سورة النمل - تفسير السعدي | |
| | |
" طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين " | |
ينبه تعالى عباده | |
| على عظمة القرآن, ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم فقال: " تِلْكَ آيَاتُ | |
| الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ " أي هي أعلى الآيات, وأقوى البينات, وأوضح | |
| الدلالات, وأبينها على أجل المطالب, وأفضل المقاصد, وخير الأعمال, وأزكى الأخلاق. | |
| آيات تدل على الأخبار الصادقة, والأوامر الحسنة, والنهي عن كل عمل وخيم, وخلق | |
| ذميم. | |
| آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة, مبلغ الشمس للأبصار. | |
| آيات دلت على الإيمان, ودعت للوصول إلى الإيمان, وأخبرت عن الغيوب الماضية | |
| والمستقبلة, طبق ما كان ويكون. | |
| آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم, بأسمائه الحسنى, وصفاته العليا, وأفعاله الكاملة. | |
| آيات عرفتنا برسله وأوليائه, ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا. | |
| ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين, ولم يهتد بها جميع المعاندين, صونا | |
| لها, عن من لا خير فيه ولا صلاح, ولا زكاء في قلبه. | |
| وإنما اهتدى بها, من خصهم الله بالإيمان, واستنارت بذلك قلوبهم, وصفت سرائرهم. | |
" هدى وبشرى للمؤمنين " | |
فلهذا قال: " هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ | |
| " أي: تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم, وتبين لهم, ما ينبغي أن | |
| يسلكوه أو يتركوه. | |
| وتبشرهم بثواب الله, المرتب على الهداية لهذا الطريق. | |
| ربما قيل: لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد | |
| لذلك من دليل؟ وهو الحق, فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال: | |
" الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون | |
| " | |
" | |
| الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ " فرضها, | |
| ونفلها, فيأتون بأفعالها الظاهرة, من أركانها, وشروطها, وواجباتها, ومستحباتها. | |
| وأفعالها الباطنة, وهو: الخشوع الذي روحها ولبها, باستحضار قرب الله, وتدبر ما | |
| يقوله المصلي ويفعله. | |
| " وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " المفروضة لمستحقيها. | |
| " وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " أي: قد | |
| بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين, وهو: العلم التام, والواصل إلى | |
| القلب, الداعي إلى العمل. | |
| ويقينهم بالآخرة, يقتضي كمال سعيهم لها, وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب, | |
| وهذا أصل كل خير. | |
" إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون " | |
" | |
| إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ " ويكذبون بها, ويكذبون من جاء بإثباتها. | |
| " زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ " حائرين | |
| مترددين, مؤثرين سخط الله على رضاه. | |
| قد انقلبت عليهم الحقائق, فرأوا الباطل حقا, والحق باطلا. | |
" أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون " | |
" أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ " أي: أشده, وأسوأه, وأعظمه. | |
| " وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ " حصر | |
| الخسار فيهم, بكونهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وخسروا الإيمان الذي دعتهم | |
| إليه الرسل. | |
" وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " | |
" | |
| وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ " أي: وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك, وتتلقه, ينزل من عند " حَكِيمٌ " يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها. | |
| " عَلِيمٌ " بأسرار الأحوال, وبواطنها كظواهرها. | |
| وإذا كان من عند " حَكِيمٌ عَلِيمٌ " علم كله | |
| حكمة ومصالح للعباد, من الذي هو أعلم بمصالحهم منهم؟ | |
" إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم | |
| بشهاب قبس لعلكم تصطلون " | |
" إِذْ | |
| قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا " إلى آخر قصته. | |
| يعني: اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى بن عمران, وابتداء الوحي | |
| إليه واصطفاءه برسالته, وتكليم الله إياه. | |
| وذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين, وسار بأهله من مدين, متوجها إلى مصر. | |
| فلما كان في أثناء الطريق, ضل, وكان في ليلة مظلمة باردة, فقال لهم: " إِنِّي آنَسْتُ نَارًا " أي: أبصرت نارا من بعيد " سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ " عن الطريق. | |
| " أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ | |
| " أي: تستدفئون. | |
| وهذا دليل على أنه تائه, ومشتد برده, هو أهله. | |
" فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب | |
| العالمين " | |
" | |
| فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا | |
| " أي: ناداه الله تعالى وأخبره, أن هذا محل | |
| مقدس مبارك. | |
| ومن بركته, أن جعله الله موضعا لتكليم الله لموسى وإرساله. | |
| " وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " على | |
| أن يظن به نقص, أو سوء, بل هو الكامل, في وصفه, وفعله. | |
" يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " | |
" يَا | |
| مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " أي: أخبره الله أنه الله المستحق للعبادة, وحده لا شريك له, كما في | |
| الآية الأخرى " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا | |
| أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " " الْعَزِيزُ | |
| " الذي قهر جميع الأشياء, وأذعنت له كل المخلوقات. | |
| " الْحَكِيمُ " في أمره وخلقه. | |
| ومن حكمته, أن أرسل عبده, موسى بن عمران, الذي علم الله منه, أنه أهل لرسالته | |
| ووحيه وتكليمه ومن عزته, أن تعتمد عليه, ولا تستوحش من انفرادك, وكثرة أعدائك, | |
| وجبروتهم. | |
| فإن نواصيهم, بيد الله, وحركاتهم وسكونهم, بتدبيره. | |
" وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى | |
| لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " | |
" وَأَلْقِ عَصَاكَ " فألقاها | |
| " فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ " وهو | |
| ذكر الحيات, سريع الحركة. | |
| " وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ " ذعرا من | |
| الحية, التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية. | |
| فقال الله له: " يَا مُوسَى لَا تَخَفْ " وقال في | |
| الآية الأخرى " أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ | |
| الْآمِنِينَ " . | |
| " إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ " لأن | |
| جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره, وتصريفه, وأمره. | |
| فالذين اختصهم الله برسالته, واصطفاهم, لوحيه, لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله, | |
| خصوصا عند زيادة القرب منه, والحظوة بتكليمه. | |
" إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم " | |
" إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ | |
| " أي: فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب | |
| ما أسدى من الظلم, وما تقدم له من الجرم. | |
| وأما المرسلون, فما لهم وللوحشة, والخوف؟ ومع هذا, من ظلم نفسه بمعاصي الله, وتاب | |
| وأناب, فبدل سيئاته حسنات, ومعاصيه طاعات, فإن الله غفور رحيم. | |
| فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته, فإنه يغفر الذنوب جميعا, وهو أرحم بعباده من | |
| الوالدة بولدها. | |
" وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون | |
| وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " | |
" وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ | |
| غَيْرِ سُوءٍ " لا برص ولا نقص, بل بياض يبهر | |
| الناظرين شعاعه. | |
| " فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ " أي: | |
| هاتان الآيتان, انقلاب العصا حية تسعى, وإخراج اليد من الجيب, فتخرج بيضاء في جملة | |
| تسع آيات, تذهب بها, وتدعو فرعون وقومه " إِنَّهُمْ كَانُوا | |
| قَوْمًا فَاسِقِينَ " . | |
| فسقوا بشركهم, وعتوهم, وعلوهم على عباد الله, واستكبارهم في الأرض, بغير الحق. | |
| فذهب موسى عليه السلام إلى فرعون وملأه, ودعاهم إلى الله تعالى, وأراهم الآيات. | |
" فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين " | |
" فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً " مضيئة, تدل على الحق, ويبصر بها كما تبصر الأبصار بالشمس. | |
| " قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ " لم يكفهم مجرد | |
| القول بأنه سحر, بل قالوا: " مبين " ظاهر لكل | |
| أحد. | |
| وهذا من أعجب العجائب, الآيات المبصرات, والأنوار الساطعات تجعل من بين الخزعبلات, | |
| وأظهر السحر. | |
| هل هذا, إلا من أعظم المكابرة, وأوقح السفسطة. | |
" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة | |
| المفسدين " | |
" وَجَحَدُوا بِهَا " أي | |
| كفروا بآيات الله, جاحدين لها. | |
| " وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ " أي: ليس | |
| جحدهم, مستندا إلى الشك والريب. | |
| وإنما جحدهم مع علمهم وتيقنهم بصحتها " ظُلْمًا " منهم | |
| لحق ربهم ولأنفسهم. | |
| " وَعُلُوًّا " على الحق وعلى العباد, وعلى | |
| الانقياد للرسل. | |
| " فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ " أسوأ | |
| عاقبة, دمرهم الله وأغرقهم في البحر, وأخزاهم, وأورث مساكنهم المستضعفين من عباده. | |
" ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على | |
| كثير من عباده المؤمنين " | |
يذكر في هذا القرآن, وينوه بمنته على داود وسليمان ابنه, بالعلم الواسع | |
| الكثير, بدليل التنكير, كما قال تعالى: " وَدَاوُدَ | |
| وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ | |
| الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا | |
| آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا " الآية. | |
| " وَقَالَا " شاكرين لربهما منته, الكبرى | |
| بتعليمهما: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى | |
| كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ " . | |
| فحمدا الله على جعلهما من المؤمنين, أهل السعادة, وأنهما كانا من خواصهم. | |
| ولا شك أن المؤمنين أربع درجات: الصالحون, ثم فوقهم: الشهداء, ثم فوقهم: الصديقون, | |
| ثم فوقهم: الأنبياء. | |
| وداود وسليمان, من خواص الرسل, وإن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة. | |
| لكنهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام, الذين نوه الله بذكرهم, ومدحهم في كتابه, | |
| مدحا عظيما, فحمدا الله على بلوغ هذه المنزلة. | |
| وهذا عنوان سعادة العبد, أن يكون شاكرا لله على نعمه, الدينية والدنيوية, وأن يرى | |
| جميع النعم من ربه. | |
| فلا يفخر بها ولا يعجب بها, بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا. | |
| فلما مدحهما مشتركين, خص سليمان, بما خصه به, لكون الله أعطاه ملكا عظيما, وصار له | |
| من المجريات, ما لم يكن لأبيه, صلى الله عليهما وسلم, فقال: | |
" وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا | |
| من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين " | |
" وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ " أي: ورث علمه ونبوته, فانضم علم أبيه إلى علمه, فلعله تعلم من أبيه ما | |
| عنده, من العلم, مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه, كما تقدم من قوله ففهمناها | |
| سليمان. | |
| وقال شكرا لله, وتبجحا بإحسانه, وتحدثا بنعمته: " يَا | |
| أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ " . | |
| فكان عليه الصلاة والسلام, يفقه ما تقول, وتتكلم به, كما راجع الهدهد, وراجعه, | |
| وكما فهم قول الله للنمل, كما يأتي, وهذا, لم يكن لأحد غير سليمان عليه السلام. | |
| " وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ " أي: أعطانا | |
| الله من النعم, ومن أسباب الملك, ومن السلطنة والقهر, ما لم يؤت أحدا من الآدميين. | |
| ولهذا دعا ربه فقال: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا | |
| لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " فسخر الله له الشياطين, يعملون | |
| له كل ما شاء, من الأعمال, التي يعجز عنها غيرهم, وسخر له الريح, غدوها شهر, | |
| ورواحها شهر. | |
| " إِنَّ هَذَا " الذي أعطانا الله, وفضلنا, | |
| واختصنا به " لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ " الواضح | |
| الجلي, فاعترف أكمل اعتراف بنعمة الله تعالى. | |
" وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون " | |
" وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ | |
| وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ " أي: جمع له جنوده الكثيرة, الهائلة, المتنوعة, من بني آدم, ومن الجن, | |
| والشياطين, ومن الطيور فهم يوزعون, يدبرون, ويرد أولهم على آخرهم, وينظمون غاية | |
| التنظيم, في سيرهم ونزولهم, وحلهم, وترحالهم قد استعد لذلك, وأعد له عدته. | |
| وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره, لا تقدر على عصيانه, ولا تتمرد عليه, كما قال تعالى: | |
| " هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ " أي: | |
| أعط بغير حساب. | |
| فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره. | |
" حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا | |
| مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " | |
" حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ | |
| نَمْلَةٌ " منبهة لرفقتها, وبني جنسها: " يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا | |
| يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " . | |
| فنصحت هذه النملة, وأسمعت النمل, إما بنفسها, ويكون الله قد أعطى النمل أسماعا | |
| خارقة للعادة, لأن التنبيه للنمل, الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة, من أعجب | |
| العجائب. | |
| وإما بأنها أخبرت من حولها من النمل, ثم سرى الخبر من بعضهن لبعض, حتى بلغ الجميع, | |
| وأمرتهن بالحذر, والطريق في ذلك, وهو دخول مساكنهن. | |
| وعرفت حالة سليمان وجنوده, وعظمة سلطانه, واعتذرت عنهم, أنهم إن حطموكم, فليس عن | |
| قصد منهم, ولا شعور. | |
| فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها, وفهمه. | |
" فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت | |
| علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " | |
" | |
| فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا " إعجابا | |
| منه, بنصح أمتها, ونصحها, وحسن تعبيرها. | |
| وهذا حال الأنبياء, عليهم الصلاة والسلام, الأدب الكامل, والتعجب في موضعه, وأن لا | |
| يبلغ بهم الضحك, إلا إلى التبسم. | |
| كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم, جل ضحكه, التبسم. | |
| فإن القهقهة, تدل على خفة العقل, وسوء الأدب. | |
| وعدم التبسم والعجب, مما يتعجب منه, يدل على شراسة الخلق, والجبروت. | |
| والرسل منزهون عن ذلك. | |
| وقال شاكرا لله, الذي أوصله إلى هذه الحال: " رَبِّ | |
| أَوْزِعْنِي " أي: ألهمني ووفقني " أَنْ أَشْكُرَ | |
| نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ " . | |
| فإن النعمة عل الوالدين, نعمة على الولد. | |
| فسأل ربه, التوفيق للقيام بشكر نعمته, الدينية, والدنيوية, عليه وعلى والديه. | |
| " وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ " أي: | |
| ووفقني أن أعمل صالحا ترضاه, لكونه موافقا لأمرك, مخلصا فيه, سالما من المفسدات | |
| والمنقصات. | |
| " وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ " التي منها الجنة " فِي " جملة " عِبَادِكَ | |
| الصَّالِحِينَ " . | |
| فإن الرحمة مجعولة للصالحين, على اختلاف درجاتهم ومنازلهم. | |
| فهذا نموذج, ذكره الله من حالة سليمان, عند سماعه خطاب النملة ونداءها. | |
" وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين | |
| " | |
ثم ذكر نموذجا آخر من مخاطبته للطير فقال: " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ " دل هذا, على كمال عزمه | |
| وحزمه, وحسن تنظيمه لجنوده, وتدبيره بنفسه, للأمور الصغار والكبار. | |
| حتى إنه لم يهمل هذا الأمر, وهو: تفقد الطيور, والنظر, هل هي موجودة كلها, أم | |
| مفقود منها شيء؟ وهذا هو المعنى للآية. | |
| ولم يصنع شيئا من قال: إنه تفقد الطير, لينظر أين الهدهد منه, ليدله على بعد الماء | |
| وقربه. | |
| كما زعموا عن الهدهد, أنه يبصر الماء تحت الأرض الكثيفة. | |
| فإن هذا القول, لا يدل عليه دليل, بل الدليل العقلي واللفظي, دال على بطلانه. | |
| أما العقلي, فإنه قد عرف بالعادة, والتجارب, والمشاهدات, أن هذه الحيوانات كلها, | |
| ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارق للعادة, وينظر الماء تحت الأرض الكثيفة. | |
| ولو كان كذلك, لذكره الله, لأنه من أكبر الآيات. | |
| وأما الدليل اللفظي, فلو أريد هذا المعنى, لقال " وطلب الهدهد | |
| لينظر له الماء, فلما فقده قال ما قال " أو " فتش | |
| عن الهدهد, أو بحث عنه " ونحو ذلك من العبارات. | |
| وإنما تفقد الطير, لينظر الحاضر منها والغائب, ولزومها للمراكز والمواضع, التي | |
| عينها لها. | |
| وأيضا فإن سليمان عليه السلام, لا يحتاج, ولا يضطر إلى الماء, بحيث يحتاج لهندسة | |
| الهدهد. | |
| فإن عنده من الشياطين, والعفاريت, ما يحفرون له الماء, ولو بلغ في العمق ما بلغ. | |
| وسخر الله له الريح, غدوها شهر, ورواحها شهر. | |
| فكيف - مع ذلك - يحتاج إلى الهدهد؟!!. | |
| وهذه التفاسير, التي توجد, وتشتهر بها أقوال, لا يعرف غيرها, تنقل هذه الأقوال عن | |
| بني إسرائيل, مجردة, ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة, وتطبيقها على | |
| الأقوال. | |
| ثم لا تزال تتناقل, وينقلها المتأخر مسلما للمتقدم, حتى يظن أنها الحق. | |
| فيقع من الأقوال الردية في التفاسير, ما يقع. | |
| واللبيب الفطن, يعرف أن هذا القرآن الكريم, العربي المبين, الذي خاطب الله به | |
| الخلق كلهم, عالمهم, وجاهلهم, وأمرهم بالتفكر في معانيه, وتطبيقها على ألفاظه | |
| العربية المعروفة المعاني, التي لا تجهلها العرب العرباء. | |
| وإذا وجد أقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم, ردها إلى هذا الأصل. | |
| فإن وافقه, قبلها, لكون اللفظ دالا عليها. | |
| وإن خالفته لفظا ومعنى, أو لفظا أو معنى, ردها, وجزم ببطلانها, لأن عنده أصلا | |
| معلوما, مناقضا لها, وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته. | |
| والشاهد أن تفقد سليمان عليه السلام للطير, وفقده الهدهد, يدل على كمال حزمه | |
| وتدبيره للملك بنفسه, وكمال فطنته, حتى تفقد هذا الطائر الصغير " | |
| فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ " أي: | |
| هل عدم رؤيتي إياه, لقلة فطنتي به, لكونه خفيا بين هذه الأمم الكثيرة؟. | |
| أم على بابها, بأن كان غائبا من غير إذني, ولا أمري؟. | |
" لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " | |
فحينئذ تغيظ عليه, وتوعده فقال " لَأُعَذِّبَنَّهُ | |
| عَذَابًا شَدِيدًا " دون القتل. | |
| " أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ | |
| مُبِينٍ " أي: حجة واضحة على تخلفه. | |
| وهذا من كمال ورعه وإنصافه, أنه لم يقسم على مجرد عقوبته, بالعذاب أو القتل, لأن | |
| ذلك لا يكون إلا من ذنب. | |
| وغيبته, وقد تحتمل أنها لعذر واضح, فلذلك استثناه, لورعه وفطنته. | |
" فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين | |
| " | |
" | |
| فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ " ثم جاء, وهذا يدل | |
| على هيبة جنودة منه, وشدة ائتمارهم لأمره. | |
| حتى إن هذا الهدهد, الذي خلفه العذر الواضح, لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا. | |
| " فَقَالَ " لسليمان: " | |
| أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ " عندي العلم, علم ما ما أحطت به, على | |
| علمك الواسع, وعلى درجتك فيه. | |
| " وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ " القبيلة, المعروفة في | |
| اليمن " بِنَبَإٍ يَقِينٍ " أي: خبر متيقن. | |
" إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم " | |
تم فسر هذا النبأ فقال: " إِنِّي وَجَدْتُ | |
| امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ " أي: تملك قبيلة سبأ, وهي امرأة " وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ " يؤتاه الملوك, من | |
| الأموال, والسلاح, والجنود, والحصون, والقلاع ونحو ذلك. | |
| " وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ " أي: كرسي ملكها, الذي | |
| تجلس عليه, عرش هائل. | |
| وعظم العروش, تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى. | |
" وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان | |
| أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون " | |
" وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ | |
| اللَّهِ " أي: هم مشركون يعبدون الشمس. | |
| " وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ " فرأوا | |
| ما عليه هو الحق. | |
| " فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ " | |
| لأن الذي يرى أن الذي عليه حق, لا مطمع في هدايته حتى تتغير عقيدته. | |
" ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما | |
| تخفون وما تعلنون " | |
ثم قال: " أَلَا " | |
| أي هلا " يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ | |
| الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: يعلم الخفي الخبيء, في | |
| أقطار السماوات, وأنحاء الأرض, من صغار المخلوقات, وبذور النباتات, وخفايا الصدور. | |
| ويخرج خبء الأرض والسماء, بإنزال المطر, وإنبات النباتات. | |
| ويخرج خبء الأرض عند النفخ في الصور وإخراج الأموات من الأرض, ليجازيهم بأعمالهم " وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ " . | |
" الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " | |
" | |
| اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: لا | |
| تنبغي العبادة, والإنابة, والذل, والحب, إلا له, لأنه المألوه, لما له من الصفات | |
| الكاملة, والنعم الموجبة لذلك. | |
| " رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " الذي هو سقف | |
| المخلوقات ووسع الأرض والسماوات. | |
| فهذا الملك, عظيم السلطان, كبير الشأن, هو الذي يذل له, ويخضع, ويسجد له, ويركع. | |
| فسلم الهدهد, حين ألقى إليه هذا النبأ العظيم, وتعجب سليمان كيف خفى عليه. | |
" قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " | |
وقال مثبتا لكمال عقله ورزانته: " سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ | |
| بِكِتَابِي هَذَا " وسيأتي نصه " فَأَلْقِهِ | |
| إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ " أي: استأخر غير بعيد " فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ " إليك وما يتراجعون | |
| به. | |
" قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " | |
فذهب به فألقاه عليها, فقالت لقومها: " إِنِّي | |
| أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ " . | |
| أي: جليل المقدار, من أكبر ملوك الأرض. | |
" إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " | |
ثم بينت مضمونه فقالت: " إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ | |
| وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ | |
| وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ " أي: لا تكونوا فوقي, بل اخضعوا تحت سلطاني, | |
| وانقادوا لأوامري, وأقبلوا إلي مسلمين. | |
| وهذا في غاية الوجازة, مع البيان التام, فإنه تضمن نهيهم عن العلو عليه, والبقاء | |
| على حالهم, التي هم عليها والانقياد لأمره, والدخول تحت طاعته, ومجيئهم إليه, | |
| ودعوتهم إلى الإسلام. | |
| وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة, وتقديم الاسم في أول عنوان الكتاب. | |
| فمن حزمها وعقلها, أن جمعت كبار دولتها, ورجال مملكتها وقالت: | |
" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى | |
| تشهدون " | |
" يَا | |
| أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي " أي: أخبروني, ماذا نجيبه به؟ وهل ندخل تحت طاعته, وننقاد؟ أم ماذا | |
| نفعل؟ " مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ | |
| " أي: ما كنت مستبدة بأمر, دون رأيكم ومشورتكم. | |
" قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا | |
| تأمرين " | |
" | |
| قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ " أي: إن رددت عليه قوله, ولم تدخلي في طاعتة, فإنا أقوياء على القتال. | |
| فكأنهم مالوا إلى هذا الرأي, الذي لو تم, لكان فيه دمارهم. | |
| ولكنهم أيضا, لم يستقروا عليه, بل قالوا: الأمر " إِلَيْكَ | |
| " أي: الرأي ما رأيت, لعلمهم بعقلها, وحزمها, ونصحها لهم " فَانْظُرِي " نظر فكر وتدبر " | |
| مَاذَا تَأْمُرِينَ " . | |
" قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة | |
| وكذلك يفعلون " | |
فقالت لهم - مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم, ومبينة سوء مغبة القتال - " إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا " قتلا, | |
| وأسرا, ونهبا لأموالها, وتخريبا لديارها. | |
| " وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً " أي: | |
| جعل الرؤساء السادة, أشراف الناس من الأرذلين. | |
| أي: فهذا رأي غير سديد. | |
| وأيضا فلست بمطيعة له, قبل الاحتيال, وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها. | |
| وحينئذ نكون على بصيرة من أمرنا. | |
" وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " | |
فقالت: " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ | |
| بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ " منه. | |
| هل يستمر على رأيه وقوله؟ أم تخدعه الهدية, وتتبدل فكرته, وكيف أحواله وجنوده؟ | |
" فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما | |
| آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون " | |
فأرسلت إليه بهدية, مع رسل من عقلاء قومها, وذوي الرأي منهم. | |
| " فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ " أي: جاءه الرسل | |
| بالهدية " قَالَ " منكرا عليهم ومتغيظا على عدم | |
| إجابتهم: " أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ | |
| خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ " فليست تقع عندي موقعا, ولا أفرح بها, قد | |
| أغناني الله عنها, وأكثر علي النعم. | |
| " بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ " لحبكم | |
| للدنيا, وقلة ما بأيديكم, بالنسبة لما أعطاني الله. | |
" ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة | |
| وهم صاغرون " | |
ثم أوصى الرسول من غير كتاب, لما رأى من | |
| عقله, وأنه سينقل كلامه على وجهه فقال: " ارْجِعْ إِلَيْهِمْ | |
| " أي: بهديتك " فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ | |
| لَا قِبَلَ لَهُمْ " . | |
| أي: لا طاقة لهم " بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا | |
| أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ " . | |
| فرجع إليهم, وأبلغهم ما قال سليمان, وتجهزوا للمسير إلى سليمان. | |
| وعلم سليمان أنهم لا بد أن يسيروا إليه, فقال لمن حضره من الجن والإنس: | |
" قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين | |
| " | |
" | |
| أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ " أي: لأجل أن نتصرف فيه, قبل أن يسلموا, فتكون أموالهم محترمة " قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ " والعفريت هو: القوي | |
| النشيط جدا: | |
" قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه | |
| لقوي أمين " | |
" | |
| أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ | |
| لَقَوِيٌّ أَمِينٌ " . | |
| والظاهر أن سليمان إذ ذاك, في الشام, فيكون بينه وبين سبأ, نحو مسيرة أربعة أشهر, | |
| شهران ذهابا, وشهران إيابا. | |
| ومع ذلك, يقول هذا العفريت: أنا التزم بالمجيء به, على كبره وثقله. | |
| وبعده, قبل أن تقوم من مجلسك, الذي أنت فيه. | |
| والمعتاد من المجالس الطويلة, أن تكون معظم الضحى, نحو ثلث يوم, هذا نهاية | |
| المعتاد. | |
| وقد يكون دون ذلك, أو أكثر وهذا الملك العظيم, الذي عند آحاد رعيته, هذه القوة, | |
| والقدرة, وأبلغ من ذلك أن " قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ | |
| مِنَ الْكِتَابِ " قال المفسرون: هو رجل عالم, صالح, عند سليمان يقال | |
| له " آصف بن برخيا " كان يعرف اسم الله الأعظم, | |
| الذي إذا دعا الله به أجاب, وإذا سأل به أعطى. | |
" قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك | |
| فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما | |
| يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " | |
" أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ | |
| " بأن يدعو الله بذلك الاسم, فيحضر حالا, | |
| وأنه دعا الله فحضر. | |
| فالله أعلم, هل هذا هو المراد, أم أن عنده علما من الكتاب, يقتدر به على جلب | |
| البعيد, وتحصيل الشديد؟. | |
| " فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ " حمد | |
| الله تعالى على إقداره وملكه, وتسير الأمور له, و " قَالَ | |
| هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ " أي: | |
| ليختبرني بذلك. | |
| فلم يغتر عليه السلام, بملكه, وسلطانه, وقدرته, كما هو دأب الملوك الجاهلين. | |
| بل علم أن ذلك اختبار من ربه, فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة. | |
| ثم بين أن هذا الشكر, لا ينتفع الله به, وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه, فقال: " وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ | |
| فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " غني عن أعماله, كريم, كثير الخير, | |
| يعم به الشاكر والكافر. | |
| إلا أن شكر نعمه, داع للمزيد منها, وكفرها, داع لزوالها. | |
| ثم قال لمن عنده " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا " أي: | |
| غيروه بزيادة ونقص. | |
| ونحن في ذلك " نَنْظُرْ " مختبرين لعقلها " أَتَهْتَدِي " للصواب, ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق | |
| بملكها " أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ " | |
| . | |
" فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها | |
| وكنا مسلمين " | |
" فَلَمَّا | |
| جَاءَتْ " قادمة على سليمان, عرض عليها | |
| عرشها, وكان عهدها به, قد خلفته في بلدها. | |
| و " قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ " أي: أنه استقر | |
| عدنا, أن لك عرشا عظيما, فهل هو كهذا العرش, الذي أحضرناه لك؟ " | |
| قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ " وهذا من ذكائها وفطنتها, لم تقل " هو &am أكثر المصاحف تفاعلاً |