " أي: فلأنفسكم, | |
| يعود الضرر كما أراكم الله, من تسليط الأعداء. | |
| " فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ " أي: المرة | |
| الأخرى, التي تفسدون فيها في الأرض, سلطنا عليكم الأعداء, " | |
| لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ " بانتصارهم عليكم وسبيكم " | |
| وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ " والمراد | |
| بالمسجد, مسجد بيت المقدس. | |
| " وَلِيُتَبِّرُوا " أي: يخربوا ويدمروا " مَا عَلَوْا " عليه " تَتْبِيرًا | |
| " فيخربوا بيوتكم, ومساجدكم, وحروثكم. | |
" عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا | |
| " | |
" | |
| عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ " فيديل | |
| لكم الكرة عليهم. | |
| فرحمهم, وجعل لهم الدولة, وتوعدهم على المعاصي فقال: " وَإِنْ | |
| عُدْتُمْ " إلى الإفساد في الأرض " عُدْنَا | |
| " إلى عقوبتكم. | |
| فعادوا لذلك, فسلط الله عليهم رسوله, محمدا صلى الله عليه وسلم, فانتقم الله به | |
| منهم. | |
| فهذا جزاء الدنيا, وما عند الله من النكال, وأعظم وأشنع, ولهذا قال: " وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا " يصلونها, | |
| ويلازمونها, لا يخرجون منها أبدا. | |
| وفي هذه الآيات التحذير لهذه الأمة, من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم, ما أصاب بني | |
| إسرائيل. | |
| فسنة الله واحدة, لا تبدل ولا تغير. | |
| ومن نظر إلى تسليط الكفرة والظلمة على المسلمين عرف أن ذلك, من أجل ذنوبهم, عقوبة | |
| لهم, وأنهم إذا أقاموا كتاب الله, وسنة رسوله, مكن لهم في الأرض, ونصرهم على أعدائهم. | |
" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون | |
| الصالحات أن لهم أجرا كبيرا " | |
يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته, وأنه " يَهْدِي | |
| لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ " أي: أعدل وأعلى, من العقائد, والأعمال, | |
| والأخلاق. | |
| فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن, كان أكمل الناس, وأقومهم, وأهداهم في جميع | |
| الأمور. | |
| " وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ | |
| الصَّالِحَاتِ " من الواجبات والسنن. | |
| " أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا " أعده الله لهم | |
| في دار كرامته, لا يعلم وصفه إلا هو. | |
" وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما " | |
" | |
| وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا | |
| أَلِيمًا " , فالقرآن مشتمل على البشارة | |
| والنذارة, وذكر الأسباب التي تنال بها البشارة, وهو الإيمان, والعمل الصالح, والتي | |
| تستحق بها النذارة وهو ضد ذلك | |
" ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا " | |
وهذا من جهل الإنسان وعجلته, حيث يدعو على نفسه وأولاده بالشر عند | |
| الغضب, ويبادر بذلك الدعاء, كما يبادر بالدعاء في الخير, ولكن الله - من لطفه - | |
| يستجيب له في الخير, ولا يستجيب له بالشر. | |
| " وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ | |
| اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ " . | |
" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار | |
| مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا | |
| " | |
يقول تعالى: " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ | |
| آيَتَيْنِ " أي: دالتين على كمال قدرة الله وسعة رحمته, وأنه الذي لا | |
| تنبغي العبادة إلا له. | |
| " فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ " أي: جعلناه | |
| مظلما, للسكون فيه, والراحة. | |
| " وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً " أي: | |
| مضيئة " لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ " في | |
| معايشكم, وصنائعكم, وتجاراتكم, وأسفاركم. | |
| " وَلِتَعْلَمُوا " بتوالي الليل والنهار واختلاف | |
| القمر " عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ " فتبنون | |
| عليها ما تشاءون, من مصالحكم. | |
| " وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا " أي: | |
| بينا الآيات, وصرفناه, لتتميز الأشياء, ويتبين الحق من الباطل, كما قال تعالى " مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ " . | |
" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا | |
| يلقاه منشورا " | |
وهذا إخبار عن كمال عدله, أن كل إنسان يلزمه | |
| طائره في عنقه, أي: ما عمل من خير وشر, يجعله الله ملازما له, لا يتعداه إلى غيره, | |
| فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله. | |
| " وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ | |
| مَنْشُورًا " فيه عمله, من الخير والشر, حاضرا, صغيره وكبيره, ويقال | |
| له: " اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ | |
| حَسِيبًا " . | |
| وهذا من أعظم العدل والإنصاف, أن يقال للعبد: حاسب نفسك, ليعرف ما عليه من الحق | |
| الموجب للعقاب. | |
" من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر | |
| وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " | |
أي: هداية كل أحد وضلاله لنفسه, ولا يحمل | |
| أحد ذنب أحد, ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر. | |
| والله تعالى, أعدل العادلين, لا يعذب أحدا, حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة, ثم | |
| يعاند الحجة. | |
| وأما من انقاد للحجة, أو لم تبلغه حجة الله تعالى, فإن الله تعالى لا يعذبه. | |
| استدل بهذه الآية, على أن أهل الفترات, وأطفال المشركين, لا يعذبهم الله, حتى يبعث | |
| إليهم رسولا, لأنه منزه عن الظلم. | |
" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها | |
| القول فدمرناها تدميرا " | |
يخبر تعالى, أنه إذا أراد أن يهلك قرية من القرى الظالمة, ويستأصلها | |
| بالعذاب, أمر مترفيها, أمرا قدريا, ففسقوا فيها, واشتد طغيانهم. | |
| " فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ " أي: كلمة العذاب | |
| التي لا مرد لها " فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا " . | |
| وهؤلاء أمم كثيرة أبادهم الله بالعذاب, من بعد قوم نوح, كعاد, وثمود, وقوم لوط, | |
| وغيرهم, من عاقبهم الله, لما كثر بغيهم, واشتد كفرهم, أنزل الله بهم عقابه العظيم. | |
| " وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا | |
| " فلا يخافون منه ظلما, وأنه يعاقبهم على ما عملوه. | |
" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا | |
| له جهنم يصلاها مذموما مدحورا " | |
يخبر تعالى أن " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ | |
| " أي: الدنيا المنقضية الزائلة, فعمل لها, وسعى, ونسي المبتدأ أو | |
| المنتهى, أن الله يعجل له من حطامها ومتاعها, ما يشاؤه ويريده, مما كتب الله له في | |
| اللوح المحفوظ, ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له. | |
| ثم يجعل له في الآخرة " جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا " أي | |
| يباشر عذابها " مَذْمُومًا مَدْحُورًا " أي: في | |
| حالة الخزي والفضيحة والذم من الله, ومن خلقه, والبعد عن رحمة الله, فيجمع له | |
| العذاب والفضيحة. | |
" ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم | |
| مشكورا " | |
" | |
| وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ " فرضيها وآثرها | |
| على الدنيا " وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " الذي دعت | |
| إليه الكتب السماوية, والآثار النبوية, فعمل بذلك على قدر إمكانه " | |
| وَهُوَ مُؤْمِنٌ " بالله وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر. | |
| " فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا " أي: | |
| مقبولا منمى, مدخرا, لهم أجرهم وثوابهم عند ربهم. | |
| ومع هذا, فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا, فكلا يمده الله منها, لأنه عطاؤه وإحسانه " وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا " أي: ممنوعا | |
| من أحد, بل جميع الخلق راتعون بفضله وإحسانه. | |
" انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا | |
| " | |
" | |
| انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " في الدنيا, بسعة الأرزاق وقلتها, واليسر والعسر, والعلم والجهل, والعقل | |
| والسفه, وغير ذلك من الأمور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها. | |
| " وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا | |
| " فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها, إلى الآخرة, بوجه من الوجوه. | |
| فكم بين من هو في الغرف العاليات, واللذات المتنوعات, والسرور والخيرات والأفراح, | |
| ممن هو يتقلب في الجحيم, ويعذب بالعذاب الأليم وقد حل عليه سخط الرب الرحيم, وكل | |
| من الدارين بين أهلها من التفاوت ما لا يمكن أحدا عده | |
" لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا " | |
أي: لا تعتقد أن أحدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة, ولا تشرك | |
| بالله أحدا منهم, فإن ذلك داع للذم والخذلان. | |
| فالله, وملائكته, ورسله, قد نهوا عن الشرك, وذموا من عمله أشد الذم, ورتبوا عليه | |
| من الأسماء المذمومة, والأوصاف المقبوحة, ما كان به متعاطيه, وأشنع الخلق وصفا, | |
| وأقبحهم نعتا. | |
| وله من الخذلان في أمر دينه ودنياه, بحسب ما تركه, من التعلق بربه. | |
| فمن تعلق بغيره, فهو مخذول, قد وكل إلى من تعلق به, ولا أحد من الخلق ينفع أحدا, | |
| إلا بإذن الله. | |
| كما أن من جعل مع الله إلها آخر, له الذم والخذلان. | |
| فمن وحده, وأخلص دينه لله, وتعلق به دون غيره, فإنه محمود معان في جميع أحواله. | |
" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك | |
| الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما " | |
لما نهى تعالى عن الشرك به, أمر بالتوحيد, فقال: " | |
| وَقَضَى رَبُّكَ " قضاء دينيا, وأمرا شرعيا. | |
| " أَنْ لَا تَعْبُدُوا " أحدا من أهل الأرض | |
| والسماوات الأحياء والأموات. | |
| " إِلَّا إِيَّاهُ " لأنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, | |
| الذي له كل صفة كمال, وله من كل صفة أعظمها, على وجه لا يشبهه أحد من خلقه, وهو | |
| المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, الدافع لجميع النقم, الخالق, الرازق, المدبر | |
| لجميع الأمور. | |
| فهو المتفرد بذلك كله, وغيره ليس له من ذلك شيء. | |
| ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: " | |
| وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " . | |
| أي: أحسنوا إليهما, بجميع وجوه الإحسان, القول والفعلي, لأنهما سبب وجود العبد, | |
| ولهما من المحبة للولد, والإحسان إليه, والقرب, ما يقتضي تأكد الحق, ووجوب البر. | |
| " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا | |
| " أي: إذا وصلا إلى هذا السن, الذي تضعف فيه قواهما, ويحتاجان من | |
| اللطف والإحسان, ما هو معروف. | |
| " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ " وهذا أدنى مراتب | |
| الأذى, نبه به على ما سواه. | |
| والمعنى, لا تؤذهما أدنى أذية. | |
| " وَلَا تَنْهَرْهُمَا " أي: تزجرهما, وتتكلم كلاما | |
| خشنا. | |
| " وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " بلفظ | |
| يحبانه, وتأدب, وتلطف معهما, بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما, وتطمئن به نفوسهما. | |
| وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد, والأزمان. | |
" واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني | |
| صغيرا " | |
" وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ | |
| " أي: تواضع لهما, ذلا لهما, ورحمة, واحتسابا | |
| للأجر, لا لأجل الخوف منهما, أو الرجاء لما لهما, ونحو ذلك من المقاصد, التي لا | |
| يؤجر عليها العبد. | |
| " وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا " أي: ادع لهما | |
| بالرحمة أحياء, وأمواتا. | |
| جزاء على تربيتهما إياك, صغيرا. | |
| وفهم من هذا, أنه كلما ازدادت التربية, ازداد الحق. | |
| وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه, تربية صالحة غير الأبوين, فإن له على | |
| من رباه, حق التربية. | |
" ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين | |
| غفورا " | |
أي: ربكم تعالى مطلع على ما أكنته سرائركم, من خير وشر, وهو لا ينظر | |
| إلى أعمالكم وأبدانكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وما فيها من الخير والشر. | |
| " إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ " بأن تكون إرادتكم | |
| ومقاصدكم, دائرة على مرضاة الله, ورغبتكم فيما يقربكم إليه, وليس في قلوبكم إرادات | |
| مستقرة لغير الله. | |
| " فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ " أي: | |
| الرجاعين إليه في جميع الأوقات " غَفُورًا " . | |
| فمن اطلع الله على قلبه, وعلم أنه ليس فيه إلا الإنابة إليه ومحبته, ومحبة ما يقرب | |
| إليه, فإنه, وإن جرى منه في بعض الأوقات, ما هو مقتضى الطبائع البشرية, فإن الله | |
| يعفو عنه, ويغفر له الأمور العارضة, غير المستقرة. | |
" وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " | |
يقول تعالى: " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ | |
| " من البر والإكرام, الواجب والمسنون, وذلك الحق, يتفاوت بتفاوت | |
| الأحوال, والأقارب, والحاجة وعدمها, والأزمنة. | |
| " وَالْمِسْكِينَ " آته حقه من الزكاة ومن غيرها, | |
| لتزول مسكنته " وَابْنَ السَّبِيلِ " وهو: الغريب | |
| المنقطع به عن بلده. | |
| " وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا " يعطي الجميع من | |
| المال, على وجه لا يضر المعطي, ولا يكون زائدا على المقدار اللائق, فإن ذلك تبذير, | |
| قد نهى الله عنه وأخبر: | |
" إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا | |
| " | |
" | |
| إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ " لأن الشيطان, لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة, فيدعو الإنسن إلى البخل | |
| والإمساك, فإذا عصاه, دعاه إلى الإسراف والتبذير. | |
| والله تعالى, إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها, ويمدح عليه, كما في قوله, عن عباد | |
| الرحمن الأبرار " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا | |
| وكان بين ذلك قواما " . | |
" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما | |
| محسورا " | |
وقال هنا: " وَلَا | |
| تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ " كناية عن شدة الإمساك | |
| والبخل. | |
| " وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ " فتنفق | |
| فيما لا ينبغي, وزيادة على ما ينبغي. | |
| " فَتَقْعُدَ " إن فعلت ذلك " | |
| مَلُومًا " أي: تلام على ما فعلت " مَحْسُورًا | |
| " أي: حاسر اليد فارغها, فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح | |
| وثناء. | |
| وهذا الأمر بإيتاء ذى القربى, مع القدرة والغنى. | |
| فأما مع العدم, أو تعسر النفقة الحاضرة, فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال: " وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ | |
| تَرْجُوهَا " أي: تعرضن عن إعطائهم إلى وقت آخر, ترجو فيه من الله | |
| تيسير الأمر. | |
| " فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا " أي: لطيفا | |
| برفق, ووعد بالجميل, عند سنوح الفرصة, واعتذار بعدم الإمكان, في الوقت الحاضر, | |
| لينقلبوا عنك, مطمئنة خواطرهم, كما قال تعالى " قَوْلٌ | |
| مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى " . | |
| وهذا أيضا, من لطف الله تعالى بالعباد, أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه, لأن | |
| انتظار ذلك, عبادة. | |
| وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر, عبادة حاضرة, لأن الهم بفعل الحسنة, | |
| حسنة. | |
| ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير, وينوي فعل ما لم يقدر عليه, | |
| ليثاب على ذلك, ولعل الله ييسر له بسبب رجائه. | |
" إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا | |
| " | |
ثم قال تعالى: " إِنَّ | |
| رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ " من عباده " وَيَقْدِرُ " أي: يضيقه على من يشاء, حكمة منه. | |
| " إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا " فيجزيهم | |
| على ما يعلمه صالحا لهم, ويدبرهم, بلطفه وكرمه. | |
" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان | |
| خطئا كبيرا " | |
وهذا من رحمته بعباده, حيث كان أرحم بهم من والديهم. | |
| فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم, خوفا من الفقر والإملاق, وتكفل برزق الجميع. | |
| وأخبر أن قتلهم كان خطئا كبيرا, أي من أعظم كبائر الذنوب, لزوال الرحمة من القلب, | |
| والعقوق العظيم والتجري على قتل الأطفال, الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية. | |
" ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " | |
النهي عن قربان الزنى أبلغ من النهي عن مجرد فعله, لأن ذلك يشمل النهي | |
| عن جميع مقدماته ودواعيه, فإن " من حام حول الحمى, يوشك أن | |
| يقع فيه " . | |
| خصوصا هذا الأمر, الذي في كثير من النفوس, أقوى داع إليه. | |
| ووصف الله الزنى وقبحه بأنه " كَانَ فَاحِشَةً " أي: | |
| إنما يستفحش في الشرع والعقل, والفطر, لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله, وحق | |
| المرأة, وحق أهلها, أو زوجها, وإفساد الفراش, واختلاط الأنساب وغير ذلك من | |
| المفاسد. | |
| وقوله " وَسَاءَ سَبِيلًا " أي: بئس السبيل, سبيل | |
| من تجرأ على هذا الذنب العظيم. | |
" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد | |
| جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " | |
وهذا شامل لكل نفس " حَرَّمَ اللَّهُ " قتلها | |
| من صغير, وكبير, وذكر وأنثى, وحر, وعبد, ومسلم, وكافر له عهد. | |
| " إِلَّا بِالْحَقِّ " كالنفس بالنفس, والزاني | |
| المحصن, والتارك لدينه, المفارق للجماعة, والباغي في حال بغيه, إذا لم يندفع إلا | |
| بالقتل. | |
| " وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا " أي بغير حق " فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ " وهو, أقرب عصباته | |
| وورثته إليه " سُلْطَانًا " أي: حجة ظاهرة على | |
| القصاص من القاتل وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك. | |
| وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص, كالعمد العدوان, والمكافأة. | |
| " فَلَا يُسْرِفْ " الولي " | |
| فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا " . | |
| والإسراف, مجاوزة الحد, إما أن يمثل بالقاتل, أو يقتله بغير ما قتل به, أو يقتل | |
| غير القاتل. | |
| وفي هذه الآية, دليل على أن الحق في القتل للولي, فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا, سقط | |
| القصاص. | |
| وأن ولي المقتول, يعينه الله على القاتل, ومن أعانه, حتى يتمكن من قتله. | |
" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا | |
| بالعهد إن العهد كان مسئولا " | |
وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم, الذي فقد والده, وهو صغير, غير | |
| عارف بمصلحة نفسه, ولا قائم بها, أن أمر أولياءه بحفظه, وحفظ ماله, وإصلاحه, وأن | |
| لا يقربوه " إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " من | |
| التجارة فيه, وعدم تعريضه للأخطار, والحرص على تنميته. | |
| وذلك ممتد إلى أن " يَبْلُغَ " اليتيم " أَشُدَّهُ " أي: بلوغه, وعقله, ورشده. | |
| فإذا بلغ أشده, زالت عنه الولاية, وصار ولي نفسه, ودفع إليه ماله. | |
| كما قال تعالى " فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا | |
| فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " . | |
| " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ " الذي عاهدتم الله | |
| عليه, والذي عاهدتم الخلق عليه. | |
| " إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا " أي: | |
| مسئولون عن الوفاء به. | |
| فإن وفيتم, فلكم الثواب الجزيل, وإن لم تفعلوا, فعليكم الإثم العظيم | |
" وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن | |
| تأويلا " | |
وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين | |
| بالقسط, من غير بخس ولا نقص. | |
| ويؤخذ من عموم المعنى, النهي عن كل غش, أو مثمن, أو معقود عليه, والأمر بالنصح, | |
| والصدق في المعاملة. | |
| " ذَلِكَ خَيْرٌ " من عدمه " | |
| وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " أي: أحسن عاقبة به, يسلم العبد من التبعات, | |
| وبه تنزل البركة. | |
" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان | |
| عنه مسئولا " | |
أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم, با تثبت في | |
| كل ما تقوله وتفعله. | |
| فلا تظن ذلك يذهب, لا لك ولا عليك. | |
| " إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ | |
| كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول, عما | |
| قاله وفعله, وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته, أن يعد للسؤال جوابا. | |
| وذلك لا يكون, إلا باستعمالها, بعبودية الله, وإخلاص الدين له, وكفها عما يكرهه | |
| الله تعالى. | |
" ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا | |
| " | |
يقول تعالى: " وَلَا | |
| تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا " أي: كبرا وتيها وبطرا, متكبرا على | |
| الحق, ومتعاظما في تكبرك على الخلق. | |
| " إِنَّكَ " في فعلك ذلك " | |
| لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا " . | |
| بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق, مبغوضا ممقوتا, قد اكتسبت شر الأخلاق, | |
| واكتسيت بأرذلها, من غير إدراك لبعض ما تروم. | |
" كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها " | |
" | |
| كُلُّ ذَلِكَ " المذكور الذي نهى الله عنه | |
| فيما تقدم من قوله " وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا | |
| آخَرَ " والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك " | |
| كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا " أي: كل ذلك يسوء | |
| العاملين ويضرهم, والله تعالى يكرهه ويأباه | |
" ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر | |
| فتلقى في جهنم ملوما مدحورا " | |
" ذَلِكَ " الذي بيناه | |
| ووضحناه من هذه الأحكام الجليلة. | |
| " مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ " فإن | |
| الحكمة, الأمر بمحاسن الأعمال, ومكارم الأخلاق, والنهي عن أراذل الأخلاق, وأسوإ | |
| الأعمال. | |
| وهذه الأعمال المذكورة في هذه الآيات, من الحكمة العالية, التي أوحاها رب العالمين | |
| لسيد المرسلين, في أشرف الكتب, ليأمر بها أفضل الأمم, فهي من الحكمة, التي من | |
| أوتيها, فقد أوتي خيرا كثيرا. | |
| ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله, كما افتتحها بذلك فقال: " | |
| وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ " أي: | |
| خالدا مخلدا, فإنه من يشرك بالله, فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. | |
| " مَلُومًا مَدْحُورًا " أي: قد لحقتك اللائمة, واللعنة, | |
| والذم من الله, وملائكته, والناس أجمعين. | |
" أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون | |
| قولا عظيما " | |
وهذا إنكار شديد, على من زعم أن الله اتخذ | |
| من خلقه بنات فقال: " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ | |
| " أي: اختار لكم الصفوة والنصيب الكامل, واتخذ لنفسه من الملائكة | |
| إناثا, حيث زعموا أن الملائكة بنات الله. | |
| " إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " فيه | |
| أعظم الجرأة على الله, حيث نسبتم له الولد المتضمن لحاجته, واستغناء بعض المخلوقات | |
| عنه, وحكمتم له بأردأ القسمين, وهو الإناث وهو الذي خلقكم, واصطفاكم بالذكور, | |
| فتعال الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. | |
" ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا " | |
يخبر تعالى, أنه صرف لعباده, في هذا القرآن, أي نوع الأحكام, ووضحها, | |
| وأكثر من الأدلة والبراهين, على ما دعا إليه, ووعظ وذكر, لأجل أن يتذكروا ما | |
| ينفعهم فيسلكوه, وما يضرهم فيدعوه. | |
| ولكن أبى أكثر الناس, إلا نفورا عن آيات الله, لبغضهم للحق, ومحبتهم ما كانوا عليه | |
| من الباطل, حتى تعصبوا لباطلهم, ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا, ولا ألقوا لها | |
| بالا. | |
| ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة, التوحيد الذي هو أصل الأصول. | |
| فأمر به, ونهى عن ضده, وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية, شيئا كثيرا, بحيث أن | |
| من أصغى إلى بعضها, لا تدع في قلبه, شكا ولا ريبا. | |
" قل لو كأكثر المصاحف تفاعلاً |