<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة النور - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم | |
تذكرون " </h1></p> | |
<p>أي: | |
هذه " سُورَةٌ " عظيمة القدر " أَنْزَلْنَاهَا " رحمة منا | |
بالعباد. <br> | |
وحفظناها من كل شيطان " وَفَرَضْنَاهَا " أي: قدرنا فيها ما قدرنا, من | |
الحدود والشهادات وغيرها. <br> | |
" وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ " أي: أحكاما جليلة, وأوامر, | |
وزواجر وحكما عظيمة " لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " حين نبين لكم, ونعلمكم | |
ما لم تكونوا تعلمون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم | |
بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من | |
المؤمنين " </h1> | |
<p>ثم شرع في بيان تلك الأحكام, المشار إليها, فقال: " | |
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي " إلى " مِنَ | |
الْمُؤْمِنِينَ " . <br> | |
هذا الحكم, في الزاني والزانية البكرين, أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة. <br> | |
وأما الثيب, فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة, أن حده الرجم. <br> | |
ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة بهما, في دين الله, تمنعنا من إقامة الحد عليهما, | |
سواء رأفة طبيعية أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك, وأن الإيمان, موجب لانتفاء | |
هذه الرأفة المانعة, من إقامة أمر الله. <br> | |
فرحمته حقيقة, بإقامة الحد عليه. <br> | |
فنحن وإن رحمناه, لجريان القدر عليه, فلا نرحمه من هذا الجانب. <br> | |
وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين, طائفة, أو جماعة من المؤمنين ليشتهر, ويحصل | |
بذلك, الخزي والارتداع, وليشاهدوا الحد فعلا, فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل, مما | |
يقوى به العلم, ويستقر به الفهم, ويكون أقرب لإصابة الصواب, فلا يزاد فيه, ولا | |
ينقص. <br> | |
والله أعلم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان | |
أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " </h1> | |
<p>هذا بيان لرذيلة الزنا, وأنه يدنس عرض صاحبه, وعرض من قارنه ومازجه, ما | |
لا يفعله بقية الذنوب. <br> | |
فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء, إلا أنثى زانية, تناسب حاله حالها, | |
أو مشركة بالله, لا تؤمن ببعث ولا جزاء, ولا تلتزم أمر الله. <br> | |
والزانية كذلك, لا ينكحها إلا زان أو مشرك " وَحُرِّمَ ذَلِكَ | |
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " أي: حرم عليهم أن ينكحوا زانيا, أو ينكحوا | |
زانية. <br> | |
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا, من رجل أو امرأة, ولم يتب من ذلك, أن المقدم على | |
نكاحه, مع تحريم الله لذلك, لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فذاك | |
لا يكون إلا مشركا. <br> | |
وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه, فإن هذا | |
النكاح زنا, والناكح زان مسافح. <br> | |
فلو كان مؤمنا بالله حقا, لم يقدم على ذلك. <br> | |
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية, حتى تتوب, وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. <br> | |
فإن مقارنة الزوج لزوجته, والزوجة لزوجها, أشد الاقترانات, والازدواجات. <br> | |
وقد قال تعالى: " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا | |
وَأَزْوَاجَهُمْ " أي: قرناءهم. <br> | |
فحرم الله ذلك, لما فيه من الشر العظيم. <br> | |
وفيه من قلة الغيرة, وإلحاق الأولاد, الذين ليسوا من الزوج, وكون الزاني لا يعفها | |
بسبب اشتغاله بغيرها, مما بعضه كاف في التحريم. <br> | |
وفي هذا دليل, على أن الزاني ليس مؤمنا, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن | |
مشركا, فلا يطلق عليه اسم المدح, الذي هو الإيمان المطلق. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم | |
ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " </h1> | |
<p>لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده وكذا | |
رجمه, إن كان محصنا, وأنه لا تجوز مقارنته, ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد | |
من الشر, بين تعالى, تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ " أي: النساء | |
الحرائر العفائف, وكذلك الرجال, لا فرق بين الأمرين. <br> | |
والمراد بالرمي الرمي بالزنا, بدليل السياق. <br> | |
" ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا " على ما رموا له " بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ " أي: رجال عدول, يشهدون بذلك | |
صريحا. <br> | |
" فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً " بسوط | |
متوسط, يؤلم فيه, ولا يبالغ بذلك, حتى يتلفه, لأن القصد, التأديب, لا الإتلاف. <br> | |
وفي هذا تقرير حد القذف. <br> | |
ولكن بشرط, أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. <br> | |
وأما قذف غير المحصن, فإنه يوجب التعزير. <br> | |
" وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا " أي: | |
لهم عقوبة أخرى, وهو أن شهادة القاذف, غير مقبولة, ولو حد على القذف, حتى يتوب كما | |
يأتي. <br> | |
" وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " أي: الخارجون | |
عن طاعة الله, الذين قد كثر شرهم. <br> | |
وذلك لانتهاك ما حرم الله, وانتهاك عرض أخيه, وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به | |
وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان, ومحبة أن تشيع الفاحشة, في الذين | |
آمنوا. <br> | |
وهذا دليل, على أن القذف من كبائر الذنوب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " </h1> | |
<p>وقوله " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ | |
ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " فالتوبة في | |
هذا الموضع, أن يكذب القاذف نفسه, ويقر أنه كاذب فيما قال, وهو واجب عليه, أن يكذب | |
نفسه ولو تيقن وقوعه, حيث لم يأت بأربعة شهداء. <br> | |
فإذا تاب القاذف وأصلح عمله, وبدل إساءته إحسانا, زال عنه الفسق, وكذلك تقبل | |
شهادته على الصحيح. <br> | |
فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا, لمن تاب وأناب. <br> | |
وإنما يجلد القاذف, إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا. <br> | |
فإن كان زوجا, فقد ذكر بقوله: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ | |
أَزْوَاجَهُمْ " إلى " تَوَّابٌ حَكِيمٌ " . | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة | |
أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين " </h1> | |
<p>وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته, دارئة عنه الحد, لأن الغالب, أن | |
الزوج لا يقدم على رمي زوجته, التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقا. <br> | |
ولأن له في ذلك حقا, وخوفا من إلحاق أولاد, ليسوا منه به, ولغير ذلك من الحكم | |
المفقودة في غيره فقال: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ | |
أَزْوَاجَهُمْ " أي الحرائر لا المملوكات. <br> | |
" وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ " على رميهم بذلك " شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ " بأن لم يقيموا | |
شهداء, على ما رموهن به " فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ | |
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ " . <br> | |
سماها شهادة, لأنها نائبة مناب الشهود, بأن يقول " أشهد | |
بالله, إني لمن الصادقين, فيما رميتها به " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " </h1> | |
<p>" | |
وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ | |
" أي: يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة, | |
مؤكدا تلك الشهادات, بأن يدعو على نفسه, باللعنة إن كان كاذبا. <br> | |
فإذا تم لعانه, سقط عنه حد القذف. <br> | |
وظاهر الآيات, ولو سمى الرجل الذي رماها به, فإنه يسقط حقه, تبعا لها. <br> | |
وهل يقام عليها الحد بمجرد لعان الرجل ونكولها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء. <br> | |
الذي يدل عليه الدليل أنه يقام عليه الحد بدليل قوله " | |
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ " إلى آخره. <br> | |
فلولا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه, لم يكن لعانها دارئا له. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين | |
" </h1> | |
<p>ويدرأ عنها, أي: يدفع عنها العذاب, إذا قابلت شهادات الزوج, بشهادات من | |
جنسها. <br> | |
" أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ | |
لَمِنَ الْكَاذِبِينَ " وتزيد في الخامسة, مؤكدة لذلك, أن تدعو على | |
نفسها بالغضب. <br> | |
فإذا تم اللعان بينهما, فرق بينهما إلى الأبد, وانتفى الولد الملاعن عنه. <br> | |
وظاهر الآيات يدل على اشتراط هذه الألفاظ عند اللعان, منه ومنها. <br> | |
واشتراط الترتيب فيها, وأن لا ينقص منها شيء, ولا يبدل شيء بشيء. <br> | |
وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته, لا بالعكس وأن الشبه في الولد مع اللعان | |
لا عبرة به, كما لا يعتبر مع الفراش. <br> | |
وإنما يعتبر الشبه حيث لا مرجح, إلا هو. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم " </h1> | |
<p>" | |
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ | |
حَكِيمٌ " وجواب الشرط محذوف, يدل عليه سياق | |
الكلام أي: لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما, ما دعا به على نفسه. <br> | |
ومن رحمته وفضله, ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين, لشدة الحاجة إليه, وأن بين لكم | |
شدة الزنا وفظاعته, وفظاعة القذف به, وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير | |
لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " </h1> | |
<p>لما ذكر فيما تقدم تعظيم, الرمي بالزنا | |
عموما, صار ذلك كأنه مقدمة لهذة القصة, التي وقعت على أشرف النساء, أم المؤمنين | |
رضي الله عنها. <br> | |
وهذه الآيات, نزلت في قصة الإفك المشهورة, الثابتة في الصحيح والسنن والمسانيد. <br> | |
وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم, في بعض غزواته, ومعه زوجته عائشة الصديقة, | |
بنت الصديق. <br> | |
فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها, فلم يفقدوها ثم استقل الجيش | |
راحلا, وجاءت مكانهم, وعلمت أنهم إذا فقدوها, رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم. <br> | |
وكان صفوان بن المعطل السلمي, من أفاضل الصحابة رضي الله عنه, قد عرس في أخريات | |
القوم, ونام. <br> | |
فرأى عائشة رضي الله عنها, فعرفها, فأناخ راحلته, فركبتها من دون أن يكلمها أو | |
تكلمه, ثم جاء يقود بها, بعد ما نزل الجيش في الظهيرة. <br> | |
فلما رأى بعض المنافقين, الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم, في ذلك السفر, | |
مجيء صفوان بها في هذه الحال أشاع ما أشاع, وفشا الحديث, وتلقفته الألسن, حتى اغتر | |
بذلك بعض المؤمنين, وصاروا يتناقلون هذا الكلام, وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول | |
صلى الله عليه وسلم. <br> | |
وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة, فحزنت حزنا شديدا. <br> | |
فأنزل الله براءتها في هذه الآيات. <br> | |
ووعظ الله المؤمنين, وأعظم ذلك, ووصاهم بالوصايا النافعة فقوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ " أي: الكذب | |
الشنيع, وهو رمي أم المؤمنين " عُصْبَةٌ مِنْكُمْ " أي: | |
جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين, منهم المؤمن الصادق في إيمانه, لكنه اغتر | |
بترويج المنافقين, ومنهم المنافق. <br> | |
" لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ | |
" لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها, والتنويه بذكرها, حتى | |
تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. <br> | |
ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد, التي ما زال العمل بها إلى يوم | |
القيامة فكل هذا خير عظيم, لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك. <br> | |
وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا, ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم. <br> | |
وأخبر أن قدح بعضهم ببعض, كقدح في أنفسهم. <br> | |
ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم, واجتماعهم على مصالحهم, كالجسد | |
الواحد, والمؤمن للمؤمن, كالبنيان يشد بعضه بعضا. <br> | |
فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه, فليكره من كل أحد, أن يقدح في أخيه المؤمن, | |
الذي بمنزلة نفسه, وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة, فإنه من نقص إيمانه, وعدم | |
نصحه. <br> | |
" لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ | |
" وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك, وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك, | |
وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة. <br> | |
" وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ " أي: معظم الإفك, | |
وهو المنافق الخبيث, عبد الله بن أبي, ابن سلول, لعنه الله " | |
لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا | |
إفك مبين " </h1> | |
<p>ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام | |
فقال: " لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ | |
وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا " أي: ظن المؤمنون بعضهم | |
ببعض خيرا, وهو السلام مما رموا به, وأن ما معهم من الإيمان المعلوم, يدفع ما قيل | |
فيهم من الإفك الباطل. <br> | |
" وَقَالُوا " بسبب ذلك الظن " | |
سُبْحَانَكَ " أي: تنزيها لك من كل سوء وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور | |
الشنيعة. <br> | |
" هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ " أي: كذب وبهت, من أعظم | |
الأشياء, وأبينها. <br> | |
فهذا من الظن الواجب, حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن, مثل هذا الكلام, أن يبرئه | |
بلسانه, ويكذب القائل لذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند | |
الله هم الكاذبون " </h1> | |
<p>" | |
لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ " أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به, بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين. <br> | |
" فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ | |
اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ " وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك, | |
فإنهم كاذبون في حكم الله, لأنه حرم عليهم التكلم بذلك, من دون أربعة شهود. <br> | |
ولهذا قال: " فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ | |
" , ولم يقل " فأولئك الكاذبون " وهذا | |
كله, من تعظيم حرمة عرض المسلم, بحيث لا يجوز الإقدام على رميه, من دون نصاب | |
الشهادة بالصدق. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما | |
أفضتم فيه عذاب عظيم " </h1> | |
<p>" وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي | |
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " بحيث شملكم إحسانه | |
فيهما, في أمر دينكم ودنياكم. <br> | |
" لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ " أي: خضتم " فِيهِ " من شأن الإفك " عَذَابٌ | |
عَظِيمٌ " لاستحقاقكم ذلك بما قلتم. <br> | |
ولكن من فضل الله عليكم ورحمته, أن شرع لكم التوبة, وجعل العقوبة مطهرة للذنوب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم | |
وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " </h1> | |
<p>" إِذْ | |
تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ " أي: | |
تتلقفونه, ويلقيه بعضكم إلى بعض وتستوشون حديثه, وهو قول باطل. <br> | |
" وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ | |
عِلْمٌ " والأمران محظوران, التكلم بالباطل, والقول بلا علم. <br> | |
" وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا " فلذلك أقدم عليه, | |
من أقدم, من المؤمنين, الذين تابوا منه, وتطهروا بعد ذلك. <br> | |
" وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ " وهذا فيه | |
الزجر البليغ, عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها. <br> | |
فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا, ولا يخفف من عقوبته, الذنب. <br> | |
بل يضاعف الذنب, ويسهل عليه مواقعته, مرة أخرى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا | |
بهتان عظيم " </h1> | |
<p>" | |
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ " أي: وهلا إذ | |
سمعتم - أيها المؤمنون - كلام أهل الإفك. <br> | |
" قُلْتُمْ " منكرين لذلك, معظمين لأمره: " مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا " أي: ما | |
ينبغي لنا, وما يليق بنا الكلام, بهذا الإفك المبين, لأن المؤمن يمنعه إيمانه من | |
ارتكاب القبائح " هَذَا بُهْتَانٌ " أي كذب عظيم. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين " </h1> | |
<p>" | |
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ " أي: لنظيره, من رمي المؤمنين بالفجور. <br> | |
فالله يعظكم, وينصحكم عن ذلك, ونعم المواعظ والنصائح, من ربنا فيجب علينا | |
مقابلتها, بالقبول والإذعان, والتسليم والشكر له, على ما بين لنا " | |
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ " . <br> | |
" إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " دل ذلك على أن | |
الإيمان الصادق, يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم " </h1> | |
<p>" | |
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ " المشتملة, | |
على بيان الأحكام, والوعظ, والزجر, والترغيب, والترهيب, يوضحها لكم توضيحا جليا. <br> | |
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ " أي: كامل العلم " حَكِيمٌ " كامل الحكمة. <br> | |
فمن علمه وحكمته, أن علمكم من علمه, وإن كان ذلك, راجعا لمصالحكم في كل وقت.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم | |
في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ " أي: الأمور الشنيعة المستقبحة, فيحبون أن تشتهر الفاحشة " فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: | |
موجع للقلب والبدن, وذلك لغشه لإخوانه المسلمين, ومحبة الشر لهم, وجراءته على | |
أعراضهم. <br> | |
فإذا كان هذا الوعيد, لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة, واستحلاء ذلك بالقلب, فكيف بما | |
هو أعظم من ذلك, من إظهاره, ونقله؟!! وسواء كانت الفاحشة, صادرة, أو غير صادرة. <br> | |
وكل هذا, من رحمة الله لعباده المؤمنين, وصيانة أعراضهم, كما صان دماءهم وأموالهم, | |
وأمرهم بما يقتضي المصافاة, وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه, ويكره له, ما يكره | |
لنفسه. <br> | |
" وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " فلذلك | |
علمكم, وبين لكم ما تجهلونه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم " </h1> | |
<p>" | |
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " قد | |
أحاط بكم من كل جانب " وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ | |
رَحِيمٌ " لما بين لكم هذه الأحكام والمواعظ, والحكم الجليلة, ولما | |
أمهل من خالف أمره. <br> | |
ولكن فضله ورحمته, وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي, ما لن | |
تحصوه, أو تعدوه</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات | |
الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من | |
أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم " </h1> | |
<p>ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه, نهى عن الذنوب عموما فقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ | |
الشَّيْطَانِ " أي طرقه ووساوسه. <br> | |
وخطوات الشيطان, يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب, واللسان والبدن. <br> | |
ومن حكمته تعالى, أن بين الحكم, وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان. <br> | |
والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه, من الشر المقتضي, والداعي لتركه فقال: " وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ " أي: | |
الشيطان " يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ " أي: ما | |
تستفحشه العقول والشرائع, من الذنوب العظيمة, مع ميل بعض النفوس إليه. <br> | |
" وَالْمُنْكَرِ " وهو: ما تنكره العقول ولا | |
تعرفه. <br> | |
فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان, لا تخرج عن ذلك. <br> | |
فنهى الله عنها العباد, نعمة منه عليهم, أن يشكروه ويذكروه, لأن ذلك, صيانة لهم عن | |
التدنس بالرذائل والقبائح. <br> | |
فمن إحسانه عليهم, أن نهاهم عنها, كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها. <br> | |
" وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا | |
زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا " أي: ما تطهر من اتباع خطوات | |
الشيطان, لأن الشيطان يسعى, هو وجنده, في الدعوة إليها وتحسينها, والنفس ميالة إلى | |
السوء, أمارة به, والنقص مستول على العبد, من جميع جهاته, والإيمان غير قوي. <br> | |
فلو خلي وهذه الدواعي, ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب, والسيئات, والنماء بفعل | |
الحسنات, فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء. <br> | |
ولكن فضله ورحمته أوجبا, أن يتزكى منكم, من تزكى. <br> | |
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم آت نفسي تقواها, | |
وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها " ولهذا قال: " وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ " من يعلم | |
منه أن يتزكى بالتزكية, ولهذا قال: " وَاللَّهُ سَمِيعٌ | |
عَلِيمٌ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى | |
والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم | |
والله غفور رحيم " </h1> | |
<p>" | |
وَلَا يَأْتَلِ " أي: لا يحلف " أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي | |
الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا | |
وَلْيَصْفَحُوا " . <br> | |
كان من جملة الخائضين في الإفك " مسطح بن أثاثة " وهو | |
قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه, وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله. <br> | |
فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه, لقوله الذي قال. <br> | |
فنزلت هذه الآية, ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه, ويحثه على العفو | |
والصفح, ويعده بمغفرة الله, إن غفر له فقال: " أَلَا | |
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " إذا | |
عاملتم عبيده, بالعفو والصفح, عاملكم بذلك, فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: | |
بلى, والله إني لأحب أن يغفر الله لي, فرجع النفقة إلى مسطح. <br> | |
وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب, وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية | |
الإنسان, والحث على العفو والصفح, ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا | |
والآخرة ولهم عذاب عظيم " </h1> | |
<p>ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: " | |
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ " أي: العفائف عن الفجور " الْغَافِلَاتِ " اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن " الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " واللعنة, | |
لا تكون إلا على ذنب كبير. <br> | |
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين. <br> | |
" وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " وهذا زيادة على | |
اللعنة, أبعدهم عن رحمته, وأحل بهم شدة نقمته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون | |
" </h1> | |
<p>وذلك العذاب يوم القيامة " يَوْمَ تَشْهَدُ | |
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا | |
يَعْمَلُونَ " فكل جارحة تشهد عليه بما عملته, ينطقها الذي أنطق كل | |
شيء, فلا يمكنه الإنكار. <br> | |
ولقد عدل في العباد, من جعل شهودهم من أنفسهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين | |
" </h1> | |
<p>" | |
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ " أي: جزاءهم على أعمالهم, الجزاء الحق, الذي بالعدل والقسط, يجدون | |
جزاءهم موفرا, لم يفقدوا منها شيئا. <br> | |
" وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا | |
يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا | |
حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " ويعلمون في ذلك الموقف | |
العظيم, أن الله هو الحق المبين فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى. <br> | |
فأوصافه العظيمة حق, وأفعاله هي الحق, وعبادته هي الحق, ولقاؤه حق, ووعيده حق, | |
وحكمه الديني والجزائي حق, ورسله حق, فلا ثم حق, إلا في الله, وما من الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين | |
والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " </h1> | |
<p>" | |
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ " أي: كل خبيث من الرجال والنساء, والكلمات والأفعال, مناسب للخبيث, | |
وموافق له, ومقترن به, ومشاكل له. <br> | |
وكل طيب من الرجال والنساء, والكلمات, والأفعال, مناسب للطيب, وموافق له, ومقترن | |
به, ومشاكل له. <br> | |
فهذه كلمة عامة وحصر, لا يخرج منه شيء, من أعظم مفرداته, أن الأنبياء, خصوصا أولي | |
العزم منهم, خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم, الذي هو أفضل الطيبين من الخلق, | |
على الإطلاق, لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء. <br> | |
فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر, قدح في النبي صلى الله عليه وسلم, وهو | |
المقصود بهذا الإفك, من قصد المنافقين. <br> | |
فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم, يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة, | |
من هذا الأمر القبيح. <br> | |
فكيف وهي ما هي؟!! صديقة النساء, وأفضلهن, وأعلمهن, وأطيبهن, حبيبة رسول رب | |
العالمين, التي لم ينزل الوحي عليه, وهو في لحاف زوجة من زوجاته, غيرها؟!!. <br> | |
ثم صرح بذلك, بحيث لا يبقى لمبطل مقالا, ولا لشك وشبهة مجالا فقال: " أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ " والإشارة | |
إلى عاثشة رضي الله عنها أصلا, وللمؤمنات المحصنات الغافلات, تبعا لها. <br> | |
" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ " تستغرق الذنوب " وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " في الجنة صادر من الرب الكريم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا | |
وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون " </h1> | |
<p>يرشد الباري عباده المؤمنين, أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان. | |
<br> | |
فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " . <br> | |
فبسبب الإخلال به, يقع البصر على العورات, التي داخل البيوت. <br> | |
فإن البيت للإنسان, في ستر عورة ما وراءه بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. <br> | |
ومنها: أن ذلك, يوجب الريبة من الداخل, ويتهم بالشر, سرقة أو غيرها, لأن الدخول | |
خفية, يدل على الشر. <br> | |
ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم " حَتَّى | |
تَسْتَأْنِسُوا " أي. <br> | |
تستأذنوا. <br> | |
سمي الاستئذان استئناسا, لأن به يحصل الاستئناس, وبعدمه تحصل الوحشة. <br> | |
" وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا " . <br> | |
وصفة ذلك, ما جاء في الحديث " السلام عليكم, أأدخل " ؟. | |
<br> | |
" ذَلِكُمْ " أي الاستئذان المذكور " خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " لاشتماله | |
على عدة مصالح, وهو من مكارم الأخلاق الواجبة, فإن أذن, دخل المستأذن. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم | |
ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم " </h1> | |
<p>" فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا | |
حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا " أي: فلا تمتنعوا من الرجوع, ولا تغضبوا منه. <br> | |
فإن صاحب المنزل, لم يمنعكم حقا واجبا لكم, وإنما هو متبرع, فإن شاء أذن, أو منع. <br> | |
فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز, من هذه الحال. <br> | |
" هُوَ أَزْكَى لَكُمْ " أي: أشد لتطهيركم من | |
السيئات, وتنميتكم بالحسنات. <br> | |
" وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " فيجازي | |
كل عامل بعمله, من كثرة وقلة, وحسن, وعدمه. <br> | |
هذا الحكم, في البيوت المسكونة, سواء كان فيها متاع للإنسان, أم لا, وفي البيوت | |
غير المسكونة, التي لا متاع فيها للإنسان. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله | |
يعلم ما تبدون وما تكتمون " </h1> | |
<p>وأما البيوت التي ليس فيها أهلها, وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول | |
إليه, وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه, وذلك كبيوت الكراء وغيرها, فقد ذكرها | |
بقوله: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ " أي: حرج | |
وإثم, دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة, أنه محرم, وفيه حرج " أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ | |
لَكُمْ " وهذا من احترازات القرآن العجيبة, فإن قوله " | |
لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ " لفظ عام في كل بيت ليس | |
ملكا للإنسان, أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه, وفيها متاعه, وليس فيها مساكن, | |
فأسقط الحرج في الدخول إليها. <br> | |
" وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ " | |
أحوالكم الظاهرة والخفية, وعلم مصالحكم, فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه | |
وتضطرون, من الأحكام الشرعية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن | |
الله خبير بما يصنعون " </h1> | |
<p>أي: أرشد المؤمنين, وقل لهم, الذين معهم إيمان, يمنعهم من وقوع ما يخل | |
بالإيمان: " يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " عن | |
النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات, وإلى المردان, الذين يخاف بالنظر إليهم | |
الفتنة, وإلى زينة الدنيا التي تفتن, وتوقع في المحذور. <br> | |
" وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ " عن الوطء الحرام, | |
في قبل أو دبر, أو ما دون ذلك, وعن التمكين من مسها, والنظر إليها. <br> | |
" ذَلِكَ " الحفظ للأبصار والفروج " أَزْكَى لَهُمْ " أطهر, وأطيب, وأنمى لأعمالهم, فإن | |
من حفظ فرجه وبصره, طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش, وزكت أعماله, بسبب | |
ترك المحرم, الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه. <br> | |
فمن ترك شيئا لله, عوضه الله خيرا منه, ومن غض بصره, أنار الله بصيرته ولأن العبد | |
إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته, مع دواعي الشهوة, كان حفظه لغيره أبلغ, | |
ولهذا سماه الله حفظا. <br> | |
فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه, وعمل الأسباب الموجبة لحفظه, | |
لم ينحفظ. <br> | |
كذلك البصر والفرج, إن لم يجتهد العبد في حفظهما, أوقعاه في بلايا ومحن. <br> | |
وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا لأنه لا يباح في حالة من الأحوال وأما البصر فقال: | |
" يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " بأداة " من " الدالة على التبعيض. <br> | |
فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال, لحاجة كنظر الشاهد والعامل والخاطب, ونحو ذلك. <br> | |
ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم, ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن | |
إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو | |
آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو | |
بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال | |
أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من | |
زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " </h1> | |
<p>لما أمر المؤمنين بغض الأبصار, وحفظ الفروج, | |
أمر المؤمنات بذلك فقال: " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ | |
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ " عن النظر إلى العورات والرجال, بشهوة ونحو ذلك | |
من النظر الممنوع. <br> | |
" وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ " من التمكن من | |
جماعهن, أو مسهن, أو النظر المحرم إليهن. <br> | |
" وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ " كالثياب | |
الجميلة والحلي, وجميع البدن كله من ال |