<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الكهف - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا | |
" </h1></p> | |
<p>الحمد | |
هو الثناء عليه بصفاته, التي هي كلها صفات كمال, وبنعمه الظاهرة والباطنة, الدينية | |
والدنيوية. <br> | |
وأجل نعمه على الإطلاق, إنزاله الكتاب العظيم على عبده ورسوله, محمد صلى الله عليه | |
وسلم. <br> | |
فحمد نفسه, وفي ضمنه, إرشاد العباد ليحمدوه على إرسال الرسول إليهم, وإنزال الكتاب | |
عليهم. <br> | |
ثم وصف هذا الكتاب بوصفين مشتملين, على أنه الكامل من جميع الوجوه. <br> | |
وهما نفي العوج عنه, وإثبات أنه مقيم مستقيم. <br> | |
فنفي العوج, يقتضي أنه ليس في أخباره كذب, ولا في أوامره ونواهيه, ظلم ولا عبث. <br> | |
وإثبات الاستقامة, يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجل الأخبارات وهي الأخبار, | |
التي تملأ القلوب معرفة وإيمانا وعقلا, كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله, | |
ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة. <br> | |
وأن أوامره ونواهيه, تزكي النفوس وتطهرها وتنميها وتكملها, لاشتمالها على كمال | |
العدل والقسط, والإخلاص, والعبودية لله رب العالمين, وحده لا شريك له. <br> | |
وحقيق بكتاب موصوف. <br> | |
بما ذكر, أن يحمد الله نفسه على إنزاله, وأن يتمدح إلى عباده به. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون | |
الصالحات أن لهم أجرا حسنا " </h1> | |
<p>وقوله " لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ | |
لَدُنْهُ " أي: لينذر بهذا القرآن الكريم, عقابه الذي عنده, أي: قدره | |
وقضاءه, على من خالف أمره, وهذا يشمل عقاب الدنيا, وعقاب الآخرة. <br> | |
وهذا أيضا, من نعمه أن خوف عباده, وأنذرهم, ما يضرهم ويهلكهم. <br> | |
كما قال تعالى - لما ذكر في هذا القرآن وصف النار, قال: " ذلك | |
يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون " . <br> | |
فمن رحمته بعباده, أن قيض العقوبات الغليظة على من خالف أمره, وبينها لهم, وبين | |
لهم الأسباب الموصلة إليها. <br> | |
" وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ | |
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا " أي: وأنزل الله على | |
عبده الكتاب, ليبشر المؤمنين به, وبرسله, وكتبه, الذين كمل إيمانهم. <br> | |
فأوجب لهم عمل الصالحات, وهي: الأعمال الصالحة, من واجب, ومستحب, التي جمعت | |
الإخلاص والمتابعة. <br> | |
" أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا " وهو الثواب | |
الذي رتبه الله على الإيمان والعمل الصالح. <br> | |
وأعظمه وأجله, الفوز برضا الله ودخول الجنة, التي فيها, ما لا عين رأت, ولا أذن | |
سمعت, ولا خطر على قلب بشر. <br> | |
وفي وصفه بالحسن, دلالة على أنه لا مكدر فيه, ولا منغص, بوجه من الوجوه. <br> | |
إذ لو وجد فيه شيء من ذلك, لم يكن حسنه تاما. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ماكثين فيه أبدا " </h1> | |
<p>ومع ذلك فهذا الأجر الحسن " | |
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا " لا يزول عنهم, ولا يزولون عنه, بل نعيمهم | |
في كل وقت متزايد. <br> | |
وفي ذكر التبشير, ما يقتضي ذكر الأعمال الموجبة للمبشر به. <br> | |
وهو: أن هذا القرآن, قد اشتمل على كل عمل صالح, موصل لما تستبشر به النفوس, وتفرح | |
به الأرواح. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا " </h1> | |
<p>" | |
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا " من اليهود والنصارى, والمشركين, الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة, | |
فإنهم لم يقولوها عن علم ولا يقين, لا علم منهم, ولا علم من آبائهم الذين قلدوهم | |
واتبعوهم, بل إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس. <br> | |
" كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ " أي: | |
عظمت شناعتها واشتدت عقوبتها. <br> | |
وأي شناعة أعظم من وصفه, بالاتخاذ للولد, الذي يقتضي نقصه, ومشاركة غيره له في | |
خصائص الربوبية, والإلهية, والكذب عليه؟!! " فَمَنْ أَظْلَمُ | |
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا " . <br> | |
ولهذا قال هنا: " إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا " أي: | |
كذبا محضا ما فيه من الصدق شيء. <br> | |
وتأمل كيف أبطل هذا القول بالتدريج, والانتقال من شيء إلى أبطل منه. <br> | |
فأخبر أولا: أنه " مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا | |
لِآبَائِهِمْ " والقول على الله بلا علم, لا شك في منعه وبطلانه. <br> | |
ثم أخبر ثانيا, أنه قول قبيح شنيع فقال: " كَبُرَتْ كَلِمَةً | |
تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ " . <br> | |
ثم ذكر ثالثا مرتبته من القبح, وهو: الكذب المنافي للصدق. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا | |
" </h1> | |
<p>ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم, حريصا على هداية الخلق, ساعيا في | |
ذلك أعظم السعي, فكان صلى الله عليه وسلم, يفرح ويسر بهداية المتدين, ويحزن ويأسف | |
على المكذبين الضالين, شفقة منه صلى الله عليه وسلم, عليهم ورحمة بهم, أرشده الله | |
أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء, الذين لا يؤمنون بهذا القرآن, كما قال في | |
الأخرى. <br> | |
" ولعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " . <br> | |
وقال " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " وهنا قال " فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ " أي: مهلكها, غما | |
وأسفا عليهم, وذلك أن أجرك, قد وجب على الله. <br> | |
وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا, لهداهم. <br> | |
ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار, فلذلك خذلهم, فلم يهتدوا. <br> | |
فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم, ليس فيه فائدة لك. <br> | |
وفي هذه الآية ونحوها عبرة. <br> | |
فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله, عليه التبليغ, والسعي بكل سبب يوصل إلى | |
الهداية, وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه, مع التوكل على الله في ذلك, فإن | |
اهتدوا فبها ونعمت, وإلا فلا يحزن ولا يأسف. <br> | |
فإن ذلك مضعف للنفس, هادم للقوى, ليس فيه فائدة, بل يمضي على فعله, الذي كلف به | |
وتوجه إليه. <br> | |
وما عدا ذلك, فهو خارج عن قدرته. <br> | |
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له: " إنك لا | |
تهدي من أحببت " وموسى عليه السلام يقول: " رب | |
إني لا أملك إلا نفسي وأخي " الآية, فمن عداهم من باب أولى وأحرى, قال | |
تعالى: " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " . | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا " | |
</h1> | |
<p>يخبر تعالى, أنه جعل جميع ما على وجه الأرض, من مآكل لذيذة, ومشارب, | |
وملابس طيبة, وأشجار, وأنهار, وزروع, وثمار, ومناظر بهيجة, ورياض أنيقة, وأصوات | |
شجية, وصور مليحة, وذهب وفضة, وخيل وإبل ونحوها, الجميع جعله الله زينة لهذه | |
الدار, فتنة واختبارا. <br> | |
" لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " أي: | |
أخلصه وأصوبه, ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات, فانية مضمحلة, وزائلة | |
منقضية. <br> | |
وستعود الأرض, صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها, وانقطعت أنهارها, واندرست أشجارها, وزال | |
نعيمها. <br> | |
وهذة حقيقة الدنيا, قد جلاها الله لنا كأنها رأي عين, وحذرنا من الاغترار بها. <br> | |
ورغبنا في دار يدوم نعيمها, ويسعد مقيمها, كل ذلك رحمة بنا. <br> | |
فاغتر بزخرف الدنيا وزينتها, من نظر إلى ظاهر الدنيا, دون باطنها. <br> | |
فصحبوا الدنيا, صحبة البهائم, وتمتعوا بها تمتع السوائم, لا ينظرون في حق ربهم, | |
ولا يهتمون لمعرفته. <br> | |
بل همهم تناول الشهوات, من أي وجه حصلت, وعلى أي حالة اتفقت. <br> | |
فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت, قلق لخراب ذاته, وفوات لذاته, لا لما قدمت يداه, من | |
التفريط والسيئات. <br> | |
وأما من نظر إلى باطن الدنيا, وعلم المقصود منها ومنه, فإنه يتناول منها, ما | |
يستعين به على ما خلق له, وانتهز الفرصة في عمره الشريف. <br> | |
فجعل الدنيا منزل عبور, لا محل حبور, وشقة سفر, لا منزل إقامة. <br> | |
فبذل جهده في معرفة ربه, وتنفيذ أوامره, وإحسان العمل. <br> | |
فهذا بأحسن المنازل عند الله, وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم, وسرور وتكريم. <br> | |
فنظر إلى باطن الدنيا, حين نظر المغتر إلى ظاهرها, وعمل لآخرته, حين عمل البطال | |
لدنياه. <br> | |
فشتان ما بين الفريقين, وما أبعد الفرق بين الطائفتين!! </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " </h1> | |
<p>وهذا الاستفهام بمعنى النفي, والنهي. <br> | |
أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف, وما جرى لهم, غريبة على آيات الله, وبديعة في | |
حكمته, وأنه لا نظير لها, ولا مجانس لها. <br> | |
بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة, ما هو كثير, من جنس آياته في أصحاب | |
الكهف, وأعظم منها. <br> | |
فلم يزل الله يرى عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم, ما يتبين به الحق من | |
الباطل والهدى من الضلال. <br> | |
وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب, بل هي من آيات الله | |
العجيبة. <br> | |
وإنما المراد, أن جنسها كثير جدا, فالوقوف معها وحدها, في مقام العجب والاستغراب, | |
نقص في العلم والعقل. <br> | |
بل وظيفة المؤمن, التفكر بجميع آيات الله, التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها, | |
فإنها مفتاح الإيمان, وطريق العلم والإيقان. <br> | |
وإضافتهم إلى الكهف, الذي هو الغار في الجبل الرقيم, أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه | |
أسماؤهم وقصتهم, لملازمتهم له دهرا طويلا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ | |
لنا من أمرنا رشدا " </h1> | |
<p>ثم ذكر قصتهم مجملة, وفصلها بعد ذلك فقال: " إِذْ | |
أَوَى الْفِتْيَةُ " أي: الشباب. <br> | |
" إِلَى الْكَهْفِ " يريدون بذلك, التحصن | |
والتحرز, من فتنة قومهم لهم. <br> | |
" فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً " أي | |
تثبتنا بها وتحفظنا من الشر وتوفقنا للخير " وَهَيِّئْ لَنَا | |
مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا " أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد, وأصلح | |
لنا أمر ديننا ودنيانا. <br> | |
فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة, إلى محل يمكن الاستخفاء فيه, وبين تضرعهم | |
وسؤالهم لله تيسير أمورهم, وعدم اتكالهم على أنفسهم, وعلى الخلق. <br> | |
فلذلك استجاب الله دعاءهم, وقيض لهم, ما لم يكن في حسابهم قال: " | |
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ " أي أنمناهم " سِنِينَ عَدَدًا " وهي: ثلثمائة سنة, وتسع سنين, وفي | |
النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف, وحفظ لهم من قومهم</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ " أي: من نومهم " لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا | |
" أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم, كما قال تعالى: " | |
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ " الآية, وفي | |
العلم بمقدار لبثهم, ضبط للحساب, ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى, وحكمته, ورحمته. <br> | |
فلو استمروا على نومهم, لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك, من قصتهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى | |
" </h1> | |
<p>هذا شروع في تفصيل قصتهم, وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق, الذي | |
ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه. <br> | |
" إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ " وهذا | |
من جموع القلة, يدل ذلك على أنهم دون العشرة. <br> | |
" آمَنُوا " بالله وحده لا شريك له من دون قومهم. | |
<br> | |
فشكر الله لهم إيمانهم, فزادهم هدى. <br> | |
أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان, زاد الله من الهدى, الذي هو العلم النافع, | |
والعمل الصالح, كما قال تعالى: " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى | |
" . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن | |
ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا " </h1> | |
<p>" | |
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ " أي صبرناهم | |
وثبتناهم, وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة, وهذا من لطفه تعالى بهم | |
وبره, أن وفقهم للإيمان والهدى, والصبر والثبات, والطمأنينة. <br> | |
" إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ | |
وَالْأَرْضِ " أي: الذي خلقنا ورزقنا, ودبرنا وربانا, هو خالق | |
السماوات والأرض, المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة, لا تلك الأوثان والأصنام, | |
التي لا تخلق ولا ترزق, ولا تملك نفعا ولا ضرا, ولأ موتا ولا حياة ولا نشورا, | |
فاستدلوا بتوحيد الربوبية, على توحيد الإلهية, ولهذا قالوا: " | |
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا " أي: من سائر المخلوقات " لَقَدْ قُلْنَا إِذًا " أي: إن دعونا معه آلهة, بعد | |
ما علمنا أنه الرب, الإله الذي لا تجوز, ولا تنبغي العبادة, إلا له " شَطَطًا " أي: ميلا عظيما عن الحق, وطريقا بعيدة عن | |
الصواب. <br> | |
فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية, وتوحيد الإلهية, والتزام ذلك, وبيان أنه | |
الحق, وما سواه باطل. <br> | |
وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم, وزيادة الهدى من الله لهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين | |
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " </h1> | |
<p>لما ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى والتقوى, التفتوا إلى | |
ما كان عليه قومهم, من اتخاذ الآلهة من دون الله, فمقتوهم, وبينوا أنهم ليسوا على | |
يقين من أمرهم, بل في غاية الجهل والضلال فقالوا: " لَوْلَا | |
يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ " أي: بحجة وبرهان, على ما | |
هم عليه من الباطل, ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك, وإنما ذلك, افتراء منهم على الله, | |
وكذب عليه. <br> | |
وهذا أعظم الظلم, ولهذا قال: " فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ | |
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم | |
ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا " </h1> | |
<p>أي: قال بعضهم لبعض, إذ حصل لكم اعتزال | |
قومكم في أجسامكم وأديانكم, فلم يبق إلا النجاء من شرهم والتسبب بالأسباب المفضية | |
لذلك لأنه لا سبيل لهم إلى قتالهم, ولا إلى بقائهم بين أظهرهم, وهم على غير دينهم. | |
<br> | |
" فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ " أي انضموا إليه | |
واختفوا فيه " يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ | |
وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا " . <br> | |
وفيما تقدم, أخبر أنهم دعوه بقولهم " ربنا آتنا من لدنك رحمة | |
وهيئ لنا من أمرنا رشدا " , فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم, | |
والالتجاء إلى الله, في صلاح أمرهم, ودعائه بذلك, وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك. | |
<br> | |
لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته, وهيأ لهم من أمرهم مرفقا. <br> | |
فحفظ أديانهم وأبدانهم, وجعلهم من آياته على خلقه, ونشر لهم من الثناء الحسن, ما | |
هو من رحمته بهم, ويسر لهم كل سبب, حتى المحل الذي ناموا فيه, كان على غاية ما | |
يمكن من الصيانة, ولهذا قال: " وَتَرَى الشَّمْسَ " إلى | |
قوله " مِنْهُمْ رُعْبًا " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت | |
تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن | |
يضلل فلن تجد له وليا مرشدا " </h1> | |
<p>أي: حفظهم الله من الشمس, فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس, تميل عنه | |
يمينا, وعند غروبها, تميل عنه شمالا, فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها. <br> | |
" وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ " أي: من الكهف أي: | |
مكان متسع, وذلك ليطرقهم الهواء, والنسيم, ويزول عنهم الوخم, والتأذي بالمكان | |
الضيق, خصوصا مع طول المكث. <br> | |
وذلك من آيات الله, الدالة على قدرته ورحمته, وإجابة دعائهم وهدايتهم, حتى في هذه | |
الأمور, ولهذا قال: " مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ | |
الْمُهْتَدِي " أي: لا سبيل إلى نيل الهداية, إلا من الله, فهو الهادي | |
المرشد لمصالح الدارين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا | |
لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى | |
المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا | |
" </h1> | |
<p>يقول تعالى: وكذلك بعثناهم من نومهم الطويل, | |
ليتساءلوا بينهم, أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة, من مدة لبثهم. <br> | |
" قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا | |
يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " وهذا مبني على ظن القائل. <br> | |
وكأنهم وقع عندهم اشتباه. <br> | |
في طول مدتهم, فلهذا " قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا | |
لَبِثْتُمْ " . <br> | |
فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء, جملة وتفصيلا. <br> | |
ولعل الله تعالى - بعد ذلك - أطلعهم على مدة لبثهم, لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم, | |
وأخبر أنهم تساءلوا, وتكلموا بمبلغ ما عندهم, وصار آخر أمرهم, الاشتباه. <br> | |
فلا بد أن يكون قد أخبرهم: يقينا, علمنا ذلك من حكمته في بعثهم, وأنه لا يفعل ذلك | |
عبثا. <br> | |
ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها, وسعى لذلك ما أمكنه, فإن | |
الله يوضح له ذلك, وبما ذكر فيما بعده من قوله. <br> | |
" وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ | |
وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا " . <br> | |
فلولا أنه حصل العلم بحالهم, لم يكونوا دليلا على ما ذكر. <br> | |
ثم إنهم لما تساءلوا بينهم, وجرى منهم ما أخبر الله به, أرسلوا أحدهم بورقهم, أي: | |
بالدراهم, التي كانت معهم, ليشتري لهم طعاما يأكلونه, من المدينة, التي خرجوا | |
منها, وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه أي: أطيبه وألذه, وأن يتلطف في ذهابه | |
وشرائه وإيابه, وأن يختفي في ذلك, ويخفي حال إخوانه, ولا يشعرن بهم أحدا. <br> | |
وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليها, وظهورهم عليهم, أنهم بين أمرين. <br> | |
إما الرجم بالحجارة, فيقتلونهم أشنع قتلة, لحنقهم عليهم وعلى دينهم. <br> | |
وإما أن يفتنوهم عن دينهم, ويردوهم في ملتم. <br> | |
وفي هذه الحال, لا يفلحون أبدا, بل يحشرون في دينهم ودنياهم وأخراهم. <br> | |
وقد دلت هاتان الآيتان, على عدة فوائد. <br> | |
منها: الحث على العلم, وعلى المباحثة فيه, لكون الله بعثهم لأجل ذلك. <br> | |
ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم, أن يرده إلى عالمه, وأن يقف عند حده. <br> | |
ومنها: صحة الوكالة في البيع وللشراء, وصحة الشركة في ذلك. <br> | |
ومنها: جواز أكل الطيبات, والمطاعم اللذيذة, إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي | |
عنه لقوله " فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا | |
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ " . <br> | |
وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك. <br> | |
ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين, القائلين بأن هؤلاء, أولاد ملوك لكونهم أمروه | |
بأزكى الأطعمة, التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها. <br> | |
ومنها: الحث على التحرز, والاستخفاء, والبعد عن مواقع الفتن في الدين, واستعمال | |
الكتمان في ذلك على الإنسان. <br> | |
وعلى إخوانه في الدين. <br> | |
ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين, وفرارهم من كل فتنة, في دينهم وتركهم | |
أوطانهم في الله. <br> | |
ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر, من المضار والمفاسد, الداعية لبغضه, وتركه. <br> | |
وأن هذه الطريقة, هي طريقة المؤمنين المتقدمين, والمتأخرين لقولهم: " وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب | |
فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين | |
غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, أنه أطلع الناس على حال أهل | |
الكهف. <br> | |
وذلك - والله أعلم - بعدما استيقظوا, وبعثوا أحدهم, يشتري لهم طعاما, وأمروه | |
بالاستخفاء والإخفاء. <br> | |
فأراد الله أمرا, فيه صلاح للناس, وزيادة أجر لهم, وهو أن الناس رأوا منهم آية من | |
آيات الله, المشاهدة بالعيان, على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد, | |
بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم. <br> | |
فمن مثبت للوعد والجزاء, ومن ناف لذلك. <br> | |
فجعل قصتهم, زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين, وحجة على الجاحدين, وصار لهم أجر هذه القضية. | |
<br> | |
وشهر الله أمرهم, ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم. <br> | |
" فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا " الله | |
أعلم بحالهم ومآلهم. <br> | |
وقال من غلب على أمرهم - وهم الذين لهم الأمر: " | |
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " أي: نعبد الله تعالى فيه, | |
ونتذكر به أحوالهم, وما جرى لهم. <br> | |
وهذة الحالة محظورة, نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم, وذم فاعليها ولا يدل | |
ذكرها هنا, على عدم ذمها, فإن السياق في شأن أهل الكهف والثناء عليهم, وأن هؤلاء | |
وصل بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم, | |
وحذرهم من الاطلاع عليهم, فوصلت الحال إلى ما ترى. <br> | |
وفي هذه القصة, دليل على أن من فر بدينه من الفتن, سلمه الله منها. <br> | |
وأن من حرص على العافية, عافاه الله. <br> | |
ومن أوى إلى الله, آواه الله, وجعله هداية لغيره. <br> | |
ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته, كان آخر أمره وعاقبته, العز العظيم, من | |
حيث لا يحتسب " وما عند الله خير للأبرار " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما | |
بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا | |
تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, عن اختلاف أهل الكتاب, في عدة | |
أصحاب الكهف, اختلافا, صادرا عن رجمهم بالغيب, وتقواهم بما لا يعلمون, وأنهم فيهم | |
على ثلاثة أقوال: منهم: من يقول: ثلاثة, رابعهم كبهم, ومنهم من يقول: خمسة, سادسهم | |
كلبهم. <br> | |
وهذان القولان, ذكر الله بعدهما أن هذا رجم منهم بالغيب فدل على بطلانهما. <br> | |
ومنهم من يقول: سبعة, وثامنهم كلبهم. <br> | |
وهذا والله أعلم هو الصواب, لأن الله أبطل الأولين, ولم يبطله فدل على صحته. <br> | |
وهذا من الاختلاف, الذي لا فائدة تحته, ولا يحصل بمعرفة عددهم, مصلحة للناس, | |
دينية, ولا دنيوية, ولهذا قال تعالى: " قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ | |
بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ " وهم الذين, أصابوا | |
الصواب وعلموا إصابتهم. <br> | |
" فَلَا تُمَارِ " تجادل وتحاج فيهم " إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا " أي: مبنيا على العلم | |
واليقين, ويكون أيضا فيه فائدة. <br> | |
وأما المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب, أو التي لا فائدة فيها. <br> | |
إما أن يكون الخصم معاندا, أو تكون المسئلة لا أهمية فيها, ولا تحصل فائدة دينية | |
بمعرفتها, كعدد أصحاب الكهف ونحو ذلك, فإن في كثرة المناقشات فيها, والبحوث | |
المتسلسلة, تضييعا للزمان, وتأثيرا في مودة القلوب بغير فائدة. <br> | |
" وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ " أي: في شأن أهل | |
الكهف " مِنْهُمْ " أي: من أهل الكتاب " أَحَدًا " وذلك لأن مبنى كلامهم فيهم على الرجم | |
بالغيب والظن, الذي لا يغني من الحق شيئا. <br> | |
ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى, إما لقصوره في الأمر المستفتى | |
فيه, أو لكونه لا يبالي بما تكلم به, وليس عنده ورع يحجزه. <br> | |
وإذا نهى عن استفتاء هذا الجنس, فنهيه هو عن الفتوى, من باب أولى وأحرى. <br> | |
وفي الآية أيضا, دليل على أن الشخص, قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء, دون آخر. <br> | |
فيستفتى فيما هو أهل له. <br> | |
بخلاف غيره, لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقا, إنما نهى عن استفتائهم في قصة | |
أصحاب الكهف, وما أشبهها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا " </h1> | |
<p>هذا النهي كغيره, وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم | |
فإن الخطاب عام للمكلفين. <br> | |
فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة " إني فاعل ذلك | |
" من دون أن يقرنه بمشيئة الله, وذلك لما فيه من المحذور, وهو: الكلام | |
على الغيوب المستقبلة, التي لا يدري, هل يفعلها أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد | |
الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا. <br> | |
وذلك محذور محظور, لأن المشيئة كلها لله " وما تشاءون إلا أن | |
يشاء الله رب العالمين " ولما في ذكر مشيئة الله, من تيسير الأمر | |
وتسهيله, وحصول البركة فيه, والاستعانة من العبد لربه, ولما كان العبد بشرا, لا بد | |
أن يسهو عن ذكر المشيئة, أمره الله أن يستثنى بعد ذلك, إذا ذكر, ليحصل المطلوب, | |
وينفع المحذور. <br> | |
ويؤخذ من عموم قوله " وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " | |
الأمر بذكر الله عند النسيان, فإنه يزيله, ويذكر العبد ما سها عنه. <br> | |
وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله, أن يذكر ربه, ولا يكونن من الغافلين. <br> | |
ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة, وعدم الخطأ, في أقواله | |
وأفعاله, أمره الله أن يقول: " عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي | |
لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا " . <br> | |
فأمره أن يدعو الله ويرجوه, ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. <br> | |
وحري بعبد, تكون هذه حاله, ثم يبذل جهده, ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد, أن | |
يوفق لذلك, وأن يأتيه المعونة من ربه, وأن يسدده في جميع أموره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا " </h1> | |
<p>لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب, في شأن أهل الكهف - لعدم علمهم | |
بذلك, وكان الله, عالم الغيب والشهادة, العالم بكل شيء - أخبره الله بمدة لبثهم, | |
وأن علم ذلك, عنده وحده, فإنه من غيب السماوات والأرض, وغيبها مختص به. <br> | |
فما أخبر به عنها على ألسنة رسله, فهو الحق اليقين, الذي لا شك فيه. <br> | |
وما لا يطلع رسله عليه, فإن أحدا من الخلق, لا يعلمه. <br> | |
وقوله: " أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ " تعجب من كل | |
سمعه وبصره, وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات, بعدما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. <br> | |
ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة, فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع | |
الكون, الولي لعباده المؤمنين, يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى, | |
ويجنبهم العسرى, ولهذا قال: " مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ | |
وَلِيٍّ " . <br> | |
أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف, بلطفه وكرمه, ولم يكلهم إلى أحد من الخلق. <br> | |
" وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا " وهذا | |
يشمل الحكم الكوني القدري, والحكم الشرعي الديني, فإنه الحاكم في خلقه, قضاء | |
وقدرا, وخلقا وتدبيرا والحاكم فيهم, بأمره ونهيه, وثوابه وعقابه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه | |
ملتحدا " </h1> | |
<p>ولما أخبر أنه تعالى, له غيب السماوات والأرض, فليس لمخلوق إليها طريق, | |
إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده, وكان هذا القرآن, قد اشتمل على كثير من | |
الغيوب, أمر تعالى بالإقبال عليه فقال: " واتل " إلى | |
قوله " ملتحد " . <br> | |
التلاوة, هي الاتباع أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها, وتصديق | |
أخباره, وامتثال أوامره ونواهيه, فإنه الكتاب الجليل, الذي لا مبدل لكلماته, أي: | |
لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها, وبلوغها من الحسن, فوق كل غاية " | |
وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " . <br> | |
فلكمالها, استحال عليها التغيير والتبديل. <br> | |
فلو كانت ناقصة, لعرض لها ذلك, أو شيء منه. <br> | |
وفي هذا, تعظيم للقرآن, في ضمنه, الترغيب على الإقبال عليه. <br> | |
" وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " أي: | |
لن تجد من دون ربك, ملجأ تلجأ إليه, ولا معاذا تعوذ به. <br> | |
فإذا تعين أنه وحده, الملجأ في كل الأمور, تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه, | |
في السراء والضراء, المفتقر إليه في جميع الأحوال, المسئول في جميع المطالب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا | |
تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع | |
هواه وكان أمره فرطا " </h1> | |
<p>يأمر تعالى نبيه محمدا, صلى الله عليه وسلم, وغيره أسوته, في الأوامر | |
والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين " | |
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " أي: أول | |
النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله. <br> | |
فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها. <br> | |
ففيها الأمر, بصحبة الأخيار, ومجاهدة النفس على صحبتهم, ومخالطتهم وإن كانوا فقراء | |
فإن في صحبتهم من الفوائد, ما لا يحصى. <br> | |
" وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " أي: لا | |
تجاوزهم بصرك, وترفع عنهم نظرك. <br> | |
" تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فإن | |
هذا ضار غير نافع, وقاطع عن المصالح الدينية. <br> | |
فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا, فتصير الأفكار والهواجس فيها وتزول من القلب, | |
الرغبة في الآخرة, فإن زينة الدنيا, تروق للناظر, وتسحر القلب, فيغفل القلب عن ذكر | |
الله, ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته, وينفرط أمره, فيخسر الخسارة الأبدية, | |
والندامة السرمدية ولهذا قال: " وَلَا تُطِعْ مَنْ | |
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا " غفل عن الله, فعاقبه بأن أغفله | |
عن ذكره. <br> | |
" وَاتَّبَعَ هَوَاهُ " أي: صار تبعا لهواه, حيث | |
ما اشتهت نفسه فعله, وسعى في إدراكه, ولو كان فيه هلاكه وخسرانه, فهو قد اتخذ إلهه | |
هواه كما قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله | |
على علم " الآية. <br> | |
" وَكَانَ أَمْرُهُ " أي: مصالح دينه ودنياه " فُرُطًا " أي: ضائعة معطلة. <br> | |
فهذا قد نهى الله عن طاعته, لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به, ولأنه لا يدعو إلا | |
لما هو متصف به. <br> | |
ودلت الآية, على أن الذي ينبغي أن يطاع, ويكون إماما للناس, من امتلأ قلبه بمحبة | |
الله, وفاض ذلك على لسانه, فلهج بذكر الله, واتبع مراضي ربه, فقدمها على هواه, | |
فحفظ بذلك ما حظ من وقته, وصلحت أحواله, واستقامت أفعاله, ودعا الناس إلى ما من | |
الله به عليه. <br> | |
فحقيق بذلك, أن يتبع ويجعل إماما. <br> | |
والصبر, المذكور في هذه الآية, هو الصبر على طاعة الله, الذي هو أعلى أنواع الصبر, | |
وبتمامه يتم باقي الأقسام. <br> | |
وفي الآية, استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار, لأن الله مدحهم بفعله. <br> | |
وكل فعل مدح الله فاعله, دل ذلك على أن الله يحبه, وإذا كان يحبه فإنه يأمر به, | |
ويرغب فيه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا | |
للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس | |
الشراب وساءت مرتفقا " </h1> | |
<p>أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم. <br> | |
أي: قد تبين الهدى من الضلال, والرشد من الغي, وصفات أهل السعادة, وصفات أهل | |
الشقاوة, وذلك بما بينه الله على لسان رسوله. <br> | |
فإذا بان واتضح, ولم يبق فيه شبهة. <br> | |
" فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ | |
" أي: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين, بحسب توفيق العبد, وعدم توفيقه. <br> | |
وقد أعطاه الله مشيئة, بها يقدر على الإيمان والكفر, والخير والشر فمن آمن, فقد | |
وفق للصواب, ومن كفر, فقد قامت عليه الحجة, وليس بمكره على الإيمان كما قال تعالى " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " . <br> | |
ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال: " إِنَّا أَعْتَدْنَا | |
لِلظَّالِمِينَ " بالكفر والفسوق والعصيان " | |
نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " أي: سورها المحيط بها. <br> | |
فليس لهم منفذ, ولا طريق, ولا مخلص منها, تصلاهم النار الحامية. <br> | |
" وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا " أن يطلبوا الشراب, | |
ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد. <br> | |
" يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ " أي: كالرصاص | |
المذاب, أو كعكر الزيت, من شدة حرارته. <br> | |
" يَشْوِي الْوُجُوهَ " أي: فكيف بالأمعاء | |
والبطون, كما قال تعالى " يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم | |
مقامع من حديد " . <br> | |
" بِئْسَ الشَّرَابُ " الذي يراد ليطفئ العطش, | |
ويدفع بعض العذاب, فيكون زيادة في عذابهم, وشدة عقابهم. <br> | |
" وَسَاءَتْ " النار " | |
مُرْتَفَقًا " وهذا ذم لحالة النار, أنها ساءت المحل, الذي يرتفق به. <br> | |
فإنها ليست فيها ارتفاق, وإنما فيها العذاب العظيم الشاق الذي لا يفتر عنهم ساعة, | |
وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير, ونسيهم الرحيم في العذاب, كما نسوه. </p> | |
  |