كناه صلى الله عليه وسلم


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الشاميٌّ في كتابه \"سبل الهدى والرشاد\": قال الإمامُ العلامةُ أبو السعادات مجد الدين المبارك بن الأثير -رحمه الله تعالى- في كتابه \"المرصَّع\"-:\" أما الكناية، هي أن يتكلم بالشيء ويريد غيره، تقول: كنَيت وكنَوت بكذا، وعن كذا كِنيه وكُنيه، والجمع الكُنَى، واكتنى فلان بأبي فلان، وفلان يُكنى بأبي الحسن، وكنيته أبا زيد وبأبي زيد، يُخفف ويُثقَّل, والتخفيفُ أكثرُ. وفلان كَنِىٌّ فلان، كما تقول سمِيٌّه: إذا اشتركا في الاسمِ والكُنيةِ. وإنَّما جِيء بالكُنيةِº لاحترام المكنِى بها، وإكرامه وتعظيمه كيلا يصرح في الخطابِ باسمِهِ, ومنه قولُهُ:

أُكنيهِ حينَ أُناديه لأكرِمَه

  ولا أُلقِّبُهُ والسَّوأةُ اللَّقبُ

هذا مختصُّ بالإنسان دون غيره, وهو الأصل(1).

 

فائدة لطيفة: أصل نشأة التكني عند العرب!

وقال أيضاً: (ولقد بلغني أنَّ أصل سبب الكنى في العرب أنه كان ملك من ملوكهم الأول ولد له ولد توسَّم فيه أمارة النجابة فشُغِف به، فلمَّا نشأ وترعرع وصلُح لأن يُؤدَّب أدبَ الملوكِ أحبَّ أن يُفردَ له موضعاً بعيداً من العمارة، يكون فيه مُقيماً يتخلَّق بأخلاقِ مُؤدِّبيه، ولا يُعاشِرُ مَن يُضيِّعُ عليه بعضَ زمانِهِ، فبنى له في البرية منزلاً, ونقله إليه, ورتَّبَ له مَن يُؤدبه بأنواعٍ, من الآدابِ العلميةِ والملَكيةِ, وأقام له ما يحتاجُ إليه مِن أمرِ دُنياه، ثم أضاف إليه مَن هو من أقرانِهِ وأضرابِهِ من أولادِ بني عمه وأمرائهº ليُؤنسوه ويتأدبوا بآدابه ويُحببوا إليه الأدبَ بموافقتِهم له عليه. وكان الملكُ في رأسِ كلِّ سنةٍ, يَمضي إلى ولده، ويَستصحبُ معه من أصحابِهِ مَن له عندَ ولدِهِ ولدٌº ليبصروا أولادَهم. فكان إذا وصلُوا إليهم, سأل ابنُ الملكِ عن أولئك الذين جاؤوا مع أبيهِ ليعرفَهم، فيُقال له: هذا أبُو فلانٍ,, وهذا أبُو فلانٍ,، يعنون آباءَ الصِّبيان الذين عندَهُ، فكانَ يُعرِّفهم بإضافتِهم إلى أبنائِهم، فمن هُنالك ظهرتِ الكُنَى في العَرَبِ\"(2).

 

وللنبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- عدة كُنى وهي:

\"أبو القاسم\"- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهو أشهرها.

روى البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لا تجمعوا اسمي وكنيتي، أنا أبو القاسم، والله يرزق، وأنا أقسم)(3).

وعن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي)(4).

 قال ابن القيم: وكان هديه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- تكنية من له ولد ومن لا ولد له، ولم يثبت عنه نهي عن كنية إلا الكنية بأبي القاسم، فصح عنه أنه قال: (تسموا باسمي, ولا تكنوا بكنيتي) البخاري ومسلم.

 

فاختلف الناس في ذلك على أربعة أقوال:

أحدهما: أنه لا يجوز التكني بكنيته مطلقاً، سواء أفردها عن اسمه أو قرنها به، وسواء محياه وبعد موته، وعمدتهم عموم هذا الحديث الصحيح وإطلاقه.

وحكى البيهقي ذلك عن الشافعي، قالوا: لأن النهي إنما كان لأن معنى هذه الكنية والتسمية مختصة به -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وقد أشار إلى ذلك بقوله: (والله لا أعطي أحداً ولا أمنع أحداً وإنما أنا قاسم، أضع حيث أمرتُ)(5).

قالوا: ومعلوم أن هذه الصفة ليس على الكمال لغيره.

واختلف هؤلاء في جواز تسمية المولود بقاسم: فأجازه طائفة، ومنعه آخرون، والمجيزون نظروا إلى أن العلة عدم مشاركة النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فيما اختصَّ به من الكُنيةِ، وهذا غيرُ موجودٍ, في الاسمِ، والمانعون نظرُوا إلى المعنى الذي نهى عنه في الكنية موجود مثله هنا في الاسم سواء، أو هو أولى بالمنع، قالوا: وفي قوله: (إنما أنا قاسم) إشعارٌ بهذا الاختصاص.

 

القول الثاني: أن النهي إنما هو عن الجمع بين اسمِهِ وكنيتِهِ، فإذا أُفرد أحدُهما عن الآخرِ، فلا بأسَ. قال أبو داود: باب مَن رأى أن لا يجمع بينهما، ثم ذكرَ حديثَ أبي الزٌّبيرِ عن جابرٍ, أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال:(مَن تَسمَّى باسمي,فلا يتكنَّى بكُنيتي,ومن تكنَّى بكنيتي,فلا يتسمَّى باسمي)(6)، وقد رواه الترمذيٌّ –أيضاً- من حديثِ محمَّد بن عجلان عن أبيه عن أبي هُريرة, وقال: حسن صحيح، ولفظه: (نهى رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، ويسمى محمداً أبا القاسم، قال أصحاب هذا القول: فهذا مقيد ومفسر لما في الصحيحين من نهيه عن التكني بكنيته، قالوا: ولأن الجمع بينهما مشاركة في الاختصاص بالاسم والكنية، فإذا أفرد أحدهما عن الآخر زال الاختصاص.

 

القول الثالث: جواز الجمع بينهما وهو المنقول عن مالك واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أبو داود والترمذي من حديث محمد بن الحنفية عن علي -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قلت يا رسول الله إن ولد لي ولد من بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: (نعم) قال الترمذي حديث حسن صحيح(7). وفي سنن أ بي داود عن عائشةَ, قالت: جاءتِ امرأةٌ إلى النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,فقالت: يا رسولَ اللهِ, إني ولدتُ غُلاماً فسميتُهُ مُحمَّداً, وكنيته أبا القاسم فذُكِر لي أنك تكره ذلك؟ فقال: (ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي)(8)، أو (ما الذي حرَّم كنيتي وأحلَّ اسمي) قال: هؤلاء وأحاديث المنع منسوخة بهذين الحديثين.

 

القول الرابع: أن التكني بأبي القاسم كان ممنوعاً منه في حياة النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهو جائزٌ بعد وفاتِهِ، قالُوا: وسبب النَّهي إنما كان مُختصاً بحياته، فإنه قد ثبت في الصحيحِ من حديثِ أنس قال: نادى رجل بالبقيع: يا أبا القاسم! فالتقت إليه رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إني لم أعنِكَ وإنما دعوت فلاناً. فقال الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (تسمَّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) البخاري ومسلم.

قالوا: وحديث علي فيه إشارة إلى ذلك بقوله: إن وُلد لي مِن بعدك ولدٌ، ولم يسألهُ عمَّن يوُلد له في حياتِهِ، ولكن قال عليُّ-رضيَ اللهُ عنهُ- في الحديث: (كانت رخصة لي) وقد شذَّ مَن لا يُؤبه لقولِهِم فمنع التسمية باسمه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قياساً على النَّهي عن التكني بكنيته. والصواب أن التسمِّي باسمه جائز والتكني بكنيته ممنوعٌ منه، والمنعُ في حياتِهِ أشدٌّ، والجمعُ بينهما ممنوعٌ منه، وحديثُ عائشةَ غريبٌ لا يُعارَض بمثلِهِ الحديثُ الصَّحيحُ, وحديثُ علي- رضيَ اللهُ عنهُ- في صحتِهِ نَظَرٌ(9)، والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح، وقد قال علي: (أنها رخصة له) وهذا يدل على بقاء المنع لمن سواه، والله أعلم.  أهـ(10)

\"أبو إبراهيم\" روى البيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك-رضيَ اللهُ عنهُ- أنه لما وُلد إبراهيمُ ابنُ النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من مارية كاد يقعُ في نفس النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- منه حتى أتاه جبريل، فقال: (السَّلامُ عليكَ يا أبا إبراهيم)(11).

\"أبو الأرامل\" ذكره ابن دحية وقال: ذكره صاحب الذخائر والأعلاق.

\"أبو المؤمنين\" قال الله -تعالى-: ((النَّبِيٌّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم وَأَزوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم))الأحزاب : 6، وقرأ أبي بن كعب -رضيَ اللهُ عنهُ-: (وهو أبٌ لهم) أي: كأبيهم في الشفقة والرأفة والحنوِّ-والله تعالى أعلم-(12).

والحمد لله رب العالمين.


 

1- سبل الهداية والرشاد(1/536).

2- سبل الهداية والرشاد (1/536).

3- الطبراني في الأوسط (6/216)، دلائل النبوة للبيهقي (1/162) الجزء الأول من الحديث قال الألباني: صحيح. انظر الجامع الصحيح (7231).

4- البخاري -الفتح-كتاب الأدب باب قول النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي (10/587) رقم (6188) ومسلم كتاب الأدب باب النهي عن التكني بأبي القاسم (3/1684) رقم (2134)

5- البخاري كتاب الجهاد باب قوله تعالى: ((فإن لله خمسه وللرسول)) (6/251) رقم (3117) ومسلم بلفظ (إنما أنا قاسم أقسم بينكم)كتاب الأدب باب النهي عن التكني بأبي القاسم (3/1682) رقم (2133)

6- رواه الترمذيٌّ, وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.وقال الألبانيٌّ: ضعيفٌ. انظر:\"ضعيف الجامع\" برقم (5526).

7- وصححه الألباني انظر صحيح أبي داود رقم (4155).

8- ضعفه الألباني انظر ضعيف الجامع رقم (5015).

9- قال المحققان شعيب وعبد القادر: بل هو صحيح, رجاله ثقات رجال الصحيح, ولا علة فيه، انظر: حاشية زاد المعاد (2/348).

10- زاد المعاد (2/344-348).

11- دلائل النبوة (1/64) والحاكم (2/604)، وقال ابنُ حَجَرٍ,: لا نعلمُهُ رواه عن الزٌّهريِّ عن أنسٍ, إلا عقيلٌ, وابنُ لهَيعة ضعيفٌ. انظر: \"مختصر زوائد مسند البزار\"(1/605).

12- سبل الهدى والرشاد (1/537).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply