<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة المؤمنون - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" قد أفلح المؤمنون " </h1></p> | |
<p>هذا تنويه من | |
الله, بذكر عباده المؤمنين, وذكر فلاحهم وسعادتهم, وبأي شيء وصلوا إلى ذلك. <br> | |
وفي ضمن ذلك, الحث على الاتصاف بصفاتهم, والترغيب فيها. <br> | |
فليزن العبد نفسه وغيره, على هذه الآيات, يعرف بذلك, ما معه, وما مع غيره من | |
الإيمان, زيادة ونقصا, كثرة وقلة. <br> | |
فقوله " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ " أي: قد فازوا وسعدوا ونجحوا, | |
وأدركوا كل ما يروم المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم | |
الكاملة أنهم " فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " . <br> | |
والخشوع في الصلاة هو: حضور القلب بين يدي الله تعالى, مستحضرا لقربه. <br> | |
فيسكن لذلك قلبه, وتطمئن نفسه, وتسكن حركاته ويقل التفاته, متأدبا بين يدي ربه, | |
مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته, من أول صلاته, إلى آخرها, فتنتفي بذلك, | |
الوساوس والأفكار الردية. <br> | |
وهذا روح الصلاة, والمقصود منها, وهو الذي يكتب للعبد. <br> | |
فالصلاة التي لا خشوع فها ولا حضور قلب, وإن كانت مجزية مثابا عليها, فإن الثواب | |
على حسب ما يعقل للقلب منها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين هم عن اللغو معرضون " </h1> | |
<p>" | |
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ " هو الكلام | |
الذي لا خير فيه, ولا فائدة " مُعْرِضُونَ " رغبة | |
عنه, وتنزيها لأنفسهم, وترفعا عنه. <br> | |
وإذا مروا باللغو, مروا كراما, وإذا كانوا معرضين عن اللغو, فإعراضهم عن المحرم, | |
من باب أولى, وأحرى. <br> | |
وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير - كان مالكا لأمره, كما قال النبي صلى | |
الله عليه وسلم, لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: " ألا | |
أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله, فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا | |
" . <br> | |
فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة, كف ألسنتهم عن اللغو والمحرمات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين هم للزكاة فاعلون " </h1> | |
<p>" وَالَّذِينَ | |
هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ " أي مؤدون | |
لزكاة أموالهم, على اختلاف أجناس الأموال, مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ | |
الأعمال التي تزكو النفوس بتركها وتجنبها. <br> | |
فأحسنوا في عبادة الخالق, في الخشوع في الصلاة, وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين هم لفروجهم حافظون " </h1> | |
<p>" وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ " عن الزنا ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. <br> | |
فحفظوا فروجهم عن كل أحد " إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ | |
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ " من الإماء المملوكات " | |
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ " بقربهما, لأن الله تعالى أحلهما. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " </h1> | |
<p>" | |
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ " غير الزوجة | |
والسرية " فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ " الذين | |
تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه, المتجرئون على محارم الله. <br> | |
وعموم هذه الآية, يدل على تحريم المتعة, فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها, ولا | |
مملوكة, وتحريم نكاح المحلل لذلك. <br> | |
ويدل قوله " أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ " أنه | |
يشترط في حل المملوكة, أن تكون كلها في ملكه, فلو كان له بعضها لم تحل, الأنعام | |
ليست مما ملكت يمينه, بل هي ملك له ولغيره. <br> | |
فإنه لا يجوز أن يشترك في المرأة الحرة زوجان, فلا يجوز أن يشتركا في الأمة | |
المملوكة سيدان. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " </h1> | |
<p>" | |
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ " . <br> | |
أي: مراعون لها, ضابطون, حافظون, حريصون على القيام بها وتنفيذها. <br> | |
وهذا عام في جميع الأمانات, التي هي حق لله, والتي هي حق للعباد. <br> | |
قال تعالى " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى | |
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا | |
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ " فجميع ما أوجبه الله | |
على عبده, أمانة, على العبد حفظها بالقيام التام بها. <br> | |
وكذلك يدخل في ذلك, أمانات الآدميين, كأمانات الأموال, والأسرار, ونحوهما. <br> | |
فعلى العبد, مراعاة الأمرين, وأداء الأمانتين " إِنَّ اللَّهَ | |
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " . <br> | |
وكذلك العهد, يشمل العهد الذي بينهم وبين العباد, وهي الالتزامات والعقود, التي | |
يعقدها العبد, فعليه مراعاتها والوفاء بها, ويحرم عليه, التفريط فيها, وإهمالها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين هم على صلواتهم يحافظون " </h1> | |
<p>" وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " أي: يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها. <br> | |
فمدحهم بالخشوع في الصلاة, وبالمحافظة عليها, لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين: فمن | |
يداوم على الصلاة من غير خشوع, أو على الخشوع من دون محافظة عليها فإنه مذموم | |
ناقص. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولئك هم الوارثون " </h1> | |
<p>" أُولَئِكَ " الموصوفون | |
بتلك الصفات " الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ | |
الْفِرْدَوْسَ " الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها, لأنهم جعلوا من | |
صفات الخير أعلاها وذروتها. <br> | |
أو المراد بذلك, جميع الجنة, ليدخل بذلك, عموم المؤمنين, على درجاتهم في مراتبهم, | |
كل بحسب حاله. <br> | |
" هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " لا يظعنون عنها, ولا | |
يبغون عنها حولا, لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله, وأتمه, من غير مكدر ولا منغص. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " </h1> | |
<p>ذكر الله في هذه الآيات أطوار الآدمي وتنقلاته, من ابتداء خلقه إلى آخر | |
ما يصير إليه. <br> | |
فذكر ابتداء خلق أبي النوع البشري آدم عليه السلام, وأنه " | |
مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ " أي: قد سلت, وأخذت من جميع الأرض. <br> | |
ولذلك جاء بنوه على قدر الأرض: منهم الطيب والخبيث, وبين ذلك. <br> | |
والسهل, والحزن, وبين ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ " أي: جنس الآدميين " نُطْفَةٍ " تخرج من بين الصلب والترائب, فتستقر " فِي قَرَارٍ مَكِينٍ " وهو: الرحم محفوظة من الفساد | |
والريح وغير ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما | |
فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ " التي قد | |
استقرت قبل " عَلَقَةٍ " أي: دما أحمر, بعد مضي | |
أربعين يوما من النطفة. <br> | |
" فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ " بعد أربعين يوما " مُضْغَةٍ " أي: قطعة لحم صغيرة, بقدر ما يمضغ من | |
صغرها. <br> | |
" فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ " اللينة " عِظَامًا " صلبة, قد تخللت اللحم, بحسب حاجة البدن | |
إليها. <br> | |
" فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا " أي: جعلنا | |
اللحم, كسوة للعظام, كما جعلنا العظام, عمادا للحم, وذلك في الأربعين الثالثة. <br> | |
" ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ " نفخ فيه | |
الروح, فانتقل من كونه جمادا, إلى أن صار حيوانا. <br> | |
" فَتَبَارَكَ اللَّهُ " أي: تعالى, وتعاظم, وكثر | |
خيره " أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " الذي " | |
أحسن كل شيء خلقه. <br> | |
وبدأ خلق الإنسان من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين. <br> | |
ثم سواه ونفخ فيه من روحه, وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا, ما تشكرون " فخلقه كله حسنا, والإنسان من أحسن مخلوقاته, بل هو أحسنها على | |
الإطلاق كما قال تعالى: " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ | |
تَقْوِيمٍ " ولهذا كان خواصه, أفضل المخلوقات وأكملها</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم إنكم بعد ذلك لميتون " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ " الخلق, ونفخ | |
الروح " لَمَيِّتُونَ " في أحد أطواركم وتنقلاتكم</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم إنكم يوم القيامة تبعثون " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ " فتجازون بأعمالكم, حسنها وسيئها. <br> | |
قال تعالى: " أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى | |
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ | |
فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ | |
بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين " </h1> | |
<p>لما ذكر تعالى خلق الآدمي, ذكر مسكنه, وتوفر النعم عليه, من كل وجه | |
فقال: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ " سقفا | |
للبلاد, ومصلحة للعباد " سَبْعَ طَرَائِقَ " أي: | |
سبع سموات طباقا, كل طبقة فوق الأخرى, قد زينت بالنجوم, والشمس, والقمر, وأودع | |
فيها من مصالح الخلق, ما أودع. <br> | |
" وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ " فكما | |
أن خلقنا عام لكل مخلوق, فعلمنا أيضا, محيط بما خلقنا, فلا نغفل مخلوقا, ولا | |
ننساه, ولا نخلق خلقا فنضيعه, ولا نغفل عن السماء فتقع على الأرض, ولا ننسى ذرة في | |
لجج البحار, وجوانب الفلوات, ولا دابة إلا سقنا إليها رزقا " | |
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ | |
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا " . <br> | |
وكثيرا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله " أَلَا يَعْلَمُ | |
مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " " بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ | |
الْعَلِيمُ " لأن خلق المخلوقات, من أقوى الأدلة العقلية, على علم | |
خالقها وحكمته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به | |
لقادرون " </h1> | |
<p>" وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً " يكون رزقا لكم ولأنعامكم, بقدر ما يكفيكم. <br> | |
فلا ينقصه, بحيث يتلف المساكن, ولا تعيش منه النباتات والأشجار. <br> | |
بل أنزله وقت الحاجة لنزوله, ثم صرفه, عند التضرر من دوامه. <br> | |
" فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ " أي: أنزلناه | |
عليها, فسكن واستقر, وأخرج بقدرة منزله, جميع الأزواج النباتية, وأسكنه أيضا معدا, | |
في خزائن الأرض, بحيث لم يذهب نازلا, حتى لا يوصل إليه, ولا يبلغ قعره. <br> | |
" وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ " إما | |
بأن لا ننزله, أو ننزله, فيذهب نازلا, لا يوصل إليه, أو لا يوجد منه المقصود منه. <br> | |
وهذا تنبيه منه لعباده, أن يشكروه على نعمته, ويقدروا عدمها, ماذا يحصل به من | |
الضرر, كقوله تعالى: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ | |
مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ " , " فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ " أي: بذلك الماء " جَنَّاتٍ " أي: بساتين " مِنْ | |
نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ " . <br> | |
خص تعالى, هذين النوعين, مع أنه ينشر منه غيرهما من الأشجار, لفضلهما, ومنافعهما, | |
التي فاقت بها الأشجار, ولهذا ذكر العام في قوله: " لَكُمُ | |
" أي: في تلك الجنات " فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ | |
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " من تين, وأترج, ورمان, وتفاح وغيرها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " </h1> | |
<p>" وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ " وهي شجرة الزيتون, أي: جنسها. <br> | |
خصت بالذكر, لأن مكانها خاص, في أرض الشام, ولمنافعها, التي ذكر بعضها في قوله: " تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ " أي: | |
فيها الزيت, الذي هو دهن, يكثر استعماله من الاستصباح به, واصطباغ للآكلين, أي: | |
يجعل إداما للآكلين, وغير ذلك من المنافع. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع | |
كثيرة ومنها تأكلون " </h1> | |
<p>أي: ومن نعمه عليكم, أن سخر لكم الأنعام من الإبل, والبقر, والغنم, | |
فيها عبرة للمعتبرين, ومنافع للمنتفعين. <br> | |
" نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا " من لبن, | |
يخرج من بين فرث ودم, لبن, خالص, سائغ للشاربين. <br> | |
" وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ " من | |
أصوافها, وأوبارها, وأشعارها, وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا, تستخفونها يوم | |
ظعنكم, ويوم إقامتكم " وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " أفضل | |
المآكل من لحم وشحم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وعليها وعلى الفلك تحملون " </h1> | |
<p>" | |
وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ " أي: جعلها لكم في البر, تحملون عليها أثقالكم إلى بلد, لم تكونوا | |
بالغيه, إلا بشق الأنفس. <br> | |
كما جعل لكم السفن في البحر, تحملكم, وتحمل متاعكم, قليلا كان, أو كثيرا. <br> | |
فالذي أنعم بهذه النعم, وصنف أنواع الإحسان, وأدر علينا من خيره المدرار, هو الذي | |
يستحق كمال الشكر, وكمال الثناء, والاجتهاد في عبوديته وأن لا يستعان بنعمه على | |
معاصيه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من | |
إله غيره أفلا تتقون " </h1> | |
<p>يذكر تعالى رسالة عبده ورسوله, نوح عليه | |
السلام, أول رسول أرسله لأهل الأرض فأرسله إلى قومه, وهم يعبدون الأصنام, فأمر | |
بعبادة الله وحده فقال: " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ | |
" أي: أخلصوا له العبادة, لأن العبادة, لا تصح إلا بإخلاصها. <br> | |
" مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " فيه إبطال | |
ألوهية غير الله, وإثبات الإلهية لله تعالى, لأنه الخالق الرازق, الذي له الكمال | |
كله, وغيره بخلاف ذلك. <br> | |
" أَفَلَا تَتَّقُونَ " ما أنتم عليه من عبادة | |
الأوثان, والأصنام, التي صورت على صور قوم صالحين, فعبدوها مع الله. <br> | |
فاستمر على ذلك, يدعوهم سرا وجهارا, وليلا ونهارا, ألف سنة إلا خمسين عاما, وهم لا | |
يزدادون إلا عتوا ونفورا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن | |
يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " </h1> | |
<p>" | |
فَقَالَ الْمَلَأُ " من قومه الأشراف والسادة | |
المتبوعون - على وجه المعارضة لنبيهم نوح, والتحذير من اتباعه -: " | |
مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ " أي: | |
ما هذا إلا بشر مثلكم, قصده حين ادعى النبوة أن يزيد عليكم فضيلة, ليكون متبوعا, | |
وإلا فما الذي يفضله عليكم, وهو من جنسكم؟. <br> | |
وهذه المعارضة, لا زالت موجودة, في مكذبي الرسل. <br> | |
وقد أجاب الله عنها بجواب شاف, على ألسنة رسله كما في " قالوا | |
" أي: لرسلهم " إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ | |
مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا | |
فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا | |
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ | |
" . <br> | |
فأخبروا أن هذا فضل الله ومنته, فليس لكم أن تحجروا على الله, وتمنعوه من إيصال | |
فضله علينا. <br> | |
وقالوا أيضا: ولو شاء الله لأنزل ملائكة. <br> | |
وهذه أيضا معارضة بالمشيئة باطلة, فإنه وإن كان لو شاء لأنزل ملاكة, فإنه حكيم | |
رحيم, حكمته ورحمته, تقتضي أن يكون الرسول من جنس الآدميين لأن الملائكة, لا قدرة | |
لهم على مخاطبته, ولا يمكن أن يكون إلا بصورة رجل ثم يعود اللبس عليهم كما كان. <br> | |
وقولهم: " مَا سَمِعْنَا بِهَذَا " أي بإرسال | |
الرسول " فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ " . <br> | |
وأي حجة في عدم سماعهم إرسال رسول في آبائهم الأولين؟ لأنهم لم يحيطوا علما, بما | |
تقدم, فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم. <br> | |
وعلى تقدير أنه لم يرسل منهم رسولا, فإما أن يكونوا على الهدى, فلا حاجة لإرسال | |
الرسول إذ ذاك. <br> | |
وإما أن يكونوا على غيره, فليحمدوا ربهم, ويشكروه أن خصهم بنعمة, لم تأت آباءهم, | |
ولا شعروا بها. <br> | |
ولا يجعلوا عدم الإحسان على غيرهم, سببا لكفرهم للإحسان إليهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين " </h1> | |
<p>" إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ " أي: مجنون " فَتَرَبَّصُوا بِهِ " أي: | |
انتظروا به " حَتَّى حِينٍ " إلى أن يأتيه الموت. | |
<br> | |
وهذه الشبه التي أوردوها, معارضة لنبوة نبيهم, دالة على شدة كفرهم وعنادهم, وعلى | |
أنهم في غاية الجهل والضلال, فإنها لا تصلح للمعارضة, بوجه من الوجوه, كما ذكرنا, | |
بل هي في نفسها متناقضة متعارضة. <br> | |
فقولهم: " مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ | |
يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ " أثبتوا أن له عقلا يكيدهم به, ليعلوهم, | |
ويسودهم, ويحتاج - مع هذا - أن يحذر منه لئلا يغتر به. <br> | |
فكيف يلتئم مع قولهم: " إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ | |
" وهل هذا إلا من مشبه ضال, منقلب عليه الأمر, قصده: الدفع بأي طريق | |
اتفق له, غير عالم بما يقول؟!!. <br> | |
ويأبى الله إلا أن يظهر خزي من عاداه وعادى رسله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب انصرني بما كذبون " </h1> | |
<p>فلما رأى نوح أنه لا يفيدهم دعاؤه إلا فرارا " | |
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ " فاستنصر ربه عليهم, غضبا, | |
حيث ضيعوا أمره, وكذبوا رسله وقال: " رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى | |
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا | |
عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا " قال تعالى: " وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ " . | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار | |
التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا | |
تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " </h1> | |
<p>" | |
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ " عند استجابتنا له, | |
سببا, ووسيلة للنجاة, قبل وقوع أسبابه. <br> | |
" أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ " أي: السفينة " بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا " أي: بأمرنا لك, | |
ومعونتنا, وأنت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك. <br> | |
" فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا " بإرسال الطوفان الذي | |
عذبوا به " وَفَارَ التَّنُّورُ " . <br> | |
أي: فارت الأرض, وتفجرت عيونا, حتى محل النار, الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن | |
الماء. <br> | |
" فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ " أي: | |
أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات, ذكرا وأنثى, تبقى مادة النسل لسائر | |
الحيوانات, التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض. <br> | |
" وَأَهْلَكَ " أي: أدخلهم " | |
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ " كابنه. <br> | |
" وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا " أي: | |
لا تدعني أن أنجيهم, فإن القضاء والقدر, قد حتم أنهم مغرقون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من | |
القوم الظالمين " </h1> | |
<p>" | |
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ " أي: علوتم عليها, واستقلت بكم في تيار الأمواج, ولجج اليم, فاحمدوا | |
الله على النجاة والسلامة. <br> | |
فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين, وهذا تعليم منه له, ولمن معه, أن | |
يقولوا هذا شكرا له, وحمدا على نجاتهم من القوم الظالمين في عملهم وعذابهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " </h1> | |
<p>" | |
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ | |
" أي: وبقيت عليكم نعمة أخرى, فادعوا الله | |
فيها, وهي أن ييسر الله لكم منزلا مباركا. <br> | |
فاستجاب الله دعاءه, قال الله: " وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ | |
عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " إلى أن | |
قال: " قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ | |
عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ " الآية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين " </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ فِي ذَلِكَ " أي: في هذه القصة " لَآيَاتٍ " تدل على أن الله وحده المعبود, وعلى أن | |
رسوله نوحا, صادق, وأن قومه كاذبون, وعلى رحمة الله بعباده, حيث حملهم في صلب | |
أبيهم نوح, في الفلك لما غرق أهل الأرض. <br> | |
والفلك أيضا من آيات الله قال تعالى: " وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا | |
آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " ولهذا جمعها هنا لأنها تدل على عدة | |
آيات ومطالب. <br> | |
" وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " </h1> | |
<p>لما ذكر نوحا وقومه, وكيف أهلكهم قال: " ثُمَّ | |
أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ " . <br> | |
الظاهر أنهم " ثمود " قوم صالح, عليه السلام لأن | |
هذه القصة تشبه قصتهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره | |
أفلا تتقون " </h1> | |
<p>" | |
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ " من | |
جنسهم, يعرفون نسبه وحسبه, وصدقه, ليكون ذلك أسرع لانقيادهم, إذا كان منهم, وأبعد | |
عن اشمئزازهم فدعا إلى ما دعت إليه الرسل أممهم " أَنِ | |
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " . <br> | |
فكلهم اتفقوا على هذه الدعوة, وهي أول دعوة يدعون بها أممهم, الأمر بعبادة الله, | |
والإخبار أنه المستحق لذلك, والنهي عن عبادة ما سواه, والإخبار ببطلان ذلك وفساده. | |
<br> | |
ولهذا قال: " أَفَلَا تَتَّقُونَ " ربكم, | |
فتجتنبوا هذه الأوثان والأصنام. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم | |
في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون | |
" </h1> | |
<p>" | |
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ | |
الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " أي: قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة, وإنكار البعث | |
والجزاء, وأطغاهم ترفهم في الحياة الدنيا, معارضة لنبيهم, وتكذيبا, وتحذيرا منه: " مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " أي: من جنسكم " يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا | |
تَشْرَبُونَ " . <br> | |
فما الذي يفضله عليكم؟ فهلا كان ملكا, لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " </h1> | |
<p>" | |
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ " أي: إن تبعتموه وجعلتموه لكم رئيسا, وهو مثلكم إنكم لمسلوبو العقل, | |
نادمون على ما فعلتم. <br> | |
وهذا من العجب, فإن الخسارة والندامة حقيقة, لمن لم يتابعه, ولم ينقد له. <br> | |
والجهل والسفه العظيم, لمن تكبر عن الانقياد لبشر, خصه الله بوحيه, وفضله برسالته, | |
وابتلي بعبادة الشجر والحجر. <br> | |
وهذا نظير قولهم: " فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا | |
نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ | |
مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ " . <br> | |
فلما أنكروا رسالته وردوها, أنكروا ما جاء به من البعث بعد الموت, والمجازاة على | |
الأعمال فقالوا: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون " </h1> | |
<p>" | |
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ | |
مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ " أي: بعيد بعيد ما يعدكم به, من البعث, بعد أن تمزقتم, وكنتم ترابا | |
وعظاما. <br> | |
فنظروا نظرا قاصرا, ورأوا هذا, بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن. <br> | |
فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم, تعالى الله عن ذلك. <br> | |
فأنكروا قدرته على إحياء الموتى وعجزوه غاية التعجيز, ونسوا خلقهم أول مرة, وأن | |
الذي أنشأهم من العدم, فإعادته لهم بعد البلى, أهون عليه وكلاهما هين لديه. <br> | |
فلم لا ينكرون أول خلقهم, ويكابرون المحسوسات, ويقولون: إننا لم نزل موجودين, حتى | |
يسلم لهم إنكارهم البعث, وينتقلو معهم إلى الاحتجاج على إثبات وجود الخالق | |
العظيم؟. <br> | |
وهنا دليل آخر, وهو: أن الذي أحيا الأرض بعد موتها, إن ذلك لمحيي الموتى, إنه على | |
كل شيء قدير. <br> | |
وثم دليل آخر, وهو ما أجاب به المنكرين للبعث في قوله: " بَلْ | |
عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ | |
عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ " فقال | |
في جوابهم: " قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ | |
" أي في البلى. <br> | |
" وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين " </h1> | |
<p>" إِنْ | |
هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا " أي: يموت أناس, ويحيا أناس " وَمَا نَحْنُ | |
بِمَبْعُوثِينَ " . <br> | |
" إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ " فلهذا | |
أتى بما أتى به من توحيد الله, وإثبات المعاد " فَتَرَبَّصُوا | |
بِهِ حَتَّى حِينٍ " أي: ارفعوا عنه العقوبة بالقتل وغيره, احتراما | |
له, ولأنه مجنون غير مؤاخذ بما يتكلم به. <br> | |
أي: فلم يبق بزعمهم الباطل, مجادلة معه, لصحة ما جاء به, فإنهم قد زعموا بطلانه. <br> | |
وإنما بقي الكلام, هل يوقعون به أم لا؟. <br> | |
فبزعمهم أن عقولهم الرزينة اقتضت الإبقاء عليه, وترك الإيقاع به, مع قيام الموجب. <br> | |
فهل فوق هذا العناد والكفر غاية؟!!. <br> | |
ولهذا لما اشتد كفرهم, ولم ينفع فيهم الإنذار, دعا عليهم نبيهم فقال: " رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ " أي بإهلاكهم, | |
وخزيهم الدنيوي, قبل الآخرة. <br> | |
فـ " قَالَ " الله مجيبا لدعوته: " | |
عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ | |
" لا بالظلم والجور, بل بالعدل وظلمهم, أخذتهم الصيحة, فأهلكتهم عن | |
آخرهم. <br> | |
" فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً " أي هشيما يبسا | |
بمنزلة غثاء السيل الملقى في جنبات الوادي, وقال في الآية الأخرى " | |
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ | |
الْمُحْتَظِرِ " " فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " أي: | |
أتبعوا مع عذابهم, البعد واللعنة والذم من العالمين. <br> | |
" فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا | |
كَانُوا مُنْظَرِينَ " . <br> | |
هذا التعبير مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم. <br> | |
وفيه تهكم بهم, وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده, فيقال عنه: " | |
بكت عليه السماء والأرض " . <br> | |
ومنه ما روي " أن المؤمن إذا مات, ليبكي عليه مصلاه, ومحل | |
عبادته, ومصاعد عمله, ومهابط رزقه, وآثاره في الأرض " . <br> | |
وعن الحسن يبكي عليه أهل السماء والأرض. <br> | |
" وَمَا كَانُوا " لما جاءهم وقت هلاكهم " مُنْظَرِينَ " أي: ممهلين إلى وقت آخر, بل عجل لهم | |
العذاب في الدنيا. <br> | |
والمعنى الإجمالي: فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب, لهوان شأنهم, | |
لأنهم ماتوا كفارا, ولم ينظروا لتوبة, ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم احتقارا لهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين " </h1> | |
<p>أي: ثم أنشأنا من بعد هؤلاء المكذبين المعاندين, قرونا آخرين, كل أمة | |
في وقت مسمى, وأجل محدود, لا تتقدم عنه ولا تتأخر. <br> | |
وأرسلنا إليهم رسلا متتابعة, لعلهم يؤمنون ويبينون. <br> | |
فلم يزل الكفر والتكذيب, دأب الأمم العصاة, والكفرة البغاة كلما جاء أمة رسولها, | |
كذبوه, مع أن كل رسول يأتي من الآيات, ما يؤمن على مثله البشر. <br> | |
بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم, يدل على حقية ما جاءوا به. <br> | |
" فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا " بالهلاك, | |
فلم يبق منهم باقية, وتعطلت مساكنهم من بعدهم. <br> | |
" وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ " يتحدث بهم من | |
بعدهم, ويكونون عبرة للمتقين, ونكالا للمكذبين, وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم. <br> | |
" فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ " ما | |
أشقاهم!! وتعسا لهم, ما أخسر صفقتهم!!. <br> | |
مر علي منذ زمان طويل, كلام لبعض العلماء لا يحضرني الآن اسمه, وهو أنه بعد موسى | |
ونزول التوراة, رفع الله العذاب عن الأمم, أي: عذاب الاستئصال, وشرع للمكذبين | |
المعاندين بالجهاد, ولم أدر من أين أخذه. <br> | |
فلما تدبرت هذه الآيات, مع الآيات التي في سورة القصص, تبين لي وجهه. <br> | |
أما هذه الآيات, فلأن الله, ذكر الأمم المهلكة المتتابعة على الهلاك. <br> | |
ثم أخبر أنه أرسل موسى بعدهم, وأنزل عليه التوراة, فيها الهداية للناس. <br> | |
ولا يرد على هذا, إهلاك فرعون, فإنه قبل نزول التوراة. <br> | |
وأما الآيات التي في سورة القصص, فهي صريحة جدا. <br> | |
فإنه لما ذكر هلاك فرعون قال: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى | |
الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ | |
وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " فهذا صريح أنه آتاه | |
الكتاب بعد هلاك الأمم الباغية. <br> | |
وأخبر أنه أنزله بصائر للناس, وهدى ورحمة. <br> | |
ولعل من هذا, ما ذكر الله في سورة " يونس " من | |
قولة " ثم بعثنا من بعده " أي من بعد نوح " رسلا إلى قومهم فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع | |
على قلوب المعتدين ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون " الآيات والله أعلم. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين " </h1> | |
<p>فقوله " ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى " بن | |
عمران, كليم الرحمن " وَأَخَاهُ هَارُونَ " حين | |
سأل ربه أن يشركه في أمره فأجاب سؤله. <br> | |
" بِآيَاتِنَا " الدالة على صدقهما وصحة ما جاءا | |
به " وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ " أي: حجة بينة. <br> | |
من قوتها, أن تقهر القلوب, وتتسلط عليها لقوتها فتنقاد لها قلوب المؤمنين, وتقوم | |
الحجة البينة على المعاندين. <br> | |
وهذا كقوله " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ | |
بَيِّنَاتٍ " ولهذا رئيس المعاندين عرف الحق وعاند " | |
فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ " بتلك الآيات البينات " فَقَالَ " له " فِرْعَوْنُ | |
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ | |
هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ | |
يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا " . <br> | |
وقال تعالى: " وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا | |
أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا " . <br> | |
وقال هنا " ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ | |
بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ " كـ " هامان " وغيره من رؤسائهم. <br> | |
" فَاسْتَكْبَرُوا &a |