<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة النمل - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين " </h1></p> | |
<p>ينبه تعالى عباده | |
على عظمة القرآن, ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم فقال: " تِلْكَ آيَاتُ | |
الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ " أي هي أعلى الآيات, وأقوى البينات, وأوضح | |
الدلالات, وأبينها على أجل المطالب, وأفضل المقاصد, وخير الأعمال, وأزكى الأخلاق. <br> | |
آيات تدل على الأخبار الصادقة, والأوامر الحسنة, والنهي عن كل عمل وخيم, وخلق | |
ذميم. <br> | |
آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة, مبلغ الشمس للأبصار. <br> | |
آيات دلت على الإيمان, ودعت للوصول إلى الإيمان, وأخبرت عن الغيوب الماضية | |
والمستقبلة, طبق ما كان ويكون. <br> | |
آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم, بأسمائه الحسنى, وصفاته العليا, وأفعاله الكاملة. | |
<br> | |
آيات عرفتنا برسله وأوليائه, ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا. <br> | |
ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين, ولم يهتد بها جميع المعاندين, صونا | |
لها, عن من لا خير فيه ولا صلاح, ولا زكاء في قلبه. <br> | |
وإنما اهتدى بها, من خصهم الله بالإيمان, واستنارت بذلك قلوبهم, وصفت سرائرهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هدى وبشرى للمؤمنين " </h1> | |
<p>فلهذا قال: " هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ | |
" أي: تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم, وتبين لهم, ما ينبغي أن | |
يسلكوه أو يتركوه. <br> | |
وتبشرهم بثواب الله, المرتب على الهداية لهذا الطريق. <br> | |
ربما قيل: لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد | |
لذلك من دليل؟ وهو الحق, فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون | |
" </h1> | |
<p>" | |
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ " فرضها, | |
ونفلها, فيأتون بأفعالها الظاهرة, من أركانها, وشروطها, وواجباتها, ومستحباتها. <br> | |
وأفعالها الباطنة, وهو: الخشوع الذي روحها ولبها, باستحضار قرب الله, وتدبر ما | |
يقوله المصلي ويفعله. <br> | |
" وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " المفروضة لمستحقيها. <br> | |
" وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " أي: قد | |
بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين, وهو: العلم التام, والواصل إلى | |
القلب, الداعي إلى العمل. <br> | |
ويقينهم بالآخرة, يقتضي كمال سعيهم لها, وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب, | |
وهذا أصل كل خير. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون " | |
</h1> | |
<p>" | |
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ " ويكذبون بها, ويكذبون من جاء بإثباتها. <br> | |
" زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ " حائرين | |
مترددين, مؤثرين سخط الله على رضاه. <br> | |
قد انقلبت عليهم الحقائق, فرأوا الباطل حقا, والحق باطلا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون " </h1> | |
<p>" أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ " أي: أشده, وأسوأه, وأعظمه. <br> | |
" وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ " حصر | |
الخسار فيهم, بكونهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وخسروا الإيمان الذي دعتهم | |
إليه الرسل. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " </h1> | |
<p>" | |
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ " أي: وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك, وتتلقه, ينزل من عند " حَكِيمٌ " يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها. <br> | |
" عَلِيمٌ " بأسرار الأحوال, وبواطنها كظواهرها. <br> | |
وإذا كان من عند " حَكِيمٌ عَلِيمٌ " علم كله | |
حكمة ومصالح للعباد, من الذي هو أعلم بمصالحهم منهم؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم | |
بشهاب قبس لعلكم تصطلون " </h1> | |
<p>" إِذْ | |
قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا " إلى آخر قصته. <br> | |
يعني: اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى بن عمران, وابتداء الوحي | |
إليه واصطفاءه برسالته, وتكليم الله إياه. <br> | |
وذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين, وسار بأهله من مدين, متوجها إلى مصر. <br> | |
فلما كان في أثناء الطريق, ضل, وكان في ليلة مظلمة باردة, فقال لهم: " إِنِّي آنَسْتُ نَارًا " أي: أبصرت نارا من بعيد " سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ " عن الطريق. <br> | |
" أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ | |
" أي: تستدفئون. <br> | |
وهذا دليل على أنه تائه, ومشتد برده, هو أهله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب | |
العالمين " </h1> | |
<p>" | |
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا | |
" أي: ناداه الله تعالى وأخبره, أن هذا محل | |
مقدس مبارك. <br> | |
ومن بركته, أن جعله الله موضعا لتكليم الله لموسى وإرساله. <br> | |
" وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " على | |
أن يظن به نقص, أو سوء, بل هو الكامل, في وصفه, وفعله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " </h1> | |
<p>" يَا | |
مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " أي: أخبره الله أنه الله المستحق للعبادة, وحده لا شريك له, كما في | |
الآية الأخرى " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا | |
أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " " الْعَزِيزُ | |
" الذي قهر جميع الأشياء, وأذعنت له كل المخلوقات. <br> | |
" الْحَكِيمُ " في أمره وخلقه. <br> | |
ومن حكمته, أن أرسل عبده, موسى بن عمران, الذي علم الله منه, أنه أهل لرسالته | |
ووحيه وتكليمه ومن عزته, أن تعتمد عليه, ولا تستوحش من انفرادك, وكثرة أعدائك, | |
وجبروتهم. <br> | |
فإن نواصيهم, بيد الله, وحركاتهم وسكونهم, بتدبيره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى | |
لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " </h1> | |
<p>" وَأَلْقِ عَصَاكَ " فألقاها | |
" فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ " وهو | |
ذكر الحيات, سريع الحركة. <br> | |
" وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ " ذعرا من | |
الحية, التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية. <br> | |
فقال الله له: " يَا مُوسَى لَا تَخَفْ " وقال في | |
الآية الأخرى " أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ | |
الْآمِنِينَ " . <br> | |
" إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ " لأن | |
جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره, وتصريفه, وأمره. <br> | |
فالذين اختصهم الله برسالته, واصطفاهم, لوحيه, لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله, | |
خصوصا عند زيادة القرب منه, والحظوة بتكليمه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم " </h1> | |
<p>" إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ | |
" أي: فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب | |
ما أسدى من الظلم, وما تقدم له من الجرم. <br> | |
وأما المرسلون, فما لهم وللوحشة, والخوف؟ ومع هذا, من ظلم نفسه بمعاصي الله, وتاب | |
وأناب, فبدل سيئاته حسنات, ومعاصيه طاعات, فإن الله غفور رحيم. <br> | |
فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته, فإنه يغفر الذنوب جميعا, وهو أرحم بعباده من | |
الوالدة بولدها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون | |
وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " </h1> | |
<p>" وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ | |
غَيْرِ سُوءٍ " لا برص ولا نقص, بل بياض يبهر | |
الناظرين شعاعه. <br> | |
" فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ " أي: | |
هاتان الآيتان, انقلاب العصا حية تسعى, وإخراج اليد من الجيب, فتخرج بيضاء في جملة | |
تسع آيات, تذهب بها, وتدعو فرعون وقومه " إِنَّهُمْ كَانُوا | |
قَوْمًا فَاسِقِينَ " . <br> | |
فسقوا بشركهم, وعتوهم, وعلوهم على عباد الله, واستكبارهم في الأرض, بغير الحق. <br> | |
فذهب موسى عليه السلام إلى فرعون وملأه, ودعاهم إلى الله تعالى, وأراهم الآيات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين " </h1> | |
<p>" فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً " مضيئة, تدل على الحق, ويبصر بها كما تبصر الأبصار بالشمس. <br> | |
" قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ " لم يكفهم مجرد | |
القول بأنه سحر, بل قالوا: " مبين " ظاهر لكل | |
أحد. <br> | |
وهذا من أعجب العجائب, الآيات المبصرات, والأنوار الساطعات تجعل من بين الخزعبلات, | |
وأظهر السحر. <br> | |
هل هذا, إلا من أعظم المكابرة, وأوقح السفسطة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة | |
المفسدين " </h1> | |
<p>" وَجَحَدُوا بِهَا " أي | |
كفروا بآيات الله, جاحدين لها. <br> | |
" وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ " أي: ليس | |
جحدهم, مستندا إلى الشك والريب. <br> | |
وإنما جحدهم مع علمهم وتيقنهم بصحتها " ظُلْمًا " منهم | |
لحق ربهم ولأنفسهم. <br> | |
" وَعُلُوًّا " على الحق وعلى العباد, وعلى | |
الانقياد للرسل. <br> | |
" فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ " أسوأ | |
عاقبة, دمرهم الله وأغرقهم في البحر, وأخزاهم, وأورث مساكنهم المستضعفين من عباده. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على | |
كثير من عباده المؤمنين " </h1> | |
<p>يذكر في هذا القرآن, وينوه بمنته على داود وسليمان ابنه, بالعلم الواسع | |
الكثير, بدليل التنكير, كما قال تعالى: " وَدَاوُدَ | |
وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ | |
الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا | |
آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا " الآية. <br> | |
" وَقَالَا " شاكرين لربهما منته, الكبرى | |
بتعليمهما: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى | |
كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ " . <br> | |
فحمدا الله على جعلهما من المؤمنين, أهل السعادة, وأنهما كانا من خواصهم. <br> | |
ولا شك أن المؤمنين أربع درجات: الصالحون, ثم فوقهم: الشهداء, ثم فوقهم: الصديقون, | |
ثم فوقهم: الأنبياء. <br> | |
وداود وسليمان, من خواص الرسل, وإن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة. <br> | |
لكنهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام, الذين نوه الله بذكرهم, ومدحهم في كتابه, | |
مدحا عظيما, فحمدا الله على بلوغ هذه المنزلة. <br> | |
وهذا عنوان سعادة العبد, أن يكون شاكرا لله على نعمه, الدينية والدنيوية, وأن يرى | |
جميع النعم من ربه. <br> | |
فلا يفخر بها ولا يعجب بها, بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا. <br> | |
فلما مدحهما مشتركين, خص سليمان, بما خصه به, لكون الله أعطاه ملكا عظيما, وصار له | |
من المجريات, ما لم يكن لأبيه, صلى الله عليهما وسلم, فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا | |
من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين " </h1> | |
<p>" وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ " أي: ورث علمه ونبوته, فانضم علم أبيه إلى علمه, فلعله تعلم من أبيه ما | |
عنده, من العلم, مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه, كما تقدم من قوله ففهمناها | |
سليمان. <br> | |
وقال شكرا لله, وتبجحا بإحسانه, وتحدثا بنعمته: " يَا | |
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ " . <br> | |
فكان عليه الصلاة والسلام, يفقه ما تقول, وتتكلم به, كما راجع الهدهد, وراجعه, | |
وكما فهم قول الله للنمل, كما يأتي, وهذا, لم يكن لأحد غير سليمان عليه السلام. <br> | |
" وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ " أي: أعطانا | |
الله من النعم, ومن أسباب الملك, ومن السلطنة والقهر, ما لم يؤت أحدا من الآدميين. | |
<br> | |
ولهذا دعا ربه فقال: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا | |
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " فسخر الله له الشياطين, يعملون | |
له كل ما شاء, من الأعمال, التي يعجز عنها غيرهم, وسخر له الريح, غدوها شهر, | |
ورواحها شهر. <br> | |
" إِنَّ هَذَا " الذي أعطانا الله, وفضلنا, | |
واختصنا به " لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ " الواضح | |
الجلي, فاعترف أكمل اعتراف بنعمة الله تعالى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون " </h1> | |
<p>" وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ | |
وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ " أي: جمع له جنوده الكثيرة, الهائلة, المتنوعة, من بني آدم, ومن الجن, | |
والشياطين, ومن الطيور فهم يوزعون, يدبرون, ويرد أولهم على آخرهم, وينظمون غاية | |
التنظيم, في سيرهم ونزولهم, وحلهم, وترحالهم قد استعد لذلك, وأعد له عدته. <br> | |
وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره, لا تقدر على عصيانه, ولا تتمرد عليه, كما قال تعالى: | |
" هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ " أي: | |
أعط بغير حساب. <br> | |
فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا | |
مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " </h1> | |
<p>" حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ | |
نَمْلَةٌ " منبهة لرفقتها, وبني جنسها: " يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا | |
يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " . <br> | |
فنصحت هذه النملة, وأسمعت النمل, إما بنفسها, ويكون الله قد أعطى النمل أسماعا | |
خارقة للعادة, لأن التنبيه للنمل, الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة, من أعجب | |
العجائب. <br> | |
وإما بأنها أخبرت من حولها من النمل, ثم سرى الخبر من بعضهن لبعض, حتى بلغ الجميع, | |
وأمرتهن بالحذر, والطريق في ذلك, وهو دخول مساكنهن. <br> | |
وعرفت حالة سليمان وجنوده, وعظمة سلطانه, واعتذرت عنهم, أنهم إن حطموكم, فليس عن | |
قصد منهم, ولا شعور. <br> | |
فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها, وفهمه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت | |
علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " </h1> | |
<p>" | |
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا " إعجابا | |
منه, بنصح أمتها, ونصحها, وحسن تعبيرها. <br> | |
وهذا حال الأنبياء, عليهم الصلاة والسلام, الأدب الكامل, والتعجب في موضعه, وأن لا | |
يبلغ بهم الضحك, إلا إلى التبسم. <br> | |
كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم, جل ضحكه, التبسم. <br> | |
فإن القهقهة, تدل على خفة العقل, وسوء الأدب. <br> | |
وعدم التبسم والعجب, مما يتعجب منه, يدل على شراسة الخلق, والجبروت. <br> | |
والرسل منزهون عن ذلك. <br> | |
وقال شاكرا لله, الذي أوصله إلى هذه الحال: " رَبِّ | |
أَوْزِعْنِي " أي: ألهمني ووفقني " أَنْ أَشْكُرَ | |
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ " . <br> | |
فإن النعمة عل الوالدين, نعمة على الولد. <br> | |
فسأل ربه, التوفيق للقيام بشكر نعمته, الدينية, والدنيوية, عليه وعلى والديه. <br> | |
" وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ " أي: | |
ووفقني أن أعمل صالحا ترضاه, لكونه موافقا لأمرك, مخلصا فيه, سالما من المفسدات | |
والمنقصات. <br> | |
" وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ " التي منها الجنة " فِي " جملة " عِبَادِكَ | |
الصَّالِحِينَ " . <br> | |
فإن الرحمة مجعولة للصالحين, على اختلاف درجاتهم ومنازلهم. <br> | |
فهذا نموذج, ذكره الله من حالة سليمان, عند سماعه خطاب النملة ونداءها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين | |
" </h1> | |
<p>ثم ذكر نموذجا آخر من مخاطبته للطير فقال: " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ " دل هذا, على كمال عزمه | |
وحزمه, وحسن تنظيمه لجنوده, وتدبيره بنفسه, للأمور الصغار والكبار. <br> | |
حتى إنه لم يهمل هذا الأمر, وهو: تفقد الطيور, والنظر, هل هي موجودة كلها, أم | |
مفقود منها شيء؟ وهذا هو المعنى للآية. <br> | |
ولم يصنع شيئا من قال: إنه تفقد الطير, لينظر أين الهدهد منه, ليدله على بعد الماء | |
وقربه. <br> | |
كما زعموا عن الهدهد, أنه يبصر الماء تحت الأرض الكثيفة. <br> | |
فإن هذا القول, لا يدل عليه دليل, بل الدليل العقلي واللفظي, دال على بطلانه. <br> | |
أما العقلي, فإنه قد عرف بالعادة, والتجارب, والمشاهدات, أن هذه الحيوانات كلها, | |
ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارق للعادة, وينظر الماء تحت الأرض الكثيفة. <br> | |
ولو كان كذلك, لذكره الله, لأنه من أكبر الآيات. <br> | |
وأما الدليل اللفظي, فلو أريد هذا المعنى, لقال " وطلب الهدهد | |
لينظر له الماء, فلما فقده قال ما قال " أو " فتش | |
عن الهدهد, أو بحث عنه " ونحو ذلك من العبارات. <br> | |
وإنما تفقد الطير, لينظر الحاضر منها والغائب, ولزومها للمراكز والمواضع, التي | |
عينها لها. <br> | |
وأيضا فإن سليمان عليه السلام, لا يحتاج, ولا يضطر إلى الماء, بحيث يحتاج لهندسة | |
الهدهد. <br> | |
فإن عنده من الشياطين, والعفاريت, ما يحفرون له الماء, ولو بلغ في العمق ما بلغ. <br> | |
وسخر الله له الريح, غدوها شهر, ورواحها شهر. <br> | |
فكيف - مع ذلك - يحتاج إلى الهدهد؟!!. <br> | |
وهذه التفاسير, التي توجد, وتشتهر بها أقوال, لا يعرف غيرها, تنقل هذه الأقوال عن | |
بني إسرائيل, مجردة, ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة, وتطبيقها على | |
الأقوال. <br> | |
ثم لا تزال تتناقل, وينقلها المتأخر مسلما للمتقدم, حتى يظن أنها الحق. <br> | |
فيقع من الأقوال الردية في التفاسير, ما يقع. <br> | |
واللبيب الفطن, يعرف أن هذا القرآن الكريم, العربي المبين, الذي خاطب الله به | |
الخلق كلهم, عالمهم, وجاهلهم, وأمرهم بالتفكر في معانيه, وتطبيقها على ألفاظه | |
العربية المعروفة المعاني, التي لا تجهلها العرب العرباء. <br> | |
وإذا وجد أقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم, ردها إلى هذا الأصل. | |
<br> | |
فإن وافقه, قبلها, لكون اللفظ دالا عليها. <br> | |
وإن خالفته لفظا ومعنى, أو لفظا أو معنى, ردها, وجزم ببطلانها, لأن عنده أصلا | |
معلوما, مناقضا لها, وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته. <br> | |
والشاهد أن تفقد سليمان عليه السلام للطير, وفقده الهدهد, يدل على كمال حزمه | |
وتدبيره للملك بنفسه, وكمال فطنته, حتى تفقد هذا الطائر الصغير " | |
فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ " أي: | |
هل عدم رؤيتي إياه, لقلة فطنتي به, لكونه خفيا بين هذه الأمم الكثيرة؟. <br> | |
أم على بابها, بأن كان غائبا من غير إذني, ولا أمري؟. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " </h1> | |
<p>فحينئذ تغيظ عليه, وتوعده فقال " لَأُعَذِّبَنَّهُ | |
عَذَابًا شَدِيدًا " دون القتل. <br> | |
" أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ | |
مُبِينٍ " أي: حجة واضحة على تخلفه. <br> | |
وهذا من كمال ورعه وإنصافه, أنه لم يقسم على مجرد عقوبته, بالعذاب أو القتل, لأن | |
ذلك لا يكون إلا من ذنب. <br> | |
وغيبته, وقد تحتمل أنها لعذر واضح, فلذلك استثناه, لورعه وفطنته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين | |
" </h1> | |
<p>" | |
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ " ثم جاء, وهذا يدل | |
على هيبة جنودة منه, وشدة ائتمارهم لأمره. <br> | |
حتى إن هذا الهدهد, الذي خلفه العذر الواضح, لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا. <br> | |
" فَقَالَ " لسليمان: " | |
أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ " عندي العلم, علم ما ما أحطت به, على | |
علمك الواسع, وعلى درجتك فيه. <br> | |
" وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ " القبيلة, المعروفة في | |
اليمن " بِنَبَإٍ يَقِينٍ " أي: خبر متيقن. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم " </h1> | |
<p>تم فسر هذا النبأ فقال: " إِنِّي وَجَدْتُ | |
امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ " أي: تملك قبيلة سبأ, وهي امرأة " وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ " يؤتاه الملوك, من | |
الأموال, والسلاح, والجنود, والحصون, والقلاع ونحو ذلك. <br> | |
" وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ " أي: كرسي ملكها, الذي | |
تجلس عليه, عرش هائل. <br> | |
وعظم العروش, تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان | |
أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون " </h1> | |
<p>" وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ | |
اللَّهِ " أي: هم مشركون يعبدون الشمس. <br> | |
" وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ " فرأوا | |
ما عليه هو الحق. <br> | |
" فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ " | |
لأن الذي يرى أن الذي عليه حق, لا مطمع في هدايته حتى تتغير عقيدته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما | |
تخفون وما تعلنون " </h1> | |
<p>ثم قال: " أَلَا " | |
أي هلا " يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ | |
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: يعلم الخفي الخبيء, في | |
أقطار السماوات, وأنحاء الأرض, من صغار المخلوقات, وبذور النباتات, وخفايا الصدور. | |
<br> | |
ويخرج خبء الأرض والسماء, بإنزال المطر, وإنبات النباتات. <br> | |
ويخرج خبء الأرض عند النفخ في الصور وإخراج الأموات من الأرض, ليجازيهم بأعمالهم " وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " </h1> | |
<p>" | |
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: لا | |
تنبغي العبادة, والإنابة, والذل, والحب, إلا له, لأنه المألوه, لما له من الصفات | |
الكاملة, والنعم الموجبة لذلك. <br> | |
" رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " الذي هو سقف | |
المخلوقات ووسع الأرض والسماوات. <br> | |
فهذا الملك, عظيم السلطان, كبير الشأن, هو الذي يذل له, ويخضع, ويسجد له, ويركع. <br> | |
فسلم الهدهد, حين ألقى إليه هذا النبأ العظيم, وتعجب سليمان كيف خفى عليه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " </h1> | |
<p>وقال مثبتا لكمال عقله ورزانته: " سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ | |
بِكِتَابِي هَذَا " وسيأتي نصه " فَأَلْقِهِ | |
إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ " أي: استأخر غير بعيد " فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ " إليك وما يتراجعون | |
به. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " </h1> | |
<p>فذهب به فألقاه عليها, فقالت لقومها: " إِنِّي | |
أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ " . <br> | |
أي: جليل المقدار, من أكبر ملوك الأرض. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " </h1> | |
<p>ثم بينت مضمونه فقالت: " إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ | |
وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ | |
وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ " أي: لا تكونوا فوقي, بل اخضعوا تحت سلطاني, | |
وانقادوا لأوامري, وأقبلوا إلي مسلمين. <br> | |
وهذا في غاية الوجازة, مع البيان التام, فإنه تضمن نهيهم عن العلو عليه, والبقاء | |
على حالهم, التي هم عليها والانقياد لأمره, والدخول تحت طاعته, ومجيئهم إليه, | |
ودعوتهم إلى الإسلام. <br> | |
وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة, وتقديم الاسم في أول عنوان الكتاب. <br> | |
فمن حزمها وعقلها, أن جمعت كبار دولتها, ورجال مملكتها وقالت: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى | |
تشهدون " </h1> | |
<p>" يَا | |
أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي " أي: أخبروني, ماذا نجيبه به؟ وهل ندخل تحت طاعته, وننقاد؟ أم ماذا | |
نفعل؟ " مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ | |
" أي: ما كنت مستبدة بأمر, دون رأيكم ومشورتكم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا | |
تأمرين " </h1> | |
<p>" | |
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ " أي: إن رددت عليه قوله, ولم تدخلي في طاعتة, فإنا أقوياء على القتال. <br> | |
فكأنهم مالوا إلى هذا الرأي, الذي لو تم, لكان فيه دمارهم. <br> | |
ولكنهم أيضا, لم يستقروا عليه, بل قالوا: الأمر " إِلَيْكَ | |
" أي: الرأي ما رأيت, لعلمهم بعقلها, وحزمها, ونصحها لهم " فَانْظُرِي " نظر فكر وتدبر " | |
مَاذَا تَأْمُرِينَ " .</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة | |
وكذلك يفعلون " </h1> | |
<p>فقالت لهم - مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم, ومبينة سوء مغبة القتال - " إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا " قتلا, | |
وأسرا, ونهبا لأموالها, وتخريبا لديارها. <br> | |
" وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً " أي: | |
جعل الرؤساء السادة, أشراف الناس من الأرذلين. <br> | |
أي: فهذا رأي غير سديد. <br> | |
وأيضا فلست بمطيعة له, قبل الاحتيال, وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها. <br> | |
وحينئذ نكون على بصيرة من أمرنا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " </h1> | |
<p>فقالت: " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ | |
بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ " منه. <br> | |
هل يستمر على رأيه وقوله؟ أم تخدعه الهدية, وتتبدل فكرته, وكيف أحواله وجنوده؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما | |
آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون " </h1> | |
<p>فأرسلت إليه بهدية, مع رسل من عقلاء قومها, وذوي الرأي منهم. <br> | |
" فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ " أي: جاءه الرسل | |
بالهدية " قَالَ " منكرا عليهم ومتغيظا على عدم | |
إجابتهم: " أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ | |
خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ " فليست تقع عندي موقعا, ولا أفرح بها, قد | |
أغناني الله عنها, وأكثر علي النعم. <br> | |
" بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ " لحبكم | |
للدنيا, وقلة ما بأيديكم, بالنسبة لما أعطاني الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة | |
وهم صاغرون " </h1> | |
<p>ثم أوصى الرسول من غير كتاب, لما رأى من | |
عقله, وأنه سينقل كلامه على وجهه فقال: " ارْجِعْ إِلَيْهِمْ | |
" أي: بهديتك " فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ | |
لَا قِبَلَ لَهُمْ " . <br> | |
أي: لا طاقة لهم " بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا | |
أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ " . <br> | |
فرجع إليهم, وأبلغهم ما قال سليمان, وتجهزوا للمسير إلى سليمان. <br> | |
وعلم سليمان أنهم لا بد أن يسيروا إليه, فقال لمن حضره من الجن والإنس: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين | |
" </h1> | |
<p>" | |
أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ " أي: لأجل أن نتصرف فيه, قبل أن يسلموا, فتكون أموالهم محترمة " قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ " والعفريت هو: القوي | |
النشيط جدا: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه | |
لقوي أمين " </h1> | |
<p>" | |
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ | |
لَقَوِيٌّ أَمِينٌ " . <br> | |
والظاهر أن سليمان إذ ذاك, في الشام, فيكون بينه وبين سبأ, نحو مسيرة أربعة أشهر, | |
شهران ذهابا, وشهران إيابا. <br> | |
ومع ذلك, يقول هذا العفريت: أنا التزم بالمجيء به, على كبره وثقله. <br> | |
وبعده, قبل أن تقوم من مجلسك, الذي أنت فيه. <br> | |
والمعتاد من المجالس الطويلة, أن تكون معظم الضحى, نحو ثلث يوم, هذا نهاية | |
المعتاد. <br> | |
وقد يكون دون ذلك, أو أكثر وهذا الملك العظيم, الذي عند آحاد رعيته, هذه القوة, | |
والقدرة, وأبلغ من ذلك أن " قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ | |
مِنَ الْكِتَابِ " قال المفسرون: هو رجل عالم, صالح, عند سليمان يقال | |
له " آصف بن برخيا " كان يعرف اسم الله الأعظم, | |
الذي إذا دعا الله به أجاب, وإذا سأل به أعطى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك | |
فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما | |
يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " </h1> | |
<p>" أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ | |
" بأن يدعو الله بذلك الاسم, فيحضر حالا, | |
وأنه دعا الله فحضر. <br> | |
فالله أعلم, هل هذا هو المراد, أم أن عنده علما من الكتاب, يقتدر به على جلب | |
البعيد, وتحصيل الشديد؟. <br> | |
" فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ " حمد | |
الله تعالى على إقداره وملكه, وتسير الأمور له, و " قَالَ | |
هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ " أي: | |
ليختبرني بذلك. <br> | |
فلم يغتر عليه السلام, بملكه, وسلطانه, وقدرته, كما هو دأب الملوك الجاهلين. <br> | |
بل علم أن ذلك اختبار من ربه, فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة. <br> | |
ثم بين أن هذا الشكر, لا ينتفع الله به, وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه, فقال: " وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ | |
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " غني عن أعماله, كريم, كثير الخير, | |
يعم به الشاكر والكافر. <br> | |
إلا أن شكر نعمه, داع للمزيد منها, وكفرها, داع لزوالها. <br> | |
ثم قال لمن عنده " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا " أي: | |
غيروه بزيادة ونقص. <br> | |
ونحن في ذلك " نَنْظُرْ " مختبرين لعقلها " أَتَهْتَدِي " للصواب, ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق | |
بملكها " أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ " | |
. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها | |
وكنا مسلمين " </h1> | |
<p>" فَلَمَّا | |
جَاءَتْ " قادمة على سليمان, عرض عليها | |
عرشها, وكان عهدها به, قد خلفته في بلدها. <br> | |
و " قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ " أي: أنه استقر | |
عدنا, أن لك عرشا عظيما, فهل هو كهذا العرش, الذي أحضرناه لك؟ " | |
قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ " وهذا من ذكائها وفطنتها, لم تقل " هو &am |